كتبها : أبو زكريا يوسف بن عاطي الجزائري.
منار الجزائر
المقدّمة
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أمّا بعد فإنّ العلم أجلّ مطلوب وأعظم مرغوب، غير أنّه بحر خضمّ لا ساحل له، فلا يتأتى لأحد بعد المصطفى – صلى الله عليه وسلم- جمع ما ترامى من أطرافه ولمّ ما تناثر من أنواعه واستجماع ما اختلف من فنونه...مما يحتم على المؤمن اللبيب تقديم الأهم من العلوم فالمهمّ:
ماحوى العلمَ جميعاً أحدٌ *** لا ولو مارسه ألفَ سنة
إنما العلمُ بعيدٌ غَوره *** فخذوا من كلِّ علم أحسنـَـه
ولا ريب أنّ حديث النبي –صلى الله عليه وسلم- يعدّ من الدرر النفيسة في تاج الشرع المطهّر، ففي حديث أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه- عن النبيّ- صلى الله عليه وسلم - أنه قال في حجة الوداع:" نضّر الله امرءا سمع مقالتي فوعاها فرب حامل فقه ليس بفقيه.."الحديث.
فعيب - وربِّ الكعبة- على أمّة تدّعي الانتساب إلى محمد بن عبد الله صلى وسلم عليه الله، ثم هي لا تهتم بأقواله ولا أفعاله ولا هديه ولا سنته!!.فإقبال المسلمين -إذاً- على أحاديث الحبيب الشفيع حفظاً وفهماً وعملاً وتعليماً من أهمّ المهمّات..
ولقد كان من توفيق المولى تعالى لصاحب هذه المقالات أن يسّر له التعليق على سلسلة الأحاديث الموسومة بـ"الأربعين النووية"، في الدروس المسجدية أكثر من مرة..فألفيت تلك التعليقات نافعة وهادفة، فارتأيت أن أبثها في موقعنا المفضل "منار الجزائر" في سلسلة من الحلقات المتتابعة، رجاء أن يعمّ نفعها وأن يكتب لنا أجرها وثوابها.
غير أنني لمّا عقدت العزم على ما ذكرت، ونويت الشروع فيما إليه رميت، أبصرت جملة من العوائق والمثبطات التي كادت ترجعني بخفي حنين. ومن أهمها:الهمم الضعيفة والعزائم الخائرة عند كثير من القراء أمثالي، وكثرة الصوارف والشواغل عند كثير من عشاق الأنترنت، ورغبة أكثرهم في تصفح أكبر قدر ممكن من المواقع والمقالات في أسرع الأوقات وأوجز اللّحظات..الخ، فأيقنت حينذاك أنّ نشر الفوائد المستفادة من الأربعين النووية في شكلها الذي هيّأته ونمطها الذي حضّرته، لن يكون له كبير نفع وأثر، إلا إن قدّم مختصرا في العبارة واضحا في الإشارة، فدفعني ذلك إلى الحذف والاختصار، والاقتصار على الأهم قدر المستطاع، فلا أزيد في الحديث - مهما طال - على عشر فوائد، ولا أنقص عنها في الغالب إلاّ قليلا، ولذا سمّيت التعليقات المذكورة:
الفوائد العشر العلمية المنتقاة من الأربعين النووية.
فالله تعالى وحده أسأل أن يوفقني إلى بلوغ ما قصدت،
ويثيبني على ما أردت، وأن ينفع بهذه الفوائد والمقاصد أمما من الناس، وأن يثقل بها كفة حسناتي يوم تعزّ الحسنات. إنه خير مسؤول.
- الأربعون النووية لماذا؟.
وإنما وقع الاختيار في شرح أحاديث خير البرية، على الأربعين النووية دون غيرها لأسباب ودوافع، من أهمها:
1- كون أغلب أحاديثها من جوامع الكلم التي اختص بها النبيّ –صلى الله عليه وسلم- من بين إخوانه الأنبياء والرسل –عليهم الصلاة والسلام-.وهو القائل: "وأوتيت جوامع الكلم.."
2- تضمنها لقواعد جامعة لعلوم كثيرة نافعة.
3-تلقي العلماء لها بالقبول..وقد درج الناس من قرون خلت على حفظها وشرحها وتحفيظها وتعليمها..
4-اختيارها من ضمن آلاف الأحاديث لم يقع من قبل مبتدئ لا يحسن الانتقاء أو طويلب علم مثلي لا يتقن الاصطفاء، إنما هو من صنيع العلامة الحبر الإمام النووي –رحمه الله-..
