الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : زائرنا الكريم مرحبا بك بين إخوانك في منتديات تبسة الإسلامية ، بعد التسجيل ستجد رسالة تأكيد التسجيل في بريدكم ، نرجوا لكم قضاء وقت مفيد ومريح في هذا الفضاء التربوي العلمي .


آخر المواضيع
الموضوع
تاريخ ارسال المشاركة
بواسطة
مرحبا بكم أيها الأحباب من جديد ..
من بريد المنتدى ذات يوم ...
كتاب الانتصار للنبي المختار ﷺ (يصور لأول مرة) المؤلف: د.سليمان بن صفية الجزائري
رحم الله الشيخ علي الحلبي ..
بشرى صدور موقع جديد للشيخ أبو يزيد المدني (سليم بن صفية)
حذروا من صناعة المعاقين في بيوتكم
‏الرفقة الدافئة
يا طالب العلم البشرية كلها بحاجة إليك.
قصة قصيرة جملية
حكمة وعبرة ✍
الخميس 29 ديسمبر 2022 - 11:57
الخميس 29 ديسمبر 2022 - 9:20
الإثنين 28 ديسمبر 2020 - 15:30
الخميس 3 ديسمبر 2020 - 18:36
الأربعاء 22 يناير 2020 - 18:36
الجمعة 21 ديسمبر 2018 - 20:08
الخميس 20 ديسمبر 2018 - 12:28
الإثنين 17 ديسمبر 2018 - 13:30
الخميس 6 ديسمبر 2018 - 21:09
الإثنين 3 ديسمبر 2018 - 20:11











شاطر
 

 منهج البحث بين "محمود شاكر" و بين "طه حسين"..؟؟

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أسماء كرامدي

أسماء كرامدي

عدد الرسائل :
1331

تاريخ التسجيل :
18/04/2009


منهج البحث بين "محمود شاكر" و بين "طه حسين"..؟؟ Empty
مُساهمةموضوع: منهج البحث بين "محمود شاكر" و بين "طه حسين"..؟؟   منهج البحث بين "محمود شاكر" و بين "طه حسين"..؟؟ I_icon_minitimeالأحد 4 أكتوبر 2009 - 15:25


1.المنهج عند "محمود شاكر" ما هو (1)؟

" كان منهجي ، كما نشأَ و استتبَّ في نفسي، كان منهجاً يحمِلُ بطبيعة نشأته رفضاً صريحاً واضحاً قاطعاً غير مُتَلَجلج، لأكثر المناهج الأدبية التي كانت فاشيةً و غالبةً و صار لها السيادةُ على ساحة الأدب الخالص و غير الأدبِ الخالص إلى يومنا هذا، كما حدّثتُك آنفا (الفقرة:1).
فلكي تكونَ على بيّنة مرة أخرى...
فاعلَمْ، قبل كل شيء، أنّ تسميتها "مناهج"، تجاوزٌ شديدُ البعد عن الحقيقة، و فسادٌ غليظ و خَلْطٌ، إذا كنتَ تريد أن تكونَ على ثقةٍ من معنى هذه الألفاظ التي تجري الآن بيننا، و لكن قد كان ما كان، فهكذا اصطلحوا على تسميتها !
و قديما تناولتُ لفظَ "المنهج" ، و حاولتُ البيانَ عنه فقلتُ: (2)
" و لفظُ المنهج"، يحتاج مني هنا إلى بعض الإبانة ، و إن كنتُ لا أريدُ به الآن ما اصطلح عليه المتكلمون في مثل هذا الشأن ، بل أريد به "ما قَبْلَ المنهجأي الأساس الذي يقومُ "المنهج" إلا عليه.
"فهذا الذي يُسمى "منهجاً" ينقسم إلى شطرَين: شطرٍ في تناول المادة، و شطرٍ في معالجة التطبيق.
" فشطر المادة يتطلب قبل كل شيء جمعها من مظانِّها على وجه الاستيعاب المتيسّر، ثم تصنيف هذا المجموع، ثم تمحيص مفرداته تمحيصاً دقيقا، و ذلك بتحليل أجزائها بدقة متناهيةٍ، و بمهارةٍ و حِذقٍ و حذرٍ، حتى يتيسَّرَ للدارسِ أن يرى ما هو زيفٌ جلياً واضحا، و ما هو صحيح مستبينا ظاهرا، بلا غفلة و بلا هوى، و بلا تسرّع.
"أما شطرُ التطبيق،فيقتضي ترتيبَ المادة بعد نفيِ زيفِها و تمحيصِ جيِّدها، باستيعابٍ أيضا لكل احتمالٍ للخطأ أو الهوى أو التسرّع.ثم على الدارس أن يتحرّى لكل حقيقةٍ من الحقائق موضعاً حو حقُّ موضعِها ، لأنّ أخفة إساءة في وضعِ إحدى الحقائق في غير موضعها، خليق أن يُشوِّهَ عمودَ الصورة تشويهاً بالغَ القُبح و الشناعة".
و أزيدُك الآن: أنّ "شطر التطبيق" هو الميدان الفسيح الذي تصطرع فيه العقولُ، و تتناصَى الحُجَجُ،(أي أن تأخذ الحُجَّة بناصية الحجّة كفِعل المتصارعين)، و الذي تسمع فيه صليلَ الألسنة جهرةً أو خُفية، و في حَوْمته تتصادم الأفكارُ بالرّفقِ مرة و بالعنف أخرى،و تختلف فيه الأنظار اختلافاً ساطعاً تارة، و خابياً تارة أخرى، و تفترق فيه الدروبُ و الطُّرق أو تتشابكُ أو تلتقي . هذه طبيعة هذا الميدان، و طبيعةُ النازليه من العلماءِ و الأدباءِ و المفكّرين. و عندئذٍ يمكنُ أن يَنشأَ ما يُسمّى "المناهج و "المذاهب".
و لكي لا تقعَ في الوهم و الضلال، و لكي لا يُغرّر بك أحدٌ من المتشدقين من أهل زماننا هذا بالثرثرة ، فاعلَمْ أنّ حديثي هنا هو عن الذي يُسمى "المنهج الأدبي" على وجهِ التحديد = أي: عن المنهج الذي يتناول الشعرَ و الأدبَ بجميع أنواعه، و التاريخَ، و علمَ الدين بفروعه المختلفة، و الفلسفة بمذاهبها المتضاربة، و كلَّ ما هو صادرٌ عن الإنسان إبانةً عن نفسه و عن جماعته = أي يتناول ثقافتَه المتكاملة المتحدِّرَة إليه في تيّار القرون المتطاولة و الأجيال المتعاقبة .و وِعَاءُ ذلك كلِّه و مستقَرُّه هو اللغة و اللسانُ لا غيرُ. فإيّاك إياك أن تنسى ذلك، و اجعَلْهُ منك على ذُكْرٍ أبدا. و اذكُرْ أيضا أنّ هذا الذي أقوله لك ههنا عن "المنهج"، إنما هو أصلٌ أصيلٌ في كل أمة، و في كل لسانٍ، و في كل ثقافةٍ حازها البشرُ على اختلافِ ألسنتهم و ألوانهم و مِللهم و مواطنهم.

أصول " ما قبل المنهج":اللغة و أسرارها،الثقافة و أسرارها،"البراءة" من "الأهواء"[/center]
..أما "آدابُ اللسان"، فإنّ الناسَ لا يحتاجون إلى ما سمّيتُه "ما "قبل المنهج" إلا بعد أن تستوفي "الآدابُ" نموَّها عن طريق "اللغة" التي هي وِعاءُ المعارف جميعا، و بعد أن تستوفيَ أيضا نموَّها عن طريق "الثقافة" التي هي ثَمَرَةُ المعارف جميعا، و بعد أن تستوفي حظّاً من القوة و التماسك و الشمول و الغَلَبة على أصحابِ هذه "اللغة" و هذه "الثقافة"= حتى يُحتاجَ عندئذ إلى إعادةِ النظر للفصل بين تداخُل أطرافها بعضِها في بعض ، طلباً لتصحيحِ المَسيرة، و طلباً للوضوح، و طلبا للنهج السّوي و الطريق المستقيم.
فهذا، كما ترى، ميدانٌ لا يُطيق النزول في أرضِه و بحقِّه، إلا من أُوتي حظّاً وافراً من البصر النافذ، و الإخلاصِ المتجرّد لطلبِ الحق و إدراكِه. و بطبيعة هذا الميدان، تدخلُ نفسُ النازلِ في أرضه عاملاً حاسماً في شطْرَي " ما قبل المنهج": تدخلُ أولا من طريق معرفة "اللغة" التي نشأ فيها صغيرا = و تدخل ثانياً من طريق "الثقافة" التي ارتضعَ لِبانَها يافِعاً = و تدخلُ ثالثا من طريق "أهوائه" و منازِعه التي يملك ضبطَها أو لا يملكه، بعد أنِ استوى رجلا مُبيناً عن نفسه. فهذا الثالث هو موضع المخافة، الذي يستوجب الحَذَر، و يقتضيك حُسْن التحرّي."

