الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : زائرنا الكريم مرحبا بك بين إخوانك في منتديات تبسة الإسلامية ، بعد التسجيل ستجد رسالة تأكيد التسجيل في بريدكم ، نرجوا لكم قضاء وقت مفيد ومريح في هذا الفضاء التربوي العلمي .


آخر المواضيع
الموضوع
تاريخ ارسال المشاركة
بواسطة
مرحبا بكم أيها الأحباب من جديد ..
من بريد المنتدى ذات يوم ...
كتاب الانتصار للنبي المختار ﷺ (يصور لأول مرة) المؤلف: د.سليمان بن صفية الجزائري
رحم الله الشيخ علي الحلبي ..
بشرى صدور موقع جديد للشيخ أبو يزيد المدني (سليم بن صفية)
حذروا من صناعة المعاقين في بيوتكم
‏الرفقة الدافئة
يا طالب العلم البشرية كلها بحاجة إليك.
قصة قصيرة جملية
حكمة وعبرة ✍
الخميس 29 ديسمبر 2022 - 11:57
الخميس 29 ديسمبر 2022 - 9:20
الإثنين 28 ديسمبر 2020 - 15:30
الخميس 3 ديسمبر 2020 - 18:36
الأربعاء 22 يناير 2020 - 18:36
الجمعة 21 ديسمبر 2018 - 20:08
الخميس 20 ديسمبر 2018 - 12:28
الإثنين 17 ديسمبر 2018 - 13:30
الخميس 6 ديسمبر 2018 - 21:09
الإثنين 3 ديسمبر 2018 - 20:11











شاطر
 

 " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أسماء كرامدي

أسماء كرامدي

عدد الرسائل :
1331

تاريخ التسجيل :
18/04/2009


" لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب Empty
مُساهمةموضوع: " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب   " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب I_icon_minitimeالثلاثاء 6 يوليو 2010 - 19:17

السلام عليكم و رحمة الله
أنقل هنا السّجال الذي كان بين "أبي فهر محمود محمد شاكر" و "سيد قطب و مؤيديه".
و لمعرفة الدّاعي إلى ردود "محمود شاكر" على كتابات "سيد قطب"، فقد أشار إلى ذلك الكاتب "محمود بن حسين" في كتابه "مراحل التطور الفكري في حياة سيد قطب"، حيث قال في حديثه عن كتاب العدالة الاجتماعية في الإسلام : "وهو أول من أطلق لفظ "العدالة الإجتماعية" بدل "الإشتراكية" التي كان يستخدمها الكُتّاب في عصره للدلالة على موافقة الإسلام للإشتراكية (في نظرهم)، وانتقده "محمود شاكر" لإساءته لبعض الصّحابة في هذا الكتاب، وحُذفت فقرات الإساءة في طبعة سنة 1964م في حياة المؤلف(الطبعة السادسة)، و قيل إنّ سيّداً تبرّأَ من هذا الكتاب بعد أن زاد تعمقاً في العلوم الشرعية، والله أعلم.."
و قد ردّ "شاكر" رحمه الله على "سيد" غفر الله له، في أول مرة في مجلة "المسلمون" التابعة للإخوان، في أربعة أعداد منها على التوالي:
-المقال الأول:"حكم بلا بيّنة"،العدد1 من مجلة "المسلمون"، سنة 1951م-1371هـ
-المقال الثاني: "تاريخ بلا إيمان"، العدد2 من مجلة "المسلمون" سنة 1951م-1371هـ
-المقال الثالث: "لا تسبُّوا أصحابي"، العدد3 من مجلة "المسلمون" سنة 1952م-1371هـ
-المقال الرابع: "ألسنة المفترين العدد4 من مجلة "المسلمون"سنة 1952م-1371هـ
-و لم يردّ "سيد" على نقد "شاكر" ، و لكن ردَّ عليه الأستاذ الدكتور "محمد رجب البيومي" مدافعا عن "سيد"، في مجلة "الرسالة"، العدد 973، فبراير 1952.
-فردّ عليه الأستاذ "شاكر" بمقال "ذو العقل يشقى"، في مجلة "الرسالة"،العدد 974، مارس 1952.
-فردّ للمرة الثانية "محمد رجب البيومي"، في مجلة "الرسالة"، العدد 975، بمقال "أجل ذو العقل يشقى"، 1952
-ردّ عليه "شاكر" ثانية في مقال "أعتذر إليك"، في مجلة الرسالة"، العدد 976، مارس 1952.
-فردّ "سيد قطب"، في مجلة "الرسالة"، العدد977، سنة 1952
-ثم كتبَ الشيخُ الأديب السّوري"علي الطنطاوي" ردّا فيه دفاع عن"سيد"، في مجلة "الرسالة"، العدد 978 ، 1952
-فردّ "شاكر" على "الطنطاوي" في مقاله:"كلمة تقال"، في الرسالة، العدد 979، أفريل 1952.
-فاعتذار الشيخ "علي الطنطاوي" إلى "شاكر"، في "الرسالة"، العدد 981، 1952 بقوله:"صدقتَ والله، إني لم أقرأ ما كتبتَ في (المسلمون)، ولقد فهمتُ مما قرأتُ في الرسالة أنّ الخلافَ على دولة بني أمية، فقلتُ الكلمةَ التي لا أزال أراها حقا، وأنا أعتذر إنْ كنتُ قد أخطأتُ الفهمَ، أو أسرعتُ في الحكمِ، والسّلام عليكَ ورحمة الله وبركاته".
*و بما سبق، يُعلم أنّ ردودَ "شاكر" كانت في بدايتها في مجلة "المسلمون"، ثم انتقلت إلى مجلة "الرسالة" بعد تدخّل الأستاذ "محمد رجب البيومي" الذي كان في "الرسالة". و الملاحظ أنّ "سيد" قد تفادى الردَّ و النقاش مع "شاكر"، ولم يُخاطب "شاكرا" في مقاله الذي كان في العدد 977، و إنما خاطب صديقَه "رجب البيومي" كما سنرى بعد إن شاء الله.
* لماذا تخصيص السّجال بمقال"لا تسبّوا أصحابي"؟.. لأنّ "المعركة" بدأت بعد تدخّل محمد رجب البيومي و اعتراضه على ما ورد في مقال "لا تسبّوا أصحابي".
*و قبل نقل السجال، لا بد من الوقوف على بعض ما ورد في كتاب "العدالة الاجتماعية في الإسلام"، و الذي قدّم فيه "سيد" وسائلَ تحقيق العدالة الاجتماعية، و تصوّره لسياسة الحكم في الإسلام، بعرضِ نماذج من الواقع التاريخي للخلفاء الراشدين و بني أمية و بني العباس(و سيتعرّف القارئ على كلام سيد قطب في بعض الصحابة من خلال ردّ شاكر).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أسماء كرامدي

أسماء كرامدي

عدد الرسائل :
1331

تاريخ التسجيل :
18/04/2009


" لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب Empty
مُساهمةموضوع: رد: " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب   " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب I_icon_minitimeالثلاثاء 6 يوليو 2010 - 19:31

* فقرات من كتاب "العدالة الاجتماعية في الإسلام " :
- "هذا التّصوّر لحقيقة الحكم قد تغيّر شيئًا ما دون شكّ علىٰ عهد عثمان - وإن بقي في سياج الإسلام -، لقد أدركت الخلافة عثمان وهو شيخ كبير. ومن ورائه مروان بن الحكم يصرّف الأمر بكثير من الانحراف عن الإسلام، كما أنّ طبيعة عثمان الرّخيّة، وحدبه الشّديد علىٰ أهله، قد ساهم كلاهما في صدور تصرّفات أنكرها الكثيرون من الصّحابة من حوله !!، وكانت لها معقبات كثيرة، وآثار في الفتنة التي عانىٰ الإسلام منها كثيرًا. !!
منح عثمانُ من بيت المال زوجَ ابنته الحارث بن الحكم يوم عرسه مئتي ألف درهم، فلمّا أصبح الصّباح جاءه زيد بن أرقم خازن مال المسلمين، وقد بدا في وجهه الحزن وترقرقت في عينه الدّموع، فسأله أن يعفيه من عمله؛ ولما علم منه السّببَ وعرف أنّه عطيّته لصهره من مال المسلمين، قال مستغربًا:" أتبكي يابن أرقم أن وصلت رحمي؟" فردّ الرجل الّذي يستشعر روح الإسلام المرهف:"لا يا أمير المؤمنين. ولكن أبكي لأنّي أظنّك أخذت هذا المال عوضًا عمّا كنت أنفقته في سبيل الله في حياة رسول الله، والله لو أعطيته مئة درهم لكان كثيرًا!" فغضب عثمان علىٰ الرّجل الّذي لا يطيق ضميره هذه التّوسعة من مال المسلمين علىٰ أقارب خليفة المسلمين، وقال له:"ألقِ المفاتيح يابن أرقم فإنّا سنجد غيرك"! .
والأمثلة كثيرة في سيرة عثمان علىٰ هذه التّوسعات؛ فقد منح الزّبير ذات يوم ستمائة ألف، ومنح طلحة مائتي ألف، ونفّل مروان بن الحكم خمس خراج إفريقية، ولقد عاتبه في ذلك ناس من الصّحابة علىٰ رأسهم علي بن أبي طالب، فأجاب: "إنّ لي قرابة ورحمًا"، فأنكروا عليه وسألوه:"فما كان لأبي بكر وعمر قرابة ورحم؟" فقال:"إنّ أبا بكر وعمر كان يحتسبان في منع قرابتهما، وأنا أحتسب في إعطاء قرابتي"، فقاموا عنه غاضبين يقولون:"فهديهما والله أحبُّ إلينا من هديك".
وغير المال، كانت الولايات تغدق علىٰ الولاة من قرابة عثمان، وفيهم معاوية الّذي وسع عليه في الملك، فضمّ إليه فلسطين وحمص؛ وجمع له قيادة الأجناد الأربعة، ومهد له بعد ذلك أن يطلب الملك في خلافة علي وقد جمع المال والأجناد، وفيهم الحكم بن العاص طريد رسول الله الّذي آواه عثمان وجعل ابنه مروان بن الحكم وزيره المتصرّف، وفيهم عبد الله بن سعد بن أبي السّرح أخوه من الرّضاعة…إلخ" (ص 159)
- "وأخيرًا ثارت الثّائرة علىٰ عثمان، واختلط فيها الحق والباطل، والخير والشّر، ولكن لابد لمن ينظر إلىٰ الأمور بعين الإسلام، ويستشعر الأمور بروح الإسلام، أن يقرر أنّ تلك الثّورة في عمومها كانت فورة من روح الإسلام؛ وذلك دون إغفال لما كان وراءها من كيد اليهودي ابن سبإ عليه لعنة الله! .
واعتذارنا لعثمان : أنّ الخلافة قد جاءت إليه متأخرة، فكانت العصبة الأمويّة حولـه وهو يدلف إلىٰ الثّمانين، فكان موقفه كما وصفه صاحبه علي بن أبي طالب: «إنّي إن قعدت في بيتي قال: تركتني وقرابتي وحقي؛ وإن تكلّمت فجاء ما يريد، يلعب به مروان، فصار سيقة له يسوقه حيث شاء، بعد كبر سنّه وصحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم(ص160 -161)
- "مضىٰ عثمان إلىٰ رحمة ربه، وقد خلف الدولة الأموية قائمة بالفعل بفضل ما مكن لها في الأرض، وبخاصة في الشام، وبفضل ما مكن للمبادئ الأموية المجافية لروح الإسلام، من إقامة الملك الوراثي، والاستئثار بالمغانم والأموال والمنافع، مما أحدث خلخلة في الروح الإسلامي العام، وليس بالقليل ما يشيع في نفس الرعية - إن حقًّا وإن باطلًا - أن الخليفة يؤثر أهله، ويمنحهم مئات الألوف؛ ويعزل أصحاب رسول الله ليولي أعداء رسول الله؛ ويبعد مثل أبي ذر لأنه أنكر كنـز الأموال، وأنكر الترف الذي يخب فيه الأثرياء، ودعا إلىٰ مثل ما كان يدعو إليه الرسول صلى الله عليه وسلم من الإنفاق والبر والتعفف، فإن النتيجة الطبيعية لشيوع مثل هذه الأفكار - إن حقًّا وإن باطلًا - أن تثور نفوس، وأن تنحل نفوس.
تثور نفوس الذين أشربت نفوسهم روح الدين إنكارًا وتأثمًا، وتنحل نفوس الذين لبسوا الإسلام رداء، ولم تخالط بشاشته قلوبهم، والذين تجرفهم مطامع الدنيا، ويرون الانحدار مع التيار، وهذا كله قد كان في أواخر عهد عثمان".(ص161)
-"جاء علي - كرّم الله وجهه - لم يكن من اليسر أن يرد الأمر إلىٰ نصابه في هوادة، وقد علم المستنفعون علىٰ عهد عثمان وبخاصة من أمية أن عليًّا لن يسكت عليهم، فانحازوا بطبيعتهم إلىٰ معاوية، وبمصالحهم إلىٰ معاوية، جاء علي ليرد التصور الإسلامي للحكم إلىٰ نفوس الحكام ونفوس الناس.
جاء ليأكل الشعير تطحنه امرأته بيديها، ويختم هو علىٰ جراب الشعير ويقول:
"لا أحب أن يدخل بطني إلا ما أعلم".
... وما يصنع عليٌّ هذا بنفسه وأهله، وهو يجهل أن الدين يبيح لـه فوق ما يصنع، وأنه لا يحتم التزهد والحرمان والشظف، وأن حظه من بيت المال في ذلك الحين كفرد من المسلمين يبلغ أضعاف ما يأخذ، وأن راتبه كأمير المؤمنين يؤدي خدمة عامة، أكبر من هذا لو شاء أن يأخذ مثلما خصصه عمر لبعض ولاته علىٰ الأقاليم، إذ قدر لعمار بن ياسر حين ولاه الكوفة ستمائة درهم في الشهر له ولمساعديه، يزاد عليها عطاؤه الذي يوزع عليه كما توزع الأعطية علىٰ نظرائه، ونصف شاة ونصف جريب من الدقيق ؛ كما قدر لعبد الله بن مسعود مئة درهم وربع شاة لتعليمه الناس بالكوفة وقيامه علىٰ بيت المال فيها، ولعثمان بن حنيف مائة وخمسين درهمًا وربع شاة في اليوم مع عطائه السنوي وهو خمسة آلاف درهم.
ما يصنع عليّ بنفسه ما صنع وهو يجهل هذا كله، إنما كان يعلم أن الحاكم مظنّة وقدوة، مظنّة التبحبح بالمال العام إذ كان تحت سلطانه؛ وقدوة الولاة والرعيّة في التحرج والتعفف، فأخذ نفسه بعزائم أبي بكر وعمر، في هذا الأمر، فالأفق الأعلىٰ كان هو الأحرىٰ بخلفاء رسول الله علىٰ دين الله.
وسـار علـيّ - كرم الله وجهه - في طريقه يرد للحكم صورته كما صاغها النبي صلى الله عليه وسلم والخليفتان بعده." (ص161-162)
- "و لقد كان من الطبيعي ألا يرضى المستنقعون عن علي،و ألا يقنعَ بشرعة المساواة من اعتادوا التفضيل، و من مردوا على الاستئثار . فانحاز هؤلاء في النهاية إلى المعسكر الآخر: معسكر أمية، حيث يجدون فيه تحقيقاً لأطماعهم، على حساب العدل و الحق اللذين يُصرّ عليهما علي-رضي الله عنه- هذا الإصرار !
و الذين يرون في معاوية دهاءً و براعةً لا يرونهما في علي، و يعزون إليهما غلبة معاوية في النهاية،إنما يخطئون تقديرَ الظروف، كما يُخطئون فهمَ عليّ و واجبه. لقد كان واجب عليّ الأول و الأخير، أن يردَّ للتقاليد الاسلامية قوتَها، و أن يردّ إلى الدين روحَه، و أن يجلو الغاشيةَ التي غشت هذا الروح على أيدي بني أمية في كبرة عثمان. و لو جارى وسائلَ بني أمية في المعركة لبطلت مهمّتَه الحقيقية، و لما كان لظفره بالخلافة خالصة من قيمة حياة هذا الدين. إنّ عليا إما أن يكون علياً أو فلتذهب الخلافة عنه، بل فلتذهب حياته معها.و هذا هو الفهم الصحيح الذي لم يغب عنه- كرم الله وجهه- و هو يقول- فيما رُوي عنه إن صحت الرواية-:"و و الله ما معاوية بأدهى مني و لكنه يغدر و يفجر. و لولا كراهية الغدر لكنتُ من أدهى الناس." (ص163)
- "ومضىٰ علي إلىٰ رحمة ربه، وجاء بنو أمية، فلئن كان إيمان عثمان وورعه ورقته، كانت تقف حاجزًا أمام بني أمية، لقد انهار هذا الحاجز، وانفتح الطريق للانحراف.
لقد اتسعت رقعة الإسلام فيما بعد، ولكن روحه انحسرت بلا جدال، ولولا قوة كامنة في طبيعة هذا الدين، وفيض عارم في طاقته الروحية؛ لكانت أيام أمية كفيلة بتغيير مجراه الأصيل، ولكن روحه ظلت تقاوم وتغالب، وما تزال فيها الطاقة الكامنة للغلب والانتصار.
غير أنه منذ تولي بني أمية انساحت حدود بيت مال المسلمين، فصار نهبًا مباحًا للملوك والحاشية والمتملقين، وتخلخلت قواعد العدل الإسلامي الصارم، فأصبح للطبقة الحاكمة امتيازات، ولأذيالها منافع، ولحاشيتها رسوم، وانقلبت الخلافة ملكًا، وملكًا عضوضًا كما قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في وثبة من وثبات الاستشفاف الروحي العميق.
وعدنا نسمع عن الهبات للمتملقين والملهين والمطربين، فيهب أحد ملوك أمية اثني عشر ألف دينار لمعبد، ويهب هارون الرشيد - من ملوك العباسيين - إسماعيل بن جامع المغني في صوت واحد أربعة آلاف دينار، ومنزلًا نفيس الأثاث والرياش، وتنطلق الموجة في طريقها لا تقف إلا فترة بين الحين والحين" (ص164-165)
- "وإذا كنا لا نؤرخ هنا للدولة الإسلامية، ولكن الروح الإسلامي في الحكم، فإننا نكتفي في إبراز مظاهر التحول والانحسار بإثبات ثلاث خطب من عهد الملوك، وبموازنتها بالخطب الثلاث التي سبقت في عهد الخلفاء ؛ يتبين الفارق العميق.
خطب معاوية في أهل الكوفة بعد الصلح، فقال: يا أهل الكوفة، أتراني قاتلتكم علىٰ الصلاة والزكاة والحج، وقد علمت أنكم تصلون وتزكون وتحجون؟ ولكني قاتلتكم؛ لأتأمر عليكم وعلىٰ رقابكم، وقد آتاني الله ذلك وأنتم كارهون....
وخطب المنصور العباسي - وقد فعلت الموجة الأموية فعلها في تصور الحكم حتىٰ انتهت به أيام العباسيين إلىٰ نظرية الحق الإلهي المقدس التي لا يعرفها الإسلام - فقال: أيها الناس: إنما أنا سلطان الله في أرضه، أسوسكم بتوفيقه وتأييده، وحارسه علىٰ ماله، أعمل فيه بمشيئته وإرادته، وأعطيه بإذنه فقد جعلني الله عليه قفلًا، إن شاء أن يفتحني فتحني لإعطائكم وقسم أرزاقكم، وإن شاء أن يقفلني عليه أقفلني.
وبذلك خرجت سياسة الحكم نهائيًّا من دائرة الإسلام وتعاليم الإسلام.
فأما سياسة المال؛ فكانت تبعًا لسياسة الحكم، وفرعًا عن تصور الحكام لطبيعة الحكم وطريقته، ولحق الراعي والرعية. فأما في حياة محمد صلى الله عليه وسلم وصاحبيه وفي خلافة علي بن أبي طالب، فكانت النظرة السائدة هي النظرة الإسلامية: وهي أن المال العام مال الجماعة، ولا حق للحاكم بنفسه أو بقرابته أن يأخذ منه شيئًا إلا بحقه، ولا أن يعطي أحدًا منه إلا بقدر ما يستحق، شأنه شأن الآخرين. وأما حين انحرف هذا التصور قليلا في عهد عثمان، فقد بقيت للناس حقوقهم، وفهم الخليفة أنه في حل- وقد اتسع المال عن المقررات للناس - أن يطلق فيه يدَه، يبرّ أهله ومن يرىٰ من غيرهم حسب تقديره.
وأما حين صار الحكم إلىٰ الملك العضوض، فقد انهارت الحدود والقيود، وأصبح الحاكم مطلق اليد في المنع والمنح، بالحق في أحيان قليلة، وبالباطل في سائر الأحيان، واتسع مال المسلمين لترف الحكام وأبنائهم وحاشيتهم و مملقيهم إلىٰ غير حد ، وخرج الحكام بذلك نهائيًّا من كل حدود الإسلام في المال." ص167-168
- "و في أيام بني أمية ثم في أيام بني العباس من بعدهم، كان بيت المال مباحاً للملوك كأنه ملكٌ لهم خاص، و ذلك على الرغم من وجود بيتَين للمال: بيت المال العام، وبيت المال الخاص. و الأول مفروض أنّ موارد و مصارفه للجماعة، و الثاني مفروض أن موارده و مصارفه من خاصة السلطان. لكنا نجد أحياناً أنّ أموالاً عامة تحمل إلى بيت المال الخاص. و أنّ مصارف خاصة تُؤخذ من بيت المال العام !" (ص177)
(يُتبع بمقال لا تسبوا أصحابي لمحمود شاكر)
-----------------
المراجع :
- جمهرة مقالات الأستاذ شاكر. جمعها و ألفها د.عادل سليمان جمال.مكتبة الخانجي.رقم الطبعة 1-2003 ( تجد مقال "ذو العقل يشقى" في الجزء الأول من الكتاب. و المقالات الأربعة (حكم بلا بينة، لا تسبوا أصحابي، إيمان بلا تاريخ، ألسنة المفترين) مبثوثة في الجزء الثاني.
- مقدمة كتاب "لا تسبوا أصحابي" لمحمد بن عوض بن عبد الغني المصري. 1430هـ(و الذي عرض فيه ردودَ شاكر و معاصريه على سيد قطب و مؤيديه).
- العدالة الاجتماعية في الإسلام لسيد قطب.دار الشروق الطبعة الشرعية الثانية عشرة.1409هـ/ 1989م
- بعض المواقع من الشبكة (ملتقى أهل الحديث، موقع الشيخ ربيع، المنتديات العلمية..)
ملحوظة : قال سيد قطب في كتابه "كتب و شخصيات" (في النقد الأدبي) و الذي صدر سنة 1946 :
"إنّ معاوية و زميله عمْرًا لم يغلبا لأنهما أعرفُ منه بدخائل النفوس، و أخبرُ منه بالتصرف النافع في الظرف المناسب. و لكن لأنهما طليقان في استخدام كل سلاح، و هو مقيّد بأخلاقه في اختيار وسائل الصراع. و حين يركن معاوية و زميلُه إلى الكذب و الغش و الخديعة و النفاق و الرشوة و شراء الذمم لا يملك علي أن يتدلّى إلى هذا الدرك الأسفل . فلا عجب ينجحان و يفشل، و إنه لفشلٌ أشرف من كل نجاح.."(ص242).
"..فلقد كان انتصار معاوية هو أكبر كارثة دهمت روحَ الإسلام التي لم تتمكّن بعد من النفوس. و لو قد قُدّر لعلي أن ينتصرَ لكان انتصاره فوزاً لروح الاسلام الحقيقية: الروح الخلقية العادلة المترفعة التي لا تستخدم الأسلحة القذرة في النضال... لقد تكون رقعة الإسلام قد امتدّت علي يدي معاوية و من جاء بعده. و لكن روح الإسلام قد تقلّصت، و هزمت، بل انطفأت.
على أننا لسنا في حاجة يوما من الأيام أن ندعو الناس إلى خطة معاوبة. فهي جزءٌ من طبائع الناس عامة. إنما نحن في حاجة لأن ندعوَهم إلى خطة علي، فهي التي تحتاج إلى ارتفاع نفسي يُجهد الكثيرين أن ينالوه.
و إذا احتيج جيل لأن يُدعى إلى خطة معاوية، فلن يكون هو الجيل الحاضر على وجه العموم. فروح "ميكافيلي" التي سيطرت على معاوية قبل "ميكافيلي" بقرون، هي التي تسيطر على أهل هذا الجيل، و هم أخبرُ بها من أن يدعوهم أحدٌ إليها! لأنها روح "النفعية" التي تُظلّل الأفراد و الجماعات و الأمم و الحكومات!.
و بعد، فلستُ "شيعيا" لأقرّر هذا الذي أقول. إنما أنظر إلى المسألة من جانبها الروحي الخلقي، و لن يحتاج الانسان أن يكون شيعيا لينتصر للخلق الفاضل المترفّع عن "الوصولية" الهابطة المتدنّية، و لينتصر لعليّ على معاوية و عمرو. إنما ذلك انتصارٌ للترفع و النظافة و الاستقامة.(ص243)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سمير زمال

سمير زمال

عدد الرسائل :
6494

العمر :
33

تاريخ التسجيل :
07/04/2008


" لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب Empty
مُساهمةموضوع: رد: " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب   " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب I_icon_minitimeالثلاثاء 6 يوليو 2010 - 23:33

بارك الله فيكم

جهد مشكور
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://tebessa.alafdal.net
محمد كمال الجزائري

محمد كمال الجزائري

عدد الرسائل :
480

تاريخ التسجيل :
26/04/2009


" لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب Empty
مُساهمةموضوع: رد: " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب   " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب I_icon_minitimeالأربعاء 7 يوليو 2010 - 1:07

جزاك الله خيرا .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أم الحسين

أم الحسين

عدد الرسائل :
4090

تاريخ التسجيل :
18/03/2009


" لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب Empty
مُساهمةموضوع: رد: " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب   " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب I_icon_minitimeالأربعاء 7 يوليو 2010 - 10:40

بارك الله فيك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أسماء كرامدي

أسماء كرامدي

عدد الرسائل :
1331

تاريخ التسجيل :
18/04/2009


" لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب Empty
مُساهمةموضوع: رد: " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب   " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب I_icon_minitimeالأربعاء 7 يوليو 2010 - 12:07


و فيكم بارك الله. جزاكم الله خيرا على المرور. أسأل اللهَ أن ينفعَ به.



