الحق الثاني : عيادة المريض
من الحقوق التي تجب على المسلم نحو أخيه أن يعوده إذا مرض ، وكل مسلم معرض للمرض ، فإن دوام الحال من المحال ، وكما يكون المسلم صحيحا يكون مريضا ، وكما يكون غنيا يكون فقيرا وهكذا الحياة خلقها الله يتغير حال الإنسان من حين لآخر .
حكم عيادة المريض :
زيارة المريض من الحقوق المؤكدة للمسلم على أخيه المسلم، ومذهب جمهور العلماء أنها سنة، وقد تصل إلى الوجوب في حق بعض الأفراد دون بعض، وذهب بعض العلماء إلى وجوب زيارة المريض كالبخاري رحمه الله حيث قال في صحيحه: بَاب وُجُوب عِيَادَة الْمَرِيض.
وقال الحافظ في الفتح : كذا جزم بالوجوب على ظاهر الأمر بالعيادة " وتقدم حديث أبي هريرة في الجنائز " حق المسلم على المسلم خمس " فذكر منها عيادة المريض ، ووقع في رواية مسلم " خمس تجب للمسلم على المسلم " فذكرها منها ، قال ابن بطال : يحتمل أن يكون الأمر على الوجوب بمعنى الكفاية كإطعام الجائع وفك الأسير ، ويحتمل أن يكون للندب للحث على التواصل والألفة ، وجزم الداودي بالأول فقال : هي فرض يحمله بعض الناس عن بعض ، وقال الجمهور : هي في الأصل ندب ، وقد تصل إلى الوجوب في حق بعض دون بعض .[url=#_ftn1][/url][1]
فائدة المرض والمحن :
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: "لولا محن الدنيا ومصائبها لأصاب العبد من أدواء الكبر والعجب والفرعنة وقسوة القلب ما هو سبب هلاكه عاجلاً وآجلاً، فمن رحمة أرحم الراحمين أن يتفقده في الأحيان بأنواع من أدوية المصائب تكون حمية له من هذه الأدواء .[url=#_ftn2][/url][2]
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "مصيبة تقبل بها على الله خير لك من نعمة تنسيك ذكر الله".[url=#_ftn3][/url][3]
هدي النبي والسلف مع المريض :
كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه ، أنه يتفقّد أحوالهم ويسأل عنهم ، ويطمئن على صحّتهم ، ويشملهم بالرعاية ، ومن أولئك سعد بن أبي وقاص و زيد بن الأرقم ، و جابر بن عبد الله ، رضي الله عنهم أجمعين .
ولم تكن زياراته صلى الله عليه وسلم مقتصرة على أصحابه الذين آمنوا به ، بل امتدت لتشمل غير المؤمنين طمعاً في هدايتهم ، كما فعل مع الغلام اليهودي الذي كان يعمل عنده خادماً ، فقد مرض الغلام مرضاً شديداً ، فظلّ النبي صلى الله عليه وسلم يزوره ويتعاهده ، حتى إذا شارف على الموت عاده وجلس عند رأسه ، ثم دعاه إلى الإسلام ، فنظر الغلام إلى أبيه متسائلاً ، فقال له : أطع أبا القاسم ، فأسلم ثم فاضت روحه ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول : ( الحمد لله الذي أنقذه من النار ) رواه البخاري .
قال الأعمش رحمه الله: كنا نقعد في المجلس، فإذا فقدنا الرجل ثلاثة أيام سألنا عنه، فإن كان مريضاً عدناه.[url=#_ftn4][/url][4]
فضائل عيادة المريض :
إنَّ لعيادة المريض في الإسلام فضائل كثيرة ، تحفز المرء على القيام بها والحرص عليها إرضاء لله وابتغاء ما فيها من الأجر والثواب ومن هذه الفضائل :
- عائد المريض في معية الله :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللهَ ، عَزَّ وَجَلَّ ، يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : ( يَا ابْنَ آدَمَ ، مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي ، قَالَ : يَا رَبِّ ، كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ، قَالَ : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلاَنًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ ، يَا ابْنَ آدَمَ ، اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي ، قَالَ : يَا رَبِّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟ قَالَ : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلاَنٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي ، يَا ابْنَ آدَمَ ، اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي ، قَالَ : يَا رَبِّ ، كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ، قَالَ : اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلاَنٌ فَلَمْ تَسْقِهِ ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي )[url=#_ftn5][/url][5].
