الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
إنّ الرقية الشرعية هي خير ما يداوى به العلل والأسقام الحسية والمعنوية لأنها علاج رباني بكلام رب البرايا جلّ وعلا, قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}.
وما زال سلف هذه الأمة يداوون أسقامهم الحسية والمعنوية بالرقية الشرعية, ولكن حاد فئام من الناس في هذا الزمن عن جادة الحق, وألبسوا على الناس دينهم, فغدت الرقية تجارة تدرّ على أصحابها الأموال الطائلة من وجوه مشبوهة.
والرقية أشبه بالصارم في يد الفارس, فإذا كان السيف بتاراً, وكان حامله قويا مقداماً قطع بإذن الله دابر كلّ شر, فالرقية هي السيف والراقي هو الفارس, فإذا كان الراقي رقيق الدين ضحل العلم لم تكد تنفع رقيته.
لذا وجب التنبيه على هذه الممارسات الشائنة التي أساءت للدين أولاً, ولأهل الاستقامة ثانياً, وأساءت للرقية الشرعية ثالثاً.
وهذه وقفات مع هؤلاء المدلسين المغرضين.
أولاً: الرقية الشرعية ليست مهنة.
اعلم أخي الكريم أنّ الرقية الشرعية لم تكن أبداً مهنة تمارس, ولم يتخذ لها محلات ودكاكين كما هو الشأن هذه الأيام, حتى تجد الراقي المزيف قد رصّ عشرات القوارير ويدعي أنها ماء مرقي يبيعها على الغفل من الناس بعشرات الدنانير, وغيرها من أساليب التدليس والتلبيس.
وإنما كان يرجع للصالحين ممن يتوسم فيهم الخير والعلم والتقى لرقية المريض, وكلن هؤلاء الأعلام كالإمام أحمد وغيره لا يأخذون على هذه الرقية درهماً ولا ديناراً.
ثانياً: أرق نفسك فما حكّ جلدك مثل ظفرك
ليس النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة, فإن الذي يعاني الأسقام, ويتجرع غصص الآلام ليس كالراقي المستأجر, فالعبد في حال الضعف والحاجة ينكسر بين يدي ربه ومولاه, فإذا قرأ القرآن بنية الرقية قرأه بقلب خاشع وعين دامعة, وإذا دعى ولجأ لربه كان قلبه معلقاً بمولاه, فأين هذا ممن يقرأ القرآن وهمه في الأجرة, أو ينفث في الماء ولعابه يسيل طمعاً في الدنانير, شتان ما بين هذا وذاك.
إذا أخي الكريم الجأ إلى ربك ومولاك, ودعك من هؤلاء الدجاجلة, تعلّم الرقية الشرعية, وهي ولله الحمد سهلة ميسرة, لا تحتاج إلى علم غزير, إنما هو قراءة للقرآن ومسح على العضو المصاب.
ثالثاً: احذر أشباه الرقاة, والمشعوذين.
حينما سقط القناع عن كثير من المشعوذين, وصار أكثر الناس يتحاشون الذهاب غليهم لعلمهم أن الذهاب إلى الكهان وتصديقهم كفر بواح.
لذا لجأ بعض هؤلاء المشعوذين على أسلوب التدليس الخسيس, فلبسوا ثياب المشايخ وتسربلوا بقناع التقوى.
ولكن الناظر في حال هؤلاء يجد أنّ تعاويذهم هي شعوذة,
وإليك بعض علاماتهم:
1- يلجأ أكثر هؤلاء المشعوذون إلى أساليب غريبة عجيبة لا تمتّ للرقية الشرعية بصلة, كطلب أحدهم من المريض أن يوقد في بيته شمعة, أو أن يتلوى بطريقة معينة ويلحس أصابع رجليه, أو أن يدفن خرقة أو غير ذلك من الممارسات العجيبة.
2- يلجا بعضهم إلى كتابة طلاسم حين يراها الإنسان يحسبها كلام الرحمن وغنما هي تعاويذ الشيطان, فيكتب أحدهم البسملة مثلاً ويكبر حرف الميم ثم يكتب رموزاً لا تكاد تراها على حواف هذه الميم, وتكون تعاويذ شركية لتا يتفطن لها إلا الحذّاق.
3- يحرص هؤلاء المشعوذون على تزكية أنفسهم بادعائهم أنهم حجوا واعتمروا مرارا وأنهم يصومون النهار ويقومون الليل, والحقيقة أنهم لم يسجدوا لله سجدة.
4- لا يراعي أكثر هؤلاء المشعوذون ضوابط الرقية الشرعية, فتجد عندهم الاختلاط والممارسات المريبة التي تفضح نواياهم الخبيثة.
5- يقع كثير من أشباه الرقاة في مخالفات كبيرة, كاستعانتهم بالجنّ فيمسك أحدهم بناصية المصاب, ثم يأمر المصاب بتتبع ما يريه الجن إياه, ولا شك أن أكثر أهل العلم لا يجيزون الاستعانة بالجنّ مطلقاً, وحدث بفعل هذه الممارسات بلاء عظيم حيث يكذب الجن في دعواه فيتهم البريء من الأقارب والأصحاب بأنه واضع السحر ونحوه, فتحصل القطيعة, وتتشتت الأسر والعوائل بسبب ذلك.
رابعاً: نصيحة للشباب
- أنصح نفسي أولاً وإخواني الشباب ثانياً بالاشتغال بالعلم الشرعي فهو الحصن الحصين دون الوقوع في مصائد هؤلاء الدجالين.
- تقوية الصلة بالله وبكتابه الكريم, فما أدمن عبد تلاوة القرآن مع استحضار نية الرقية والشفاء فأصيب بعين أو سحر أو جن, وإنما تحصل الإصابة حين الغفلة والبعد عن كتاب الله جلّ وعلا.
- مقاطعة هؤلاء المشعوذين وأشباه الرقاة, وكشف زيفهم عند العامّة حتى يحذرهم الناس
وفي الأخير أسأل الله لي ولي إخواني دوام العافية, والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل
كتبه وحرّره: أبو يزيد المدني
الرئيسية 
الخميس 29 ديسمبر 2022 - 11:57
موضوع: سؤال حول الرقية والرقاة ؟ 
الجمعة 30 يوليو 2010 - 10:25
[/img]