--------------------------------
2. المنهج عند "طه حسين".. ما هو ؟

" أحبّّ أن أكون واضحا جليا، و أن أقولَ للناس ما أريدُ أن أقول دون أن أضطرّهم إلى أن يتأولوا و يتحمّلوا و يذهبوا مذاهب مختلفة في النقد و التفسير و الكشفِ عن الأغراض التي أرمي إليها . أريدُ أن أُريحَ الناسَ من هذا اللون من ألوان التعب، و أن أريحَ نفسي من الرد و الدفع و المناقشة فيما لا يحتاج إلى مناقشة.
أريد أن أقول إني سأسلك في هذا النحو من البحث مسلك المحدثين من أصحاب العلم و الفلسفة فيما يتناولون من العلم و الفلسفة. أريد أن أصطنِعَ في هذا الأدب هذا المنهج الفلسفي الذي استحدَثَه "ديكارت"[/b] للبحثِ عن حقائق الأشياء في أول هذا العصر الحديث، و الناس جميعا يعلمون أن [b]القاعدة الأساسية لهذا المنهج هي أن يتجرّد الباحثُ من كل شيء كان يعلمه من قبل، و أن يستقبِلَ موضوعَ بحثِه خاليَ الذهن مما قيل خلواً تاماً.
و الناسُ جميعا يعلمون أنّ هذا المنهج الذي سخط عليه أنصارُ القديم في الدين و الفلسفة يوم ظهر، قد كان من أخصب المناهج و أقواها و أحسنِها أثَرا، و أنه قد جدّد العلمَ و الفلسفة تجديدا، و أنه قد غيّر مذاهبَ الأدباء في أدبهم و الفنانين في فنونهم، و أنه هو الطابع الذي يمتاز به هذا العصر الحديث.
فلنصطنِعْ هذا المنهج حين نريد أن نتناولَ أدبنا العربي القديم و تاريخه بالبحث و الاستقصاء ، و لنستقبل هذا الأدب و تاريخه و قد برّأنا أنفسنا من كل ما قيل فيهما من قبل، و خلصنا من كل هذه الأغلال الكثير الثقيلة التي تأخذ أيدينا و أرجلنا و رؤسنا فتحُول بيننا و بين الحركة الجسمية الحرة، و تحول بيننا و بين الحركة العقلية الحرة أيضا.
نعم! يجب حين نستقبل البحث عن الأدب العربي و تاريخه أن ننسى عواطفَنا القومية و كل مشخصاتها، و أن ننسى عواطفنا الدينية و كل ما يتصل بها ، و أن ننسى ما يضاد هذه العواطف القومية و الدينية، يجب ألا نتقيّدَ بشيء و لا نذعن لشيء إلا مناهج البحث العلمي الصحيح. ذلك أنا إذا لم ننس هذه العواطف و ما يتصل بها فسنضطر على المحاباة و إرضاء العواطف، و سنغلّ عقولَنا بما يلائمها. و هل فعل القدماء غير هذا؟ و هل أفسدَ علمَ القدماء شيءٌ غير هذا؟
... و لو أن القدماء استطاعوا أن يفرقوا بين عقولهم و قلوبهم ، و أن يتناولوا العلمَ على نحو ما تناوله المحدثون لا يتأثرون في ذلك بقومية و لا عصبية و لا ما يتصل بهذا كله من الأهواء ، لتركوا لنا أدبا غير الأدب الذي نجده بين أيدينا ، و لأراحونا من هذا العناء الذي نتكلفه الآن.
...فأنت ترى أن "منهج" ديكارت هذا ليس خصبا في العلم و الفلسفة و الأدب فحسب، و إنما هو خصب في الأخلاق و الحياة الاجتماعية أيضا. و أنت ترى أنّ الأخذَ بهذا المنهج ليس حتماً على الذين يدرسون العلم و يكتبون فيه وحدهم، بل هو حتم على الذين يقرأون أيضا. و أنت ترى أني غير مسرف حين أطلب منذ الآن إلى الذين لا يستطيعون أن يبرأوا من القديم و يخلصوا من أغلال العواطف و الأهواء حين يقرأون العلمَ أو يكتبون فيه ألا يقرأوا هذه الفصول، فلن تفيدهم قراءتها إلا أن يكونوا أحرارا حقا".(3)

يُتبع ان شاء الله

---------------
(1)من رسالة في الطريق إلى ثقافتنا : باب:كلام في "المنهج" و ما "قبل المنهج" ما هو ؟
(2) قلتُ ذلك في كتاب "أباطيل و أسمار"، ص23-25، بل الفصل كله، بل الكتاب كله، مشتمل على بيان لما يُسمّى "منهجاً"، و متّصلٌ بما أقوله هنا اتّصالا لا انفكاك له، فإن كنتَ جاداً في طلب المعرفة فاقرأه، لأني هنا موجز أشدّ الإيجاز.
(3) " في الأدب الجاهلي": فصل/ "منهج البحث" لطه حسين
[/size][/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عذرا رسول الله
Admin
عذرا رسول الله

عدد الرسائل :
3866

تاريخ التسجيل :
09/07/2008


منهج البحث بين "محمود شاكر" و بين "طه حسين"..؟؟ Empty
مُساهمةموضوع: رد: منهج البحث بين "محمود شاكر" و بين "طه حسين"..؟؟   منهج البحث بين "محمود شاكر" و بين "طه حسين"..؟؟ I_icon_minitimeالأحد 4 أكتوبر 2009 - 16:55

بحيث قيم, حفظك الله و حفظ مستوى تفكيرك هذا.


في المتابعة بإذن الله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبو تمام

أبو تمام

عدد الرسائل :
80

تاريخ التسجيل :
04/06/2009


منهج البحث بين "محمود شاكر" و بين "طه حسين"..؟؟ Empty
مُساهمةموضوع: رد: منهج البحث بين "محمود شاكر" و بين "طه حسين"..؟؟   منهج البحث بين "محمود شاكر" و بين "طه حسين"..؟؟ I_icon_minitimeالأحد 4 أكتوبر 2009 - 18:04

بارك الله فيك وننتظر التتمّة.
ولي تعقيب يسير -لو سمحت- يتعلّق بعنوان الموضوع، حيث تكرّرت كلمة ( بين ) مرّتين، وقد اخترت للتّنبيه على هذا الخطأ المشهور مقالا كتبه شيخنا الوالد أبو جابر عبد الحليم توميات، ونشره بمجلّة المسجد تحت ركن " في رحاب لغة القرآن " ضمن سلسلته المشوّقة والرّائقة " قل، ولا تقل "، ثمّ أعاد نشره -فيما أظنّ- على موقع " منار الجزائر "، فقال:
قُـلْ:" بين زيد وعمرو " وَلاَ تَقُـلْ: " بين زيد وبين عمرو ".
إنّّ كلمة " بَيْنَ " تقتضي الاشتراك، فلا تدخل إلاّ على مثنّى أو جمع، كقولك: ( المال بينهما، والدّار بين الإخوة )، مثلها كمثل الأفعال الدّالة على المشاركة، لا يمكن أن يكون لها فاعل واحد، فلا يقال: اختصم زيد، وتقاتل بكر، بل لا بدّ من ذكر الفاعل الثّاني.
كذلك الأمر فيما نحن بصدده، وفي أفصح الكلام قول الله تعالى:{نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خَالِصاً سَائِغاً لِلشَّارِبِينَ} [النحل:66]..
قد يقول قائل إنّي رأيت كلمة "بين" دخلت على اسم الإشارة المفرد كما في قوله تعالى:{عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ}[البقرة :68] {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ}[النساء:143]{وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً}[النساء:150]{وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً}[الإسراء:110]{وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً}[الفرقان:38]{وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً}[الفرقان:67] ؟!..
فاعلم أنّ "بين" هنا لم تدخل على مفرد حقيقة، فإنّ علماء النّحو يعرّفون اسم الإشارة (ذَا) بقولهم:" هو ما وُضع لمفرد مذكّر حقيقة أو حكما ".
[حاشية الإمام الصبّان على "شرح الأشموني" (1/138)].
ومعنى قولهم: مذكّر مفرد حقيقي واضح، وهو الأصل في الاستعمال فتقول:هذا بكرٌ، لأنّه مفرد مذكّر.
أمّا معنى قولهم: مذكّر حكمي فكالإشارة إلى مؤنّث، نحو قوله تعالى:{فَلَمَّا رَأى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَر} [الأنعام:78]..فإنّ المقصود: المرئيّ أو الكوكب، وهذا أسلوب مشهور.
ومعنى قولهم: "مفرد حكميّ" أن يشار إلى المثنّى والجمع بالمفرد، كقوله تعالى:{لاَ فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِك}َ [البقرة:68]، فالإشارة إلى أمرين اثنين (فارض) وهي المُسنّة، و(بكر) هي الفتيّة، وبينهما العوان-وهي التي ولدت بطنا أو بطنين وهي أجود البقـر-.
الشّاهد أنّ المقصود هو المثنّى وإن كان بلفظ المفرد.
كذلك في مسألتنا هذه، فكلّ الآيات المذكورة والتي ظاهرها أنّ (بين) دخلت على مفرد، إنّما المقصود في المعنى المُثنّى أو الجمع، فقوله تعالى:{مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ} سيق لأكثر من واحد وهو قوله تعالى:{لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ} [النّساء:143] وكأنّ تقدير الكلام: مذبذبين بين الفريقين، وكذا لسائر الأمثلة {وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً} أي بين الإيمان ببعض، والكفر ببعض،{وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً}أي: بين الجهر والإسرار{وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً}أي: عاد وثمود وأصحاب الرسّ{وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً}أي: بين الإسراف والتّقتير..
فيُؤوّّل اسم الإشارة هنا بالشّيء المذكور، ألا ترى أنّك تقول: ظننت ذلك، وأنت تقدّر مفعولين اثنين.
المهمّ، أن نعلم أنّ (بين) لا تدخل إلاّ على أكثر من واحد، فلا داعي لتَكرارها.
ولعّل هذا الوهم شاع وذاع لأجل أنّهم رأوا كلمة (بين) تُكرّر مع الضّمير، كما قال الإمام الحريري رحمه الله، مثال ذلك قوله تعالى:{قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ}[الكهف:78]،{فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}[فصلت:34] {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَاباً مَسْتُوراً} [الإسراء:45] {فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكَاناً سُوَىً} [طـه:58] {قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} [القصص:28] ..وغيرها من الأمثلة.
وقياس الاسم الظّاهر على الضّمير قياس مع الفارق، لأنّ من أحكام الضّمير-وخاصّة المتّصل-أنّه لا يُعطَف إلاّ بإعادة ما دخل على المعطوف عليه، فلا يُقال: مررتُ بك وـهِ، بل يقال: مررت بك وبه. كذلك الأمر هنا، كُرّرت كلمة (بَيْنَ) لأجل الضّمير المعطوف، فلا يقال: بيني وـكَ.
ونظيره في باب التّوكيد، أنّه لا يؤكّد الضّمير المتّصل إلاّ مع الأداة التي دخلت على المؤكَّد، تقول: مررت به به، ولا تقول: مررت به ـهِ، قال ابن مالك رحمه الله في "الخلاصة":
وَلاَ تُعِدْ لَفْظَ ضَمِيرٍ مُتَّصِلْ إِلاَّ مَعَ اللَّفْظِ الَّذِي بِهِ وُصِلْوالله تعالى أعلم وأعزّ وأكرم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أسماء كرامدي

أسماء كرامدي

عدد الرسائل :
1331

تاريخ التسجيل :
18/04/2009


منهج البحث بين "محمود شاكر" و بين "طه حسين"..؟؟ Empty
مُساهمةموضوع: رد: منهج البحث بين "محمود شاكر" و بين "طه حسين"..؟؟   منهج البحث بين "محمود شاكر" و بين "طه حسين"..؟؟ I_icon_minitimeالأحد 4 أكتوبر 2009 - 22:47

[b]السلام عليكم و رحمة الله
جزاك الله خيرا أخيتي عذرا رسول الله وحفظك من كل سوء.