- صلاة الملائكة عليه :
من فضائل وثمار عيادة المريض أن الملائكة تصلي على العائد وتستغفر له , فعنْ أَبِي فَاخِتَةَ ، قَالَ : ( أَخَذَ عَلِيٌّ بِيَدِي ، قَالَ : انْطَلِقْ بِنَا إِلَى الْحَسَنِ نَعُودُهُ ، فَوَجَدْنَا عِنْدَهُ أَبَا مُوسَى ، فَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه : أَعَائِدًا جِئْتَ ، يَا أَبَا مُوسَى ، أَمْ زَائِرًا ؟ فَقَالَ : لاَ ، بَلْ عَائِدًا ، فَقَالَ عَلِيٌّ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا غُدْوَةً ، إِلاَّ صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ ، حَتَّى يُمْسِيَ ، وَإِنْ عَادَهُ عَشِيَّةً ، إِلاَّ صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ ، حَتَّى يُصْبِحَ ، وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الْجَنَّةِ )[url=#_ftn6][/url][6].
- نزول الرحمة والمغفرة :
عن عُمَر بن الحَكَم بن رافع الأَنْصَارِي ، قال : سَمِعْتُ جابرَ بنَ عَبْد اللهِ رضي الله عنه، قال : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ( مَنْ عَادَ مَرِيضًا ، خَاضَ فِي الرَّحْمَةِ ، حَتَّى إِذَا قَعَدَ اسْتَقَرَّ فِيهَا)[url=#_ftn7][7][/url].
طاب ممشاه وتبوأ منزلا من الجنة :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ عَادَ مَرِيْضاً أَوْ زَارَ أَخاً لَهُ فِي اللهِ ، نَادَاهُ مُنَادٍ أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاك وَتَبوَّأْتَ مِنَ الْجَنَّةِ مَنْزِلاً )[url=#_ftn8][/url][8]
وفي رواية عن ثوبان رضي الله عنه قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ عَادَ مَرِيضًا ، لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ ، قِيلَ : وَمَا خُرْفَةُ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : جَنَاهَا )[url=#_ftn9][/url][9].
خرفة الجنة : ضم المعجمة وسكون الراء بعدها فاء ثم هاء هي الثمرة إذا نضجت ، شبه ما يحوزه عائد المريض من الثواب بما يحوزه الذي يجتني الثمر . وقيل : المراد بها هنا الطريق ، والمعنى أن العائد يمشي في طريق تؤديه إلى الجنة ، والتفسير الأول أولى. قاله الحافظ في الفتح[url=#_ftn10][/url][10]
وقال المناوي : وقيل المراد بالخرفة هنا الطريق ، قال ابن جرير : وهو صحيح أيضا إذ معناه عليه أن عائده لم يزل سالكا طريق الجنة لأنه من الأمور التي يتوصل بها إليها[url=#_ftn11][/url][11] .
[url=#_ftnref1]
[1][/url]
فتح الباري ( 10/112) دار الفكر[url=#_ftnref2]
[2][/url]
زاد المعاد 4/173.[url=#_ftnref3]
[3][/url]
نقلا من تسلية أهل المصائب للمنبجي (ص 224 )[url=#_ftnref4]
[4][/url]
رواه البيهقي في شعب الإيمان (6/542) دار الكتب العلمية - بيروت الطبعة الأولى ، 1410[url=#_ftnref5]
[5][/url]
أخرجه مسلم"( 6648). والبخاري في "الأدب المفرد ( 517)[url=#_ftnref6]
[6][/url]
أخرجه أحمد في المسند 1/91 (702) و"التِّرمِذي في السنن (969) باب ما جاء في عيادة المريض ، وقال : هذا حديث حسن غريب ، وصححه الألباني ( صحيح الجامع /5767) [url=#_ftnref7]
[7][/url]
أخرجه البخاري في الأدب المفرد ( 522) وصححه الألباني في الصحيحة [url=#_ftnref8][8][/url] أخرجه الترمذي (4/365 ، رقم 2008) وقال : حسن غريب . وابن ماجه (1/464 ، رقم 1443) وصححه الألباني كما في صحيح الترغيب ( 2578)
[url=#_ftnref9]
[9][/url]
أخرجه مسلم في صحيحه ( 2568) باب فضل عيادة المريض [url=#_ftnref10]
[10][/url]
فتح الباري ( 10/113)[url=#_ftnref11]
[11][/url]
فيض القدير ( 6/177)
الرئيسية 
الخميس 29 ديسمبر 2022 - 11:57
موضوع: الحق الثاني من حقوق المسلم : عيادة المريض 
الأحد 6 مارس 2016 - 12:54