-من هو الإمام النووي؟هو شيخ الإسلام أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي أو النواوي الحوراني الشافعي. ولد في العشر الأول من المحرم عام 631هـ في قرية من قرى حوران تسمى نوا، فيها نشأ وفيها توفي عام 676هـ...
جوزيتِ خيرا يا نوى ووقيت من ألم النّوى***فلقد نبا بك عالم لله أخلص ما نوى.
ختم القرآن قبل الاحتلام...وكان وهو ابن عشر سنين يهرب من الصبيان ويقرأ القرآن..سافر إلى دمشق فحصل بها العلوم وتولى التدريس بها مدة ثم رجع إلى مسقط رأسه..كان شديد الورع في طعامه وشرابه حتى إنه كان لا يأكل من فواكه دمشق لما فيها من الشبهة..كان عابدا زاهدا محبا للخلوة...أمّارا بالمعروف نهاءً عن المنكر...رزق بذاكرة فذة..كان يقرأ في اليوم الواحد اثني عشر درسا على المشايخ...كثرت تآليفه وتصانيفه رغم موته المبكر.منها: الأذكار، رياض الصالحين، المنهاج شرح مسلم، المجموع شرح المهذب، الأربعون...ولم يقدّر له رحمه الله أن يتزوج لا زهدا في الزواج ولكن لكثرة مشاغله..
-قصة الأربعين؟ للإمام النووي قدم راسخة في حفظ ونشر السنة المطهرة، وآثاره فيها حميدة مباركة..وقد استخلص من الأحاديث العظام الأربعين حديثا المشهورة التي أنزلها العلماء منـزلة القبول والاستحسان، لاشتمالها على أصول الأحكام وشرائع الإسلام فتعهّدوها بالشرح والبيان..وأصل كتابه "الأربعون حديثا النووية" أن ابن الصلاح -رحمه الله تعالى- جمع - في مجلس من مجالس تدريسه للحديث - الأحاديث الكلية التي يدور عليها علم الشريعة، فجعلها ستة وعشرين حديثًا، فنظر فيها العلامة النووي -رحمه الله- فزادها ستة عشر حديثًا، فصارت الأحاديث التي اختارها النووي اثنين وأربعين حديثًا، فسميت بالأربعين النووية تجوزًا.
ثم زاد عليها الحافظ الإمام عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي ثمانية أحاديث كلية أيضًا، وعليها مدار فهم بعض الشريعة، فصارت خمسين حديثًا، وهي التي شرحها في كتابه المسمى "جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثًا من جوامع الكلم".
-وأصل هذه الأحاديث في اختيارها على أنها جوامع كلم تدور عليها أمور الدين، فمنها ما يتصل بالإخلاص، ومنها ما هو في بيان الإسلام وأركانه، والإيمان وأركانه، ومنها ما هو في بيان الحلال والحرام، ومنها ما هو في بيان الآداب العامة، ومنها ما هو في بيان بعض صفات الله -جل وعلا- وهكذا في موضوعات الشريعة جميعًا.
-تنبيه مهم:كثرت مؤلفات القدامى في الأربعين، فمنهم من جمع أربعين حديثا في الزهد، ومنهم من جعلها في الجهاد، ومنهم من جمعها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومنهم...وجاء تأليف النووي في غاية الإبداع إذ جمع أربعين حديثا في القضايا الشاملة والمسائل الجامعة...
والذي ينبغي أن يعرف أنهم كانوا يعتمدون على حديث ضعيف في هذا النحو من التأليف وهو:"من حفظ على أمتي أربعين حديثا بعث يوم القيامة في زمرة الفقهاء والعلماء" أو: "كنت له يوم القيامة شفيعا أو شهيدا"..قال النووي: اتفق الحفاظ على أنه حديث ضعيف وإن كثرت طرقه..
هذا، وفيما يلي شرح مختصر للحديث الأول مع الفوائد العشر الموعود بها..أسأله تعالى التوفيق والسداد والهداية والرشاد، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
وكتب أفقر الخلق إلى الله: أبو زكريا يوسف بن عاطي الجزائري.
الرئيسية 
الخميس 29 ديسمبر 2022 - 11:57
موضوع: الفوائد العشر العلمية المنتـقاة من الأربعين النووية 
الثلاثاء 7 أبريل 2009 - 16:13