عدل سابقا من قبل أسماء كرامدي في السبت 4 فبراير 2012 - 22:34 عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أسماء كرامدي

أسماء كرامدي

عدد الرسائل :
1331

تاريخ التسجيل :
18/04/2009


منهج البحث بين "محمود شاكر" و بين "طه حسين"..؟؟ Empty
مُساهمةموضوع: رد: منهج البحث بين "محمود شاكر" و بين "طه حسين"..؟؟   منهج البحث بين "محمود شاكر" و بين "طه حسين"..؟؟ I_icon_minitimeالثلاثاء 6 أكتوبر 2009 - 17:56

السلام عليكم و رحمة الله
فقد ذكرتُ فيما سبق منهجَ البحث عند الكاتبَين "محمود شاكر" و "طه حسين"، و أتيتُ بأقوالهما لنقفَ و نصل إلى حيث أراد الوصول كلاهما، فيا ترى هل كان المنهج واحدا؟ هو نفسُه بين الأستاذ و تلميذه؟ أعني بين طه حسين عميد الأدب العربي، و تلميذه النجيب المحقّق محمود شاكر؟
هل اتّفقا أم اختلفا كل الاختلاف في تحديدهما و رؤيتهما للمنهج؟ و تبعا لذلك: ما هي النتائج و الأفكار التي حقّقاها في سيرهما واقتفائهما لهذا المنهج في آداب أمتنا العربية الإسلامية؟
سؤال : ما هي رسالة كل واحد منهما؟ و ما الذي دعا التلميذَ "شاكر" إلى ترك الدراسة الجامعية، و قد كان "طه حسين" أستاذه؟ ألم يكن الأستاذ يلقي عليهم محاضرات في شأن هذا المنهج الذي ارتضاه لنفسه في تناول الأدب العربي بالدراسة و التحقيق، و كان "محمود شاكر" تلميذا من تلامذته؟ لماذا لم ينبهر هذا التلميذ بمقالات و كتابات أستاذه الدكتور المشهور؟ بل ما الذي دفعه دفعا إلى الرد عليه و نقد آرائه و تفنيدها تفنيدا !!
أي المنهجَين أقرب إلى العقل و السلامة؟ و أيهما أجدى و أنفع في تناول تراثتنا العربي الاسلامي؟؟
اقرأْ و لاحِظْ و ميّز، فسترى الهدف جليا، و تستبين لك الرؤية واضحة وضوح الشمس عند "طه" و "شاكر"..و قارنْ بين الحجج و مدى بيان المحجة عند كلا الباحثين.. و أستمسح الدكتور طه حسين، فقد أخرته سابقا، لذا سأبدأ به اليوم فالأستاذ قبل التلميذ !، و لأنّ كتابات "محمود شاكر" جاءت بعد كتابات أستاذه طه حسين.
-------------
شرط الحرية في دراسة اللغة و الأدب عند طه حسين

"..أريدُ أن يظفر الأدب العربي بهذه الحرية التي تُمكِّنه من أن يكون غاية لا وسيلة. فالأدب عندنا وسيلة إلى الآن، أو قل إن الأدب عند الذين يُعلّمونه و يحتكرونه وسيلة منذ كان عصر الجمود العقلي السياسي، بل قل إن اللغة كلها و ما يتصل بها من علوم و آداب و فنون لا تزال عندنا وسيلة لا تدرس لنفسها،و إنما تدرس من حيث هي سبيل إلى تحقيق غرض آخر، و هي من هذه الناحية مقدسة، و هي من هذه الناحية مبتذلة.و قد يكون من الغريب أن تكون اللغة و الآداب مقدسة و مبتذلة في وقت واحد. و لكنها في حقيقة الأمر مقدسة و مبتذلة: مقدسة لأنها لغة القرآن و الدين، و هي تدرس في رأي أصحاب الأدب القديم من حيث هي وسيلة إلى فهمِ القرآن و الدين. و مبتذلة لأنها لا تُدرس لنفسها، و لأنها درس إضافي.
..و هي من حيث هي مقدسة لا تستطيع أن تخضع للبحث العلمي الصحيح. و كيف تريد أن تُخضعها للبحث العلمي الصحيح، و البحث العلمي الصحيح قد يستلزم النقدَ و التكذيب و الانكار، و الشك على أقلّ تقدير. و ما رأيك في الذي يعرض الأشياء المقدسة لمثل هذه الأمور! و هي من حيث هي مبتذلة لا تستيطع أيضا أن تخضع للبحث العلمي الحديث، و من ذا الذي يُعنى بالأدب و اللغة و علومها و هي وسائل؟ أليس خيرا من ذلك أن يعنى بالغايات؟ و من ذا الذي يستطيع أن يعنى باللغة و الأدب و علومهما و هي قشور؟ أليس خيرا من ذلك أن يعنى باللباب؟و على هذا النحو يصبح الدرس العلمي للغة و الأدب خطرا من جهة، و مزدرى مهينا من جهة أخرى. و كيف تريد أن يدرس علما ينشئه و ينميه و يمكنه من الإزدهار و الإثمار و هو خطير مهين في وقت واحد؟...و أنا أريد أن يكون شأن اللغة و الآداب شأن العلوم التي ظفرت بحريتها و استقلت بها من قبل، و التي اعترفت لها كل السلطات بحقها في الحرية و الاستقلال..
على هذا الشرط وحده يستطيع الأدب العربي أن يحيا حياة ملائمة لحاجات العصر الذي نعيش فيه من الوجهة العلمية و الفنية. و إلى فمالي أدرس الأدب لأعيدَ ما قال القدماء؟ و لم لا أكتفي بنشر ما قال القدماء؟ و ما لي أدرس الأدب لأقصر حياتي على مدح أهل السنة و ذم المعتزلة و الشيعة و الخوارج و ليس لي في هذا كله شأن و لا منفعة و لا غاية علمية؟
الأدب في حاجة إذن إلى هذه الحرية. هو في حاجة إلى ألا يُعتبر علما دينيا و لا وسيلة دينية.و هو في حاجة إلى أن يتحرّر من هذا التقديس. هو في حاجة إلى أن يكون كغيره من العلوم قادرا على أن يخضع للبحث العلمي و النقد و التحليل و الشك و الرفض و الإنكار، لأنّ هذ الأشياء كلها هي الأشياء الخصبة حقا. و اللغة العربية في حاجة إلى أن تتحلل من التقديس، هي في حاجة إلى تخضع لعمل الباحثين كما تخضع المادة لتجارب العلماء. يوم يتحرر الأدب من هذه التبعية و يوم تتحلل اللغة من هذا التقديس يستقيم الأدب حقا و يزهر و يؤتي ثمرا قيما لذيذا حقا.
الصلة بين الأدب و تاريخه

".. فأنت توافقني على أنه مستحيل أن يؤرخ الآداب غير الأديب كما أرخ الثورة غير الثائر و كما يستطيع الملحدون أن يؤرخوا الديانات. ذلك لأنّ تاريخ الأدب لا يستطيع أن يعتمدَ على مناهج البحث العلمي الخالص وحدها، و إنما هو مضطر معها إلى الذوق، هو مضطر معها إلى هذه الملكات الشخصية الفردية التي يجتهد العالم في أن يتحلل منها.فتاريخ الأدب إذن أدبٌ في نفسه من جهة لأنه يتأثر بما يتأثر به مأثور الكلام من الذوق و هذه المؤثرات الفنية المختلفة. و تاريخ الأدب علم من جهة أخرى، و لكنه لا يستطيع أن يكون علما كالعلوم الطبيعية و الرياضية لأنه متأثر بهذه الشخصية، و لأنه لا يستطيع أن يكون بحثا "موضوعيا" كما بذيقول أصحاب العلم، و إنما هو بحث "ذاتي" من وجوه كثيرة. هو إذن شيء وسط بين العلم الخالص و الأدب الخالص: فيه موضوعية العلم، و فيه ذاتية الأدب
طه حسين يشرح مذهبَه في دراسة الأدب الجاهلي

"و هذا نحو من البحث عن تاريخ الجاهليين و لغتهم و أدبهم جديد، لم يألفه الناسُ عندنا من قبل، و أكاد أثق بأن فريقا منهم سيلقونه ساخطين عليه، و بأن فريقا آخر سيزورّون عنه ازورارا. و لكني على سخط أولئك و ازورار هؤلاء، أريد أن أذيعَ هذا البحث ، أو بعبارة أصح أن أقيّده، فقد أذعتُه قبل اليوم حين تحدّثتُ به إلى طلابي في الجامعة. و ليس سرا ما نتحدث به إلى أكثر من مائتين.
و لقد اقتنعتُ بنتائج هذا البحث اقتناعًا ما أعرف أني شعرتُ بمثله في تلك المواقف المختلفة التي وقفتها من تاريخ الأدب العربي و هذا الاقتناع القوي هو الذي يحملني على تقييد هذا البحث و نشره في هذه الفصول، غير حافل بسخط الساخط و لا مكترث بازورار المزور. و أنا مطمئن إلى أنّ هذا البحث و إن أسخط قوما و شقّ على آخرين، فسيُرضي هذه الطائفة القليلة من المستنيرين(1) الذين هم في حقيقة الأمر عدة المستقبل و قِوام النهضة و ذخر الأدب الجديد.
.. نحن بين اثنين: إما أن نقبلَ في الأدب العربي و تاريخه ما قال القدماء، لا تناول ذلك من النقد إلا بهذا المقدار اليسير الذي لا يخلو منه كل بحث، و الذي يتيحُ لنا أن نقول: أخطأ الأصمعي أو أصاب، و وُفّق أبو عبيدة أو لم يوفق، و اهتدى الكسائي أو ضل الطريق، و إما أن نضعَ علمَ المتقدمين كله موضع البحث. لقد أنسيت، فلستُ أريد أن أقولَ البحث، و إنما أريد أن أقول الشك، أريد ألا نقبل شيئا مما قال القدماء في الأدب و تاريخه إلا بعد بحثٍ و تثبيت إن لم ينتهيا إلى اليقين فقد ينتهيان إلى الرجحان.
و الفرق بين هذين المذهبين في البحث عظيم، فهو الفرق بين الايمان و الذي يبعث على الاطمئنان و الرضا، و الشك الذي يبعث على القلق و الاضطراب و ينتهي في كثير من الأحيان إلى الإنكار و الوجود. المذهب الأول يدع كل شي تركه القدماء لا يناله بتغيير و لا تبديل،و لا يمسه في جملته و تفصيله إلا مسّا رفيقا. أما المذهب الثاني فيقلب العلم القديم رأساً على عقب و أخشى إن لم يمحُ أكثرَه أن يمحوَ منه شيئا كثيرا.
تشكيك طه حسين في الأدب الجاهلي و صحّتِهِ !

