الحلقة الثالثة

ـ النهي عن الاختصار في الصلاة مخالفة لهم :
عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تكره أن يجعل المصلي يده في خاصرته و تقول : إن اليهود تفعله .
و قد صح النهي عنه كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (( أنه نهى أن يصلي الرجل مختصرا ))
و عند أحمد وغيره من رواية أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ : (( نهى عن الاختصار في الصلاة ))
معنى الاختصار :
قال النووي رحمه الله : اختلف العلماء في معناه فالصحيح الذي عليه المحققون والأكثرون من أهل اللغة والغريب والمحدثين و به قال أصحابنا في كتب المذهب أن المختصر هو الذي يصلي ويده على خاصرته وقال الهروي قيل هو أن يأخذ بيده عصا يتوكأ عليها وقيل أن يختصر السورة فيقرأ من آخرها آية أو آيتين وقيل هو أن يحذف فلا يؤدي قيامها وركوعها وسجودها وحدودها والصحيح الأول .
رواه البخاري ( كتاب الأنبياء / باب ما ذكر عن بني إسرائيل ) رقم 3458
صحيح مسلم ( 545) و رواه النسائي في السنن ( 2/127) رقم 890
مسند أحمد ( 7884) و ابن خزيمة في صحيحه ( 2/56) رقم 908 و ابن أبي شيبة ( 1/400) رقم 4598 و هو في صحيح الجامع (6861 )
شرح النووي على مسلم ( 5/36) انظر : الفتح ( 3/89) و فيض القدير ( 6/306) و عون المعبود ( 3/158)

ـ النهي عن تشبيك اليدين في الصلاة مخالفة لهم :

عن إسماعيل بن أمية قال: سألت نافعا عن الرجل يصلي وهو مشبك يديه ؟ قال : قال ابن عمر رضي الله عنه : (( تلك صلاة المغضوب عليهم )) .
قال الخطابي رحمه الله : تشبيك اليد هو إدخال الأصابع بعضها في بعض , والاشتباك بهما , وقد يفعله بعض الناس عبثاً , وبعضهم ليفرقع أصابعه عندما يجده من التمدد فيها , وربما قعد الإنسان فشبك بين أصابعه واحتبى بيديه , يريد به الاستراحة , وربما استجلب به النوم , فيكون ذلك سبباً لانتقاض طهره , فقيل لمن تطهر وخرج متوجهاً إلى الصلاة : لا تشبك بين أصابعك ؛ لأن جميع ما ذكرناه من هذه الوجوه على اختلافها لا يلائم شيءٌ منها الصلاة ولا يشاكل حال المصلي .
وتشبيك الأصابع لها ثلاث حالات:
الحالة الأولى: في الصلاة، فيكره التشبيك فيها لما في حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه : (( أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً قد شبّك أصابعه في الصّلاة ففرّج رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بين أصابعه))
الحالة الثانية: تشبيكها في المسجد في غير الصلاة، وفي انتظارها أي حيث جلس ينتظرها، أو في المشي إليها عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إِلَى الْمَسْجِدِ؛ فَلَا يُشَبِّكَنَّ بَيْنَ أَصَابِعِهِ فَإِنَّهُ فِي صَلَاةٍ))
الحالة الثالثة: تشبيكها بعد الصلاة,أو خارج المسجد وهذا جائز لا بأس به وفيه : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، وَقَامَ إِلَى خَشَبَةٍ مُعْتَرِضَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا قَالَ يَزِيدُ: وَأَرَانَا ابْنُ عَوْنٍ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ إِحْدَاهُمَا عَلَى ظَهْرِ الْأُخْرَى، وَأَدْخَلَ أَصَابِعَهُ الْعُلْيَا فِي السُّفْلَى وَاضِعًا، وَقَامَ كَأَنَّهُ غَضْبَانُ قَالَ: فَخَرَجَ السَّرَعَانُ مِنْ النَّاسِ، وَجَعَلُوا يَقُولُونَ: قُصِرَتْ الصَّلَاةُ، قُصِرَتْ الصَّلَاةُ، وَفِي الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَلَمْ يَتَكَلَّمَا، وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ طَوِيلُ الْيَدَيْنِ يُسَمَّى ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَسِيتَ الصَّلَاةَ ...))
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله عن الجمع بين هذه الأحاديث وأحاديث النهي: وَجَمَعَ الإِسْمَاعِيلِيّ بِأَنَّ النَّهْيَ مُقَيَّد بِمَا إِذَا كَانَ فِي الصَّلاةِ أَوْ قَاصِدًا لَهَا، إِذْ مُنْتَظِر الصَّلاةِ فِي حُكْمِ الْمُصَلِّي، ثم قال الحافظ: وَالرِّوَايَةُ الَّتِي فِيهَا النَّهْي عَنْ ذَلِكَ مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ ضَعِيفَة كَمَا قَدَّمْنَا . انتهى.
[color:73b9=red]الحكمة من النهي عن تشبيك الأصابع :
في حاشية الطّحاويّ على مراقي الفلاح: قال : وحكمة النّهي عن التّشبيك أنّه من الشّيطان، وأنّه يجلب النّوم، والنّوم من مظانّ الحدث، ولما نبّه عليه في حديث ابن عمر رضي الله عنهما في الّذي يصلّي وهو يشبّك أصابعه: (تلك صلاة المغضوب عليهم)، فكره ذلك لما هو في حكم الصّلاة حتّى لا يقع في المنهيّ عنه، وكراهته في الصّلاة أشدّ .
رواه أبو داود في السنن ( 1/326) رقم 993 و البيهقي في السنن (2/289) و هو في صحيح أبي داود (876)
معالم السنن (1/295)
سنن الترمذي (386).و أحمد في المسند ( 4/241) رقم 18128 و أبو داود\ في السنن ( 562) و فيه قصة أن كعب بن عجرة أدركه وهو يريد المسجد أدرك أحدهما صاحبه قال فوجدني وأنا مشبك بيدي فنهاني عن ذلك وقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ....الحديث و هو في صحيح أبي داود ((526)
رواه البخاري (460)
فتح الباري (1/565).