----------------
"لا تسُّبّوا أصحابي.." – محمود محمد شاكر – مجلة "المسلمون".

العدد الثالث. سنة 1952 :


"حسبُ امرئٍ مسلم لله أن يبلغَه قول رسولِ الله صلى الله عليه و سلم:" لا تسبُّوا أصحابي ! لا تسبُّوا أصحابي ! فو الذي نفسي بيده لو أنَّ أحدَكم أنفقَ مثل أحُد ذهبًا ما أدركَ مُدّ (1) أحدِهم و لا نصيفه !حتى يخشعَ لربِّ العالمين، و يسمعَ لنبيِّ الله و يُطيعُ، فكيف غَرْب(2) لسانه و ضراوةِ فكرِه عن أصحابِ محمّد صلى الله عليه وسلم، ثم يعلم علماً لا يشوبُه شكٌّ و لا ريبةٌ، أنْ لا سبيلَ لأحدٍ من أهل الأرض، ماضيهِم و حاضرِهم، أن يلحقَ أقلَّ أصحابِه درجةً، مهما جهد في عبادتِه، و مهما تورّعَ في دينِه، و مهما أخلص قلبه من خواطر السوء في سرّه و علانيته. و من أين يشكُّ و كيف يطمعُ، و رسول الله لا ينطِقُ عن هوىً، و لا يُداهنُ في دين، و لا يأمرُ الناسَ بما يعلم أنّ الحقَّ على خلافِه، و لا يُحدّثُ بخيرٍ، و لا ينعتُ أحداً بصفة، إلا بما علمه ربُّه و بما نبأه؟ و ربّه الذي يقول له و لأصحابه:" و الذي جاءَ بالصِّدق و صَدّقَ به أولئِكَ هم المتَّقُون-33- لهم ما يَشاءونَ عند ربِّهِم ذلك جَزاءُ المُحسنين-34- لِيُكَفِّرَ اللهُ عنهم أسوأَ الذي عمِلُوا و يجزِيَهم أجرَهُم بأحسنِ الذي كانوا يعمَلُون"- الزمر.


ثم يُبين صلى الله عليه وسلم عن كتابِ ربّه فيقول:
"خيرُ الناس قرني، ثم الذين
يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قومٌ تسبق شهادة أحدهم يمينه، و يمينه شهادته". ثم يزيدُ الأمرَ بياناً صلى الله عليه وسلم، فيدلّ المؤمنين على المنزلة التي أنزلَها اللهُ أصحابَ محمد رسول الله، فيقول: "يأتي على الناس زمانٌ، فيغزو فِئَامٌ(3) من الناس فقولون: فيكم مَن صاحبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم! فيُفتح
لهم. ثم يأتي على الناس زمانٌ فيغزو فئامٌ من الناس فيُقال:هل فيكم من صاحبَ أصحابَ رسول الله ؟ فيقولون
: نعم! فيُفتح لهم ، ثم يأتي على الناس زمان ، فيغزوا فئام من الناس ، فيقال : هل فيكم من صاحبَ من صاحبَ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون : نعم! فيُفتَح لهم." فإذا كان هذا مبلغ صحبة رسول الله، فأيّ مسلم يطيق بعد هذا أن يبسطَ لسانَه في أحدٍ من صحابة محمد رسول الله ؟ و بأيّ لسانٍ يعتذر يوم يخاصِمونَه بين يدي ربهم؟ و ما يقول وقد قامت عليه الحجة من كتاب الله ومن خبر نبيه ؟! و أين يفرّ امرؤٌ من عذاب ربه ؟! وليس معنى هذا أنّ أصحابَ محمد رسول الله معصومون عصمة الأنبياء، و لا أنهم لم يُخْطِئوا قط ولم يُسيئوا، فهم لم يدّعوا هذا، وليس يدّعيه أحدٌ لهم، فهم يخطئون و يصيبون ، ولكنّ الله فضّلهم بصحبةِ رسوله، فتأدّبُوا بما أدّبهم به، وحرصوا على أن يأتوا من الحق ما استطاعوا، وذلك حَسْبُهُم، و هو الذي أمِروا به، وكانوا بعدُ توّابين أوابين كما وصفهم في محكم كتابه. فإذا أخطأَ أحدُهم، فليس يحل لهم، و لا لأحدٍ من بعدهم، أن يجعلَ الخطأَ ذريعةً إلى سبِّهم والطّعن عليهم. هذا مجمل ما أدّبنا به اللهُ و رسولُه. بَيْدَ أنّ هذا المجمل أصبح مجهولاً مطروحًا عند أكثر من يتصدّى لكتابة تاريخ الإسلام من أهل زماننا ، فإذا قرأَ أحدُهم شيئًا فيه مطعنٌ على رجلٍ من أصحاب رسول الله سارع إلى التوغل في الطعن والسب، بلا تقوى ولا ورع. كلا، بل تراهم ينسوْن كلَّ ما تقضي به الفطرة من التثبّت من الأخبار المروية، على كثرة ما يحيط بها من الريب والشكوك، ومن العِلل الدافعة إلى وضعِ الأحاديث المكذوبة على هؤلاء الصحابة.


ولن أضرب المثل بما يكتبُه المستشرقون ومن لفّ لفّهم فهم كما نعلم. ولا بأهل الزيغ والضلال والضغينة على أهل الإسلام،كصاحب كتاب الفتنة الكبرى(4) وأشباهه من المؤلّفين. بل سآتيك بالمثل من كلام بعض المتحمِّسين(5) لدينِ ربهم ، المعلنين بالذب عنه والجهاد في سبيله. لتعلمَ أنّ أخلاقَ المسلم هي الأصل في تفكيره وفي مناهجه وفي علمه ، وأن سمةَ الحضارة الوثنية الأوروبية، تنفجر أحيانا في قلب من لم يحذر ولم يتق، بكل ضغائنِ القرن العشرين، و بأسوأ سخائم هذه الحضارة المتعدّية لحدود الله التي كتب على عباده – مسلمهم وكفارهم – أن لا يتعداها.


أربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم:
أبو سفيان بن حرب، ومعاوية بن أبي سفيان ، وعمرو بن العاص، و هند بنت عتبة بن ربيعة-أم معاوية. رضي الله عنهم كيف يتكلّم أحدُ الناس عنهم ؟



1- "فلما جاء معاوية، وصَيَّرَ الخلافة الإسلامية ملكاً عضوضاً؛ في بني أمية؛ لم يكن ذلك من وحي الإسلام، إنما من وَحْي الجاهلية" ولم يكتفِ بهذا بل شملَ بني
أميّة جميعاً فقال:" فأمية بصفة عامة لم يعمر الإيمانُ قلوبَها ، وما كان الإسلام لها إلا رداء تخلعه وتلبَسُه حسب المصالح والملابسات".



2- ثم يذكر يزيد بن معاوية بأسوأ الذّكر، ثم يقول: "و هذا هو "الخليفة" الذي يفرضُه معاوية على الناس، مدفوعًا إلى ذلك بدافع لا يعرفه الإسلام، دافع العصبية العائلية القبلية. وما هي بكثيرة على معاوية ولا بغريبة عليه. فمعاوية هو ابنُ أبي سفيان، وابنُ هند بنت عتبة، و هو وريث قومِهم جميعا و أشبهُ شيءٍ بهم في بُعدِ روحه عن حقيقة الإسلام. فلا يأخذ أحدٌ الإسلامَ بمعاوية أو بني أمية؛ فهو منه و منهم برئ ".



3- " ولسنا نُنكِر على معاوية في سياسة الحكم ابتداعَه نظام الوراثة وقهر الناس عليها فحسب، إنما ننكر عليه أولاً وقبل كل شئ إقصاءَه العنصر الأخلاقي في صراعه مع
علي، و في سيرتِه في الحكم بعد ذلك، إقصاءه كاملاً لأول مرة في تاريخ الإسلام …فكانت جريمة معاوية الأولى، التي حطّمَتْ روحَ الإسلام في أوائل عهدِه هي نفي العنصر الأخلاقي من سياسته نفياً باتّاً. ومما ضاعفَ الجريمة أنّ هذه الكارثة باكرت الإسلامَ ولم تنقض إلا ثلاثون سنة على سُنَنِه الرفيعة... و لكي نُدرك عمقَ هذه الحقيقة يجب أن نستعرِضَ صُوَرًا من سياسة الحكم في العهود المختلفة على أيدي أبي بكر و عمر، و على أيدي عثمان و مروان...ثم على أيدي الملوك من أمية...ومن بعدهم من بني العباس، بعد أن خُنقت روحُ الإسلام خنقا على أيدي معاوية وبني أبيه".

4 " و مضى عليٌّ رضي الله عنه إلى رحمة ربه، و جاءَ معاوية ابن هند وابن أبي سفيان !" (وأنا أستغفر الله من نقل هذا الكلام ، بمثل هذه العبارة النابية، فإنه أبشع ما رأيتُه) ثم يقول: " فلئنْ كان إيمان عثمان وورعُه ورقّته، كانت تقف حاجزاً أمام أميّة.. لقد انهار هذا الحاجز، و انساح ذلك السّدّ ، و ارتدت أمية طليقةً حرّة إلى وراثاتها
في الجاهلية والإسلام. وجاء معاوية، تُعاونه العصبةُ التي على شاكلتِه، و على رأسِها عمرو بن العاص. قومٌ تجمعُهم المطامعُ والمآرب، و تدفعُهم المطامِحُ والرغائب، و لا يُمسِكُهم خُلُق ولا دين ولا ضمير" (و أنا أستغفر الله وأبرأ إليه). ثمّ قالَ: "و لا حاجة بنا للحديث عن معاوية؛ فنحن لا نؤرّخ له هنا، وبحسبنا تصرّفه في توريث يزيد الملك، لِنعلمَ أيّ رجل هو. ثم بحسبنا سيرة يزيد لنقدّر أيّة جريمة كانت تعيش في أسلاخ أمية على الإسلام والمسلمين".


5- ثم ينقل خطبةً يزعم أنها لمعاوية في أهل الكوفة بعد الصّلح يجئ فيها قول معاوية:" وكلّ شرطٍ شرطتُه، فتحت قدميّ هاتين "، ثم يعقّب عليه مستدركا: "و الله تعالى يقول: "وأوفُوا بالعهدِ إنّ العهدَ كان مسئولاً". والله يقول:" و إن استنصَرُوكم في الدّين فعليكم النّصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق". فيؤثر الوفاء بالميثاق للمشركين المعاهدين، على نصرة المسلمين لإخوانهم في الدين. أما معاوية؛ فيخيس بعهدِه للمسلمين، و يجهر بهذه الكبيرة جهرة المتبجِّحِين !.. إنه من أمية، التي أبت نحيزتها أن تدخل في حلف الفضول ! ".


6- ثم يذكر خطبةً أخرى لمعاوية في أهل المدينة: " أما بعد ؛ فإني و الله ما وليتُها بمحبةٍ علمتُها منكم " ثم يعلق عليها فيقول:" أجل ، ما وليها بمحبة منهم . و إنه ليعلم
أن الخلافة بيعة الرضى في دين الإسلام. و لكن ما لمعاوية وهذا الإسلام.. وهو ابنُ هند و ابن أبي سفيان !" .


7- " وأما معاوية بعد علي، فقد سارَ في سياسة المال سيرته التي ينتفي منها العنصر الأخلاقي ، فجعله للرُّشى و اللهى وشراء الأمم في البيعة ليزيد، و ما أشبه هذه الأغراض، بجانب مطالب الدولة والأجناد والفتوح بطبيعة الحال ".

8- ثم قال شاملا لبني أمية : "هذا هو الإسلام، على الرغم مما اعترضَ خطواته العملية الأولى، من غلبة أسرة لم تعمرْ روحُ الإسلام نفوسَها. فآمنَتْ على حرف حين غلب الإسلام، وظلت تحلم بالملك الموروث العضوض حتىنالته، فسارت بالأمر سيرةً لا يعرفها الإسلام ."



هذا ما جاء في ذكر معاوية، و ما أضفى الكاتبُ من ذيوله على بني أمية، و على عمرو بن العاص. وأما ما جاء عن أبي سفيان بن حرب ؛ فانظر ماذا يقول :



(يُتبَع)

ملاحظة: أبى شكل الموضوع أن يستجيب للتنسيق ، لا أدري لماذا هذا الفراغ بين الفقرات.؟
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أسماء كرامدي

أسماء كرامدي

عدد الرسائل :
1331

تاريخ التسجيل :
18/04/2009


" لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب Empty
مُساهمةموضوع: رد: " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب   " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب I_icon_minitimeالأربعاء 7 يوليو 2010 - 19:45