"...و النتائج اللازمة لهذا المذهب الذي يذهبه المجددون عظيمة جليلة الخطر، فهي إلى الثورة الأدبية أقرب منها إلى كل شيء آخر. و حسبك أنهم يشكون فيما كان الناس يرونه يقينا، و قد يجحدون ما أجمع الناسُ على أنه حق لا شك فيه.
...فأول شيء أفجؤك به في هذا الحديث هو أنني شككتُ في قيمة الأدب الجاهلي و ألححتُ في الشك، أو قلْ ألحًَّ علي الشكُ، فأخذتُ أبحث و أفكر، و أقرأ و أتدبر، حتى انتهى بي هذا كله إلى شيء إلا يكن يقينا فهو قريب من اليقين. ذلك أن الكثرة المطلقة مما نسميه أدبا جاهليا ليست من الجاهلية في شيء، و إنما هي منحولة بعد ظهور الإسلام، فهي إسلامية تمثل حياة المسلمين و ميولهم و أهواءهم أكثر مما تمثل حياة الجاهليين. و لا أكاد أشكّ في أن ما بقي من الأدب الجاهلي الصحيح قليل جدا لا يمثل شيئا و لا يدل على شيء و لا ينبغي الاعتماد عليه في استخراج الصورة الأدبية الصحيحة لهذا العصر الجاهلي. و أنا أُقدر النتائج الخطيرة لهذه النظرية، و لكني مع ذلك لا أتردّد في إثباتها و إداعتها، و لا أضعف عن أن أعلِن إليك و إلى غيرك من القراء أن ما تقرؤه على أنه شعر امرئ القيس أو طرفة أو ابن كلثوم أو عنترة ليس من هؤلاء الناس في شيء، إنما هو نحل الرواة أو اختلاق الأعراب أو صنعة النحاة أو تكلّف القصاص و اختراع المفسرين و المحدثين و المتكلمين."


---------------
(1)سنرى لاحقا إن شاء الله، واحدا من المستنيرين كما سماهم الدكتور طه، و ستكون لنا معه وقفات لنرى أقواله كما وقفنا مع أستاذه هنا، و لكنه ليس من شيعته، إنه تلميذه محمود شاكر رحمه
الله[/font]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أسماء كرامدي

أسماء كرامدي

عدد الرسائل :
1331

تاريخ التسجيل :
18/04/2009


منهج البحث بين "محمود شاكر" و بين "طه حسين"..؟؟ Empty
مُساهمةموضوع: رد: منهج البحث بين "محمود شاكر" و بين "طه حسين"..؟؟   منهج البحث بين "محمود شاكر" و بين "طه حسين"..؟؟ I_icon_minitimeالخميس 8 أكتوبر 2009 - 10:59

- قبل بسط كلام الكاتب محمود شاكر، والنظر في تتمة القول في "المنهج، و حتى تفهم جيدا كلامه الذي سيأتي، و الغرضَ الذي يرمي إليه في بيان المنهج، فاعلَمْ أنّ الكلامَ الذي كتبه قبلُ أستاذه "طه حسين" في الشعر الجاهلي"، ثم عدّله إلى "في الأدب الجاهلي"، قد جاء بعد مقالات المستشرق الانجليزي المسمى "مرجليوث" ببضعة أشهر، حيث كتبَ هذا المستشرق مقالات في "نشأة الشعر العربي"، و شكّك في صحة الشعر الجاهلي و نسبته إلى العرب الذين كانوا قبل الاسلام.. و لم يقل الدكتور"طه حسين" قبل كتابات هذا المستشرق بتشكيكه في الشعر الجاهلي !، و هذا ما دعا الكثير من الكتّاب و المفكرين و الباحثين في وقته و الذين جاؤا من بعده إلى ربط كلام "طه حسين" بكلام المستشرق"مرجليوث"، و أنه –اي الدكتور العربي طه حسين- إنما انتحل الفكرة انتحالا و سرقها سرقة !!,,,و الذي يهمنا هنا هو ردّ المحقق "محمود شاكر"، لأنه تناولَ ثقافة الأمة العربية المسلمة، و وضع المنهاج و المعالم التي تحمي لها ثقافتها..
و أظنك تفهم الكلام الذي سيأتي بعدُ عن المنهج و الثقافة و الاستشراق، و كيف أن هذا الأخير عمل عمله و ما يزال، في تشويه تراثنا و محاولة محوه، و علاقة ذلك تبعا بالطعن و القدح في القرآن !! و في نبي الأمة صلى الله عليه و سلم!!، و علاقة ذلك كله باللغة و الثقافة .


ا[u][b]لعواصم التي تحمي "ما قبل المنهج
[
/u][[/colo

قد بيّنتُ لك ما استطعتُ طبيعةَ هذا الميدان، ميدان "ما قبل المنهج"، و طبيعة النازلين فيه من الكتّاب و العلماء و المفكّرين، ثم المخاوفَ التي تتهدَّدُ "ما قبل المنهج" بالتدمير و الفسادِ حتى يُصبحَ ركاما من الأضاليل، و حتى تفسُدَ الحياة الأدبية فساداً يستعصي أحيانا على البُرء. و أمرُ النازلين فيه أمرٌ شديد الخَطَر، يحتاج إلى ضبطٍ و تحَرٍّ و حَذَر. و لا يغرُرك ما غَرِي به(أي أولِع)، بعضُ المتشدّقين المُموِّهين:" أنّ القاعدة الأساسية في منهج ديكارت، هي أن يتجرّدَ الباحثُ من كلّ شيء كان يعلمُه من قبلُ،و أن يستقبِلَ بحثَه خالِيَ الذّهن خلُوّاً تاما مما قيل" ، فإنه شيءٌ لا أصل له، و يكاد يكون، بهذه الصِّياغة، كذِباً مُصفّى لا يشوبُه ذروٌ من الصدق(و الذرو: دقيق التراب)، بل هو بهذه الصورة خارجٌ عن طوق البشر. هَبْهُ يستطيع أن يُخلي ذهنَه خُلوا تاما مما قيل، و أن يتجرد من كل شيء كان يعلمُه من قبل، أَفَمُستطِيعٌ هو أيضا أن يتجرّدَ من سلطان "اللغة" التي غُذِّي بها صغيرا ، و بها صار إنسانا ناطقا بعد أن كان في المهد وليدا لا ينطق؟ أفمستطيعٌ هو أن يتجردَ من سطوة "الثقافة" التي جرتْ منه مجرى لِبانِ الأم من وليدها؟ أفمستطيعٌ هو أن يتجرّدَ كلّ التجرُّد من بطشةِ "الأهواء" التي تستكين ضارعةً في أغوار النفس وفي كهوفها، حتى تمرُقَ من مكمنها لتستبِدَّ بالقهر و تتسلَّطَ؟= كلامٌ يجري على اللسان بلا زِمامٍ يضبطُهُ أو يكبَحُهُ، محصولُه أنه يتطلب إنساناً فارغاً خاوياً مكوَّناً من عظامٍ كُسِيتْ جلداً ، لا أكثر !

[color=blue]
العواصم التي تحمي من قِبل "الثقافة"


فإذا كان " ما قبل المنهج" مُهدَّداً بالغوائل كلّ هذا التهديد، كما بيّنتُه لك في الفقرة السابقة، غوائل قصُور الإدراك من ناحية، و غوائل الأهواء التي تبدأ بالخاطر الأول الذي يستهوي الباحثَ، و تنتهي إلى المكر و العبث و الكذبِ و خيانة الأمانة= إذا كان هذا، كما وصفتُ لك، فما الذي يعصم من هذا الوباء الحالق الذي يحلق المعرفة حَلْقاً من أصولها؟
فالعاصم يأتي من قِبل "الثقافة" التي تذوبُ في بينان الإنسان و تجري منه مجرى الدّم لا يكاد يُحسُّ به= لا من حيث هي معارف متنوّعة تُدرَكُ بالعقل و حسب، بل من حيث هي معارف "يُؤمن" بصحّتِها من طريق العقل و القلب، و من حيث هي معارف مطلوبةٌ "للعمل" بها، و الالتزام بما يوجبُه ذاك "الايمان"، ثم من حيث هي بعد ذلك "انتماءٌ" إلى هذه الثقافة انتماءً إلى هذه الثقافة انتماءً ينبغي أن يُدركَ معه تمام الإدراك أنه لو فرَّطَ فيه لأدّاهُ تفريطُه إلى الضياع و الهلاك، ضياعِه هو، و ضياعِ ما ينتمي إليه.


