الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله, وبعد:
بادئ ذي بدء أعتذر للشيح عبد الحليم حفظه الله على التقدّم بين يديه؛ وأعتذر للأخت السائلة أيضاً, ولولا طلب (مدير المنتدى حفظه الله) مني الجواب على أسئلة الإخوة, لانشغال الشيخ عبد الحليم, لما تجاسرت على ذلك.
فأقول – والله الموفق-:
إنّ علاقة السبب والعلة بالفعل والمسبب, انقسمت فيه آراء الناس على ثلاثة فرق:
الفريق الأول: يقول: إن الشيء علة تامة مستلزم لأثره, أي: أن العلة تؤثر بذاتها وبطبعها استقلالاً عن الله تعالى, وهو قول الفلاسفة, وهذا كفر بالله العظيم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (..ومعلوم أنه ليس في المخلوقات شيء وحده علة تامة وسببًا تامًا للحوادث بمعنى أن وجوده مستلزم لوجود الحوادث، بل ليس هذا إلا لمشيئة الله خاصة).
فمن أثبت تأثيراً تاماً ومستقلاً للأفعال في مسبباتها, فقد أثبت خالقاً شريكاً مع الله تعالى, وهذا كفر محض بلا ريب.
وقد أنكرت الأشاعرة ها المعتقد, وردّت على طوائف الفلاسفة.
الفريق الثاني: وهم الأشاعرة, فيقولون:
إنّ المسببات تحدث عند الأسباب لا بها، فهم يثبتون وجود تلازم عادي بين الأسباب والمسببات.
فمثلاً: إذا لاقت النار شيئاً قابلاً للاحتراق فاحترق، فيقولون إن الاحتراق لم يكن بسبب النار، فهي لم تؤثر شيئاً، وإنما المؤثر هو الله وحده!، وإذا لاقى الماء الظمأ, قالوا: إنّ الريّ لم يحدث بسبب الماء, فليس للماء تأثير, وإنما حدث بتأثير الله ومشيئته وحده, فنفوا تأثير الأسباب بالكلية.
وقالوا هذا القول لأمرين:
الأول: إثبات تأثير الأسباب في مسبباتها يفضي إلى القول بوجود شريك مع الله يؤثر في الأفعال، والله عز وجل هو المؤثر وحده, فألغوا تأثير الأسباب بالكلية نفوراً من قول الفلاسفة.
والثاني: إن إثبات التلازم بين الأسباب والمسببات يفضي إلى إنكار النبوات الثابتة بمعجزات الرسل، وهي خوارق مخالفة للعادة، فلو وجد التلازم بين الأسباب والمسببات لما صح تخلف هذا التلازم، وهذا يؤدي إلى إنكار النبوات .
الفريق الثالث: وهم أهل السنّة والجماعة.
فقالوا: إنّ المسببات تحدث بالأسباب, فللأسباب تأثير حقيقي في المسببات وفي وجودها, مع القول بأن الأسباب والمسببات مخلوقة لله تعالى وربطها بمشيئة الله وقدرته.
فأهل السنة يثبتون علة ناقصة (وليست تامة) لتأثير الأسباب في مسبباتها (وهم بذلك وسط بين القائلين بالعلة التامة المؤثرة وهم الفلاسفة, ومن نفوا تأثير العلل بالكلية وهم الأشاعرة).
مع ربطهم لهذا التأثير بالمشيئة الإلهية.
والخلاصة:
أنّ قول القائل : "فالماء يروي الظمآن، و لكن لو شاء ربُّك ما كان له تأثير، فلولا الله ما ارتوى الظمآن ولو شرب الماء !".
إنّ كان مقصوده نفير تأثير الأسباب في مسبباتها بالكلية, وأنّ الأمر متعلق بالمشيئة, وأن هذه الأسباب علامة لا أثر لها في المسبب, فهذا هو عين قول الأشاعرة.
وإن كان مقصوده إثبات العلة الناقصة وتأثير السبب في مسببه, مع إثبات المشيئة لله تعالى في حصول الأثر, فهذا هو قول أهل السنة والجماعة.
والله تعالى أعلم.
الرئيسية 
الخميس 29 ديسمبر 2022 - 11:57
موضوع: سؤال للشيخ أبي جابر حفظه الباري- في العقيدة,, 
الأحد 1 أبريل 2012 - 20:39