تتمّة مقال " لا تسبوا أصحابي" :
9- " أبو سفيان هو ذلك الرجل الذي لقي الإسلام منه والمسلمون ما حفلت به صفحاتُ التاريخ ، والذي لم يُسْلِمْ إلا وقد تقرّرت غلبةُ الإسلام. فهو إسلام الشفة واللسان ، و لا إيمان القلب والوجدان. وما نفذ الإسلام إلى قلب ذلك الرجل قطّ؛ فلقد ظل يتمنى هزيمة المسلمين ويستبشر لها في يوم حنين ، وفي قتال المسلمين والروم فيما بعد ، بينما يتظاهر بالإسلام. ولقد ظلّت العصبية الجاهلية تسيطر على فؤاده ...وقد كان أبو سفيان يحقد على الإسلام والمسلمين ، فما تعرض فرصة للفتنة إلا انتهزها ".
10- "ولقد كان أبو سفيان يحلمُ بملك وراثي في بني أمية منذ تولي الخلافة عثمان؛ فهو يقول:" يا بني أمية ...تلقفوها تلقف الكرة؛ فو الذي يحلف به أبو سفيان ؛ ما زلت أرجوها لكم ، ولتصيرنَّ إلى صبيانكم وراثة !". وما كان يتصوّر حكمَ المسلمين إلا ملكًا حتى في أيام محمد،( وأظنُّ أنا أنه من الأدب أن أقول: صلى الله عليه وسلم) ؛ فقد وقفَ ينظر إلى جيوش الإسلام يوم فتح مكة، ويقول للعباس بن عبد المطلب:" والله يا أبا الفضل ؛ لقد أصبح ملك ابن أخيك اليوم عظيما". "فلما قال له العباس:إنها النبوة! قال: "نعم إذن! ...
" نعم إذن! و إنها لكلمةٌ يسمعها بأذنه فلا يفقهها قلبُه؛ فما كان مثل هذا القلب ليفقَهَ إلا معنى الملك والسلطان ".
ثم يقول عن هند بنت عتبة أم معاوية :
11- " ذلك أبو معاوية. فأمّا أمّه هند بنت عتبة؛ فهي تلك التي وقفَتْ يومَ أحد تلغ في الدم، إذ تنهش كبد حمزة كاللبؤة المتوحشة ، لا يشفع لها في هذه الفعلة الشنيعة حق الثأر على حمزة ؛ فقد كان قد مات. وهي التي وقفت بعد إسلام زوجها كرهًا بعد إذْ تقرّرت غلبةُ الإسلام تصيح:" اقتلوا الخبيثَ الدنس الذي لا خير فيه. قُبِّح من طليعة قوم! هلا قاتلتم ودفعتم عن أنفسكم وبلادكم ؟" .
هؤلاء أربعةٌ من أصحابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يذكُرُهم كاتبٌ مسلم بمثلِ هذه العبارات الغربية النابية! بل زاد، فلم يعصم كثرةَ بني أمية من قلمه، فطرح عليهم كلَّ ما استطاع من صفاتٍ تجعلهم جملة واحدة برآءً من دين الله ، ينافقون في إسلامهم، و ينفون من حياتهم كل عنصر أخلاقي ! كما سمّاه.. و أنا لن أناقش الآن هذا المنهجَ التاريخي ، فإنّ كلّ مُدّعٍ يستطيع أن يقول:هذا منهجي، و هذه دراستي. بل غاية ما أنا فاعل أنْ أنظُرَ كيف كان أهل هذا الدين ينظرون إلى هؤلاء الأربعة بأعيانهم، وكيف كانوا – هؤلاء الأربعة – عند من عاصرهم ومن جاءَ بعدهم من أئمة المسلمين وعلمائهم. وأيضا فإني لن أحقّقَ في هذه الكلمة فسادَ ما بُني عليه الحكم التاريخي العجيبُ، الذي استحدثه لنا هذا الكاتب، بل أدعه إلى حينه .
-فمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أسلمَ عام القضية، ولقِيَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم مُسْلمًا، وكَتَم إسلامَه من أبيه وأمه. و لما جاءتِ الرِّدة الكبرى، خرجَ معاوية في هذه القِلّة المؤمنة التي قاتلت المرتدين، فلما استقر أمرُ الإسلام وسيّرَ أبو بكر الجيوشَ إلى الشام، سار معاوية مع أخيه يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه. فلما ماتَ يزيد في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال لأبي سفيان رضي الله عنه: أحسنَ اللهُ عزاءَك في يزيد. فقال أبو سفيان:من وليت مكانه ؟ قال : أخاه معاوية. قال: وصلتك رحم يا أمير المؤمنين. و بقي معاوية واليًا لعمر على عمل دمشق. ثم ولاه عثمان الشامَ كلها، حتى جاءت فتنةُ مقتل عثمان، فولى معاوية دمَ عثمان لقرابته، ثم كان بينه و بين علي ما كان.
ويروى البخاري: (5/28) أنّ معاوية أوترَ بعد العشاء بركعة، وعنده مولى لابن عباس ، فأتى ابنَ عباس، فقال : دعه ؛ فإنّه صَحِبَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم.و قال في خبرٍ آخر: هل لكَ في أمير المؤمنين معاوية ؛ فإنه أوتر بواحدة ؟ فقال ابنُ عباس: إنه فقيه . و روى أحمد في " مسنده " (4/102) عن مجاهد وعطاء عن ابن عباس : أن معاوية أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قصّرَ شعرَه بمشقص(6). فقلتُ لابن عباس: "ما بلغنا هذا الأمر إلا عن معاوية" ! فقال: "ما كان معاوية على رسول الله صلى الله عليه وسلم متهماً". وعن أبي الدرداء : "ما رأيتُ أحداً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبهَ صلاةٍ برسول الله صلى الله عليه وسلم من أميركم هذا ( يعني معاوية ). "مجمع الزوائد "( 9/357 ). وروى أحمد في " مسنده "( 4/101) عن أبي أمية عمرو بن يحيى بن سعيد عن جده : أنّ معاوية أخذَ الإداوة ( إناء من جلد صغير كالقربة) بعد أبي هريرة يتّبعُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بها و اشتكى أبو هريرة، فبينا هو يوضئ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم،رفع رأسَه إليه مرة أو مرتين، فقال:" يا معاوية ! إنْ وليتَ أمراً ؛ فاتّقِ اللهَ عز وجل و اعدِلْ ".قال معاوية : "فما زلتُ أظنّ أني مبتلى بعملٍ لقول النبي صلى الله عليه وسلم حتى ابتليتُ ." وروى أحمد في " مسندِه " ( 4/127 ) عن العرباضِ بن سارية السلمى ؛ قال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدعونا إلى السحور في شهر رمضان : " هلموا إلى الغداء المبارك! ثم سمعتُه يقول :"اللهم علِّمْ معاوية الكتابَ والحسابَ ، و قِهِ العذابَ ". و روى أحمد في "مسنده "( 4/216 ) عن عبد الرحمن بن أبي عميرة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه ذكرَ معاوية فقال: " اللهم ! اجعله هادياً مهدياً ، واهد به ".
هذا بعض ما قيل في معاوية رضي الله عنه، و في دينِه و إسلامِه . فإن كان هذا الكاتب قد عرفَ و استيقَنَ أنّ الروايات المتلقفة من أطراف الكُتب تنقض هذا نقضاً حتى يقول:إنّ الإسلام برئٌ منه، فهو و ما عرف. و إنْ كان يعلم أنه أحسَنُ نظرًا ومعرفةً بقريش من أبي بكر حين ولىّ يزيدَ بن أبي سفيان، وهو من بني أمية، و أنفذُ بصرًا من عمر حين ولىّ معاوية. فهو وما عَلِمَ !! و إنْ كان يعلم أنّ معاوية لم يقاتِل في حروبِ الرِّدة إلا و هو يضمِرُ النّفاقَ و الغدر، فله ما علم !! و إنْ كان يرى ما هو أعظمُ من ذلك؛ أنّه أعرفُ بصحابة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم من رسولِ الله الذي كان يأتيه الخبرَ من السّماء بأسماءِ المنافقين بأعيانهم؛ فذلك ما أعيذُه منه أن يعتقدَه أو يقوله. و لكن لينظرْ فرقَ ما بين كلامه وكلام أصحاب رسول الله عن رجل آخر من أصحابه، ثم ليقطَعْ بنفسِه ما شاءَ من رحمة الله أو من عذابه. و لينظرْ أيّهما أقوى برهانا في الرواية، هذا الذي حدّثنا به أئمةُ دينِنا ، أم ما انضمّت عليه دفتا كتاب من عُرْض كتب التاريخ، كما يزعمون. و لينظُرْ لنفسِه حتى يرجحَ روايةً على روايةٍ، و حديثًا على حديث، وخبراً على خبر، و ليعلمْ أنّ الله تعالى أدّبَ المسلمين أدباً لم يزالوا عليه مذ كانت لدينِ الله الغلبة، حتى ضربَ اللهُ على أهل الإسلام الذّلة بمعاصيهم وخروجِهم عن حدّ دينهم و اتّباعهم الأمم في أخلاقها و في فكرها و في تصوّرها للحياة الإنسانية .يقول ربنا سبحانه وتعالى :" يا أيها الذين آمنوا إنْ جاءكم فاسقٌ بنبأ فتبيّنُوا أنْ تُصيبُوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمِين ". ويقول تعالى :" يا أيها الذين آمنُوا اجتَنِبُوا كثيراً من الظّنِّ إنَّ بعضَ الظّنِ إثم" .و يقول تعالى :"ولا تَقْفُ ما ليس لك به علم، إنّ السمعَ و البصرَ والفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسئولاً " .
و لينظرْ أنىّ له أن يعرفَ أنّ معاوية كان يعمل بوحي الجاهلية لا الإسلام، وأنه بعيدُ الروح عن حقيقة الإسلام، و أنّ الإسلامَ لم يعمُرْ قلبَه، و أنه خَنَقَ روحَ الإسلام هو و بنو أبيه، و أنه هو وعمرو بن العاص ومن على شاكلتهم لا يُمْسِكُهم خلقٌ و لا دينٌ و لا ضمير، وأنّ في أسلاخ معاوية و بني أمية جريمة أيّ جريمة على الإسلام والمسلمين، وأنه يخيس بالعَهد و يجهَر بالكبيرة جهرةَ المتبجِّحِين، و أنّه ما لمعاوية وهذا الإسلام؟ و أنّه ينفي العنصرَ الأخلاقي من سِيرته، و يجعل مالَ الله للرشى واللهي وشراء الذمم، وأنه هو و بنو أمية آمنوا على حرف حين غلبَ الإسلامُ .
-أما أبو سفيان رضي الله عنه؛ فقد أسلمَ ليلة الفتح ، وأعطاه رسولُ الله من غنائمَ حنين كما أعطى سائر المؤلفة قلوبهم ، فقال له: "و الله ؛ إنكَ لكريمٌ فداكَ أبي وأمي، والله ؛ لقد حاربتُكَ فلنعمَ المحاربُ كنتَ، ولقد سالمتُكَ فلنعم المسالمُ أنتَ ، جزاك الله خيراً. " ثم شاهدَ الطائفَ مع رسول الله، وفُقئت عينه في القتال. ولاّه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم نجران ،
و رسولُ الله لا يولِّي منافقاً على المسلمين. و شهِد اليرموك، وكان هو الذي يحرض الناسَ ويحثّهم على القتال. و قد ذكر الكاتبُ في ما استدل به على إبطان أبي سفيان النّفاق و الكفر أنّه كان يستبشر بهزيمةِ المسلمين في يوم حنين، و في قتال المسلمين والروم فيما بعد، وهذا باطلٌ مكذوب. وسأذكر بعد تفصيل ذلك . أما قول أبي سفيان للعباس:" لقد أصبح ملك ابن أخيك اليوم عظيماً ". قال العباس: إنها النبوة ! فقال أبو سفيان : فنعم إذن. فهذا خبرٌ طويل في فتح مكة، قبل إسلامه ، وكانت هذه الكلمة "نعم إذن " أوّلَ إيذانٍ باستجابتِه لداعي الله، فأسلم رضي الله عنه، وليست كما أولها الكاتب:" نعم إذن. و إنها كلمةٌ يسمعها بأذنه فلا يفقهها قلبه، فما كان مثل هذا القلب ليفقه إلا معنى الملك والسلطان "!!، إلا أن يكون الله كشفَ له ما لم يكشِف للعباس و لا لأبى بكر و لا لعمر، و لا لأصحابِ رسول الله من المهاجرين والأنصار، و أعوذُ بالله مِنْ أنْ أقولَ ما لم يُكشَف لرسول الله ونبيِّه صلى الله عليه وسلم.
وعن ابن عباس: أنّ أبا سفيان قال: يا رسول الله ثلاثاً أعطنيهِن.قال: "نعم" . قال : تؤمرني حتى أقاتل الكفارَ كما قاتلتُ المسلمين. قال:" نعم ". قال: ومعاوية تجعله كاتباً بين يديك. قال: " نعم" . وذكرَ الثالثةَ ، هو أنّه أرادَ أن يُزوِّجَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بابنتِه الأخرى عزّة بنت أبي سفيان و استعان على ذلك بأختِها أم حبيبة، فقال: " إنّ ذلك لا يحل لي ".
أمّا هند بنت عتبة أم معاوية رضي الله عنهما ؛ فقد روي عن عبد الله ابن الزبير ( ابن سعد : 8/171 ) قال: لما كان يوم الفتح ؛ أسلمَتْ هند بنت عتبة و نساء معها، و أتين رسولَ الله وهو بالأبطح، فبايَعْنَه، فتكلّمتْ هند ، فقالت: يا رسول الله ! الحمد لله الذي أظهرَ الدين الذي اختارَه لنفسه. لتنفعني رحمُك يا محمد ! إني امرأةٌ مؤمنة بالله مصدّقة برسولِه.
ثم كشفتْ عن نقابِها. وقالت: أنا هند بنت عتبة. فقال رسولُ الله :مرحباً بكِ ".فقالت : و الله ؛ ما كان على الأرض أهل خباء أحبّ إليّ من أن يذلُّوا من خبائك، ولقد أصبحتُ و ما على الأرض أهل خباء أحبّ إليّ من يعزّوا من خبائك. فقال رسول الله: وزيادة ... قال محمد بن عمر الواقدي:لما أسلمتْ هند ؛ جعلتْ تضربُ صنماً في بيتِها بالقدوم ، حتى فلذته فلذة ، و هي تقول: كنا منكَ في غرور. و روى البخاري هذا الخبرَ عن أمّ المؤمنين عائشة ( 5/40 ).
فهل يعلم عالمٌ أنّ إسلامَ أبي سفيان و هند كان نفاقًا وكذبًا وضغينة ؟ لا أدري. ولكن أئمّتنا من أهلِ هذا الدين لم يطعَنُوا فيهم، و ارتضاهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، و ارتضى إسلامَهم. و أمّا ما كان من شأنِ الجاهلية ؛ فقلّ رجلٌ وامرأةٌ من المسلمين لم يكنْ له في جاهليته مثل ما فعلَ أبو سفيان أو شبيهٌ بما يُروى عن هند إنْ صحّ.
أما عمرو بن العاص، فقد أسلمَ عام خير قدم مهاجرا إلى الله ورسوله، ثم أمّره رسول الله صلى الله عليه وسلم على سرية إلى ذات السلاسل يدعو بليّا إلى الإسلام،ثم استعمله رسولُ الله على عمان، فلم يزل والياً عليها إلى أن تُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم أقرّه عليها أبو بكر رضي عنه، ثم استعمله عمر. وروى الإمامُ أحمد في "مسنده" (2/327،353،354 ) من حديث أبي هريرة:أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ابنا العاص مؤمنان "؛ يعني : هشاما وعمرا. و روى الترمذي وأحمد في " مسنده "(4/155) عن عقبة بن عامر الجهني : سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: " أسلمَ الناسُ وآمنَ عمرُو بن العاص ". وروى أحمد في " مسنده " ( 1/161 ) عن طلحة بن عُبيد الله،قال:ألاَ أُخبركم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيءٍ ؟أَلا إني سمعتُه يقول:" عمرو بن العاص من صالحي قريش ، و نعم أهلِ البيت أبو عبد الله، و أمّ عبد الله، و عبد الله ".
فإذا كان جهاد عمرو، وشهادة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتولية رسول الله، ثم أبي بكر ثم عمر ؛ لا تدلّ على شيء من فضلِ عمرو بن العاص، و لا تدلّ على نفي النّفاقِ في دين الله عنه ؛ فلا ندري بعد ما الذي ينفع عمرًا في دنياه وآخرته. ؟! و لستُ أتصدّى هنا لتزييفِ ما كتبه الكاتبُ من جِهة التاريخ، و لا من جهة المنهاج، ولكني أردتُ –كما قُلتُأن أُبِّينَ أنّ الأصلَ في دينِنا هو تقوى الله، و تصديق خبر رسول الله، وأنّ أصحابَ محمد صلى الله عليه وسلم ليسوا لعّانين ولا طعانين ولا أهل إفحاش، ولا أصحاب جرأة وتهجّم على غيب الضمائر، وأنّ هذا الذي كانوا عليه أصلٌ لا يمكن الخروج منه؛ لا بحجّة التاريخ، ولا بحجّة النّظر في أعمالِ السابقين للعبرة و اتّقاءِ ما وقعُوا فيه من الخطأ.
ولو صحَّ كلّ ما يُذكَر مما اعتمد عليه الكاتبُ في تمييزِ صفات هؤلاء الأربعة، وصفة بني أمية عامة ؛ لكان طريق أهل الإسلام أن يحملوه على الخطأ في الاجتهاد من الصّحابي المخطئ، ولا يدفعهم داءُ العصر أن يُوغِلوا من أجلِ خبرٍ أو خبرين في نفي الدين والخُلُق و الضمير عن قومٍ هم لقربِ زمانهم وصُحبتهِم لرسول الله صلى الله عليه وسلم أولىَ أهلِ الإسلام بأنْ يعرِفُوا حقَّ الله وحقَّ رسولِه صلى الله عليه وسلم،و أن يعلمُوا من دين الله ما لم يعلمْهُ مجترئٌ عليهم طعّانٌ فيهم.
وأختم كلمتي هذه بقولِ النووي في "شرح مسلم "(16/93) :"اِعلمْ أنّ سبَّ الصحابة رضي الله عنهم حرامٌ من فواحش المحرمات، سواء من لابَس الفِتَنَ منهم وغيره ؛ لأنهم مجتهدون في تلك الحروب متأوّلون. و قال القاضي:سبُّ أحدِهم من المعاصي الكبائر، ومذهبنا مذهب الجمهور أن يُعزَّر ولا يُقتل، و قال بعض المالكية :يقتل ".
و أُسدِي النّصيحَةَ لمن كتبَ هذا و شبهه:أنْ يبرَأَ إلى الله علانية مما كتبَ، و أنْ يتوبَ توبة المؤمنين مما فرط منه، وأنْ يُنَـزه لسانَه و يعصمَ نفسَه و يُطَهِّر قلبَه، وأنْ يدعو بدعاءِ أهل الإيمان:"ربّنا اغفِرْ لنا ولإخوانِنا الذين سبقُونَا بالإيمانِ و لا تجعَلْ في قلوبِنا غِلاً للذين آمَنُوا ربّنَا إنّكَ رءوفٌ رحيم ".
من أجل هذا أقول: إنّ خلق الإسلام، هو أصلُ كلّ منهاجٍ في العلمِ و الفهمِ، سواء كان العلم تاريخاً أو أدباً أو اجتماعاً أو سياسةً. و إلا فنحنُ صائرون إلى الخروج عن هذا الدين، و صائرون إلى تهديم ما بناه أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، و إلى جعلِ تاريخ الإسلام حشداً من الأكاذيب الملفقة، و الأهواء المتناقضة، و العبَث بكل شيءٍ شريف ورثتنا إياه رحمة الله لهم و فتحَ الله عليهم، و رضاه عن أعمالهم الصالحة، و مغفرته لهم ما أساؤا، رضي الله عنهم و غفرَ لهم و أثابهم بما جاهدوا و صبروا، و علِموا و علّموا،. و استغفر اللهَ و أتوبُ إليه.
- يُتبع بردّ محمد رجب البيومي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أسماء كرامدي

أسماء كرامدي

عدد الرسائل :
1331

تاريخ التسجيل :
18/04/2009


" لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب Empty
مُساهمةموضوع: رد: " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب   " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب I_icon_minitimeالخميس 8 يوليو 2010 - 19:00

ردّ محمد رجب البيومي على شاكر/ نُشِر بمجلة «الرسالة»، العدد 973، سنة 1952 :
" للأستاذ محمود محمد شاكر منزلة كبيرة لدي، فأنا أعهدُه كاتبًا قويَّ الأسلوب، رصينَ العبارة، و أعرفُه أبِيًّا مخلصًا يتدفَّقُ غيرةً على الإسلام، و تعصّبًا لأفذاذِه الأبطال، لذلك أُقبِلُ على قراءةِ ما يدبجُه يراعُه المؤمن في شوقٍ واهتمام.
و قد طالعتُ أخيرا ما كتبَه بمجلة (المسلمون- العدد الثالث ص 38 جمادى الأولى سنة 1371)تحت عنوان "لا تسبُّوا أصحابي"، فوجدتُ المجالَ واسعًا للخلاف بيني وبينه، ولم أشأ أنْ أطوي ما دار بخلدي عن القُرّاء، فرأيتُ أن أناقِشَ الكاتبَ الكبير فيما سطّره راجيا أن يحقَّ اللهُ الحقَّ بكلمته، فالحقّ وحده هدفُ الكرام الكاتبين، و في طليعتهم الأستاذ الجليل.
ولعلّ من الأوفق أن أبدأَ بتلخيص الفكرة التي يدور حولها مقال الأستاذ شاكر، فأُعلِن أنّ الكاتبَ الفاضل ينحى باللائِمة على المجاهد الداعية الأستاذ سيّد قطب -وإنْ لم يصرِّحْ باسمِه- إذْ تعرّض في كتابه"العدالة الاجتماعية في الإسلام" إلى أناسٍ عدَّهُم الأستاذُ شاكر من أفاضلِ الصّحابة، وقد خصَّهم صاحبُ الكتاب بما لا يليق في مذهبِ الأستاذ شاكر من النّقد والتّجريح، وهو بذلك يُخالِف ما اجتمعَ عليه الرّأي السائد من تقديسِ أصحابِ الرسول "إذْ لا سبيل لأحدٍ من أهل الأرض ماضيهم وحاضرهم أن يلحقَ أقلَّ أصحاب محمد، مهما جهد في عبادته ومهما تورّع في دينه، ومهما أخلص قلبه من خواطر السوء في سره وعلانيته"، كما قال الأستاذ الجليل.
وقد بدأ الأستاذُ شاكر مقالَه بحديثِ الرسول «[b]لا تسبُّوا أصحابي، فو الذي نفسي بيده، لو أنَّ أحدَكم أنْفَقَ مثلَ أحد ذهباً، ما أدركَ مدَّ أحدِهِم و لا نصيفه
»، و اندفعَ في سياقٍ منبري في سرد الأدلة الخطابية، و يستثير النوازعَ العاطفية، ويستشهِد قولَ الرسول «خيرُ النّاسِ قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم يجيءُ قوم تسبق شهادةُ أحدهم يمينَه، ويمينه شهادته»كما ذكرَ حديثاً يدور حول هذا المعنى، محاولاً أنْ يُؤيِّد بذلك كله دعواه الخطيرة إلى تقديسِ أناس بعدُوا عن الحق فيما سجّله عليهم التاريخ من أعمال..و مما نحمدُ اللهَ عليه أنّ الحقَّ- في هذه الناحية- واضحٌ أبلج لا يحتاج إلى برهان.
وقبل أن نعرِضَ ما ذكره الأستاذُ قطب في شأنِ معاوية وأصحابِه، نُذكِّر أنَّ الأستاذَ شاكر قد أثارَ هذه العاصفة وحجّته الوحيدة، أنّ كلَّ صحابي رأى الرسولَ وسمِع عنه قد اكتسب مكانةً تحرم على كلّ إنسان أنْ ينقدَ أخطاءَه أو يُظهر أغلاطَه، «فإذا أخطأَ أحدُهم فليس يحلُّ لهم ولا لأحدٍ ممن بعدهم أنْ يجعلَ الخطأَ ذريعةً إلى الطعنِ عليهم»..كما ذكرَ الكاتبُ.
وحَسْمًا للنّزاع من أقربِ طُرقه، نبدأ بتحديدِ معنى "الصّحابي"، و هو-في أبسط حدوده- يُطلَق على كل إنسانٍ حصلتْ له رؤيةَ الرسول أو مجالسته، فجميع من سُعِدُوا بمشاهدته صلى الله عليه وسلم في حياتِه بعد الإسلام صحابةٌ يشرفون بهذه الصفة المباركة، حتى "عبد الله بن أبي" رأس النّفاق بالمدينة، فقد قال الرسولُ لمن همَّ بقتله:«معاذَ الله أنْ يتحدّثَ الناسُ أنّ محمداً يقتل أصحابَه»، فعبد الله من أصحابِ محمّد كما ينطق الحديث، فليت شعري أينطبِقُ الحديثُ القائل "لا تسبّوا أصحابي"على جميعِ من سعد بالصّحبة، أم يخصُّ من باعُوا أرواحَهم وأموالَهم لله من المؤمنين الصادقين؟ لا بدّ أن تكون الطائفة الأخيرة هي المقصودة دون أدنى تردّدٍ أو نزاع، فكلّ من تمسكّ بأخلاقِ الإسلام من أصحابِ الرسول وشهد تاريخُه بمروءَتِه وصدقِه فهو موضعُ التبجيل، و لا يجوزُ لمسلمٍ يَدينُ بالإسلام أن ينتَقِِصَه في شيء، وكلّ من حامت الشبهات فوق تاريخه فهو موضعُ الملامة و النقد لأنّ الناسَ سواسية أمام الإسلام، و لا فضل لعربي على أعجمي بغير تقواه، و الإسلام لا يُقدِّس غيرَ البررة المخلصين.
و معلوم أنّ الصحابةَ رضوان الله عليهم لم يكونُوا من الدين والجهاد بمنزلة واحدة، ففيهم من أسلمَ في فجر الدعوة منذ أعلنها الرسولُ و قطعَ السنوات المتتابعة في الجهاد والجلاد، وفيهم من أسلمَ قبيل الفتح أو بعده و السيف مسلط على رأسه، وفيهم من بذلَ الكثير من الدم والمال و ادّخرَ القليل، وفيهم من تقاعسَ ولم يبذل شيئاً من دمه وماله. و من الظلم البِّين أنْ نرتفعَ بهؤلاء جميعاً إلى منزلة واحدة، بل على التاريخ أن يُهيئ لكل إنسان منزلتَه وفق ما أسلفَ من أعمال «لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم و أنفسهم، فضَلَ اللهُ المجاهدين بأموالِهم و أنفسِهم على القاعدِين درجة، وكلاًّ وعدَ اللهُ الحسنى، و فضلَ الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيما» 95 النساء.
و إذا كان الأستاذ شاكر يرى أنه لا يجوزُ لأحدٍ من الناس أو من الصحابة أنْ يجعلَ الخطأَ ذريعةً إلى الطعن في المخطئين، فماذا يفعل في الصحابة إذْ أحلُّوا لأنفسِهم ما حرّمَهُ عليهم الآن، فخطّأَ بعضُهم بعضاً، وطعَنَ فريقٌ منهم على فريق آخر يُناوئه، أفيكونون بذلك قد خالفُوا الحديثَ النّبوي كما فهِمَهُ الأستاذُ شاكر..أم عرفُوا أنّّ الصحبةَ وحدها لا تعصِم من النقد و الملام؟
لقد اتضحَ بجلاء أنّ الحديثَ الذي عَنْوَنَ به الأستاذُ مقالَه لا يندرج على جميع من سعد بالصُّحبة، بل يختَصُّ الطائفةَ المناضلة التي لم تترك أخلاقَ القرآن في موقف، أو تنبذ روحَ النّبوة في صنيع، و جميع من سارَ على النهج القويم كأبي بكر وعمر و عثمان وعلي و ابن مسعود موضعُ القدوة و الاحتذاء من المسلمين، وحرامٌ على كلّ مؤمن أنْ يحومَ على أحدٍ منهم بطعنٍ أو تجريح، أمّا الذين تأخّرَ بهم الرّكبُ عن اللّحاق بالإسلام في مشرقِ شمسه، فيجب أن ننظُرَ إلى صحفِ أعمالهم ومواقِفهم في الحياة ثم نحكم عليها في ضوءِ القرآن و النبوة، وهذا ما فعله الأستاذُ سيد قطب، فقد نظرَ إلى أعمالِ معاوية وطائفةٍ من بني أميّة نظرةً إسلامية صادقة، فوجدَ خليفةَ المسلمين قد بعد عن روح الإسلام في أكثرِ أعماله، وساعده في هذا السبيل فريقٌ باعَ آخرتَه بدنياه، فرأى أنّ يقولَ كلمةَ الحق في أناس تجاوزوا حدودَ الله في أعمالهم. و الأستاذ قطب لم يُرِدْ بكتابه أنْ يكون مؤرّخاً راوياً، فالرسالة التي يضطلع بها الآن أعظمُ من أنْ تنحصر في حدود التاريخ، و لكنه ينادي بالرجوع إلى أحكامِ القرآن، وهديِ النبوة، و تعاليم الإسلامِ، وقد عرفَ أنّ الخلافة الإسلامية قد فقدَتْ معناها الديني بعد مصرع علي، وجاءَ من الخلفاء من أَحَاَلها إلى ملك عضوض، تبعد عنه روحُ الإسلام في أكثر نواحيه، و قد ظنَّ كثيرٌ من الناس أن هؤلاء الخلفاء الرسميين من لدن معاوية يُمثِّلون الخلافةَ الدينية التي تتقيّد بالقرآن و تهتدي بالسماء، و رأوا من جرائرهم الخُلُقِية، وتَرَفِهِم المقيت، ولهوِهِم الماجن ما يُبغِضهم في الخلافة و الإسلام، فقام الأستاذُ سيد قطب يدافعُ عن دينه، و يُبين أنّ الإسلام لا يَعْتَرِفُ بخلافةٍ بعد علي، و قد نطق بالحقِّ المؤيد بالتاريخ حين أعلنَ أنّ معاوية أول خليفةٍ تحلَّلَ من قيود الإسلام، أفنقولُ له بعد ذلك لقد تهجّمْتَ على أصحابِ الرسول وخالفْتَ هديَ النّبوة، أم يريدُ الأستاذُ شاكر أنْ يُفهم الناس أنّ معاوية و أشياعَه يمُثِّلون الإسلامَ بما ارتكبوه من رشوة وخداع وممالأة؟ لو أنَ الأمرَ كذلك لبعد الناسُ عن الإسلام، ولبرِئَ المسلمون من دينٍ يُبيحُ لخلفائِه الخديعةَ و المكرَ و الارهابَ و إقامة القصور واحتكار الأموال والضياع؟
و لقد كان الأحرى بالأستاذِ شاكر أنْ ينقدَ ما ذكره الأستاذُ قطب عن معاوية نقداً تاريخيًّا فيبين أنَ الوقائع التي ذكرها في كتابه الخالِد غيرُ صحيحة، و لكنه لا يستطيع أنْ يفعلَ شيئاً من ذلك، إذ إنّ الأستاذ قطب قد نقلَ وقائعَه عن كتبِ التاريخ ولم يخترعها من عنده اختراعاً، وهي -رغم ثورة الأستاذ شاكر- معروفة لدى الكبير و الصغير.
فَمَنْ ذا الذي يُنكِرْ أنّ معاوية حين صيّرَ الخلافةَ ملكا عضوضاً في بني أمية لم يكن ذلك من وحي الإسلام، إنما كان من وحي الجاهلية؟ و من الذي يُنكر أنّ أميّة بصفة عامة لم يعمُرْ الإيمانُ قلوبَها و ما كان الإسلام لها إلا رداءً تلبسه وتخلعه حسب المصالح والملابسات!!؟ وهذا باستثناء عمر بن عبد العزيز الذي أحاطه الأستاذ قطب في كتابه بسياجٍ من المحبة والإجلال، وجعلَ عهدَه بقيّةً من عهود الخلافة الراشدة، و إشعاعة مضيئة تنير الطريق، و قد بسطَ الكلامَ عن هذا الخليفة العظيم في أربع صفحات طوال!!
و من الذي يُنكِرْ أنَّ يزيد بن معاوية قد فرضه أبُوه على المسلمين مدفوعاً إلى ذلك بدافعٍ لا يعرفه الإسلام؟
ومن الذي ينكر أنّ معاوية قد أقصى العنصرَ الأخلاقي في صراعِه مع علي، و في سيرته في الحكم بعد ذلك إقصاءً كاملاً لأول مرة في تاريخ الإسلام، وقد سارَ في سياسةِ المال سيرةً غير عادلة.فجعله للرشوة واللهو و شراء الضمائر في البيعة ليزيد بجانب مطالب الدولة والفتوح بطبيعة الحال.؟
هذه و أمثالها أمورٌ مسلَّمة في التاريخ لا يستطيع الأستاذ شاكر أنْ يُنْكِرَها بحال. و نحنُ نعجَب كثيراً حين نجِده في مقاله يلبس مسوحَ الوعظ و الإرشاد فيقول:"يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إنّ بعض الظن إثم"."يا أيها الذين آمنوا إنْ جاءكم فاسقٌ بنبأ فتبيّنُوا"."و لا تَقْفُ ما ليس لك به علم إنّ السمعَ والبصرَ والفؤادَ كلّ أولئك كان عنه مسؤولا". أفبهذه الآيات و أمثالها يستطيعُ الأستاذ شاكر أنْ يُسْكِتَ لسانَ التاريخ ؟
كنّا ننتظر من الأستاذ أنْ ينقد هذه الحوادث التاريخية نقداً موضوعيا يُحدِّد على ضوئه موقِفَ معاوية من تعاليم الإسلام! ولكن الأستاذ لا يستطيع أنْ يأتي لمعاوية بتاريخٍ جديد فذهبَ يدافع عنه من بابٍ آخر، فنقلَ عدة روايات تدلُّ على أنه حسن الصلاة!!و أنه أوترَ بواحدة! فقال ابنُ عباس إنه فقيه!!و أنّ الرسول قد قال:اللهم علِّمْ معاوية الكتابَ والحسابَ وقِهِ العذاب!!. و سارَ في هذا المضمار خطواتٍ أتعبته كثيراً. و العجيب أنه يجعل ما ذكره الأستاذُ قطب عن تاريخِ معاوية رواياتٍ متلقفة من أطراف الكتب! وهي ما تنطق به جميعُ كتبِ التاريخ، أما ما ذكره الآن من فضائل معاوية فليس من قبيل الروايات المصنوعة، و إن اصطيد من مجمع الزوائد و أمثاله من مراجع الأستاذ، أفهذا منطق يُقنِع الباحثين!
وقد تعجّبتُ كثيرا و أنا أقرأ قولَ الأستاذ شاكر عن قطب «إنْ كان يعلمُ أنه أحسنُ نظرا ومعرفة بقريش من أبي بكر حين ولى يزيد بن أبي سفيان وهو من بني أمية، و أنه أنفذُ بصرا من عمر حين ولى معاوية فهو ما علم!»كأنّ تولية عمر لمعاوية كافية لأن تمحو أخطاءَه فلا يأخذه مؤرخٌ بملام! و نحن نُقِرُّ أنَّ معاوية كان حسنَ السِّيرة على عهد عمر فولاه أعمالَ دمشق، و لكنه قلب المجن للتعاليم الاسلامية بعد مصرع عثمان فلم تنفعه تزكيةُ الفاروق في شيء، و عمر رضي الله عنه لا يعلمُ الغيبَ حتى تكون تزكيته لإنسانٍ ما في عهده ممتدةً إلى جميع أعماله مدى الحياة!.
هذا هو معاوية، أما أبو سفيان و هند زوجته وعمرو بن العاص ، فلا أعلم أنّ الأستاذَ قطب قد تجاوزَ الحقَّ فيما كتب عنهم من تاريخ!! فجميعُ المسلمين يعرفون أنّ أبا سفيان حاربَ الإسلامَ حربا لا هوادة فيها، ولم يدخلْ في حظيرته إلا بعد أن تقرّرت غلبةُ الإسلام! و أنّ زوجتَه هند قد ولغَتْ في الدم حين أخذت كبدَ حمزة بين فكيها، ولاكتها لتأكلَها فلم تستطع، وأنها قالت عن زوجها حين أسلم:اقتلوا الخبيث الدنِس الذي لا خير فيه، قبح من طليعة قوم، هلا قاتلتم ودافعتم عن أموالكم، ثم أسلمتْ بعد ذلك أيضاً!! و أنّ ابنَ العاص قد عاونَ معاويةَ في خصامِه مع علي جرياً وراء مآرب يدّخِرُها لنفسه دون نظرٍ إلى صالح الإسلام والمسلمين!! هذا كله ما ذكرته كتبُ التاريخ، أفيُلام الأستاذ قطب إذا ذكره في معرضِ الدّفاعِ عن الإسلام وتبرئتِه من آثام المذنبين، أمْ يُريد الأستاذُ شاكر أن يُؤخَذ الإسلامُ بجرم أبنائه ومدَّعِيه، حين يحتضِنُ أناساً لم يتمسّكوا بأهدابه و قواعِده، ما يكون لنا أنْ نتكلمَ بهذا في ذلك الشأن.
ولقد تعمّدتُ أنْ أكونَ واضحاً صريحاً حين تكلمتُ عن المراد «بالصّحابي» فتحدثتُ عما يُفهم من مادة الكلمة دون نظرٍ إلى ما دار حولها من اختلاف لدى الأصوليين، إذ هم يذكُرون عدةَ تعاريف تتقارب و تتباعد دون أنْ نلتقِيَ في ناحية واحدة، ولو تمسّك كلُّ إنسان بتعريفٍ معين لتضاربَ القولُ، واتسعتْ شقةُ الخِلاف! على أنَّ الصّحبةَ بمدلولها اللغوي تدلُّ على الملازمة، فصَاِحبُكَ هو الذي يُطيلُ المكثَ معك أكثر من سواه، و صحابةُ الرسول بالمعنى الشرعي واللغوي معاً هم أكثرُ الناس ملازمةً له، وليس منهم معاوية و أبوه و أمه و نجله على أي حال، و لن أطيلَ هنا القول فيما ذكره المحدثون في قول الرسول «خيرُ الناسِ قرني ثم الذين يلونهم»-وقد سبق في صدر هذا المقال- إذْ أنّ مفسّري الحديث قد أجمعُوا على أنَّ العبرة بالمجموع لا بالجميع، فقد يوجد في القرن العشرين من هم أفضلُ بكثير من بعض من عاصروا الرسولَ العظيم، و إذن فليس للأستاذ شاكر أنْ يتمسَّكَ -بهذا وأمثالِه- كدليلٍ يستنِد إليه في دعواه، وهو من البداهة بمكان لا يحتمل الترديد و الإسهاب.
إنّ من القسوة العنيفة أنْ يقولَ قائلٌ عن الأستاذ سيد قطب أنه قد بعد في كتابه عن منهج الإسلام، و هو الداعية البصير الذي تشرَّبَ روحَ الإسلام، و فهم دقائقَ التشريع، ورسم خطوطاً واضحة يترسمها الشبابُ المتوثّب للنّهوضِ و العزة في ظلال الدين الحنيف، وكان بجهادِه الميمون رائدَ جيلٍ، و منقذ نفوس، و داعية إصلاح.
أعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي - يبني وينشئ أنفساً وعقولاً