رأس كلّ ثقافة هو "الدين" /الأصل الأخلاقي


فرأسُ الأمر، كما ترى، هو ما يتعلق بنفس النازلِ ميدانَ "ما قبل المنهج". و هو بهذه المثابة أصلٌ "أخلاقي" قبل كلّ شيء و بعدَ كلّ شيء. و إغفالُ هذا "الأصل الأخلاقي" من قِبل نازِلِ هذا الميدان، أو من قِبل المتلقّي عنه، يجعل قضيّةَ "المنهج" و "ما قبل المنهج" فَوضَى مُبعثرةً لا يتبيَّنُ فيها حقٌّ من باطل، و لا صدقٌ من كذب، و لا صحيحٌ من سقيم،و لا صوابٌ من خطأٍ. و لذلك قلتُ في الفقرة(11) إنه موضعُ المَخافة التي يستوجبُ الحَذر، و يقتضيك حسنَ التحرّي، أي دِقَّتَه، ثم أتبعتًه بما قلتُ لك في هذه الفقرة.
و رأسُ كل "ثقافة" هو "الدين" بمعناه العام، و الذي هو فطرةُ الإنسان،أيَّ دينٍ كان= أو ما كانفي معنى "الدّين"= و بقدر شُمول هذا "الدين" لجميعِ ما يكبَح جُموحَ النفس الانسانية و يَحجِزُها عن أن تزيغَ عن الفطرة السّوية العادلة= و بقدر تغلغلِه إلى أغوار النفس تغلغُلاً يجعل صاحبَها قادراً غلى ضبطِ الأهواء الجا\رة ، و مُريداً لهذا الضبط = بقدرِ هذا الشمول و هذا التغلغل في بنيان الإنسان، تكونُ قوّة العواصمِ التي تعصِمُ صاحبَها من كل عيبٍ قادح في مسيرة "ما قبل المنهج"، ثم في مسيرة "المنهج" الذي ينشعب من شطره الثاني، و هو"شطر التطبيق"..
و هذا الذي حدّثتك عنه، ليس خاصا بأمة ، بل هو شأنُ كلِّ جيل من الناس و كلّ أمة من الأمم، كان لها "لغة" و كان لها "ثقافة"، و كان لها بعد تمامِ ذلك "حضارةٌ" مؤسَّسةٌ على لغتِها و ثقافتِها. فهذا "الأصلُ الأخلاقي" هو العامل الحاسمُ الذي يُمكّن لثقافةِ الأمّة بمعناها الشامل، أن تبقى متماسكةً مترابطةً تزدادُ على مرِّ الأيام تماسكاً و ترابطاً، بقدر ما يكونُ في هذا "الأصل الأخلاقي" من الوضوح و الشمول و التغلغل و السيطرة على نفوس أهلها جميعا، سواءٌ في ذلك النازلون في ميدان "ما قبل المنهج" أو في ميدان "المنهج" نفسِه، و هم العلماء المفكّرون و الأدباء، و المتلقّون عنهم: تلامذةً كانوا، أو أشباه تلامذة من قارئٍ أو سامعٍ أو كل متطلّب للمعرفةِ. و كلّ اختلالٍ يعرِضُ فَيُضْعِف سيطرة هذا "الأصل الأخلاقي" ، أو يؤدي إلى غموضِه أو غيابِه أو تَناسيه أو قلةِ الاحتفال به، فهو ايذانٌ بتفكُّكِ الثقافة و انهيار الحضارة ايذانا صارخا لا معدى عنه. مهما بلغتْ هذه الثقافة و هذه الحضارةُ، في ظاهر الأمر أو في العيان،مبلغاً سامقا من الغَلَبة و الانتشار، و مهما كان لها من اللألاْ و التبرّج و الزينة ما يفتِنُ العقول ويسبي القلوبَ.
و لحديث عن هذا "الأصل الأخلاقي" في كل ثقافة يطول و يتشعّب، و لكن من المهم أن تعلمَ أنه ليس قواعدَ عقلية ينفرد العقلُ بتقريرها ابتداءً من عند نفسِه، لأنّ القواعد العقلية مهما بلغتْ من القوة و السيطرة لا تستطيع أنتقومَ بهذا العِبء، لسببٍ لا يُمكن إغفالُه في مثل هذه القضية، و هذا السبب هو أنّ الأمرَ كلَّه متعلِّّقٌ بالإنسان نفسه.و كلّ إنسانٍ صندوقٌ مغلق، فيه من الطبائع و الغرائز و الأهواء المتنازعة بين الخير و الشر، و فيه أيضا من القوة و الضعف، مقاديرُ مختلفةٌ لا تكاد تُضبَط أحوالُها و آثارُها، و أيضا لا يكاد يُضبط تقلّبُها تقلّباً يُفضي إلى الحيرة في شأن صاحبِها.و كما لا يتشابه اثنان من البشرِ في الخِلقة و الصورة و الملامِح و معارفِ الوجوه، فكذلك لا يتشابه اثنان في الطبائع و الغرائز و الأهواء، و لا في مقادير القوة و الضعف، و لا في مقادير الأحوال و الآثار و التقلبات لتي تعرضُ لها و تنشأ عنها. فالضابطُ لهذا الموجِ المتلاطم المتصادمِ في الصندوق المغلَق، لا بدّ أن يكون كامناً في سريرة الإنسان نفسه، مُسيطِراً عليه سيطرةً مستمرة لا ينالُها الوهَنُ، و فيه قوّةٌ شاملةٌ قادرةٌ على أن تُمسكَ بهذا الموج المضطرب إمساكاً لا يضطرب، و يكون أيضا رقيباً يقظاً ملازماً لا يغفُلُ، يكبحُ المرءَ عند كلّ التفاتةٍ تصرفُ وجهَه عن سلوك الطريق المستقيم. فالقواعد العقلية المجرّدة، لا تكاد تقومُ بهذا العبء كُلِّه، بل "العقائِدُ" وحدها هي صاحبة هذا السلطان على الانسان، لأنها إما أن تكون مغروزةً في فطرته منذُ خُلق إنسانا عاقلاً مباينا لسائرِ الحيوان، و إما أن تكون مكتسبةً، و لكنها مُنَزَّلَةٌ منزلة العقائد المغروزة فيه، و لأنها جميعا هي التي يرتضعُها من أمّه و أبيه و جماعتِه منذ كان وليداً إلى أن يشِبَّ و يعقل. و لذلك قلتُ لك آنفا إنّ هذا الرابط الرقيب يأتي من قِبل "الثقافة"، و رأسُ الثقافة هو "الدين" أو ما كان في معنى "الدين".


[center]الأصل الأخلاقي الفريد بالكمال في أمّتِنا[/center] (1)

و أسلافُنا، نحن العرب و المسلمين، قد منحُوا هذا "الأصل الأخلاقي" عنايةً فائقةً شاملةً، لم يكن لها شبيهٌ عند أمّةٍ سبقتهم، و لم يُتح لأمّةٍ لحقَتهم و جاءت بعدهم أن يكونَ لها عندهم شبيهٌ أو مقاربٌ. و هذه العناية يالأصل الأخلاقي هي التي حفِظتْ على الثقافة الاسلامية تماسُكَها و ترابطَها مدّةَ أربعة عشرَ قرناً، مع كلّ ما مرّ عليها من القوارعِ و النّكبات و وقائعِ الدهر على طولِ هذا المدى، و مع كلّ ما انتابها من الضعف، و مع كل ما اعتورها أو دخلَ عليها من التقصير و الخلل. و بقاءُ هذا التماسك على طول القرون، هو إحدى عجائبِ الحضارات و الثقافات التي عرفها البشرُ.

-------------
و بعد أن مضى الكاتبُ في شرح قضية الحروب الصليبية و الصراع الذي كان بين المسيحية و ديار الاسلام، ثم اليقظة التي عرفتها أوريا و انبعاث العصور الحديثة المستمرة إلى يومنا هذا، طفق المحقّق يركّز على عمل "الاستشراق" و جهوده المبذولة للاستعمار و التبشير، و بيان أهدافه و وسائله، كلّ ذلك جواباعلى سؤاله الذي طرحه في مقدمة رسالته: "كيف نشأَ الخِلافُ؟ و لمَ، بيني و بين هذه "المناهج الأدبية" السائدة؟ و لا يأتيك الجواب صريحا مبينا حتى أقصَّ عليك قصةَ تاريخٍ طويل سوف أختصره لك اختصارا موجَزا.و ذلك لأن هذا الفساد لم يدخُل على ثقافتِنا دخولاً يوشِك أنْ يطمِسَ معالمها و يُطفئ أنوارَها، إلا بعد التصادم الصامتِ المخيف الذي حدثَ بيننا و بين الثقافة الأوربية الحاضرة. و إذا نحن أغفلنا هذا التاريخ و لم نتبيّنه تبيُّنا واضحا، فكأننا أغفلنا القضية كلها، و أسقطناها إسقاطا من عقولنان و خالفنا سُنّة العقلاء المميّزين في التبصّر و التبيّن و ترك التساهل عند مواطن الخطر، و صار كلامنا في "الثقافة" سُدى كلّه و هدرا، ثم عبثا و ثرثرةً و تغريراً، كما هو حادثٌ الآن في حياتنا الأدبية هذه الفاسدة، و صار الأمر كله جُبنا عن طلب الحق.."

و لا تظهر الصورة جلية واضحة لهذا التصادم الذي كان بيننا و بين الثقافة الاوربية، إلا بعد بيان عمل الاستشراق الذي ركّز عليه الكاتب أيما تركيز.لماذا؟ قال:" ..ليس من همي هنا "التبشير".. و ليس من همي هنا "الاستعمار".. و لكن همي هنا مصروف إلى "الاستشراق" لعلاقته الحميمة بفسادِ حياتنا الأدبية و الاجتماعية.."
يُدلّل الكاتب على إثرها على ما يلي :
1. نهب الاستشراق تراث دار الإسلام.
2. ما كتبه المستشرقون موجّه إلى المثقف الأوربي لا غير
3. الصورة التي صوروا بها العالم الاسلامي للمثقف الاوربي
4. عمل الاستشراق موجه للمثقف الأوربي لحمايتِه
5. كتب الاستشراق لا توصف بأنها"علمية"
6. المستشرق عارٍ من شروط "المنهج" و ما "قبل المنهج"
7. نشأة المستشرق تمنعه من الدخول تحت شروط "المنهج الثلاثة"
8. طوران في الطريق إلى الثقافة: الدين و اللغة(1)
9. ثقافة عالمية: كلمة باطلة. و لم؟
( يُتبَع إن شاء الله
في حلقة أخيرة)

------------------
( 1)قال شاكر:كان ينبغي هنا أن أُتمّم القول في نشأة "الأصل الأخلاقي" الذي بُنيت عليه ثقافتنا، منذ حدثَ أوّلُ خلاف بين وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم، بين أبي بكر و عمر و زيد بن ثابت في جمع القرآن العظيم و كتابتِه بين دفَّتَين،ثم ما تلا ذلك من طلب التوثُّق في رواية حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم، ثم ما كان من أمر علماء الصحابة في الفتوى، ثم ما كان في أمر التابعين ثم مَنْ بعدهم حتى نشَأَ علمُ الجرح و التعديل، و هو علمٌ فريد لا مثيل له عند أمة من الأمم, ثم غلبَة هذا "الأصل الأخلاقي"على الثقافة العربية الاسلامية كلِّها، في جمع علومها، و عناية هذه الامة بإفرادِ هذا الأصل بالتأليفِ ، كالذي ألّفوه في آداب العالم و المتعلّم ، و الفقيه و المتفقّه،و علم النظر و المناظرة و علم الجدل، و علم آداب الدرس،إلى غير ذلك مما هو اليوم مجهولٌ أو كالمجهول لانصراف الناس عنه، و تركهم جمع شتاته، و إعادة النظر فيه,
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أسماء كرامدي