(يُتبع بردِّ شاكر:ذو العقل يشقى)


عدل سابقا من قبل almuraqib al3aam في الجمعة 9 يوليو 2010 - 23:21 عدل 2 مرات (السبب : تكبير الخط)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أسماء كرامدي

أسماء كرامدي

عدد الرسائل :
1331

تاريخ التسجيل :
18/04/2009


" لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب Empty
مُساهمةموضوع: رد: " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب   " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب I_icon_minitimeالجمعة 9 يوليو 2010 - 1:01



ردّ شاكر: "ذو العقل يشقى" - نُشِر بمجلة «الرسالة»، العدد 974،
سنة 1952 :




"
لولا أني أكره خلائقَ السّوء، لما حملتُ هذا القلم لأردَّ به على هذا الذي تكلّفَ
مؤونةَ الجدال عن صاحبِه، و لولا أنه كتبَ ما كتب في الرسالة، و هي مألف قديم يحنُّ
إليه هذا القلم، لما غلبني على ما أدّبتُ به نفسي من هجرِ صَغَائر الأمور. و مِنْ
خلائقِ السّوء عندي أن يُجْهِدَ كاتبٌ قلمَه في نقدِ ما أكتبُ، ثمّ أغفلَ رَدَّه إلى
الحق إنْ أخطأَ، أو متابعتِه على الصواب إذا أصابَ. و مهما يكُنْ رأيي فيما كتبَ
الأستاذُ، فإني أجِدُ الحقَّ يلزمني أنْ أعودَ إليه بالتذكير و الإبانة، غير
متلجلج في استنقاذِه مما تورّطَ فيه، و لا مستنكِفٍ أنْ يكون في بعض كلامي هذا
تكرار لما قلتُ، مما أرجو أنْ يكون إنمّا غفلَ عنه غير متعمّد إن شاء الله.
و
أنا أقدّم بين يدي الأستاذ الفاضل، معذرتـي في أنْ أسامِحَه فيما وصفَ به ما كتبتُ،
و ما وقرَ في نفسه و أبان عنه بقوله أني اندفعتُ في سياق منبري، أسرد الأدلة
الخطابية، و أستثيرُ النوازعَ العاطفية. و كان خليقاً به قبل أنْ يقولَ ما قال، أنْ
يعرِفَ أسلوبي فيما أكتب، ثم ينظر إليّ بعينَي مبصر يتحقَّق: أصحيحٌ أني ألجأ إلى
الخُطَب المنبرية، و الأدلة الخطابية، و النوازع العاطفية. أم الحق أني أتحرّى
أمراً أنا مسؤولٌ عنه بين يدي ربي، أو على الأقل: أعتقِدُ أنا أني مسؤولٌ عنه بين يديه
سبحانه؟! و إذا كان كثيرٌ من الناس قد نسوا أنهم محاسبون يوم القيامة، فإني لم أنسَ
بعد، و أسأل اللهَ أن يعينني على أن لا أنسى، و إنْ عدَّ الأستاذُ الفاضل هذا
الكلام أيضاً خطبةً منبرية، أو استثارةً عاطفية!




و
لعلّ قُرّاء الرسالة، لم يقرأوا ما كتبتُ في مجلة «المسلمون» و لستُ أحبُّ أن أعيدَ
عليهم ما كتبتُ هناك، و لكني أحب أن أبين لهم عن أصلِ هذا النزاع الذي نازعنيه الأستاذُ
الفاضل. و ذلك أني رأيتُ كاتباً بسَطَ لسانَه بسطاً عريضاً في دينِ جماعةٍ صحِبُوا
رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، هم : معاوية بن أبي سفيان، و أبوه أبو سفيان، وأمه
هند بنت عتبة، و عمرو بن العاص، ثم أدخلَ معهم سائرَ بني أميّة. و زعَمْتُ في هذه
المقالة أيضاً أني لن أناقِشَ منهجَه التاريخي:«لأنّ كل مُدَّعٍ يستطيع أنْ يقول
هذا منهجي، و هذه دراستي»، و قلتُ:« و أيضاً فإنيّ لن أُحقِّقَ في هذه الكلمة فسادَ
ما بنى عليه الحكمَ التاريخي العجيب، الذي استحدثَهُ لنا هذا الكاتب، بل أدعه إلى
حينه»، و قلتُ: " بل غاية ما أنا فاعل:أن أنظرَ كيف كان أهل هذا الدين،
ينظرون إلى هؤلاء الأربعة بأعيانهم، و كيف كانوا -هؤلاء الأربعة- عند من عاصرهم
ومن جاء بعدهم من أئمة المسلمين و علمائهم."
و
أظنُّ أني بهذه الكلمات قد حدّدتُ كلّ التحديد غايتي فيما أكتبُ. أظن ذلك، و أظن أيضاً
أنّ لكل كاتبٍ بعض الحرية!! في أنْ يحدِّدَ ما يريد لنفسه في سياق ما يريد أنْ
يكتبَ.و بخاصة إذا كان يريدُ أن يُعرِّفَ الناس بشيء هم قد غفلوا عنه، و بخاصة في
زمن أصبح العلم فيه لجاجات تُكتب كما تُكتب مقالات الصحف اليومية في المنازعات
الحزبية! و بخاصة في أمرٍ فيه نذير شديد من الله سبحانه! و بخاصة إذا كان هذا
الكاتب يؤمن بأنّ الإنسانَ مسؤولٌ بين يدي ربه عن كل ما يقول وكل ما يكتب وكل ما
يفعل
!.
بيد
أنّ الأستاذَ الفاضل ظنّ أنه كان يجِبُ عليّ أولاً غير هذا، إذ ظن أنّ صاحبَه نقدَ
معاوية نقداً تاريخيا، فطالبني أنْ أبيِّنَ الوقائعَ التي ذكرها في كتابه غيرُ
صحيحة، ثم زاد شيئاً آخر عجل إليه فزعمَ أني لا أستطيع أنْ أفعلَ شيئاً من ذلك،
لأنّ صاحبَه نقلَها من كتب التاريخ ولم يخترعها اختراعاً، و لأنها معروفةٌ لدى
الصغير و الكبير؟! فأظنُّ أنا أيضاً أني بيّنتُ عن طريقي في الكلمات التي نقلتُها
آنفاً، و أني سوف أتركُ هذا إلى حينه، فلست أدري لم يعجل الأستاذُ الفاضل كلَّ هذه
العَجَلَة على امرئٍ مثلي، فيضربه بالعجز عن ذلك قبل أنْ يُبين عن حجّتِه؟ فهذه
العجلة هي التي أُنكِرُها على صاحبِه، و أنكر أنْ تكون أدباً يتأدّبُ به العالمُ
أو المتعلِّمُ، و من الحق على كل عاقل أنْ يَنْهَى نفسَه عنها، و أنْ ينهى من
يرتكبها، لأنها مخالفةٌ لكل أصلٍ من أصول العلم و التعلم، و لأنها تورِثُ مرتكبِها
نفسَ الدّاء الذي أتى منه صاحبُه الذي تهجّم على ضمائرِ خلقِ الله، فكاد يقطَع
قطعاً جازماً بنفاقِ معاوية و أبي سفيان وهند وعمرو بن العاص وسائر بني أمية!.مِنْ
أين يعلم أني عجزتُ أو أني سوف أعجز؟ لا أدري
!
و
مثل هذا في الجراءة ما أتبعَهُ من أسئلة إذ يقول
:
"من الذي ينُكر أنّ معاوية حين صيّرَ الخلافةَ ملكا عضوضاً لم
يكن ذلك من وحي الاسلام، إنما كان من وحي الجاهلية؟
.
"و من الذي ينكر أنّ أميَّة بصفة عامة لم يعمُر الإيمانُ قلوبَها،
وما كان الإسلام لها إلا رداء تلبسه وتخلعه حسب المصالح والملابسات؟
...
"و من الذي ينكر أنّ يزيدَ بن معاوية قد فرضه أبوه على
المسلمين مدفوعاً إلى ذلك بدافع لا يعرفه الإسلام؟
"و من الذي ينكر أنّ معاوية قد أقصى العنصرَ الأخلاقي في
صراعه مع علي، وفي سيرته في الحكم بعد ذلك إقصاءً كاملا لأول مرة في تاريخ الإسلام،
و قد سار في سياسة المال سيرة غير عادلة، فجعله للرشوة واللهو وشراء الضمائر في
البيعة ليزيد؟
هذه و أمثالها أمورٌ مسلمة في التاريخ، لا
يستطيع الأستاذ شاكر أن ينكرها بحال.و نحن نعجب كثيراً حين نجده في مقاله يلبس
مسوح الوعظ والإرشاد
..."





نعم
يا سيّدي الشيخ! نعم! فإنيّ لمحدّثُكَ عمّنْ يُنْكِرُها: أنا أنكِرُ هذا كلَّه و ينُكره
المؤمنون من قبلي، و إذا كنتَ أنتَ و صَاحِبُكَ تسلّمان بها، فأنا لا أستطيع أنْ أسلم
بها. و تقول: هذه دعوى ليس عليها بينّة! فأقول:نعم، هي في هذا السياق و ليس عليها
بينة، إلا أنْ آتيكَ بالدليل على بطلان ما ذهبَ إليه صاحبُك الذي تولّيتَ الدفاعَ
عنه. بَيْدَ أنكَ أسأتَ حين عجلتَ إلى شيءٍ لم تعرف ماذا أقولُ فيه، وكيف أستطيع أنْ
أتناولَه بالنقد و التمحيص.و لو أنتَ صبرتَ حتى تعرفَ لأتاك البيان عما أنكرت و ما
عرفت من أخبار صاحبِكَ، التي وصفتَها بأنها متلقفة من أطراف الكتب، لا أقول بلا
تمحيص و حسب، بل أقول أيضا بالحِرص الشديد على تتبّعِ المثالب القبيحة، و بالحرص
المتلهف على اجتنابِ المناقب الفاضلة، و بالغلوِّ الأرعن في سياقِ المثالب و في
تفسيرها، و في تجليتها، و في استخراج النتائج من مقدماتٍ لا تنتجها، كما يقول
أصحاب المنطق
.
و
أنا أحبُّ أنْ أخلعَ معك مسوحَ الوعظ و الإرشاد خلعا لا رجعة بعده! فتعالَ أيها
الشيخُ إلى غير واعظٍ و لا مرشد! تعالَ حدِّثني و أحدثك، و دَعْنِي ودَعْكَ مِنْ:«قال
الله تعالى» و«قال رسول الله صلى الله عليه وسلم»فإنهما في زماننا هذا -من مسوح
المتديّنين بلا دين!- دعنا نعرف الكتبَ التي بين أيدينا لا نرفع بعضاً و لا نضع
بعضاً، لأنّ هذه كتبُ تاريخ لا يُوَثق بها، و لأنّ هذه كتُب أصحابِ دينٍ و وعظ و إرشاد
يوثق بها! ثم ننظرُ بعدئذٍ بالعقل المجرد ماذا يكون؟
!
و
دعني أيها السيد أعيدُ عليك ما قلتَ في مقالك:« و نحن
نُقِرُّ أنّ معاوية كان حَسَنَ السِّيرة على عهد عمر، فولاه أعمال دمشق، ولكنه قلب
المجن للتعاليم الاسلامية بعد مصرع عثمان
...» و لا أسألك من أين علمتَ أنه
كان حسنَ السيرة على عهد عمر؟ و لكني أسألك: ألستَ تعلم أنه قد نشبَ الخلافَ بينه
وبين علي؟ فتقول:نعم ولا بد.ثم أسألكَ: ألستَ تعلم أنه كان لهذا شيعة و لذاك شيعة؟
فتقول:نعم،و لا بد.فأسألكَ: ألستَ تعلم أنّ كل شيعة قد غَلَتْ في صاحبِها و تعصّبت
له؟ فتقول نعم و لا بد. فأسألكَ:ألستَ تعلم أنّ الأمرَ حين انتهى إلى معاوية و اجتمعَ
عليه الناسُ في عام الجماعة إذ أسلمَ إليه الحسن أمرَ الخلافة.لم تزل شيعةُ علي
باقيةً في الناس كشيعة معاوية؟ فتقول:نعم و لا بد. فأسألك:ألستَ تعلم أنَّ الخلافَ
بين الشيعَتَين ظَلَّ مستمراً مدةَ بقاءِ معاوية و من بعده؟ فتقول:نعم ولا
بد.فأسألكَ:ألستَ تعلم أنّ الحسين بن علي قُتِل في عهد يزيد بن معاوية؟ فتقول:نعم
ولا بد.فأسألكَ:ألستَ تعلم أنّ مقتلَ الحسين وما تبعه من الحوادث في عهد يزيد بن
معاوية قد أوقدَ نارَ العداوة بين شيعة علي و شيعة معاوية؟ فتقول:نعم و لا
بد.فأسألكَ: ألستَ تعلم أنَّ شيعة كل منهما قد انتشرت في الناس بما بينهما من
العداوة؟ فتقول:نعم و لا بد. فأسألكَ:ألستَ تعلم أنَّ من هاتين الشيعتَين العالم و
الجاهل؟ فتقول:نعم و لا بد.فأسألك:ألستَ تعلم أنّ كلَّ عالم أو جاهل كان يُحدِّث
عن خَبَرِ شيعته وخبرِ شيعة عدوِّه؟ فتقول:نعم و لا بد.فأسألكَ ألستَ تعلم أنّ هذه
الأخبار ربما كان فيها الصّحيح و السقيم و الصادق والمكذوب كما يكون في كل شيعتَين
متنابزَتَين؟ فتقول:نعم و لا بد.فأسلكَ:ألستَ تعلم أنّ الأمرَ سارَ على ذلك إلى ما
بعدَ انقضاءِ دولة بني أمية؟ فتقول:نعم ولا بد، فأسألكَ:ألستَ تعلم أنها استمرت إذن
على ذلك منذ سنة 40 من الهجرة إلى وقتِ تدوين الكتب، أي في أواخر
القرن الأول؟ فتقول:نعم و لا بد. فأسألكَ:ألستَ تعلم أنه ليس في أيدي الناس كتابٌ
مكتوب قبل ذلك العهد؟ فتقول:نعم و لا بد.فأسألكَ:ألست تعلم أنّ طريقَ القوم كان هو
الرواية فحسب؟ فتقول: نعلم و لا بد.فأسألكَ:ألستَ تعلم عندئذ أنّ العقلَ يوجب أنْ
تَعْرِفَ راوي كلّ خبر حتى تتبين من أي الشيعتَين هو؟ فتقول: نعم ولا بد.فأسألكَ: ألستَ
تعلم أنه ظلمٌ قبيح أنْ تأخُذَ الخبرَ لا تدري مَنْ رواه، فتطعَن به في أحد الرَّجلين،
معاوية أو علي، و أنت لا تأمن أنْ يكون كذبا صرفا؟ فتقول: نعم ولا بد
.
فإذا
صحَّ كلّ هذا عندك ولم تشغب عليّ فيه، فإني أراكَ رجلاً صالحا، فهل تظنّ، و لا
أقول هل تَحَقَّقَ عندكَ، أنّ هذا الطّعَّان في معاوية و أهلِه، قد ميّزَ هذا كلَّه
قبل أنْ يكتبَ ما كتب؟ فإنْ كان قد صحَّ لكَ، فأنا أحبُّ أنْ أعلمَ كيف صحَّ لك،
حتى أتبعكَ على الحق.و إنْ لم يكن صَحَّ عندك، وهو لم يَصِحّ عندي بعد، فدعني عند
قولي لك:أنا أُنْكِرُ هذا كلَّه و ينكره المؤمنون من قبلي، و اذكرني دائماً بأني
لا أعدُّ أمثالَ هذه الروايات المجردة من رواتها، و في مثل هذا الموضع المشتبه من
العداوات، شيئا يمكن أنْ أسلِّمَ به.فإني لا أحبُّ أنْ أستهلكَ عقلي في العبث و الجهالات.
و اعلَمْ أني لا أنْقَادُ لما لا بيّنة عليه، و أنّ للعقل شرفاً لا يرضى معه
بالتدهور في مواطئ الغفلة و سوء الأدب. و لو أنتَ لم تعجل لكان البيانُ آتيك بعد
قليل عن الذي أستطيعه من ذلك و ما لا أستطيعه، غفر الله لك، أقولهُا خالصةً من
قلبي، بلا مسوح وعظ أو إرشاد!
و أنا أخذتكَ من أهونِ المآخِذ في طريق العقل،
فهناك طرقٌ أخرى أشقُّ و أصعب في تمييزِ هذا العبث لم أَدْفَعْكَ إليها، و أرجُو أنْ
تصبِرَ حتى تعرفَها يوما، أو أن تحاولَ أنت أن تصِلَ إليها بما أوتيت من حسن
العقل، فإنّ المحاولة خليقَةٌ أن تفضي بك إليها.و لكن شرطها أنْ تدَعَ العصبِيّةَ
لآراء الرجال، و بخاصة إذا كان هؤلاء الرجال ممن يَبْنُونَ أقوالهَم على الغُلُوِّ
و التسرع وسوءِ الفهم، و قبح المقصد، و معاندةِ الحق لهوًى في النفوس يعلمُه اللهُ
وحده، و لكن يدلُّ مطلعُه على أنه هوى. فإذا فعلتَ استطعتَ أن توفِّر على نفسك
مطالبتي بنقدِ الحوادث التاريخية التي رواها صاحبُك «نقداً موضوعيا»!و مع ذلك
فسأفعلُ حيث كتبت كلامي ما يرضيك.و لكن على شرط أنْ أجِدَ عندك ما أحب لكَ من حسن
الظن فيك:أنْ تعرِفَ أنَّ النقد الموضوعي الذي زعمتَ، ينبغي أن يسبقَهُ التحقُّق
من صحة هذه الحوادث تحققاً ينفي كل ظنه.و أستطيع أن أظن أني قدمتُ لك في هذه
الكلمة ما يجعلكَ تقف من هذه الروايات التاريخية! موقفَ المتردد على الأقل، أنَفَةً
لعقلك و أدبِك أن يزلا حيث زلّ من دافعتَ عنه
.
أما
الموضوع الذي نصبت له كلامي في مجلة «المسلمون» فهو سبّ الصحابة، و أظن أن الأستاذ
يوافقني على أنَّ كلام صاحبِكَ خرجَ أولاً عن أن يكونَ تخطئةً لمعاوية، ثم خرج عن أنْ
يكون طعناً فيه، ثم خرج عن أن يكون سبًّا.خرج من هذه المراتبِ الثلاث إلى مرتبة
رابعة، هي أنّ معاوية بريءٌ من الإسلام، و الإسلام بريء منه. فأدنى مراتبِ هذا
القول أنْ يكون منافقاً، و آخرها أنْ يكون كافراً بما جاء به الرجلُ الذي آمن به
المسلمون و أُمِروا أنْ يُسَمّوه "رسول الله صلى الله عليه وسلم."
و
من العسير أنْ أكتُبَ في هذا الموضوع الآن دون أنْ أتوشح بذيلٍ من ذيول «مسوح
الوعظ و الإرشاد»، فليأذَنْ لي الأستاذُ قليلا أنْ أَرُدَّ فضلة من الثوب الذي
خلعتُ حتى أستطيع أنْ أوضِّحَ له
:
زعمتَ يا سيدي أنّ لي رأياً، فقلتَ أني أثرتُ هذه العاصفة و حجّتي
الوحيدة:«أنّ كل صحابي رأى الرسولَ وسمع عنه قد اكتسبَ مكانةً تحرم على كل إنسان أن
ينقد أخطاءه أو يظهر أغلاطَه». ويلك! نسبْتَ إليّ شيئاً لم
أقله قط كما ستعلم بعد، فلا تَنْسَ إذن أنّ مثلَ هذا جائز أيضاً أنْ يكون وقع من
مثلِك قديما، فنسَبَ إلى معاوية شيئاً لم يقله كما نسبْتَ أنتَ إليَّ شيئاً لم
أقله، و لكني كنتُ أحسنَ حظاً من معاوية رضي الله عنه، فإنّ كلامي مكتوبٌ منشور، أما
معاوية، فقد رَوَى الناسُ عنه شيئًا ذهبَ أصله، لأنه لم يكتبه كما كتبتُ. صدّقني،
فلستُ أدري من أين فهمتَ هذا الكلام الذي ترجمته؟ ولكن عذرك بادٍ ظاهر، فإنَّ دفاعَكَ
عن صاحبِك دليلٌ على أنك على الأقل تُفكِّر كما يفكر، و هذه الطريقة هي نفسُها
طريقتُه التي أدعوك إلى فراقها حتى لا تُهلك عقلَكَ فيما لا يجدي. و الذي قلتُه
بعد الخطبة المنبرية التي زعمتها، والتي بدأتهُا بقول رسول الله صلى الله عليه
وسلم «لا تسبوا أصحابي..» هذا نصّه:« وليس معنى هذا أنّ أصحابَ محمد رسول الله معصومون عصمة الأنبياء،
و لا أنهم لم يخطئوا قط ولم يُسيئوا، فهم لم يدّعُوا هذا، و ليس يدّعِيهِ أحدٌ
لهم. فهم يخُطئون و يُصيبون، ولكنّ اللهَ فضّلهم بصحبَةِ رسولِه، فتأدبوا بما أدّبهم
به، وحرصوا على أنْ يأتوا من الحق ما استطاعوا، وذلك حسبُهم، و هو الذي أُمِروا
به، وكانوا بعد توّابين أوابين كما وصفهم في محكم كتابه. فإذا اخطأ أحدُهم، فليس
يحلّ لهم، ولا لأحدٍ ممن بعدهم، أنْ يجعلَ الخطأَ ذريعَةً إلى سبِّهم والطعن
عليهم. هذا مجملُ ما أدّبنا به اللهُ ورسولُه. بيد أنّ هذا المجمل أصبح مجهولا
مطروحًا عند أكثر من يتصدّى لكتابة تاريخ الإسلام من أهلِ زماننا، فإذا قرأَ أحدُهم
شيئا فيه مطعن على رجلٍ من أصحاب رسولِ الله سارعَ إلى التوغل في الطعن و السّبِّ
بلا تقوى ولا ورع. كلا بل تراهم ينسون ما تقضي به الفطرة من التثبت من الأخبار
المروية، على كثرة ما يحيط بها من الريب والشكوك، و من الأسباب الداعية إلى الكذب
في الأخبار و من العِلل الدافعة إلى وضع الأحاديث المكذوبة على هؤلاء الصحابة

(مجلة المسلمون عدد 3 ص 247).
و
أنا أكره أنْ أنقلَ كلاما لي من مكان إلى مكان، و لكنك استكرهتني على نقلِه، حتى
لا يقع في عقلِ أحدٍ من قُرّاء الرسالة، أني مستطيعٌ أنْ أقول هذه القالة المنكرة
القبيِحَة بكل مسلم: أنّ للصّحابة مكانةً تحرم على كل إنسان أن ينقد أخطاءَهم أو
يظهر أغلاطَهم. هذه يا سيدي كلمة قبيحة جدا، وأقبح منها أن تجعلَها ترجمةً لكلامٍ
مكتوب باللغة العربية التي تكتُبُ بها وتقرأ فيما أظنُّ، ثم تنسِبُها إلى امرئٍ
يعرف حقَّ الكلام و يلتزم مقاطعَه ومطالعَه وحدودَه، و ما يوجبه اللفظ من المعاني،
وما يتناوله من دقيقِ الاستنباط. و أنا أُشْهِدُ كلَّ قارئ أني لم أقل ما قوّلتَنِيه
وأدع له حقَّ الحكم بيني و بينك أنْ يكونَ في كلامي حرف واحد يدل على أني أردتُ
بعضَ هذا المعنى الذي ترجمتَه كما ترجمَ صاحبُك تاريخَ معاوية ومن معه من الصحابة
و تاريخَ سائر بني امية. أفتظنُّ أنّ قولي أنه لا يحِلُّ لأحدٍ أن يجعلَ «خطأهم»
ذريعةً إلى سبِّهم و الطعنِ فيهم معناه أنهم لا يُخطئون أو أنَّ أخطاءَهم لا تُنقَد؟
و أين ذهب عمري إذن، إذا كنتُ لا أعلم أنّ الصحابة أخطأوا، و أنّ علماءَنا رضي
الله عنهم قد بيّنُوا أخطاءَهم حتى فيما هو من أمور دينِهم؟ و لكن فرق كبير بين أنْ
تذكُرَ عملَ الصّحابي أو قولَه، وتأتي بالبرهان على أنّه مما أخطأَ فيه، و بين أنْ
تجاوز ذلك إلى الطعنِ فيه، ثم إلى سبِّه، ثم إلى إخراجِه عن الدين، كما فعلَ صاحبُك.
و هذا فرقٌ ليس بالخفِيّ فيما أظنّ، و لا أظنك إلا تورّطتَ فيه من شدة أثر صاحبِك
عليك، حتى خدعَكَ عما أنت خليقٌ أن تكون من أهله. هذه واحدةٌ أرجو أنْ تكون راجعًا
عنها منتفيا من سوء أثر صاحبِكَ عليك فيها
.
وأخرى
تبيّنَ فيها سوءُ أثرِ صاحبك عليك: وهي تحديدك، فيما تزعم، لمعنى "الصحابي"
واستدلالِك بالكلمة التي جاءت في الخبر عن عبد الله بن أبي «معاذ الله أنْ يتحدّثَ
الناسُ أنّ محمدا يقتل أصحابّه».فهذه كلمة ذِكْرها، يخشى أن تدور على ألسِنَة
المشركين الذين لا يميزون مؤمنًا عن منافق، وكلهم عندهم من أصحاب محمد صلى الله
عليه وسلم، لا أنَّ رسولَ الله يُسمّي المنافقين أصحابًا له!! وكيف وقد نزلَ عليه
من ربه نفاقَهم وكفرَهم، ونهاه أنْ يصلي عليهم، وبيّنَهم له بأعيانهم، فمعاذ الله أن
يُسمي رسولُ الله أحدًا من المنافقين الذين يعلمهم "صاحبا". فمن سوء الأدب
أنْ يقول مسلمٌ: «فعبد الله بن أُبَيّ من أصحابِ محمد كما ينطق الحديث»، ومن قلة
المعرفة بالعربية أنْ يقولهَا قائل، و من التسرّع البغيض أن يلجأ إليها باحث، و من
ضعف المنطق والفهم أنْ يحتجَّ بها محتج. فهي حكايةُ قولٍ يخشى أنْ يقولوه، لا
تسمية له باسم الصّحبة. أعوذ بالله من الخطل! ورحم الله العربَ ولسانهَم
!
أما
ما حاول الأستاذُ أن يجعله تحديدًا لمعنى الصحابي، وهو ثلاثة أرباع مقالِه، فأظنّني
لم أفهمه، ولم أَدْرِ ماذا كان يريدُ أنْ يقول ثم أخطأَه، و أظنُّ أنه أراد أنْ
يقول في كل ما كتب:أنَ الصّحابي هو الذي رأى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وسمعه
و آمن به ولازمه ومات على إيمانه ولم يرتدْ. ولم يشهد له رسولُ الله بنفاقٍ أولم يُذْكَرْ
فيه حكمٌ خاص من رسول الله. و هذا حق، إلا أنّ الأستاذ أدخلَ شرطَ الملازمة، وهو
باطلٌ من وجوه كثيرة، لا أطيل بذكرها، و مع ذلك فإني أؤكِّدُ أنّ معاوية ممّن صاحَبَ
رسولَ الله منذ رمضان سنة ثمان من الهجرة إلى أن توفّي بأبي هو و أمي صلى الله
عليه وسلم في ربيع الأول من السنة الثانية عشرة من مهاجره الى المدينة. وأما أبوه أبو
سفيان فقد ولاه صلى الله عليه وسلم نجران وصدقات الطائف، و رسول الله لا يولي
منافقا!! و أما عمرو بن العاص، فلا أظنّ الأستاذ َيستطيع أن يُنكر هجرتَه ومصاحبتَه
وبلاءَه في الإسلام، وأما هند فأسلمت يوم أسلمَ زوجُها أو بعده بيوم في سنة ثمان
من الهجرة. و هجران الأستاذ لمعرفة تاريخ هؤلاء الأربعة، عادةٌ اكتسبَها من الكتب
التي يقرؤها، كتب تُكتب بلا بيِّنة ولا حذر ولا معرفة
.
ولا أظن أني
قرأتُ كلاما لم أفهمه، كالذي قرأتُه في مسألةِ الصّحابة، و إنْ كان الأستاذ بالطبع
يظنُّ بكلامه غيرَ ما أظنُّ، و لكني أنصحه مرة أخرى أنْ يلتمِسَ العلمَ في كتب من
يُلتمَس عندهم العلم. وإذا كان يَخشى على دينه –و معذرة ارتداء مسوح الوعظ والإرشاد
ـ فليأخُذْ أمرَ دينِه عن ثقة في تمييز الصّحيح من الزيف، والحق من الباطل، و ليدعْ
أصحابَ الأهواء حيث رضوا لأنفسهم منازلَهم من مزالق الهوى. وليستغفِرْ ربهَّ من
الكلمة الكبيرة التي قالها حميةً لصاحبِه وَغضبا أنه "قد يوجد في القرن العشرين من هم أفضلُ بكثيرٍ من بعض من
عاصروا الرسولَ العظيم
».والظاهر أنّ الأستاذ لا يعيشُ في هذا القرن العشرين
عيشة العارِفِ البصير. و الظاهر أيضا أنه يحتاج إلى معرفةٍ كثير مما خفي عليه من
شؤون أصحابِ رسول ِالله صلى الله عليه وسلم، و مِنْ أمرِ دينِ الله الذي أكمله
للمؤمنين، و أتمَّ عليهم نعمتَه ورضيه لهم ولنا دينًا. و نصيحة أخرى إلى الأستاذ
ان يضع عن يده عبء القلم، فإنه ثقيل ثقيل. ولولا الحياء من أنْ أتركَ كلامَه و منطقَه
في الكتابة بلا مجيب، لخففتُ عنه ثقلَ الكتابة، و ثقل الفكر، و ثقل القلم جميعا،
بالصّمتِ عما جاء به ودهوره في أمورٍ قلّتْ معرفتُه بها، ويعجز فكرُه عن معاناتها
والسلام.

-يُتبع بردّ البيومي: أجل ذو العقل يشقى





الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أسماء كرامدي

أسماء كرامدي

عدد الرسائل :
1331

تاريخ التسجيل :
18/04/2009


" لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب Empty
مُساهمةموضوع: رد: " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب   " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب I_icon_minitimeالجمعة 9 يوليو 2010 - 17:33





ردّ البيومي.مجلة «الرسالة»، العدد 975 سنة 1952 :


"
حين يكتبُ القارئ نقدًا لمقالٍ قرأه، يودُّ من أعماقِ نفسه أنْ يصلَ إلى الحقيقة على
ضوءِ ما يعقُبُ المقالَ من حِوارٍ و حديثٍ. و واجبِ المنقود أنْ يُواجِهَ الحقائق
سافرة واضحة، ثم يجيبُ عنها واحدة واحدة، إذ إن القُرّاء يتتبّعُون النقاشَ فقرة..فقرة،
و يُوازنون بين الطيب والخبيث في دقّةٍ بالغة، و يُصدرون الرأيَ عن ثقة و اقتناع.
و
قد ناقشتُ الأستاذَ شاكر، بما لا أستطيع أنْ أحيدَ عنه من الأدب و الذوق، راجيا أنْ
أجِدَ لديه الإجابةَ الشافية المقنعة، فماذا وجدتُ؟! وجدتُ أنّ الأستاذَ المهذَّب
قد خصّني بكثيرٍ من الزّراية و الجهل و قِلّة المعرفة وضعفِ المنطق وسوءِ الأدبِ،
وليته وقفَ عندي بشتائِمِه و سبابِه، بل انتقلَ إلى الأستاذ الكبير سيد قطب، فرماهُ
ظالمًا بسُوءِ الفهم، و ولجَ إلى ضميره، فاتهّمَهُ بقبح المقصد وخبث الطوية و معاندة
الحقِّ لهوىً في النفوس يعلمه الله، و بالحرص على تتبع المثالب القبيحة و اجتنابِ
المناقب الفاضلة، و بالغلو الأرعن في سياقِ المثالب و تفسيرها، ثم ينضح إناؤُه
بهذه التُّهم الجاحِدة ملقيًا بها في عنفٍ وحِدّة إلى قُرّاءِ الرسالة، و هم جميعا
يعرِفُون فضائِلَ قطب، فأين ذهبَتْ عنه الحصافة و الاتزان؟.
وقد
حاولتُ أن أجِدَ لدى الأستاذ في ردِّهِ الطويل العريض شيئا يُقنع المنصِفِين، فما
وجدتُ غيرَ التنقّص والسّباب!! و قد دعوتُه في مقالي السّالِف إلى هجرِ الوعظ و الإرشاد
في الجدل العلمي، فصاحَ يقولُ على رؤوس الاشهاد «من العسير أنْ أكتبَ في هذا
الموضوع دون ان أتوشَّحَ بذيلٍ من ذيول الوعظ والإرشاد»، و الدفع مع ذيوله الضافية
الى أبعدِ مدى و إقصاء، و هكذا ضاعَتِ الحقائقُ التاريخية لدى كاتبٍ يزهي بنفسه،
فيقولُ أنه (يعرف حقَّ الكلام، و يلتزم مقاطعَه ومطالعَه وحدودَه، و أنّ للعقل شرفًا
لا يرضى معه بالتدهور في مواطئ الغفلة وسوء الادب والخوض في العبث والجهالات).
و
لا أريد أنْ أكيلَ للأستاذ صاعًا بصاع، ضَنًّا بكرامتي، و لكني أحاول أنْ أجمعَ من
مقالِه العريض فقراتٍ مبعثرة مضطربة في أنحائه، ساقَهَا مساقًا مهلهلا لا يعرفُ
الدقة و الحدودَ! لأِستطيعَ دحضَها بالرأي الموجز الصّريح، جَزَعًا على الحقيقة
العلمية مِنَ الغَرق في أطنابِ المنابر وإسهابِ الخطباء.
لقد
سطّرَ الكاتبُ خمسين سطرا من مقاله تبدأُ من قوله: «دعني أيها السيد أعيدُ عليك، إلى قوله خالصة من قلبي بلا
مسوح وعظ و ارشاد
»!..سطّرَ هذه السطور لِيقول:"إنَّ أخبارَ معاوية و عليّ
جاءتْ عن طريق الرواية فحسب، و لكلا الرجلين شيعته التي تنسج الحوادِثَ و تلفق الأخبار"،
و قد كنتُ أقرأ سطورَه الطويلة و أنا أسألُ نفسي: أذلك نقاشٌ أم مجرّد كلام؟ و لو
كانت النتيجة التي وصلَ إليها الكاتبُ صحيحةً لعذرناه وسكتْنَا عنه، و لكنها باطلةٌ
كلّ البطلان، و لو جاز لإنسانٍ أنْ يأخُذَ بها في شيءٍ لمزّقنا جميعَ صحف التاريخ
الإسلامي من أول عامٍ في حياته إلى مائة عام أتت عليه، فلا نتكلمُ عن أبي بكر و عمر
و علي و معاوية و يزيد و الحسين و عمر بن عبد العزيز!! حتى يعرِفَ الأستاذُ شاكر،
اسمَ الراوي و أباه وأمّه، ولِحُسْنِ الحظ أنَّ كُتَّاب التاريخ و رُوَاتِه لم
يستمِعُوا لهذه الضجّة و قدّموا إلينا مددًا وفيرا من الأحداث التاريخية!! ولم تُسجَّل
حوادِثُ معاوية و أضرابه عند مؤرّخٍ واحد حتى يتّهمه الأستاذُ بالافتراء والهوى،
ولكنها أنباء متواترة، رواها جميعُ المؤرخين دون استثناءٍ، ولو أنّ شيعةَ علي
وحدهم الذين اختلقُوا مثالبَ معاوية، لسكَتَ عنها بعضُ المؤرخين، و لكن
هيهات..هيهات!
فهل
وُجِد من المؤرخين من أنْكَرَ أنّ معاوية قد أحال الخلافةَ إلى ملكٍ عضوض مخالِفًا
بذلك تعاليمَ الاسلام؟ وهل وُجِد من المؤرخين من أنكرَ أنّ يزيد بن معاوية قد فرضَهُ
أبوه مدفوعا إلى ذلك بِدَاعٍ لا يعرفه الإسلام؟ و هل وجِد من المؤرخين من أنكر أنّ
معاوية قد جعلَ جزءًا من بيت المال للرشوة و شراءِ الضمائر في بيعةِ يزيد.
لم
يوجَد من أنكرَ ذلك من المؤرخين، ولكن الأستاذَ شاكر ينكِرُهُ و يدّعي أنّ
المؤمنين قبله قد أنكروه، و هو بحمدِ الله لم يكنْ مؤرِّخًا، و لا نعلمُ أنه خطَّ
كتابا في التاريخ، فلم ينسب نفسَه إلى قومٍ ليس معهم؟.
و
يدّعي الأستاذُ أنه لم يفهَمْ شيئا مما كتبتُهُ في تحديدِ معنى الصّحابي، فإذا
وجدني أستدِلُّ بحديثِ الرسول عن "عبد الله بن أبيّ" لجأ إلى مخرج يُنقذه
مما واجهتُه به فذكرَ أنّ الرسولَ قال:معَاذَ الله أنْ يَتَحدَّثَ الناسُ أنَّ
محمدا يقتل أصحابَه، خشية أنْ تدورَ على ألسنةِ المشركين الذين لا يميّزون مؤمنًا
عن منافق، وكلّهم عندهم من أصحابِ محمد صلى الله عليه وسلم!!.



و
أنا أقول للأستاذ إن المشركين كانوا يميزون المؤمنَ عن المنافق، ويعرفون نفاقَ ابن
أبيّ كما يعرِفُه المؤمنون سواء بسواء، بل إنه تعاهدَ معهم على التنكيل بالدعوة
المحمدية و لمسوا من نفاقِه ما شجَّعهم على التعاون معه، وكان إذا خلا اليهم يقول
«أنا معكم إنما نحن مستهزئون»، فليس هناك مشركون لا يميزون مؤمنًا عن منافق، وعلى
الأستاذ أنْ يبحثَ له عن مخرج آخر، لو يستطيع!!
و
إذا كان الأستاذ يَصِمُنِي بالجهل وسوءِ الفهم وقلة المعرفة، ثم ينقل فقراتٍ طويلة
من مقالِه ليبين لقُرّاءِ الرسالة حقيقةَ ما قال، و من هذه الفقرات قوله:"فإذا أخطأَ أحدُهم فليس يحِلُّ لهم و لا
لأحدٍ من بعدهم أنْ يجعَلَ الخطأَ ذريعةً إلى سبِّهم و الطعنِ عليهم
".
إذا كان الأستاذ ينقُلُ ذلك، فلم لم يُجِبْ عما وجّهتُه إليه بشأنِ هذه الفقرة،
فقد قلتُ أنّ الصحابة قد طعنَ بعضُهم بعضا واستباحوا ما حرمه عليهم، أفيكونونَ
بذلك قد خرجوا عن منهجِ الاسلام؟ أم أنّ الأستاذ شاكر يرسل كلامَه في الهواء فإذا
ناقشَه كاتبٌ متواضع مثلي لجأَ إلى الشتائم والسباب!!
و
لقد دعوتُ الأستاذَ إلى النقدِ الموضوعي، فقال في الرد على ذلك: «إنّ النقد
الموضوعي ينبغي أن يسبِقَه التحقق من صحة هذه الاحداث تحققا ينفي كل ظنة» وأنا أقولُ
له: ما دُمْتَ تُنكر هذه الاحداث المتواترة لدى المؤرِخين، فلن تُقَدِّمَ للقارئ
ما يقنعه و يشفيه، و أنا أعلمُ أنَّ الطعنَ في رواية الآثار الفردية سائغٌ ومقبول،
أما الوقوف في وجهِ التاريخ وتفنيدِ ما أجمعَ عليه المؤرّخون بلا دليل، فلم يجد من
يصغي إليه في كثير أو قليل.
و
لقد نصحني الأستاذُ شاكر أنْ أضعَ عن يدي عبءَ القلم، فإنه ثقيل..ثقيل، وذَكَرَ أنّ
الحياءَ يمنعهُ أن يتركَ كلامي بلا مجيب!! و أنا أعجَبْ للحياءِ الذي يمنَعْ صاحبَه
من الصّمتِ المريح، ثم يدفعه الى السّبِّ المقذِع والطعنِ الجارح في كاتبٍ كبيرٍ
كالأستاذ سيد قطب!! فضلا عما وجّهه إليّ من قذائف ظالمة، ثم ما الفرق بيني و بينه
حتى يطلبُ إليَّ أن أكفَّ عن الكتابة، و ما هي مؤلفاته التي تبيحُ له أنْ يتقدّمَ إليّ
بمثل هذا الأمر، لأحفظَ له حقَّه في الارشاد والتوجيه؟! أخشى أنْ يكون استياؤه
المفزِع من نشاطِ الأستاذ قطب و إنتاجِه قد دفعَهُ إلى الهجومِ عليَّ بألفاظه الحِداد!!
و إني لأستغفر اللهَ له رغم ما أصابني من كلوم "

.