أسماء كرامدي

عدد الرسائل :
1331

تاريخ التسجيل :
18/04/2009


منهج البحث بين "محمود شاكر" و بين "طه حسين"..؟؟ Empty
مُساهمةموضوع: رد: منهج البحث بين "محمود شاكر" و بين "طه حسين"..؟؟   منهج البحث بين "محمود شاكر" و بين "طه حسين"..؟؟ I_icon_minitimeالخميس 8 أكتوبر 2009 - 18:14


شروط المنهج:"اللغة" و "الثقافة" و "البراءة من الأهواء"

- و إذا كان أمر "اللغة" شديداً لا يسمَحُ بدخول "المستشرق" تحت هذا الشرط اللازمِ للقِلَّةِ التي التي تنزل ميدان "المنهج" و "ما قبل المنهج"، فإنّ شرط "الثقافة" أشدُّ و أعتى،لأنّ "الثقافةَ"، كما قلتُ:"سِرٌّ من الأسرار الملثّمة في كلّ أمة من الأمم و في كل جيل من البشر، و هي في أصلها الراسخِ البعيد الغور، معارفُ كثيرةٌ لا تُحصى، متنوّعةٌ أبلغَ التنوّع لا يكاد يُحاطُ بها ، مطلوبةٌ في كل مجتمع إنساني، للإيمانِ بها أولا من طريق العقل و القلبِ= ثم للعمل بها حتى تذوبَ في بنيان الإنسان و تجري منه مجرى الدم لا يكاد يحسُّ به= ثم للإنتماء إليها بعقله و قلبه انتماءً يحفظه و يحفظُها من التّفكُّكِ و الانهيار"،و هذه القيود الثلاثة،"الإيمان" و "العمل" و الانتماء"، هي أعمدةُ "الثقافة" و اركانُها التي لا يكونُ لها وجودٌ ظاهرٌ محقَّق إلا بها، و إلا انتقضَ بُنيان "الثقافة"، و صارت مجرّدَ معلوماتٍ و معارفَ و أقوالٍ مطروحةٍ في الطريق، متفكّكة لا يجمع بينها جامعٌ، و لا يقوم لها تماسكٌ و لا ترابطٌ و لا تشابك.
- و بديهيٌّ، بل هو فوق البديهي، أنّ شرط "الثقافة" بقيودِه الثلاثة، ممتنعِ على "المستشرق" كلَّ الامتناع، بل هو أدخلُ في باب الاستحالة من اجتماعِ الماء و النار في إناءٍ واحد، كما يقول أبو الحسن التّهامي الشاعرُ:
و مُكَلِّفُ الأيامِ ضِدَّ طِبَاعِها مُتطَلِّبٌ في الماءِ جُذْوَةَ نَارِ
و ذلك لأنّ "الثقافة" و "اللغة" متداخلتان تداخلاً لا انفكاكَ له،و يترافَدان و يتلاقحان بأسلوبٍ خفيّ غامض كثير المداخل و المخارجِ و المسارب، و يمتزجان امتزاجاً واحداً غير قابلٍ للفصل، في كل جيل من البشر و في كل أمة من الأمم. و يبدأ هذا التداخل و الترافُد و التلاقُح و التمازُج منذُ ساعة يولَدُ الوليد صارخاً يتلمّس ثدي أمّه تلمُّساً، و يسمَعُ رَجْعَ صوتِها و هي تُهدهِدُهُ و تُناغِيه، ثم يظلّ يرتضعُ لِبانَ "اللغة" الأول، و لِبان"الثقافة" الأول، شيئا فشيئا، عن أمّه و أبيه حتى يعقِلَ، فإذا عقلَ تولاّهُ معهما المعلمون و المؤدّبون حتى يستحصِد(اي يشتدّ عوده)، فإذا استحصد و صار مُطيقاً إطاقةً ما للبصر بمواضعِ الصواب و الخطأ، قادراً قدرةً ما على فحصِ الأدلة و استنباطِها فناظَرَ و باحثَ و جادل، فعندئذٍ يكون قد وضعَ قدمَهُ على أول الطريق= لا طريق "المنهج" و "ما قبل المنهج" ، فهذا بعيدٌ جدا كما رأيت= بل على الطريق المُفْضي إلى أن تكون له "ثقافة" يؤمن بها عن طريق العقل و القلب= و يعملَ بها حتى تذوب في بنيانه و تجري منه مجرى الدم لا يحس به= و ينتمي إليها بعقله و قلبه و خياله انتماءً يحفظه و يحفظها من التّفكك و الانهيار، كما أسلفتُ. و هذا كما ترى، شرطٌ لازمٌ للبدءِ في الإحاطة بأسرارِ "اللغة"، ثم "اللغة" بعد ذلك، هي التي تُمهِّد له الطريق إلى الإحاطة بأسرارِ "الثقافة" ، لأنّ أمر "الإحاطة" عندئذ منوطٌ كله بالقدرةِ على تمحيص مفردات "اللغة" تمحيصاً دقيقا، و تحليل تراكيبها و أجزاءِ تراكيبها بدِقَّةٍ متناهيةٍ، و بمهارةٍ و حِذقٍ و حَذَر، حتى يرَى ما هو زيفٌ جليا واضحاً، و ما هو صحيحٌ مستبيناً ظاهراً، بلا غفلة و لا هوى و لا تسرّع، = ثم منوطٌ أيضا بالقدرة الفائقة على النظر في "الثقافة" و على ترتيبِ مادَتِها بعد نفْيِ زيفِها و تمحيص جّده، باستيعابٍ لكل احتمالٍ للخطأ أو الهوى أو التسرّع، متحرّياً وضع كلِّ حقيقة من الحقائق موضعها، لأن أخفى إساءةٍ في وضع إحدى الحقائق في غير موضعها، خليقٌ بأن يُشوِّهَ عمودَ الصورة تشويهاً بالَغَ القُبح و الشناعةِ.

تتمّة القول في خُلُوِّ "المستشرق" من شروط "المنهج"[
/b]
فقبلَ كلّ شيء، أنَّى للمستشرق أن يحوزَ ما لا يحوزُه إلا من وُلد في بحبوحة اللغة و ثقافتها منذُ كان في المهد صبيا، ثم نُشِّيء فيها و ارتضعَ و أُدِّبَ حتى عَقلَ و استحصد؟ غيرُ ممكنٍ. و هَبْهُ ممكناً أن يأتِيَ "المستشرق" على الكِبَر فيعاشر أصحابَ هذه اللغة و هذه الثقافة و يُخالطَهم دهراً طويلا، و هَبْهُ ممكناً أيضا ان ينْسى كلَّ ما نَشأَ هو فيه صغيرا و أُدِّبَ، أفَمُمْكِنٌ هو أن يحوزَ ذلك كلَّه، و هو مقيم في بلادِه بين أهل و عشيرته، بأن يتعلَم على الكِبر من معلِّمٍ يُعلّمه لغةً و ثقافةً هما معاً أجنبيّان عنه و عن معلِّمه جميعا؟غيرُ ممكن. أقصى ما يبلغُه هذا "المستشرق" بعد عشراتِ السنين من الدّأَبِ و الجهد، و بعد أن تشيبَ قرونُه،(القرون:ضفائر شعر الرأس)، أن يكون شادياً لا أكثر،(و الشادي:الذي تعلّمَ شيئا من العلم و الأدب ، أي أخذ طَرَفاً منه)، اي أنه إنما تعلَّم لغةً أجنبيّةً عنه و بَسْ. هذا صريحُ العقل، إذنْ فخَبِّرنِي: أهو ممكن أن يكون مجرّد تعلّم لغةٍ أنتَ فيها شادٍ، كفيلاً بأن يجعلَكَ كاتباً و باحثاً في أسرار هذه اللغة و في ثقافتِها، مهما كانت منزلتك أنت في لغتك و ثقافتك؟ أمُمكنٌ هو؟ مُجرّد خطور إمكانِ هذا في وهْمِك، مُخرجٌ لك من حدِّ العقل.فأعجبُ العجب،إذن،أن يَعُدَّ أحدٌ شيئا مما كتبَهُ "المستشرقون" في لغتنا و ثقافتنا و تاريخنا و ديننا، داخلاً في حدّ الممكن، و أن يراهُ مُتضمِّناً لرأيٍ حقيقٍ بالاحترامِ و التقدير، فضلا عن أن يكون "عملا علمياًّ" أو"بحثاً منهجياً" نسترشدُ به نحنُ في شؤون لُغتنا و ثقافتنا و تاريخنا و ديننا، كما هو السائد اليوم في حياتنا هذه الأدبية الفاسدة. أليس هذا شيئاً لا يُطاق سماعُه و لا تصوّره؟ و مع ذلك فهو كائنٌ معمولٌ به بلا غضاضةٍ، أليس هذا غريبا! أليس غريباً جدا أن لا يكون لمثلِ هذا شبيهٌ البتّة في أي لغةٍ و في أي ثقافة كانت في الأرض، أو هي كائنة اليوم؟ و قلتُ يوما:"أرأيتَ قطّ رجلاً من غير الانجليز أو الألمان مثلان مهما بلغَ من العلم و المعرفة، كان مسموعَ الكلمة في آداب اللغة الانجليزية و خصائص لُغتها،و في تاريخ الأمة الانجليزية، و في حياة المجتمع الانجليزي، يدينُ له علماء الانجليز بالطاعة و التسليم"؟ أليس غريبا أن يكون غيرُ الممكن ممكناً في ثقافتِنا نحن وحدهان دون سائر ثقافات البشر قديمِها و حديثها؟ غريبٌ عجيبٌ لا محالة.