ردّ شاكر: "أعتذر إليك".. مجلة «الرسالة» العدد، 976، سنة
1952

:



" أكتبُ هذه الكلمة
محزون النفس لشيءٍ اجترمتُه، كان أولى بي أنْ أصبرَ حتى لا أزِلَ عليه. و ذلك أني
قرأتُ كلمةً في بعض المجلات يقولُ فيها كاتبُها:« فإذا مُنِع الفقيرُ حقّه، فله أن
يقاتِل عليه، لأنّ الله يأمُرُ بقتالِ الباغين « وإنْ طائفتانِ من المؤمنين اقتتَلُوا
فأصْلِحُوا بينهما، فإِنْ بغَتْ إحداهما على الأخرى فقَاتِلُوا التي تَبْغِي حتى تَفِيء
إلى أمرِ الله»، و لا شكَّ أنَّ مانِعَ الحقّ باغٍ". فاحتملتني العجلةُ وسوء
الظن، أنْ أرى الكاتِبَ قد استدلَّ بالآية في غيرِ مكانِ الاستدلالِ بها. فساءَ
قولي في الرجل بين جماعاتٍ من الناس، إذ لم يقعْ لي إلا أنّ الآية في اقتتال
طائفتين من المؤمنين ثم بَغْيِ إحدى الطائفتين على الأخرى. و لما سكن بي الليل أمس
(السبت 12 جمادى الآخرة سنة 1371هـ)حاكَ في قلبي شيءٌ لم أدرِ ما هو، و ألحَّ
عليَّ أني كتسبتُ في أيامي هذه إثمًا أخشى أنْ لا أفلتَ من عقابِه. و ارتفعَتْ
لعيني هذه الآية بختامِها «إنّ اللهَ يحبُّ المقسطين» فرأيتُ من العدل و القسط أن أرجعَ
إلى تفسيرها، و إلى أقوال الأئمة في قتالِ أهل البغي، فعرفتُ ما لم أكن أعرِف، أنَّ
بعضَهم قد استدلَّ بها في مثل ما استدلَّ عليه الكاتبُ الفاضل، وإنْ كان لطريقةِ
الاستدلال عندهم نهجٌ غير نهجِه وقيدٌ فيما أطلقَهُ. و إذا أنا قد ظلمتُه ظلمًا لا
ينبغي، فلم أزل منذ تلك الساعة أستغفِرُ اللهَ لما فرط مني و ما جرى من لساني من
الكلِم السيئ، و استغفرتُ له بما أسأتُ إليه بظهر الغيب.
فلما
قرأتُ "الرسالةَ" في صباحِ ليلتي (الأحد 13 جمادى الآخرة)، كنتُ أوشكُ أنْ
لا أحمِلَ القلمَ مرة أخرى للردِّ على الكاتبِ الفاضل في مقاله:«أجل..ذو العقل يشقى».و
لكني وجدتُ السبيلَ قد تيسّرَ لي أن أعتذِرَ من سيئةٍ اكتسبتُها في الإساءة إلى
رجلٍ بظهر الغيب، لنفسِ الداء الذي نهِيتُ الاستاذَ عنه، وهو العجلة، و أنا لم أقصِد
نُهْيَتَهُ إلا لما فيه خيرٌ له و لي إن شاء الله.
و
قد تبيّنَ لي بعد قراءة كلمتِه أني أخطأتُ أيضا في الذي كتبتُ به إليه، فوقعتُ بما
كتبتُ في نفسِ ما نهيتُه عنه. و ما كان أغناني عن هذه الخصلة السيئة التي تجلبُ
عليَّ غضبَ أستاذٍ فاضل، لم أسمع به ولم أعرفه و لا أظنُّه يعرفني. و الأستاذ الفاضل
بلا ريب هو عندي أكبرُ مما ظنَّ في نفسه، و إذا كان هو قادرًا على أن يضنّ
بكرامته، فالواجب عليَّ أنا من قبله أن أضنَّ بكرامته. و إذا كانت كرامته تأبى أن
تنزِلَ منزلةً يُوجَّه إليه من أجلها شيئاً يقدح فيها، فأنا أيضا أنزهه عما ظنَّ
في كلامي من «الشتائم و التنقص والسباب»، و إذا كان كلامي الطويل العريض، كما وصفَ،
ليس فيه شيءٌ يُقنع المنصفِين و ليس هو إلا فقرات مبعثرة مضطربة أسوقُها مساقا
مهلهلا لا يعرف الدقة ولا الحدود، و إذا كان كل ّما أقولُه لا أبغي منه إلا إرسال
الكلام في الهواء، و إذا كنتُ عنده لستُ مؤرِخًا ولم أخُط كتابًا في التاريخ، و أني
أدخلتُ نفسي في قومٍ لستُ منهم، فأظنُّ أنّ واجبه على الأقل أنْ يُلغي كلَّ ما أقول
بمرة، فإنَّ من الشقاء له أنْ يتعقبَ كلامَ كاتبٍ هذا شأنه.
و
أنا لا أستطيع صادقا أن أُفْهِمَ الأستاذَ الفاضل شيئا مما أقولُ، فقد عرفتُ هذا
بالتجربة، و إذا كان مما يُرضيه أنْ أقولَ له أني مخطئٌ في كلِّ ما قلتُ قديما، و ما
أقولُه الآن، و ما سوف أقوله إلى أنْ يكفَّ لساني وقلمي عن اللجاجة و إرسالِ
الكلام، فأنا أقولُ له: إني أخطأتُ وسوف أخطئ. و لن يسمَعَ مني إلا ما أنا مُقِرٌّ
على نفسي بأنه خطأ محض، و أزِيدُه أني عاجزٌ كلّ العجز عن مقاومةِ حجّتِه وعن دفعِ
براهِينِه و عن التصدي لما يحُسنه من العلم. بيد أني أعودُ فأسأله أنْ يتغمّدَ سوءَ
أدبي بفضله، و إذا كان قد استخرجَ من كلامِي سبابًا وشتائمَ، فأنا أعيذه أنْ يكونَ
غرضًا لها، و أعتذر إليه، وأستغفرُ اللهَ مما أزلفتُ إليه من إساءةٍ، و له أحسن الأسوة
في أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فإنَّ بعض السّفهاء لم يتورّعُوا قط عن
سَبِّهم والطعنِ فيهم، بأقبح اللفظ.فأين يَقَع مثلي من هؤلاء! فأنا مهما ملكتُ من
السباب والشتائم و البذاءة و سوءَ الأدب، فلن أبلغَ بعضَ ما بلغُوا من هؤلاء
الصحابة، فلا عليه مني و من سبابي وشتائمي. و ليعلَمْ الأستاذُ الفاضل إنْ كان لا يعلم،
أنَّ هؤلاء السفهاء في الدنيا كثير، فإذا كان يغضَبُ لكلِّ سفاهة من سفيه، فإنَّ
شقاءَه سيطولُ بغضبِه، فَدَعِ السُّفهاء و ليقولوا ما شاؤوا، وكُنْ أنت ضنيناً
بكرامتك، فإنها أعزُّ و أغلى من أن تبُذل على الألسنة. و تقبَّلْ إنْ تفضلتَ عذري
و شكري واحترامي وتقديري، وعجزي عن مخالفتِكَ، وحبي لرضاك، وقد بلغتَ مني في مقالِك
ما شئتَ، وناصيتي بيدك، و في المثل:«ملكتَ فأسجِح».فافعل مؤيداً منصورا، والسلام ".



- يُتبَع
بردِّ سيد قطب.-
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
محمد كمال الجزائري

محمد كمال الجزائري

عدد الرسائل :
480

تاريخ التسجيل :
26/04/2009


" لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب Empty
مُساهمةموضوع: رد: " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب   " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب I_icon_minitimeالجمعة 9 يوليو 2010 - 18:26

جزاك الله خيرا وأتمي موضوعك مأجورة إن شاء الله وإن تم الموضوع يلزم أن لا ينسى كتابته على شكل ملف نصي - وورد - ليعم النفع بإذن الله ...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أسماء كرامدي

أسماء كرامدي

عدد الرسائل :
1331

تاريخ التسجيل :
18/04/2009


" لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب Empty
مُساهمةموضوع: رد: " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب   " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب I_icon_minitimeالجمعة 9 يوليو 2010 - 23:15


[/size]

ردّ سيد قطب..مجلة «الرسالة» العدد، 977، سنة 1952 :


" السلام عليكم و رحمة
الله. وبعد، فإنّني لم أُرِد أنْ أدخل بينكَ و بين الأستاذ شاكر فيما شجرَ بينكما
من خِلاف، حتى ينتهي إلى غايته، كما انتهى. ذلك أنني كنتُ حريصًا على أن أدعَكَ و رأيَكَ،
و ألا أبدأ تعارفي بكَ في زحمة الجدل، و إنْ ظنَّ أخونا شاكر أنّ بيننا صحبة وثيقة
هي التي تدفعُكَ إلى ردّ تهجمه أو تقحّمه، حتى لقد أنذَرَنَا معًا عداوةً يوم
القيامة :«الأخِلاّءُ يومئذٍ بعضُهم لبعضٍ عدُوّ»، لأنّ مألوفَ الناس قد جرى في
هذا الزمن الصغير، على أنّ الحق وحده، أو الرأي وحده، لا يكفي لأن يَدْفَعَ كاتبًا
فيكتُبَ، دون هوى من صداقة أو علاقة! .
و
لو كانت بيننا معرفة سابقة، ولو استشرْتَني قبل أنْ تدخلَ مع صاحبِنا في جدل، حول
ما أثاره من صخب، و ما نَفَضَهُ من غبار، لأشرتُ عليك ألا تَدْخُلَ، و لآثرتُ لك
ما آثرتُه لنفسي من إغضاءٍ و إغفال!!..ذلك أنني لم أستشْعِر في هذا الصَّخب الصاخب
أثرًا من صفاء نيّة، و لا رغبةً في تجلية حقيقة، و لو استشعرتُ شيئًا من هذا ما
تركتُ صاحبي دون أنْ أجيبَه-على الأقل من باب الأدب واللياقة- و لكنني اطلعتُ على أشياءٍ،
ما كان يسرّني و الله أنْ أطّلِعَ عليها في نفس رجلٍ ربطتني به مودةٌ اصطفيتُها له
في نفسي، بعدما كان بيننا من جدل قديم يعرفُهُ قُرّاء الرسالة عام 1938،
وما أزال أرجو أن أكونَ مخطئا فيما أحسستُ به، وأن تبقى لي عقيدتي في ضمائرِ
الناس، و في الخير الذي تحتويه فطرتهم.
و
لو كانت الحقائق هي المقصودة، لما احتاجَ الكاتبُ الفاضل إلى اصطناعِ مثل هذا الأسلوب
الصاخب المقرقع، و لما لجأ منذ مقالِه الاول في «المسلمون» إلى الشتم و السب
والاتهام بسوء النية وسوء الخلق و النفاق والافتراء والسفاهة والرعونة.. إلى آخر
ما خاضه –و يغفر الله له فيه - فدون هذا، تعالج أمورُ النقد العلمي، و بغيرِ هذا
الأسلوب يمكن تمحيص الحقائق.
إنه
لا معاوية و لا يزيد، ولا أحد من ملوك بني أمية قد اغتصَبَ مالَ أبي أو جدي، أو قدّم
إلى شخصي مساءةً، و لا إلى أَحَدٍ من عشيرتي الأقربين أو الأبعدين..فإذا أنا سلكتُ
في بيانِ خطةِ معاوية في سياسةِ الحكم وسياسة المال، و خطةِ الملوكِ من بعده (فيما
عدَا الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه) مسلكًا غيرَ الذي سلكتُه في
بيانِ خطةِ أبي بكر و عمر و علي رضوان الله عليهم جميعا- فليس أول ما يتبادر إلى
الذهن المستقيم، و النية السليمة، أنّ ما بي هو سبُّ صحابةِ الرسول- صلى الله عليه
وسلم- لا عن خطأ، و لكن عن رغبةٍ قاصدةٍ في إفساد الإسلام، وسوءِ نيّة في تدنيسِ
المسلمين!!.
و
كتاب "العدالة الاجتماعية" مطبوعٌ متداولٌ منذ أربعِ سنوات، وطبعتُه
الثالثة في المطبعة، و الصّخب حوله الآن فقط، قد يَشِي بشيءٍ لا أرضاه للصديق. و قد
قرأه الناسُ في أنحاء العالم الإسلامي، فلم يستشعر أحدٌ من موضوعه ولا من سياقِه، أنّ
النية السيئة المبيتة لهذا الاسلام وأهلِهِ هي التي تعمُرُ سطورَه!.
إنما
أحسَّ الألوفُ الذين قرأوه- أو على الأقل المئات الذين أبدوا رأيَهم فيه- أنّ كلَّ
ما كان يعنيني هو أنْ أبرِئَ الإسلامَ من تهمةٍ يُلصِقُهَا به أعداؤه، و شبهةٍ
تحيكُ في نفوس أصدقائه.إذْ يحسِبون أنَّ سياسةَ بني أمية في الحكم و سياستِهم في
المال، تُحسَب على الإسلام، و الإسلام بريءٌ من هذا الاتهام.
روى سعيد بن جمهان عن سفينة -مولى رسول الله
صلى الله عليه وسلم- قال:قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:الخلافة في أمتي
ثلاثون سنة، ثم ملكٌ بعد ذلك.ثم قال سفينة:أمسك خلافة أبي بكر و عمر و عثمان و علي..فوجدناها
ثلاثين سنة..قال سعيد:قلتُ له:إنَّ بني أمية يزعمون أنَّ الخلافة فيهم. قال كذبُوا
بنو الزرقا! بل هم ملوك من شرِّ الملوك
. رواه أصحابُ السّنن بسندٍ حسن.



و
أحسبُ لقد كان بنفسي- وأنا أعرِضُ النظامَ الاجتماعي في الإسلام- أنْ أقولَ شيئًا
كالذي قاله مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ لا عداءً شخصيا لبني أمية، و لكن
تبرئةً للإسلام من أنْ تحسَب عليه سياسةٌ لا يعرفها، لا في الحكم ولا في المال.و الإسلام
منها بريء، فيجب أنْ يعرِفَ الناسُ براءتَه، وأنْ يُعرَض عليهم في صورته التي
عرفتها الخِلافة السّمحة، و أن يُنفي عنه ما لحقه في عهود الظلام والاستبداد.
و
ما كان لي بعد هذا، و أنا مالِكُ زمام أعصابي، مطمئنٌّ إلى الحق الذي أحاوله، أنْ أُلْقِي
بالاً إلى صَخَبٍ مفتعَل، و تشنّجٍ مصطنع!!..و ما كان لي إلا ان أدعُوَ اللهَ
لصديقِنا شاكر بالشفاء والعافية و الراحة مما يعاني!!، و الله لطيفٌ بعبادِه الأشقياء.!!
أما
أنا فما أحبُّ أن يكون لي مع قومٍ
خرجُوا على خليفةِ رسولِ الله، و قتَلُوا ابنَ بنت رسول الله، و رموا وحرقوا بيتَ
الله، وساءوا في سياسة الحكم و في سياسة المال على غير هدى الله..أدبٌ أرفع من أدبِ
مولى رسول الله، الذي أدبه ورباه!!
."
نشر المقال في باب «البريد الادبي» بمجلة «الرسالة






- يُتبع بمقال السيد علي الطنطاوي


عدل سابقا من قبل محمد كمال الجزائري في السبت 10 يوليو 2010 - 8:02 عدل 3 مرات (السبب : تكبير الخط)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبو يزيد المدني

أبو يزيد المدني

عدد الرسائل :
194

تاريخ التسجيل :
06/01/2009


" لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب Empty
مُساهمةموضوع: رد: " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب   " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب I_icon_minitimeالسبت 10 يوليو 2010 - 14:53

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

ليس من عادتي التعقيب والردّ, وهذا منهج ارتضيته لنفسي ولا ألزم به غيري.

والنوايا والطويّات لا يعلمها إلاّ ربّ البريات, ولكن منهج أهل الحق الذي ندين الله به, هو إحسان الظنّ بإخواننا في الله, خصوصاً من أتباع هذا المنهج السلفي القويم.

وكم وددت أن ينأى هذا المنتدى المبارك بنفسه عن مثل هذه النقاشات - والتي لا أقدح في نيات أصحابها كما أسلفت- وهذا لأنّ المفاسد المترتبة عن مثل هذه النقاشات أكثر من المصالح المرجوّة منها.

فحبذا لو يترك المنتدى خلواً من نقاشات سوّدت بها صحائف كثير من المنتديات, فذهب ريحها, وتفرّق أفرادها, ولم يجن من ورائها إلى الندامة والحسرات.

والحمد لله إنّ لكثيرة من إخوتنا ممن خاضوا غمار هذا النقاش يريدون به وجه الله - وهذا ظننا بهم- أقول لهم قدم راسخة في البحث والتحرير, حبذا لو تصرف هذه الطاقات النفيسة في تحرير المسائل العقدية, والمنهجية حتى يستفيد كلّ أهل المنتدى منها وأنا أوّلهم.

وكلامي هذا ليس فيه إلزام البتة, وإنما هو مجرد رأي ورجاء.

أسأل لله أن تكون لهذه الكلمات على وجازتها أثر في نفوس إخواننا الكرام.

وما أردت إلاّ الإصلاح ما استطعت, والله من وراء القصد, وهو يهدي السبيل.

أخوكم: أبو يزيد المدني
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
محمد كمال الجزائري

محمد كمال الجزائري

عدد الرسائل :
480

تاريخ التسجيل :
26/04/2009


" لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب Empty
مُساهمةموضوع: رد: " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب   " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب I_icon_minitimeالسبت 10 يوليو 2010 - 15:16

أحسن الله إليك شيخنا وبارك الله فيك ونفع بعلمكم والحقيقة هي ما قاله الشيخ هذا سبب حذفي للردود التي ستؤدي بنا إلى طريق آخر لا نرتضيه فقد رأيت ما دار في بعض المنتديات من تنازع بينهم بسبب هذه المواضيع وقبلها رأيت شبابا متحمسا من شباب منطقتي تهاجروا وتقاطعوا بسبب مثل هذا الموضوع فأحيانا يا أخ فوزي نكتم علما ليست الحكمة في طرحه ونؤجل في شخصا جرحا ليست الحكمة في تجريحه ومن إشتغل بالدعوة يعلم هذا جيدا و أرجوا من أخانا فوزي أن يعفوا عني والحمد لله رب العالمين .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أسماء كرامدي

أسماء كرامدي

عدد الرسائل :
1331

تاريخ التسجيل :
18/04/2009


" لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب Empty
مُساهمةموضوع: رد: " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب   " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب I_icon_minitimeالسبت 10 يوليو 2010 - 19:10

قال الشيخ أبو يزيد المدني :
والحمد
لله إنّ لكثيرة من إخوتنا ممن خاضوا غمار هذا النقاش يريدون به وجه الله -
وهذا ظننا بهم- أقول لهم قدم راسخة في البحث والتحرير, حبذا لو تصرف هذه
الطاقات النفيسة في تحرير المسائل العقدية, والمنهجية حتى يستفيد كلّ أهل
المنتدى منها وأنا أوّلهم.

وكلامي هذا ليس فيه إلزام البتة, وإنما هو مجرد رأي ورجاء.

نِعْمَ الرأي الذي أبداه الشيخ.
للعلم: لم أنقل السجال عبثا، أو لإثارة النقاش و الردود، أو لإبداء تحيّز لشاكر ....
و لكن كنتُ أرمي من خلاله إلى ما أبداه الشيخ أعلاه :من تقييد لبعض المسائل العقدية و المنهجية.
و لا أدري كيف تحوّل نقلي للسجال إلى إثارة ما لا يُحمد عقباه
و أطلب من الإدارة حذف الموضوع بالكلية، لأني عزمتُ على عدم الاستمرار في هذا الموضوع
و بارك الله فيكم

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
محمد كمال الجزائري

محمد كمال الجزائري

عدد الرسائل :
480

تاريخ التسجيل :
26/04/2009


" لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب Empty
مُساهمةموضوع: رد: " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب   " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب I_icon_minitimeالسبت 10 يوليو 2010 - 20:13

معذرة يا صاحبة الموضوع هلا أتميت موضوعك وإن كنت قد عزمت ألا تتميه فهلا نسختيه على شكل ملف -وورد- ورفعتيه لنا ، فقد كان آخر ما قررت أن أترك هذه الصفحة كلها لموضوعك فقط ولكن هذا ما كان ، فقد قلت للأخ فوزي إن هذه المسألة شائكة جدا و لا يوجد طلبة علم متفرغين في المنتدى ليردوا عليها بتأصيل علمي دقيق وقلت له إن مثل هذه الأمور ستستوجب تدخل شيوخ المنتدى فيها وهذا ماكان في رد فضيلة الشيخ أبو يزيد -حفظه الله- لذا إن أردت إتمام موضوعك فلك ذلك وإن لا فلا تحرمي إخوانك من الفائدة بجعل كل الموضوع في ملف وورد وجزاك الله خيرا على ما قدمت والحمد لله على كل حال
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبو المنذر التبسي

avatar

عدد الرسائل :
3

تاريخ التسجيل :
05/12/2008


" لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب Empty
مُساهمةموضوع: رد: " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب   " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب I_icon_minitimeالسبت 10 يوليو 2010 - 23:47

موضوع قسم ..أكمل بارك الله فيك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أسماء كرامدي

أسماء كرامدي

عدد الرسائل :
1331

تاريخ التسجيل :
18/04/2009


" لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب Empty
مُساهمةموضوع: رد: " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب   " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب I_icon_minitimeالأحد 11 يوليو 2010 - 22:14

و فيكما بارك الله..
الأخ المشرف، سأفعل ما طلبتَه، منن تنزيلٍ للموضوع في شكل ملف "وورد" إتماما له، و سأرفعه بإذن الله لاحقا، و هذا من حقّ القارئ عليّ،..
و قد آسفني عدم المضي فيما عزمتُ عليه آنفا، فقد أصاب الخاطر نوع كدر للانحراف الذي شاب الموضوع، في أثناء سيره!..و ما كان لي أن أستجيب للعوارض التي اعترضته، و لكن..!!!
و أنتهز هذه الفرصة لتسجيل بغيتي التي نشدتها من وراء نقلي للسجال، و التي تمثلت في:
- استخلاص و استنباط بعض الفوائد في العقيدة و المنهج، و منها تقييد الفائدة لشارح العقيدة الطحاوية في باب الخلافة و الولاية:"..


والاثنا
عشر: الخلفاء الراشدون الأربعة، ومعاوية وابنه يزيد، وعبد الملك بن مروان وأولاده
الأربعة
، وبينهم عمر بن عبد العزيز ثم أخذ الأمر في الانحلال، وعند الرافضة أن أمر
الأمَّة لم يزل في أيام هؤلاء فاسداً منغَّصاً، يتولّى عليه الظالمون المعتدون، بل
المنافقون الكافرون، وأهل الحق أذل من اليهود. وقولهم ظاهر البطلان، بل لم يزل
الإسلام عزيزاً في ازدياد في أيام هؤلاء الاثني عشر
"
- بيان فضل منهج السلف و أنه الأسلم و الأحكم، و ارتباطه بالعقيدة أيما ارتباط، و ملازمته له. و أن المنهج من العقيدة، فأهل السنة و الجماعة يعتقدون مثلا عدم الخروج على الحاكم، فمن كان في منهجه خارجا عن هذا الإطار ، كان زائغا في عقيدته و لا بد.
- التعريف و التنويه بعمل الأديب المحقق أبي فهر محمود محمد شاكر، فهو مطمور بين المثقفين بله العوام، فمن حقه علينا التعريف به من خلال كتاباته و حواراته التي كانت خصوصا في دفاعه عن تراث أمته و دينه.
- التاكيد على خطر العلوم الانسانية، و الأدب بصفة خاصة!..و أنّ للأديب شأوا و دورا عظيمَين في الدعوة إلى الله.. فهذا شاكر رحمه الله قد أدى رسالتَه كما ترجم له التاريخ، و أنّ كتاباته أثارت ضجة في تلك الفترة.. و الجرائد و الصحف سهلة الوقوع في أيدي الناس!..فعمل الأدب جلل و عظيم.. فما ظنك بالنتائج لو كان الأديب منسلخاً من دينه، داعيا على غير هدى!؟

و السلام عليكم و رحمة الله


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
محمد كمال الجزائري

محمد كمال الجزائري

عدد الرسائل :
480

تاريخ التسجيل :
26/04/2009


" لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب Empty
مُساهمةموضوع: رد: " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب   " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب I_icon_minitimeالأحد 11 يوليو 2010 - 23:14

جزاك الله خيرا ورحم الله شيخنا أبا فهر -رحمه الله -
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سليلة الغرباء
Admin
سليلة الغرباء

عدد الرسائل :
6335

الموقع :
جنة الفردوس بإذن الله

تاريخ التسجيل :
19/05/2009


" لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب Empty
مُساهمةموضوع: رد: " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب   " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب I_icon_minitimeالإثنين 12 يوليو 2010 - 12:55

جزاك الله خيرا أسماء

واصلي وصلك الله بالجنة بانتظار البقية

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أسماء كرامدي

أسماء كرامدي

عدد الرسائل :
1331

تاريخ التسجيل :
18/04/2009


" لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب Empty
مُساهمةموضوع: "لا تسبّوا أصحابي"..بين محمود شاكر و سيد قطب/الجزء الثاني-   " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب I_icon_minitimeالأحد 18 يوليو 2010 - 14:30