[b]"ثقافة عالمية"، كلمة باطلة، و لم؟

و "ثقافة" كلّ أمة و كل "لغة" هي حصيلةُ أبنائها المثقّفين بقدر مشترك من أصول و فروعٍ، كلها مغموسٌ في "الدين" المُتلقّى عند النشأة. فهو لذلك صاحبُ السلطان المُطلَق الخَفِيّ على اللغة و على النفس و على العقل جميعا، سلطانٌ لا يُنكره إلا من لا يُبالي بالتفكُّر في المنابع الأُوَل التي تجعل الإنسان ناطقاً و عاقلاً و مبيناً عن نفسه،و مستبيناً عن غيره. فثقافةُ كل أُمّة مِرآةٌ جامعةٌ في حيِّزِها المحدود كل ما تشعَّثَ و تشتّتَ و تباعدَ من ثقافة كل فردٍ من أبنائها على اختلاف مقاديرهم و مشاربهم و مذاهِبهم و مداخلهم و مخارجهم في الحياة. و جوهَرُ هذه المرآة هو "اللغة"، و"اللغة" و "الدين"، كما أسلفت، متداخلان تداخلا غيرَ قابل للفصل البتّة.
فباطلٌ كل البطلانِ أن يكون في الدنيا على ما هي عليه، "ثقافة" يُمكن أن تكون "ثقافة عالمية"، أي ثقافة واحدة يشترك فيها البشرُ جميعا و يمتزجون على اختلاف لغاتهم و مِلَلِهم و نِحَلِهم و أجناسهم و أوطانهم. فهذا تدليسٌ كبير، و إنما يُراد بشُيوع هذه المقولة بين الناس و الأمم، هدفٌ آخرُ يتعلّق بفرضِ سيطرة أُمّةٍ غالبةٍ على أمم مغلوبة، لتبقى تبعا لها.فالثقافات متعددة بتعدد المِللن و متميزة بتميز الملل، و لكلّ ثقافة أسلوبٌ في التفكير و النظر و الاستدلال مُنتَزع من"الدين" الذي تدينُ به لا محالة.
فالثقافات المتباينة تتحاور و تتناظر و تتناقش، و لكن لا تتداخل تداخلا يُفضي إلى الامتزاجِ البتّةَ، و لا يأخذ بعضها عن بعض شيئا، إلا بعد عرضِه على أسلوبِها في التفكير و النظر و الاستدلال، فإن استجاب للأسلوب أخذته و عدّلته و خلَّصته من الشوائب، و إن استعصى نبذته و اطَّرحته. و هذا بابٌ واسع جدا ليس هذا مكان بيانه، و لكني لا أُفارِقُه حتى أُنبِّهَك لشيء مهمّ جدا، هو أن تفصِلَ فصلا حاسما بين ما يُسمّى "ثقافة" و بين ما يُسمى اليوم "علماً"، (أعني العلوم البحتة)، لأنّ لكل منهما طبيعةً مباينة للآخر، فالثقافة مقصورة على أمة واحدة تدين بدين واحد، و العلمُ مشاعٌ بين خلق الله جميعا، يشتركون فيه اشتراكا واحدا مهما اختلفت الملل و العقائد.

لغة "المستشرق" و "ثقافته" تُخرجه من شروط "المنهج"[/center]
- فإذا عرفتَ هذا و استبصرتَ خَبيئَه، و أنعمت النظر فيه،فعندئذ يُفضي بك النّظر إلى أمر "المستشرق". فهو حين ينظرُ في "ثقافة" أمة أخرى غير أمته، إنما ينظر فيها لأحد أمرين: إما أن ينظر فيها ليكسبَ منها شيئا لأمته و ثقافته، و إما أن ينظر فيها ليُناظرَ و يناقش. و كلا الأمرين حقٌّ له لا ينازعه فيه منازع. و في كلا الأمرَين هو واقعٌ في مأزقٍ ضيق: مأزق "اللغة" و مأزق "الثقافة". لا يستطيع أن يأخذ إلا على قدْر ما فهم من "لغة" غريبة أصلا عن لغته، لا يستطيع أن يُناقش إلا على قدْر ما يتصوَّرُ أنه استبانه و أدركه من "ثقافة" غريبة عن ثقافته. و لكن ليس هذا شأنَه وحده، بل هو شأني و شأنك أيضا في ثقافة "المستشرق" و أمته التي ينتمي إليها، و على نفس القاعدة التي ذكرتها لك قبل أسطر.
و لكن "المستشرق"، وإن يكن قد فعل الأمرين جميعا خدمة لأمته، كما مضى ذكره، فإنه قد جاء فدخلَ مدخلاً آخر من غير هذين البابينن و دخوله من هذا الباب الثالث هو موضع النزاع بيننا و بينه، دخلَ لا مستفيدا و لا مناقشا، بل دخلَ باحثا و دارسا عليه طيلسان العلم في ميدان "المنهج" و "ما قل المنهج"، و هو ميدانٌ له شروط لازمة لا تختلّ. دخل في "لغة" هو هجين فيها كل الهجنة، و في "ثقافة" هو غريب عنها كل الغربة. و دخوله هذا عملٌ مستشنع في ذاته، لأنه اجتراءٌ على دخول هذا الميدان بغير حقه، و لا يُسمح بمثله في ثقافة أمته هو نفسه، لأنه لا يملك شيئا ذا بال من مسوّغاته ، و لا تسمح به طبيعة ما يمكن أن يسمى "بحثاً" أو "دراسة".."

[center]الخاتمة :تمام فساد حياتنا الأدبية

أما الآن...فإني أتلفّتُ إلى الأيام الغابرة البعيدة، حين كنتُ أُشفق من مغَبَّة السُّنَن التي سنَّها لنا الأساتذة الكبار، كسنّة "تلخيص" أفكار عالَم آخرن و يقضي أحدَهُم عمره كله في هذا التلخيصن دون أن يشعر بأنه أمرٌ محفوف بالأخطار، و دون أن يستنكف أن ينسبه إلى نفسه نسبة تجعله عند الناس كاتباً و مؤلفاً و صاحب فكر، هذا ضربٌ من التدليس كريه. و مع ذلك فهو أهونُ من "السطو" المجرد، حين يعمد الساطي إلى ما سطا عليه ، فيأخذه فيمزّقه ثم يُفرّقه و يُغرقه في ثرثرة طاغية ، ليخفى معالمَ ما سطا عليه، و ليصبح عند الناس صاحب فكر و رأي و مذهب يُعرف به، و يُنسب كل فضل إليه. و مع ذلك، فهذا أهونُ من "الاستخفاف" بتراثٍ متكاملٍ بلا سببٍ، و بلا بحثٍ، و بلا نظر، ثم دعوة من يعلمون علما جازما أنه غير مطيق لما أطاقوا ،إلى الاستخفاف به/ كما استخفّ هو. و مع ذلك أيضا،فهذا أهونُ مما فعلوه و سنُّوه من سُنّة "الإرهاب الثقافي" الذي جعل ألفاظَ "القديم" و "الجديد"و "التقليد" و "التجديد" و "التخلف" و "التقدم" و "الجمود" و "التّحرّر"ن و "ثقافة الماضي"و "ثقافة العصر"= سياطا ملهبة، بعضها سياط حثّ و تخويف لمن أطاع و أتى، و بعضها سياط عذاب لمن خالف و أبى.
أتلفّتُ اليوم إلى ما اشفقتُ منه قديما من فعل الأساتذة الكبار! لقد ذهبوا بعد أن تركوا ن من حيث أرادوا أو لم يريدوا، حياةً أدبيةً و ثقافية قد فسدتْ فسادا وبيلا على مدى نصف قرنن و تجدّدت الأساليب و تنوّعت، و صار "السطو" على أعمال الناس أمرا مألوفا غير مستنكر، يمشي في الناس طليقا عليه طيلسان "البحث العلمي" و "عالمية الثقافة"،و "الثقافة الانسانية"ن و إن لم يكن محصوله إلا ترديداً لقضايا غريبة، صاغها غرباءُ صياغة مطابقةً لمناهجِهِم و منابتِهم و نظراتِهم في كل قضية، و اختلط الحابل بالنابل، قلْ ذلك في الأدب و الفلسفة و التاريخ و الفنّ أو ما شئت، فإنه صادقٌ صدقا لا يتخلّف.فالأديب منا مصوِّرٌ بقلم غيرهن و الفيلسوف منا مفكّر بعقل سواهن و المؤرخ منا ناقد للأحداث بنظر غريب عن تاريخه، و الفنان منا نابضٌ قلبُه بنبض أجنبيّ عن تراث فنّه.
و أما الثرثرة و الاستخفاف، فحدِّثْ و لا حرج، فالصبي الكبير يهزأ مزهوّاً بالخليل و سيبويهو فلان و فلانٍن و لو بُعث أحدهم من مرقده، ثم نظر إليه نظرةً دون أن يتكلم لألجمه العرق، و لصار لسانُه مُضغةً لا تتلجلج بين فكيه، من الهيبة وحدها، لا من علمه الذي يستخف به و يهزأ.
و الله المستعان على كل بلية، و هو المسؤول أن يكشفها، و هو كاشفها بمشيئته، رحمة بأمة مسكينة، هؤلاء ذنوبها كانوا،و أشباهٌ لهم سبقوا، و غفرانك اللهم.
-------------
وقفة:
و بعد، فإني أشهدُ كما شهد قبلي الكاتبُ "شاكر" رحمه الله، أنّ حياتنا الأدبية في زمننا هذا ما تزال على ما ذكره الكاتب، و لهذا اخترتُ عرضَ "المنهج بين محمود شاكر و طه حسين"، لقيمته و ضرورته في دراستنِا الأدبية!، و للحذر و النظر في طريقة أخذنا و تلقينا عن هذه المناهج التي بها يُدرس الأدب العربي و تراثه و نقده، و لهذا كانت كتابات "شاكر" رحمه الله بمثابة المنارة التي تستوقف القارئين عموما، و الطلبة في الجامعات خصوصا !، كيف لا؟ و هم عمدة المستقبل و جيل الأمة !، حيث لا تزال دراستنا و نقدنا للأدب العربي في الجامعات، تسير على منهج غير واضح المعالم، أعني وفق نظرة المستشرقين و ما يخدم الغربَ و يهدم تراثنا، و لهذا وجب على الطالب أن يعي هذا الأمر جيدا و يتنبّه له، و لا يكتفي بكتابة ما يُلقى عليه ! فكيف إذا صارت الكتابة هي همّه و غايته من المحاضرات!؟..أقول هذا لأني كنتُ طالبة في هذه المعاهد، حيث ألقى علينا أستاذ في "النقد الأدبي"، كلاما في الاستشهاد بأقوال الصحابي عمر رضي الله عنه، و موقفه-أي نقده- من الشعر، و كيف أنه-الأستاذ- جعل "يذمّ" و "يقدح" في عمر رضي الله عنه قدحا لاذعا، لا أحبّ ذكره هنا، و كيف أن الطلبة سكتوا و لم يعيروا أيّ اهتمام لهذا الذم و السب في شخص صحابي جليل !!، و أني عندما قاطعتُ الأستاذ الذي لم يشأ أن يأذنَ لي بالكلام، و أبديتُ اعتراضي و رددتُ على الأستاذ، لا أنسى موقف أغلب الطلبة الذين لم ينطقوا بكلمة، و الذين أنكروا تدخلي هذا، و غضبوا لكوني "أزعجتُهم" و حلتُ بينهم و بين مواصلة تسطير ما يُملى عليهم !!..احترتُ كثيرا يومها و تساءلتُ عن سبب هذا التصرف، لماذا يسكت الطلبة بل و يسجلون كلام الاستاذ في نقد عمر و سبه!؟ألأنّ ذاك "القدح" داخل في "المقرر العلمي"؟ .. و كان الأمر نفسه في معظم المحاضرات، ناهيك عن الأدب الأجنبي الذي كان كله في تعظيم الأدب اليوناني الاغريقي !..و موقف الأستاذة التي كانت تنزعج كثيرا عند سماعها كلمة "إن شاء الله" !، و كيف أنها لامتني مرة أشد اللوم عندما قلتُ عن شاعر الاغريق و صاحب الاليادة "هوميروس"، قلتُ عنه: "إن هوميروس "هذا" قد كتب..." فاستوقفتني و وبّختني على لفظة الإشارة "هذا" التي أوحتْ لها فيما أوحتْ بالتقليل و التهوين من شأنِ أحد قادة الفكر الأوربي، فانزعجت و ثارتْ! فكيف لم "يغضب" الطلبة "للتصريح" الذي كان عن سبّ الصحابي الجليل!؟؟ ....يحدث هذا و أشد منه فظاعة في تعلّم و تعليم تراثنا بمعهد "الأدب العربي" الذي تُدرَّس فيه علوم القرآن (من حيث نظمه و علاقة ذلك بإعجازه)، و فقه اللغة و علوم النحو(و التي درسنا فيها أن "الشعر الجاهلي" هو المصدر الأول من مصادر الاحتجاج لهذا النحو! ثم يليه "القرآن". لماذا؟ لأنّ الشعر الجاهلي سبق القرآنَ، و لأن القرآن يحتكم إلى سليقة العرب في لغتهم،و قد تحداهم بأن يأتوا بمثله. و يُحتجّ لبلاغة القرآن و فصاحته و إعجازه بالشعر الجاهلي!! لأنه إنما أُنزل بلغتهم! فإذا قيل بالتشكيك في صحة الشعر الجاهلي، انظر حينئذ إلى النتائج المترتبة عن هذه الدعوى)، و كل ما يتصل بالأدب من مواد..هي كلها علوم نافعة جليلة، و لعمري يُدسّ في ثناياها سمّ خفيّ أو قلْ أحيانا هو ظاهر! ، الغرض منه واضح لمن لم تنقطع صلته بتراث أمته و لم ينسلخ عقله و وجدانُه منها. فما ظنّك بمن دخل هذا المعهد و لا يفقه الكثير و لا يعي من أمر تراثه و أدبه و دينه إلا القليل القليل، و كان قلبه و وجدانه ينبضان بتراث الغير نبضا، أعني تراث الغرب.
فأيّ طالب هذا الذي يرضى بالقدح و الذم في خيرة من يمثل تراثه و ثقافتَه العربية الاسلامية !؟ و أي همّ هذا إن كان محصورا في الكتابة للحفظ و ردّ بضاعة الأستاذ، ليعطيه معدّل الانتقال إلى السنة الموالية!؟؟
ثم من منا لم ينشأ على قراءة كتب "الاستشراق"؟ أذكر أن أول كتاب قرأتُه عن أمنا خديجة رضي الله عنها كان لمستشرق، و كذا كتب كتب عديدة في الدين قرأتُها لمؤلفين أعاجم مستشرقين،و لا أنسى تلك الأحكام التي أطلقها هؤلاء على بعض السلف، و عتابهم لأم المؤمنين "عائشة" رضي الله عنها، و ما يزال هؤلاء يكتبون في تراث أمتنا، و مؤخرا وقع نظري على كتاب ضخم في سيرة رسول الله صلى الله عليه و سلم لكاتب "مستشرق"، فما ظنك بما في الكتاب من "آثار" ؟؟
رحم الله شاكرا و أجزل له المثوبة و العطاء، و يوم "تصلح" حياتنا الأدبية، قد يُذكر "شاكر" و قد تُدرَّس كتبه و مؤلفاته، و قد يتاح لهذا "المنهج" الذي وفاه "شاكر"حقَّه في الشرح، أن يُسيطر و تكون له الغلبة على دراساتنا وحياتنا الأدبية..
و غفر الله لطه حسين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عذرا رسول الله
Admin
عذرا رسول الله