- مقال علي الطنطاوي. مجلة "الرسالة"، العدد 978، سنة 1952 :
" لما كانت المعركة الأولى (سنة 1938)كنتُ مع الأستاذ شاكر على الأستاذ سيد قطب، فكيف أكون الآن مع قطب على شاكر؟ ذلك لأني دائما مع ما أرَى أنه الحق. و الأستاذ شاكر صديقٌ من ربع قرن، و الأستاذ قطب رفيقِي على مقاعدِ الدرس في دار العلوم من ربع قرن.و ليس بي الآن مدح ولا هجاء، و لا إغضاب و لا إرضاء، و لكن بيان الحق الذي أراه، و لعلّي مخطِئٌ في ما أرَى.
و أنا أعلمُ أنّ للصّحابةِ منزلةً لا يدنو منها أحدٌ منا، و أننا مهما سعى الصالحون منّا فإنهم لا يلحقون غبارَ أحدِهم، فضلا عن أنْ يحاذوه أو يَسبِقُوه. و أنّ لبني أمية في نشرِ الإسلام و في فتحِ الفتوح فضلاً لا يُنكره أحد، و أنه كان منهم عظماء حقا إن عدّ عظماء الرجال، و لكن هل كانت دولة بني أميّة دولةً إسلامية؟ .
لقد هدمَ معاوية أكبرَ ركنٍ في صرح الدولة الاسلامية حين أبطلَ الانتخابَ الصحيح، وجعله انتخابًا شكليا مزيفا، و تركَ الشورى، و عطّلَ الكفايات. و سَنَّ هذه السنن السيئة. بل هذه الجناية التي جرت أكثرُ البلايا و الطامات التي تملأُ تاريخَنا السياسي، فهل نقولُ لمعاوية:أحسنتَ في هذا؟ بل إني لأَسأل: هل يقولُ هذا محمدٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان حيًّا؟ إنّ معاوية صحابي جليل، و له مناقِبه وفضائله، و لكن حكم الدين على الجميع، ومقاييس الإسلام يُقاس بها كل كبير، فهل كان معاوية في عملِه هذا متبَِّعا أحكام الإسلام؟ هذه واحدة و إنْ كانت بألف.
و هذا الاستبداد، و الحكم الفردي، الذي سار عليه ملوكُ بني أمية، و تحكيم آرائهم وشهواتهم في مصلحة الامة، و دماء أفرادها و أموالهم، دون تقيدٍ بكتاب أو سُنّة، أو رجوع إلى علمٍ أو فقهٍ، هل هو من الإسلام؟ و اختيارهم شرّ الولاة، من الطغاة الظالمين و تحكيمِهم في رقابِ الناس، هل هو من الاسلام؟ هل يُقِرُّ الإسلامُ توليةَ مثل "الحجّاج" على رجولتِه وعظمةِ نفسه، و"خالد القسري"، وأمثالهما من الجبارين؟.
و إثارتهم العصابات و الخلافات، بين القبائل وبين الشعراء وتمهيدِهم سبيل اللهو والاستهتار، لأنفسِهم و للناس، لا سيما جيران بيت الله، وأهل مدينة رسول الله؟.
وعدوانهم على الحريات، وعلى المقدّسات، وقتلِهم العلماء من أمثالِ "الحسين"، و"سعيد بن جبير"، و إيذاؤهم "سعيد بن المسيّب"، وضربهم الكعبة بالحجارة و بالنار، هل هو من الاسلام.؟
إنّ هذه كلها أشياءٌ ثابتة، لم يَفْتَرها عدوٌّ، ولم يضعها خصمٌ، و هذه كلها تناقِضُ الإسلامَ أشدَّ التناقض، بل إنّ بعضها لم تأتِ بمثلِه الجاهليةُ الاولى.
وما كان عليه العباسيون ومَنْ جاء بعدُهم، من الطغيان و العدوان على الأنفسِ و الأموال، و اتّباع غير سبيل الهدى، كل ذلك يُسأَل عنه بنو أمية، لأنّ من سنَّ سُنّةً سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها الى يوم القيامة.
و أنا أكبر بني أمية، و أمجِّدُ آثارَهم، و أرفع أقدارَهم، لكن لا أستطيع أنْ أقول إنّ دولتهم كانت دولةً إسلامية، لأني أكون قد مدحتُهم بذمِّ الإسلام، و الإسلام أحبُّ إليّ و أعزُّ عليّ من بني أمية، وبني هاشم، و أهل الأرضِ جميعا ."
- ردّ شاكر على الطنطاوي. مجلة «الرسالة» العدد 979 .سنة 1952 :
"أخي الأستاذ علي الطنطاوي،
سلامٌ عليك. يُقال في المثَل: "كُرْهًا تَرْكَبُ الإبِلُ السَّفَرَ". و قد استطعتَ أنتَ أن تُكرِهَ القلمَ إلى ما أردتُ أنْ أنزِّهَه عنه. فلولا ما أضمرتُ من قديمِ المودة لك، ولولا ما عرفتُ من صِدْقِك، ولولا أنني أُجِلُّك عن أن تكونَ عجولا إلى غير صواب، و لولا أني أكرهُ أنْ تأخُذَ عني شيئا لم أقله بلساني، لولا ذلك كله، لكان أبغض شيء إليّ أن استكرِهَ نفسي على غير ما رأيتُ أنه أجملُ بي و أصون.و إنكَ لتعلمُ، أيها الصديق القديم، أني أكرهُ أنْ أزدادَ من الشر، أو أنْ أتزوّدَ من لجاجة الباطل. و الكتابةُ في زماننا هذا شرٌّ مستحكم، و باطلٌ لجوج متوقح. و قد اقتحَمَ وَعْرَها من لا يحسِنُ المشيَ في سهولها، و تشَهَّاها من لو أنصَفَ نفسَه لحالَ بينها وبين ما تشتهي، و اتخذها صناعةً مَنْ لو عَقِل لأعفى نفسَه من مزاولتها، ولكن هكذا كان. و رَحِمَ اللهُ الطائي إذْ يقولُ لمحمّد بن عبد الملك الزيات:
أبا جعفـر ، إنَّ الجهالةَ أُمُّها
وَلُودٌ، و أمُّ العلم جدّاء حائِلُ
أرى الحَشْوَوالدّهماءَ أضْحَوْا كأنهم
شعوبٌ تلاقَتْ دوننا و قبَائلُ
غَدَوْا، وكأنَّ الجهلَ يجمعُهُم به
أبٌ، و ذو الآداب فيهم نَواقِلُ
و أنتَ تعلم أنّ من أَنْصَبِ النَّصَب، أنْ تتصدَّى لإفهامِ من لا يَفْهَمُ عنك، فإذا بلغَ الأمرُ أنْ تراه ينتصِب لجدالِك، فاذكُرْ قولَ من قال:"إذا أردتَ أنْ تُفحِمَ عالمًا فأَحْضِرْهُ جاهلاً". وقد لقيتُ أنا من شرِّ ذلك ما لقيت، فآثرتُ أنْ أسلكَ سبيلي لا يشغلني عنه متعلق بأذيالي، إرادةَ أنْ يصرفني عن الوجه الذي أردتُ.
و لقد قرأتُ كلمتَكَ في الرسالة، فأسفتُ أشدَّ الأسف، لأني عرفتُ منها أنكَ لم تقرأ ما كتبتُه في مجلة «المسلمون» و في أربعة أعدادٍ منها. و لو كنتَ قرأتَها لما كتبتَ ما كتبتَ، لأني لا أشكُّ في ذكائك وحُسْنِ فهمك.فأنا لم أتعرَّضْ في شيءٍ منها لبني أمية أو بني العباس، ولا لحكمِهم، ولا لسياستِهم، فعجبتُ أشدَّ العجب كيف يمكن أن تكونَ معي أو عليَّ في أمرٍ لم أقُلْ فيه كلمةً، و لا يعلم أحدٌ ممنْ كتبَ رأيي فيه، ولا كيف أقولُ إذا أنا تعرضتُ للبيان عنه؟ فَمِنْ أجل ذلك عجبتُ، لأنكَ لم تنصِفْ على عادتك من الإنصاف.
و أنا محدثُكَ باختصار عن هذا الذي كتبتُه. أصلُ ذلك كله أني رأيتُ من كَتَبَ من المُحْدَثين في شأنِ تاريخ الماضين من أسلافِنا، يكتبُ أو يتحدّثُ بأسلوبٍ أقلّ ما يُقال فيه أنه مشوبٌ بالحماقة الشديدة، مختلِطٌ بالجهالة المتراكبة، في معرفة أصولِ التاريخ، مغموسٌ في حمأة من الافتراء والتطاول، مستنقِعٌ في أهواءٍ سيئةٍ ورديئة.وزعمتُ أنّ للناس أدبًا و أسلوبا في كتابةِ التاريخ، و أن للمسلمين خاصة أدبًا و أسلوبًا في التاريخ ينبعُ من أصلِ دينِهم، في العدل، و في حسنِ النظر، و في الأناة في طلبِ الحق، وفي كفِّ اللسان عن التهجم بالقولِ السيئ على عبادِ الله بلا بيّنة، وفي التناهي عن اقتفاءِ المرءِ ما ليس له به علم، و في التثبتِ من الأخبار قبل تصديقِها، و هو أدبٌ كما تعلمْ كان قديما في كُتُبِنا.
و لكن حضارة هذا القرن قد نشرَتْ وباءً شديدَ الفتك، ذهبَ بأكثرِ هذا الأدب، و أخذتُ في طريقي أضرِبُ المثلَ على هذا بكاتبٍ رأيتُه لم يتورّع عن سلبِ الناس دينهم، ولم يَخْشَ اللهَ في نفيِ الإسلام عن بعضِ أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، و في تصويرِ أعمالهِم بصورةِ أعمالِ المنافقين، و في أخذِ الروايات الباطلة وجعلِها دليلاً على الغميزة في إيمانهم، و في ردّ الروايات الثابتة الصادقة برواياتٍ كاذبة ادّعاها مُدَّعٍ من الرافضة، إلى غير ذلك مما سأبيِّنُه فيما أكتبُ في مجلة "المسلمون"، وزعمتُ أنّ هذا ليس دَيْدَنَ هذا الكاتب وحده، بل صار ديدنًا لأكثرِ من يكتبُ الآن في شيءٍ من تاريخ هذه الامة المسلمة، حتى صار الطعن في صحابة رسول الله أمرا مرتكبًا بلا حَذَر.
وما دمتُ لم أزد في كلامي على هذا، فلستُ أدري بعدُ ما الذي يحمِلُكَ على أنْ تخذلني أو تنصرني في أمرٍ لم أنطِقْ بعد فيه بكلمة!.
نعم! قد يكون رأيي فيما أبديتَ أنتَ فيه رأيك، مخالِفًا لك، و لكني لم أتكلم بعد فتعرِفَ حجتي فيه.بل لعلي إذا كنتُ لك مخالفا، ثم عرضتُ عليك خِلافي لك، أنْ تكونَ أسرعَ إلى موافقتي منك إلى الخلاف عليّ، حين ترى في ما أقولُ صوابًا يُرضيك.
أليس هذا جائزا، و ممكنا أيضا؟ فإذا رأيتَني بلغتُ في سياق مقالاتي في "المسلمون" إلى ذكرِ دولِ الإسلام، فعندئذٍ فَقُلْ، فأنا أقبلُ منك ما تقول. و اعلَمْ أني لا آنف أن أصِيرَ إلى الحق إذا عرفتُه. و لقد عشتُ على هذه الارض زمانا طويلا، واعتقدتُ منذ عقلتُ آراءً كثيرة، ثم تبينَ لي أنّ الحق في خلافِها، فرجعتُ عنها جملة، ولم أبالِ بما كنتُ أرى. ولعلك أنتَ خاصة تعلمُ من ذلك ما لا يعلمه غيرُك.
و أنا أحبُّ أن ترجِعَ إلى ما كتبتُه في مجلة «المسلمون» ولا تأخذ كلامَ أهل اللجاجة، فإنهم أوهمُوك، فيما أظُنُّ، أني قلتُ شيئا، و الحقيقة أني لم أقل بعد فيما تناولتَه أنتَ شيئا، و أنا أعيذك أنْ تتورطَ في هذا الشر الذي نجاهِدُ جميعا في دفع الناس عنه، وهو أخذ الأقوال بلا بينة، و بلا حجة، وبلا برهان. و لك مني تحية كنت ُأحبُّ أن تبلُغَكَ، على غيرِ هذه الراحلة المكرهة على ارتكابِ طريقٍ دنّسته الأقدام، و السلام."
- ردّ علي الطنطاوي .مجلة «الرسالة» العدد 981 سنة 1952 :
"صدقتَ و الله، إني لم أقرأ ما كتبتَ في (المسلمون) ولقد فهمتُ مما قرأتُ في الرسالة أنّ الخلاف على دولة بني أمية، فقلتُ الكلمة التي لا أزال أراها حقا، و أنا أعتذِرُ إنْ كنتُ قد أخطأتُ الفهم، أو أسرعتُ في الحكمِ ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته".
( يُتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سمير زمال

سمير زمال

عدد الرسائل :
6494

العمر :
33

تاريخ التسجيل :
07/04/2008


" لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب Empty
مُساهمةموضوع: رد: " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب   " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب I_icon_minitimeالإثنين 19 يوليو 2010 - 12:20

جزاكم الله خيرا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://tebessa.alafdal.net
أسماء كرامدي

أسماء كرامدي

عدد الرسائل :
1331

تاريخ التسجيل :
18/04/2009


" لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب Empty
مُساهمةموضوع: رد: " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب   " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب I_icon_minitimeالإثنين 19 يوليو 2010 - 17:19