عدد الرسائل :
3866

تاريخ التسجيل :
09/07/2008


منهج البحث بين "محمود شاكر" و بين "طه حسين"..؟؟ Empty
مُساهمةموضوع: رد: منهج البحث بين "محمود شاكر" و بين "طه حسين"..؟؟   منهج البحث بين "محمود شاكر" و بين "طه حسين"..؟؟ I_icon_minitimeالخميس 8 أكتوبر 2009 - 21:48

أحسنت, أحسن الله إليك أخية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سمير زمال

سمير زمال

عدد الرسائل :
6494

العمر :
33

تاريخ التسجيل :
07/04/2008


منهج البحث بين "محمود شاكر" و بين "طه حسين"..؟؟ Empty
مُساهمةموضوع: رد: منهج البحث بين "محمود شاكر" و بين "طه حسين"..؟؟   منهج البحث بين "محمود شاكر" و بين "طه حسين"..؟؟ I_icon_minitimeالإثنين 12 أكتوبر 2009 - 21:56

بارك الله فيك اخيه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://tebessa.alafdal.net
العاصمي من الجزائر

العاصمي من الجزائر

عدد الرسائل :
689

الموقع :
www.rslan.com

تاريخ التسجيل :
24/07/2009


منهج البحث بين "محمود شاكر" و بين "طه حسين"..؟؟ Empty
مُساهمةموضوع: رد: منهج البحث بين "محمود شاكر" و بين "طه حسين"..؟؟   منهج البحث بين "محمود شاكر" و بين "طه حسين"..؟؟ I_icon_minitimeالخميس 12 نوفمبر 2009 - 13:41

موضوع رائع زاد من روعته تلك الوقفة التي كشفت فيها الأخت الفاضلة عن خطورة السكوت أو تجاهل خطر تسلل العناصر الأجنبية لتراثنا مما أدى إلى ما أسماه العلامة اللغوي أبا فهر (فساد الحياة الأدبية) نعم هي حالة فساد عام وشامل يأتي على روح الثقافة فيجتثها وعلى أسس المدنية فيعصف بها عصف الريح بالرماد وما تلك الأمساخ الغريبة والنماذج السيئة التي نراها من حولنا في الصحف وعلى وسائط الإعلام إلاّ دليلا آخر على شدة هذا ال(الفساد) الفكري والأدبي وعمق أثره في بناء الشخصية الهزيلة لجيل اليوم ..
موضوع رائع وحديث ماتع لم أجد أمامه إلاّ أن أعدكم بنقل ذيل الرسالة كاملا ووعد الحرّ دين عليه ..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
العاصمي من الجزائر

العاصمي من الجزائر

عدد الرسائل :
689

الموقع :
www.rslan.com

تاريخ التسجيل :
24/07/2009


منهج البحث بين "محمود شاكر" و بين "طه حسين"..؟؟ Empty
مُساهمةموضوع: رد: منهج البحث بين "محمود شاكر" و بين "طه حسين"..؟؟   منهج البحث بين "محمود شاكر" و بين "طه حسين"..؟؟ I_icon_minitimeالثلاثاء 2 مارس 2010 - 12:21

وها أنا قد وفيت بعهدي و أكاد إذ أتممت نسخ الصفحات المقصودة (ذيل الرسالة) إلاّ أنّي أأجّل نشره على منتدى تبسة إلى غاية ضبط النص وكتابة مقدمة صغيرة أعبّر فيها عن شيء مما إستفدته من قراءة ونسخ الموضوع وهذا لأسباب تقنية متعلّقة بخدمة الإنترنيت عندي إذ لا أستطيع الرد والإنشاء والإقتباس والتنسيق بل أكب من خلال خاصية الردّ السريع فقط
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أسماء كرامدي

أسماء كرامدي

عدد الرسائل :
1331

تاريخ التسجيل :
18/04/2009


منهج البحث بين "محمود شاكر" و بين "طه حسين"..؟؟ Empty
مُساهمةموضوع: رد: منهج البحث بين "محمود شاكر" و بين "طه حسين"..؟؟   منهج البحث بين "محمود شاكر" و بين "طه حسين"..؟؟ I_icon_minitimeالثلاثاء 2 مارس 2010 - 22:21

كتب العاصمي من الجزائر :
وها أنا قد وفيت بعهدي و أكاد إذ أتممت نسخ
الصفحات المقصودة (ذيل الرسالة) إلاّ أنّي أأجّل
نشره على منتدى تبسة إلى غاية ضبط النص وكتابة مقدمة صغيرة أعبّر فيها عن
شيء مما إستفدته من قراءة ونسخ الموضوع وهذا لأسباب تقنية متعلّقة بخدمة
الإنترنيت عندي إذ لا أستطيع الرد والإنشاء والإقتباس والتنسيق بل أكب من
خلال خاصية الردّ السريع فقط
---------------------------
بارك الله فيكم
بانتظار إتمام عملِك وفّقك الله لكل خير

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

منهج البحث بين "محمود شاكر" و بين "طه حسين"..؟؟

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» حيرة! .. أبو فهر محمود شاكر .
» " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب
» الرافعي .. بقلم محمود شاكر
» أذكري قلبي .. أبو فهر محمود محمد شاكر
» محاضرة للشيخ محمود محمد شاكر سنة1396هـ

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منــــتديات تبسة الإســـــلامية :: اللّغـــات و علومها :: اللغة العربيــة وعلومهـا-