بعد الفراغ من عرض المقالات التي كانت بعد ردّ "رجب البيومي" على مقال "لا تسبّوا أصحابي" لمحمود شاكر، أنقل هنا مقال الأخير "حكم بلا بيّنة"، فإنه يحوي تأصيلات و يكشف عن منهج البحث و التحقيق و التدقيق.. ثم إني ألفِتُ النظر إلى كون تلك المقالات السابقة كانت خِلوا من تعليقات و ملاحظات أهل العلم، فقد آثرتُ ذلك، أن أنقلَها فارغة من أي نقد. وأنْ أتبِعها ببعض المسائل في العقيدة و المنهج، و بيان معتقد أهل السنة و الجماعة في الصّحابة.
"حكم بلا بينة"- أول مقال لمحمود شاكر يردُّ به على سيّد في مجلة المسلمون-كنتُ قد أشرتُ إليه سابقا:
"يوشك تاريخ الإسلام أن يصبحَ لهواً على الألسنة، و لغواً في الصحف، و مرتعاً للظنّ المتسرّع دون اليقين المتثبت، و هدفاً لكل متقحّم على الحق بمثل جراءة الباطل، و مخاضة يخوض فيها كلُّ من ملَكَ لساناً ينطق، أو عقلا يفكّر، أو قلما يخطّ. و إنما ابتلى زماننا بهذا لأسبابٍ كثيرة، أولها: أنّ العصر الذي نعيشُ فيه يُعجل الناس عن تحقيق معنى الدين نفسه في حقيقة قلوبهم. و آخرها: أنّ المسملين في زماننا بلغوا من العجز و القلة و الهوان على أنفسهم مبلغاً مهّدَ لشياطين الإنس و الجنّ مسالكَ كثيرة إلى مقر الغرور في بعض الأفئدة ، فسوّلَ لأصحابِها فيما يسوّل أنْ فهموا الإسلام "فهماً جديداً" ، فكان لهذه الكلمة سحرها حين مست مكانَ الغرور و الكبرياء من نفوسهم ، و احتملهم هذا الغرور على أن يُسيئوا الظنَّ بما يفهمون من ماضيهم، جله أوكله، و خيّلَ إليهم سوءُ الظن أنّ ذلك هو طريق الحق لإحياء دين الله في نفوسهم و إقامةِ شريعته في أرضه. ثم خرج بهم مخرجاً أوقعَ في أوهامِهم أنهم قادرون على أن يُجدّدوا أمرَ هذا الدين، بمجرّد النظرة الخاطفة المعتسفة في كتابِ الله و سنّةِ رسولِه صلى الله عليه و سلم ، و في تاريخ أسلافِهم من المسلمين.
و لا أظنّني أُخطئ شيئاً في التقدير إذا زعمتُ أنّ هذه النابتة، لم يُبتلَ الإسلامُ بمثلِها قط، على كثرة ما انتابه من النوابت المتتابعة على مدى عصوره كلها، في حال بأسه و سطوته، و في حال ضعفه و فترته. و هي عندي أخطرُ النوابت جميعاً و أخوفها على دين الله، لأنها نجمت في عصر قد حطّمَ جميع القيم الانسانية العتيقة، و دمّر تراثَ الأخلاق التي فُطر عليها ولد آدم في الآباد المتطاولة.
و لا أسيء الظنّ فأدّعي أنهم يأتون عن عمد ، بل أقول إنّ وباء هذا العصر قد أصابهم ، منذ نقله الاستعمارُ إلى الأرض المسلمة ، فنُشئوا فيه لا يكادون يُحسون بالذي أصابهم من آفاته، فاتّسمَ تفكيرُهم من أجل ذلك بسِمَة التحطيم و التدمير، و سِمة الغلوّ و الجراءة، و سمة الإصرار على تحقيق معاني الغرور الانساني في أعمال الإنسان، و أولها الفكر.
و قد تفشّت في أهلِ الإسلام منذ زمن قريب فاشية شديدة الخطر على تاريخ الإسلام كله، بل على دينِ الله نفسه. نظرتْ متعجّلةً في دينِ ربها، و خطفَتْ خطفةً في تاريخ أسلافها، ثم انتزعت من ذلك كله حكماً يدمغ المسلمين جميعا منذ القرون الأولى من الهجرة، باطراح الدين و اتباع الشهوات، فزعمتْ مثلا: أنّ الإسلام لم يُطبّق و لم يُعمل به إلا مدة رسول الله صلى الله عليه و سلم، و مدة أبي بكر خليفة رسول الله، و مدة عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، ثم مرجَ أمرُ الإسلام و اضطرب !
و الخطأ في مثلِ هذا الحكم الدامغ يكبر عن أنْ يُسمّى خطأ، إنه الحالقة: حالقة الدين لا حالقة الشعر، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، تستأصِلُ دينَ الصحابة و التابعين، و تستأصل أمانَتهم في تبليغِه، و تستأصل ما بذلوه في نشرِه في مشارق الأرض و مغاربها، و تستأصل تاريخَهم ، و تستأصل تاريخَ الحياة الإسلامية كلها ثلاثة عشر قرنا ! فيا لها من بلوى تستهلك دينَ امرئٍ إذا نطَقَ بها، و تخسِف بتقوى سامع إذا لم يُنكرها. و رَدُّ مثل هذه المقالة ، يوجِب على منكرها أحدَ طريقَين: إما أن يسردَ على القائل بها تاريخَ الإسلام كله بجميع تفاصيله، و يقف بع على كلّ موضعٍ منها، و هذا شيءٌ لا يتيسّر في كتابٍ واحد، فضلا عن مقالة ، فضلا عن حديث. و إما أنْ يَقِفَ على فسادها في صريح العقل ، و يُبيّن له ما تقضي إليه من بَهْتِ أمةٍ كاملة، بل أمم بأسرها ، بشيءٍ لا يستطيع عاقل أن يحتمِلَ وزرَه في فكره و تقواه و دينه. و هذا هو أيسرُ الطريقَين ، و أقربهما إلى تصحيح المقاييس، و إلى إقامةِ التفكير على أصلٍ وضاح وثيق.
و كلمة "الإسلام" كلمةٌ شاملة لدينِ الله، و إذا دخلت في حكمٍ قاطع كهذا الحكم " إنّ الإسلام لم يُطبَّق إلا مدة رسول الله و أبي بكر و عمر" صارَ حكماً شاملا بطبيعته ، فإذا أُلْقِى إلى سامعٍ ، لم يجدْ عندئذ مناصاً في العقل و لا في اللغة و لا في البيان، من تعميم الحكم في كل ما يتناوله لفظُ "الإسلام".
فإذا استمعه سامعٌ كأهلِ زماننا الذين وصفنا قبل، كان هذا الحكم ظلاً كثيفاً قاتما كئيبا يُلقى على العصور الأولى كلها من قتامه و كآبتِه ، يدفع إلى الاستخفاف و التحقير و الغلوّ في التهزّؤ بأهل هذه العصور، و الشك في أمورهم، و يعميهِ عن معرفة الحقائق، و يصرفه إلى البحث عن المثالب يتسرّع إليها و يتقمّمها من كل كتابٍ ومن كل خبر.و الناسُ أسرعُ شيءٍ إلى سوءِ الظنّ، فإذا كان سوء الظن و الثلب و التحقير مما يُعينهم على نسبة القدرة و الصلاح و العلم و الفقه إلى أنفسِهم فهم عندئذ أسرعُ إليه من السيل إلى الحَدور. و إذا كانت نسبة الصلاح و العلم إلى أنفسهم مدعاةً إلى صرف أنظار الناس إليهم بالتسليم و التبجيل و الإعجاب، فسوءُ الظن و الثلب و التحقير، أسرعُ في عقولهم و ألسنتِهم من النار المتضرمة في الهشيم اليابس. و ماذا بعد هذه البلوى، إلا أنْ يصبح تاريخ الأمة المسلمة منذ اليوم السابع و العشرين من ذي الحجة سنة 23 من الهجرة (منذ قتل عمر) إلى يومِ الناس هذا في سنة 1371 وقوداً لكلمةٍ يزل بها لسانٌ، و يتبجّحُ بها صوت، و تستخفّها أذنٌ؟ أيّ إنسانٍ يرضى لنفسِه هذه الظنة الجائحة ، فضلا عن إنسان عاقل، فضلا عن مسلم، فضلا عن مسلم يتقي الله، يرجو رحمته، و يخاف عذابَه؟
قُتِل عمر و خلّفَ أئمّةَ الصحابة، فعاشوا زمنَ عثمان، و زمن علي، و زمن معاوية رضي الله عنهم، و بقيت منهم بقيةفي عصر الأوائل من بني أميّة، ثم خلفهم الذين اتّبعوهم بإحسانٍ من علماءِ الأمة و فقهائِها و أهلِ دينها، و هم متوافرون يومئذ إلى أوائل عصر بني العباس، و كانوا هم علماء الأمة، و ورثة النبوّة، القائمون ببثِّ دين الله في الأرض، الآمرون بالمعروف و الناهون عن المنكر، المبلّغون عن نبيّ الله و رسولِه، و عن أصحابِه هذا الدين إلى الناس. و بهم بلّغ المسلمون هذا الأمر كله، و بما بلّغونا من أمرِ الدين قامت حجّة الله علينا،و إلى ما بلّغوا كان مرجع أئمّة المسلمين و فقهائهم و علمائهم طول هذه القرون. و لولاهم، و لولا ما بلّغوا لدرستْ سنّة رسول الله، و لذهبَ الفقه، و لَفَقَدَ الناسُ الحجّةَ و البرهانَ في دينهم، و لما وجدوا وسيلةً لتحكيم الله و تحكيم رسولِه في شيءٍ مما اختُلِف فيه من أمر الدين، أفيمكن في العقل أن يُوصَف العصر الذي كان فيه هؤلاء الأمناء على دينِ ربِّهم ، بأنه عصرٌ لم يُطبَّق فيه الإسلام ؟! و أين غابوا جميعا إذا كان الإسلام لم يُطبّق في زمانهم ؟ و لو شهدوا، و صحّت الكلمة على زمانهم، فكيف يُؤتمنون على ما بلغوا من أمر الدين؟
بل إلى أيّ شيءٍ يحتكِم قائلُ هذه الكلمة في الحكم على عصرهم؟ أليس يحتكم و يرجع في الحكم عليهم إلى ما بَلغَه هو من دين الله الذي بلّغوه هُمْ إليه؟ و أنّى له أنْ يعرِفَ الإسلامَ إلا بما عرّفوه هم له و لمن سبقه من أمّة محمد صلى الله عليه وسلم؟ بل كيف يُعقل أنْ يبلّغوا هذا الشيء الذي يستند إليه هذا القائل، و يكونونَ هم أوّلَ الناقضين و الهادمين بإغفالِهم إقامته. بل بعملِهم على إقامة خلافه؟ أفي العقل شيءٌ بعد ذلك هو أفسَدُ معنىً و مدخلا و مخرجا من هذه الكلمة الجائرة، مِنْ هذا الحكم المستأصِل لدينِ هؤلاء الناس و علمِهِم و أمانتِهم؟ كبرت كلمة و ساء حكماً.
و أحبُّ أن أزيدَ الأسئلة: ما هو هذا الإسلام الذي لم يُطبَّق: أكفروا بأنْ لا إله إلا الله، و أن محمدا رسول عبده و رسوله؟ أتركوا صلاتَهم وأضاعوها و سهوا عنها؟ أمنعوا زكاتَهم و احتجنوها(خزنوها) فلم يؤدّوا حقَّ الله عليهم؟ أتركوا شهرَ صيامهم فأفطروه؟ أأبوْا أن يحجّوا إلى بيت ربهم قانتين مسبحين مكبّرين؟ أعتزلوا الجهادَ بأموالهم وأنفسهم رغبةً عنه و حرصا على الحياة؟! أأغفلوا أدبَ الله لهم و أدبَ رسوله؟ أنقضوا عهدَ الله فخانوا الأمانة و بغوْا في الأرض؟ أعطّلوا أحكامَ الله و فرضوا على الناس أحكاماً من عند أنفسِهم؟ أشرعوا في الدين ما لم يأذن به الله؟ أأبطلوا الحدودَ و نصروا الخارجين عليها و المعتدين؟ أأعرضوا بقلوبهم و وجوهِهم عن كل ما تضمّنَه كتابُ الله، و ما احتوته سنّةُ رسوله، و عادوا في جاهلية لا يُعرف فيها لله دين، و لا يُطاع له فيها أمرٌ، و لا يُنتهى فيها عن منكر، و لا يؤتى فيها معروف؟ أرتكسوا هم و الأمة كلها قرناً من بعد قرن في تعطيل الإسلام في أحكامهم، و في أنفسهم، و في أبنائهم، و في الذين دخلوا في هذا الدين حتى شمل ما بين الهند شرقاً إلى المغرب الأقصى غرباً. و من حدود الروم شمالا إلى أقصى الأرض جنوبا؟ أيّ عاقل يستطيع أن يقول: نعم، في جوابِ سؤالٍ واحد من هذه الأسئلة، فضلا عنها كلها؟
و لو غلغل المرءُ قليلا فسأَلَ نفسَه: أَمِنَ الممكن لأمّةٍ تنقُض دينَها هذا النقضَ، الذي استوجب ذلك الحكم ، أن تفتحَ الأرَضين كلها، و تُحدِث فيها أكبرَ تغيير حدث في تاريخ الجنس البشري كله: تتغيّر بهم ألسنةُ الناس إلى العربية ، و دينهم إلى الإسلام، و تنابُذُهم إلى الألفة،و تداعيهم باسم العصبية و الجنسية، إلى شيء واحد هو جماعة المسلمين، ويقومُ هذا الأمرُ في الأرض ثلاثة عشر قرنا، مع شدة ما انتاب المسلمين على مرِّ القرون من النوائب، إلى أن كانت النائبة الكبرى في هذا العصر، و هي نائبة الاستعمار، و يظلُّ مع ذلك هذا الرباطُ الوثيق مشدوداً، لا ينحلُّ من ناحية ، إلا تداركته آلافُ الأسباب من هذا التراث من نواح أخرى، أكانَ ممكنا لهؤلاء الذين خانوا أمانةَ الله أن يبلغوها هذا المبلغ؟ اللهم اشهد، فإنها كلمةٌ لو صحّت لأزلتْ العقول من مستقرِّها؟ و صدقَ اللهُ رسولَه و المؤمنين :"وعدَ اللهُ الذين أمنُوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنَّهم في الأرضِ كما استخلَفَ الذين من قبلِهم و لَيُمَكِّنَنَّ لهم دينَهم الذي ارتضى لهم و لَيُبَدِّلَنَّهم من بعدِ خوفِهم أمناً يعبدونني لا يُشرِكون بي شيئاً. و من كفرَ بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون". و ما من حرفٍ من هذه البشارة إلا أتمّه اللهُ على محمّد و أصحابِه و تابعيهم، إذْ كانوا خيرَ أمة أُخرجت للناس، يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر، و يُطيعون اللهَ و رسولَه في سرِّهم و علانيتِهم.
و من الحق على من وسوسَ في قلبه هذا الحكم الشامل: أنّ الإسلام لم يُطبَّق إلا مدة رسول الله، و مدة أبي بكر و عمر، أنْ يسأَلَ نفسَه: بم يصحُّ مثل هذا الحكم؟
إنّ بديهة العقل تُجيبه بأنه لا يسوغ له أن يحكمَ على عصور كاملة بحكمٍ شامل، إلا بدلائل بيّنة المعاني صحيحة الأصول، و شرطُ هذه الدلائل أن تكون مستقصيةً لأهل الإسلام في كل أرضٍ، و أن تكون شاملةً أيضا لكل ما يكون به إسلام الناسِ إسلاماً، و أنْ يكون ما يدّعي المدّعى أنه قد أُبْطِل، أمراً من أمور الإسلام التي لم يختلف عليها المجتهدون من العلماء و الفقهاء، و أن يكون هذا الإبطالُ جارياً مجرى الشريعة، و مأمورة به كل جماعة يشملها الإسلام. فإذا فقدَ الحكمُ هذا الشرطَ، فإنما هو تحكّمٌ محضٌ و بهتانٌ خالص. و لستُ أظنّ في العالم كله إنساناً يوصف بالمعرفة يستطيع أن يؤيِّدَ هذا الحكم، بمثل هذه الدلائل، على مثل هذا الشرط، مهما أوتي من العلم،و من التتبّع، و من سوء النية، و من براعة التخلّص ، و من تمام القدرة على إظهار الباطل في ثيابٍ مزوّرة من الحق.
و إلا فإنّ هذا الحكم الشامل، مظلمة جائرة مُبيرة لأهل العصور الأولى من الصحابة و التابعين و علماء الأمة، و قادحٌ بليغ في دينِهم و أمانتِهم، و جائحةٌ طاغية تُزيل كلَّ ثقة بهم و بتاريخهم و أعمالِهم، و ناقضٌ مُدمِّر ينقُضُ كلَّ ما يشهد به التاريخ الذي كنا نحنُ آخرَ خلف له في هذا العصر.
كلا، بل أتجاوز و لا أطالِبُ من يقضي بهذا القضاء، أن يأتي بكل هذا الشمول بل أقتصر فأدعوه إلى أن يأتي بقضية مفردة عن الإسلام، تجتمع لها هذه الشروط، مصحّحة صادقة خالية من التوهّم و الغلو. و أنا على يقين من أنّ أحداً لا يُطيق أن يفعل،و أنّ الأمر أكبر من أن يُحيط به بيانُ مبين و علمُ عالِم. و إنما يؤتى الغارز فكره في هذه الضلالة المتحكمة باتّخاذه الحادثة الواحدة المجردة من الاستقصاء و الشمول، و من الاختلاف في أمرها،و من شمول العمل بها و إنفاذها في جماعات المسلمين- أساساً لاستقصاء مكذوب و شمول متوهّم.
ثم أتجاوز مرة أخرى و ألتمس لهذا الحكم الشامل مخرجاً آخر، أزعم فيه أنّ العربية و البيان و العقل تُبيح مجتمعة أن يكون المراد بالإسلام في هذا الحكم جزءاً من الإسلام،و أن يكون المراد بالذين لم يُطبقوه فئة واحدة من المسلمين، فكيف يمكن أن يصحّ؟
إنّ المدعي لمثله مطالَب عندئذ أن يستقصي هذا الجزء المعطّل في تاريخ العصور التي يشملها حكمه، يوما بعد يوم،و حادثة بعد حادثة. و أن يدلّ دلالة لا يأتيها الشك أن ذلك هو الذي جرى به العمل في كل جماعة من جماعات المسلمين، و أن يأتي بالبرهان على أن هذه الفئة أصرت على أن تجعلَ هذا الجزء ديدنَها في كل زمان ومكان، و أنها استطاعت أن تجعلَ ما خالفَ حكمَ الله إلزاماً عاما للناس كلهم بتشريعٍ من عند أنفسهم يلزم الناسَ جميعاً العمل به و الطاعة له. و هذه هي الشروط التي يقضي محضُ العقل أنها هي وحدها التي تُبيح لامرئ أنْ ينطِقَ بحكمٍ شامل كهذا الحكم. فإذا لم تتمّ له هذه الشروط، فما هو إلا التعسف الغليظ الذي لا يبصر وجهَ الحق إلا في ظلمات من الباطل، إن صحّ و أمكن أن يكون التعسف قادراً عندئذ على أن يُبصر.
ثم أتجاوز مرة ثالثة، فأزعمُ أنه من الممكن أن نلتمسَ شيئا من الإسلام لا يدخله الخلاف ، قد أطبق الخلفاءُ جميعا منذ قتل عمر رضي الله عنه على تعطيله، فما الشروط اللازمة لمثل هذا الممكن؟
ينبغي أن يُثبت المرءُ أولا أن الخليفة قادر على أنْ يأمر علماء الإسلام و فقهاءَهم و مفتيهم و أمراءَهم و عامة الناس منهم بهذا الذي يريد تعطيله، و أنهم إن فعلوا أطاعوه جميعا و عملوا بما أمر، و أنّ هذا الشيء من الإسلام قد عُطِل تمام التعطيل في الحياة الإسلامية كلها في زمنه. و من البيّن أنّ الخليفة رجلٌ من المسلمين، لا يملك أن يشرع للناس شرعاً يعمل به الفقهاء و القضاة و المفتون، و يخضع له عامةُ الناس علانية و يعملون به في أنفسهم سرا. و إذا بطل هذا الشرط، بطل الحكم كله، و لم يبق إلا أن الخليفة ربما قدرَ على أن يُعطل حكماً من أحكام الله، فيما يمكن أن تناله يدُه،و هو في بيته أو قصره أو بلدته، دون سائر بلاد المسلمين. و أن هذا الحكم لا يلزم أحداً من القضاة و لا الأمراء أن يفعلوا فعلَه، لأنه لا يملك أن يُشرّع لهم ما لم يأذن به الله. و أنا أقطع بأن تاريخ الإسلام كله ليس فيه حادثة واحدة: استطاع خليفة أن يأمر قضاة المسلمين و علماءَهم و فقهاءَهم بأمرٍ يُخالف كتابَ الله وسنةَ نبيه، فأطاعته الأمةُ كلها أو بعضُها، و عملتْ بما أراد،و قضتْ على الناس بقضائه دون قضاء الله.
و ينبغي أن يُثبِت المرءُ ثانيا أن الخليفة –أو غير الخليفة من أمراء المسلمين في بلدان الأرض المسلمة- قد استطاع أن يجعلَ هذا التعطيل ، بهذه الشروط، عملاً متوارثاً في جيل بعد جيل،و أنّ الأمة قد اتّفقت على قبول تعطيله أبدا و أنّ هذا هو الذي جرى به العمل بلا ريبة و لا ادعاء و لا توهّم ولا اعتساف، و أنا أقطع أيضا بأنّ هذا شيء لم يكن قط إلا بعد أن ضربَ الاستعمار على هذه الأمة الإسلامية حضارتَه و ثقافتَه و لونَ تفكيرَه.
فهذه الكلمة الباغية الجائرة منقوضة في شمولها و في تخصيصها، و لا يستطيع منصفٌ بعض الإنصاف أن يجدَ لها في العقل مخرجاً، و لا في التاريخ شاهداً، و لا في الفرض المطلق وسيلةً إلى تحقيق طرف منها. و هي لا تصحّ في أحد محمليها إلا كانت حكماً على عامة الصحابة و التابعين و الفقهاء و خاصتهم بالكفر البواح. فلينظر امرؤٌ أين يُنزل عقلَه؟ و فيم يورّط دينَه و تقواه؟ و إلى أي قرار تهوي به كلمةٌ تُعجب هواه و يستخفّها لسانُه، و يتغذى بها غرورُه بنفسه؟
و لم أجعل همي في هذه الكلمات أن أسردَ الحججَ التي يحتجُّ بها القائلون بهذا الحكم و لا أن أروي ما يُعدونه مؤيِّداً لهم من روايات التاريخ و الكتب. فإني إنْ فعلتُ كان لزاماً عليّ أن أقدم نفس هذه المقدمة في شروط الأحكام،و مقدمة أخرى في تمييز ما يُعدّ تاريخاً ، ومقدمة ثالثة في انتزاعِ الحكم العام من الحادثة أو الحوادث، و هل هو صحيح في نفسِه أو غير صحيح. ثم آخذها واحدة واحدة فأبين وجهَ تأويلها أو فهمها أوردّها أو تجريحها إلى آخر ما ينبغي لكل من يتصدّى للأحكام على أفراد في التاريخ، فما ظنك بأممٍ بأسرها في تاريخٍ كامل كتاريخ العصور الإسلامية أولها وآخرها. و كلّ ما رميتُ إليه أن أبيّنَ فسادَ مثل هذا الحكم الشامل، و أسبابَ فساده، و أن أكشفَ عن موضع المخافة و ثقل الوزر، و جناية التسرّع في تعميم الأحكام بلا بيّنة من العقل أو الحجة أو التاريخ. و أرجو أن يُتاح لي أن أتناولَه مرة أخرى بالبيان و التفصيل حتى يتجلى فيه وجهُ الحق."
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أسماء كرامدي

أسماء كرامدي

عدد الرسائل :
1331

تاريخ التسجيل :
18/04/2009


" لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب Empty
مُساهمةموضوع: رد: " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب   " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب I_icon_minitimeالإثنين 19 يوليو 2010 - 17:27

* المنهج و علاقته بالعقيدة :
- قال الشيخ صالح آل الشيخ: "في الحقيقة المنهج داخل ضمن العقيدة؛ لأننا لو نظرنا إلى عقائدِ السّلف الصالح ودرسنا كتبَهم المختصرة والمطوَّلة وجدنا أنّ المنهج بعض هذه العقيدة.
المنهج معناه السّبيل و الطريقة التي يكون عليها أهل السّنة أتباع السلف الصالح، و السبيل والطريقة التي بها يتعاملون مع مَنْ حولهم؛ كيف يتعاملون مع المسلم؟ كيف يتعاملون مع الكافر الحربي؟ كيف يتعاملون مع المعاهد و المستأمن؟ كيف يتعاملون مع المسلم العاصي؟ كيف يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر؟ كيف يتعاملون مع ولاة الأمور؟ كيف يتعاملون مع أهل العلم؟ كيف يتعالمون مع سلف هذه الأمة؟. هٰذا المنهج، و الطريق في التعامل هي موجودة في كتبِ العقيدة.
لهٰذا إذا قلنا: المنهج، فإننا نعني به بعضَ الاعتقاد؛ و لأنَّ المنهج داخلٌ ضمن العقيدة عقيدة أهل السنة والجماعة.
هٰذا إذا رأيت العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية رحمه الله وجدتَ أنه وضعَ فصولا تتعلق بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر كالتعامل مع ولاة الأمر و التعامل مع خلافات و الاجتهادات المختلفة، و هٰذا ما يسميه المعاصرون بالمنهج ..."(1)
-و سُئل : ما الفرق بين العقيدة و المنهج؟ و ما حكم من يستدلّ بقوله تعالى:﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ على أنّ الشريعة هي العقيدة والمنهاج، ولا يوجد فرق، هل هذا صحيح؟
الجواب/ في قوله جل وعلا:﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ أهل التفسير من الصحابة فمن بعدهم على معنى قوله: ﴿شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا أي: سبيلا و سنّة. فالمنهاج هو العقيدة؛ لأنّ المنهجَ هو النهج الذي يُسلَك، و الطريق الذي يُسلك معلوم أنه تكون معه طُرُق؛ فإذن هذا الطريق الذي هو المنهاج هو السبيل، و سبيل الله - جل وعلا – واحد: ﴿ وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾. سبيلُ الله واحد، و هو طريقُه الموصِل إليه، و هو منهاج.
وكيف تفهم معنى المنهاج، و معنى المنهج؟ إذا عرفتَ أنّ الأمة تفرّقت فِرقًا، تفرقت إلى فرق شتى، و إلى طوائف كثيرة، و تلك الطوائف و تلك الفِرق، كل فرقة وطائفة اتخذت لها سبيلا، واتخذتْ لها طريقا، و معلوم أن مجموع ما عليه تلك الطوائف و الفِرق؛ أنّ مجموع ما هم عليه هو عقائِدُهم؛ و لهذا قال أهلُ العلم: إنّ منهجَ أهل السنة والجماعة هو طريقة أهل السنة والجماعة، وهو عقيدة أهل السنة والجماعة، و لا يميِّزُ أهل السنة والجماعة عن غيرهم، من الفِرَق الضالة المخالفة لطريقة سلف هذه الأمة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فَمَنْ بعدهم، إلا بهذا المنهج، خُذْ مثلا في أبواب الإيمان لهم منهج لهم عقيدة ، في أبواب القدر لهم منهج ولهم عقيدة، في أبواب الصفات وأسماء الله جل و علا لهم منهج و لهم عقيدة؛ يعني لهم عقيدة التي هي المنهج، مما يميِّزُهم عن غيرِهم، كذلك في أبواب الغيبيات لهم طريقة و لهم منهج ولهم عقيدة، كذلك في التعامل مع الخلق، التعامل مع الأئمة مع ولاة الأمر مع الحكام لهم منهج ولهم طريقة، التعامل مع الناس مع المسلمين لهم منهج لهم طريقة، التعامل مع أهل العلم لهم منهج ولهم طريقة ولهم عقيدة، هذه كلها مسطرة في كتب علماء أهل السنة والجماعة، فإذا قيل عقيدة أهل السنة والجماعة يعني منهج أهل السنة والجماعة.
و من الناس من قد يخالف عقيدةَ أهل السنة والجماعة، والمخالفة على قسمين:
*إما أن تكون المخالفة لأصلٍ من أصولِ أهل السّنة و الجماعة؛ فمن خالفَ في أصلٍ من الأصول فهو مبتدع خارج عن أهلِ السنة و الجماعة، فمثلا يخالف في أصل الإيمان، و يقول: الإيمان قولٌ و اعتقاد دون عمل؛ فهذا يكون خارجا عن عقيدةِ السلف الصالح عقيدة أهل السنة و الجماعة، يقول في القدر بالكسب، وأن المرء المكلف محلٌّ لفعل الله، وأن الفعل ليس بفعله حقيقة؛ و إنما هو محل له؛ قول الأشاعرة أو نحو ذلك، فهذا قول بالجبر، فهذا مخالف لعقيدة أهل السنة والجماعة في الأصل، صاحبه ليس من أهل السنة والجماعة، كذلك في أبواب الإمامة، يخالف في وجوب السمع والطاعة للإمام المسلم، يخالف في أصل المسألة؛ فهذا ليس من أهل السنة والجماعة.
كذلك إذا خالفَ في بعض المسائل المتعلقة بالصحابة؛ فقال: أنا أترضى عن الصحابة جميعا إلا واحدا، هذا خالف في أصل من أصول أهل السنة والجماعة، فليس منهم، هو مبتدع.
*والقسم الثاني: من يوافق في أصل؛ ولكن في بعض أفراد الأصل يبدو له وجهة يتأولها مع إقراره بالأصل، هذا نقول: هذا مخالف لطريقة أهل السنة والجماعة، هذا مخطئ هذا مباين لطريقتهم، و لا يُقال - يعني في تلك المسألة -، و لا يقال ببدعته ولا بفسقه؛ لأنه أقرّ بالأصل، و لكن خالفَ في فرع تحت ذلك الأصل لشبهةٍ عنده، مثل ما حصل من الإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة، حين خالف في حديث الصورة المعروف: «خلق الله آدم على صورته» ، وفي لفظ : «خلق الله آدم على صورة الرحمن» ونازع في ذلك ، وخالف أهلَ السنة، و خالف بقيةَ الأئمة في ذلك، هو سلّمَ بأنّ باب الصفات مداره على التسليم، وأننا نمر الصفات كما جاءت، وأننا نسلم ولا ننكر، وابن خزيمة له كتاب التوحيد شاهِدٌ بذلك، فهو من أئمة أهل السنة والجماعة، ولكنه بهذه المسألة غلط وتأول تأوّلا أبطله أهلُ العلم ، و لشيخ الإسلام في ردّ قولِه أكثر من مئة صفحة في ضمن رده على الرازي في كتابه نقض أساس التقديس، فرده و بين أنه -يعني الإمام ابن خزيمة - خالفَ طريقةَ أهلِ السنة والجماعة، هو مسلِّمٌ بالأصول؛ لكن بدا له فهمٌ في ذلك، فهنا يخطيء، وقد قال الذهبي: زلَّ زلة عظيمة و نحو ذلك، مما يبين فيه خطأ هذا العالم، أو خطأ هذا الرجل، أو خطأ من ذهب هذا المذهب، و يُشنع على ذلك القول حتى لا يُؤخَذ به ؛ لكن يبقى للرجل المسلِّم بنصوصِ أهل السنة والجماعة، و بأصول اعتقادِهم يبقى من أهل السنة والجماعة، لا يُخرج عنهم، بخلاف من يخالف في أصلٍ من الأصول، مثل الإيمان أو القدر أو في صفات الله، يزعم أن العقل مقدَّم، وأنه إنْ خالفَ النقلُ العقلَ؛ وجب تقديم العقل، وأن العقل حاكِم لا محكوم ونحو ذلك من الأصول، أو خالفَ في أبواب الإمامة، وقال: لا تلزم الإمامة، أو لا يلزم السمع والطاعة، أو يرى الخروج على الولاة أو نحو ذلك، هذا كله يكون خارجا عن أهل السنة والجماعة، فهذا تحرير هذا المقام، والله الموفق إلى الصواب.(2)"
--------------------
(1) مهمّات في العقيدة والمنهج تفريغ الأخ سالم الجزائري.
(2) من شريط "لقاء مفتوح مع الشيخ صالح آل الشيخ"
- يُتبع : معتقد أهل السنة و الجماعة في الصحابة-
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أسماء كرامدي

أسماء كرامدي

عدد الرسائل :
1331

تاريخ التسجيل :
18/04/2009


" لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب Empty
مُساهمةموضوع: رد: " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب   " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب I_icon_minitimeالثلاثاء 20 يوليو 2010 - 17:06


معتقد أهل السنة و الجماعة في الصحابة :



"صحابةُ الرسول صلى
الله عليه وسلم عدولٌ لثناءِ الله عز و جل عليهم، و ثناءِ الرسول، فلا يحتاجون مع
ذلك لتعديلِ المعدِّلين و توثيق الموثقين، و لهذا درجَ السلفُ في التراجم إذا كان
المترجَم له صحابياً أن يقولوا عنه: صحابي، لا يذكرون توثيقاً و لا غيرَه مما كانوا
يذكرون في غير الصحابة".. و قال أبو عمرو
بن الصلاح
في علوم
الحديث(ص264):"للصحابةِ بأسرِهم خصيصة ، و هي أنه لا يُسأل عن عدالةِ أحدٍ
منهم، بل ذلك أمرٌ مفروغ منه، لكونهم على الإطلاق معدَّلين بنصوص الكتاب و السنة و
إجماع مَن يُعتد به في الإجماع من الأمة
". و قال:"ثم إنّ
الأمة مجمِعةٌ على تعديل جميعِ الصحابة، و مَن لابسَ الفتنَ منهم فكذلك
بإجماع العلماء الذين يُعتدّ بهم في الإجماع،
إحساناً للظنِّ بهم
، و نظرا إلى ما تمهّدَ لهم من المآثر، و كأنّ الله سبحانه و
تعالى أتاحَ الإجماعَ على ذلك لكونهم نقَلَةَ الشريعة، و الله أعلم". و قال شيخُ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية(ص28):"..ثم القدر الذي يُنكَر من فعلِ بعضِهم قليلٌ نزر مغمور في جنبِ فضائل القوم و محاسنهم من الإيمان بالله و رسوله و الجهاد في سبيلِه
و الهجرة و النُّصرة و العلم النافع و العمل الصالح، و من نظرَ في سيرةِ القوم
بعلمٍ و بصيرة و ما منَّ اللهُ عليهم من الفضائل علِم يقيناً أنهم خيرُ الخلق بعد
الأنبياء ، لا كان و لا يكون مثلهم، و أنهم الصفوةُ من قرون هذه الأمة التي هي
خيرُ الأمم و أكرمِها على الله".




و قولُ أهل السنة
بتعديل الصحابة، كما أنه مستنَد إلى نصوص من الكتاب و السنة، فهو مبنيّ على حسنِ
الظن بهم، و من
أحسَنَ الظنَّ بهم فهو مأجور، و القول بخلاف ذلك مبني على إساءةِ الظن بهم، و من
أساءَ الظنّ بهم فهو آثم. و قال الإمامُ
أحمد
في كتابِه
السنة:" و من السُّنة ذكرُ محاسِن أصحابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهمِ
أجمعين
، و الكفّ عن الذي شجر بينهم ، فمن سبَّ أصحابَ رسول الله أو واحداً منهم
فنهو مبتدع رافضي، حبُّهم سنة و الدعاءُ لهم قربة و الاقتداء بهم وسيلةٌ و الأخذ
بآثارهم فضيلةٌ".(1)




و روى البيهقي عن الإمام
الشافعي
رحمهما الله:" و قد أثنى الله تبارك و تعالى على أصحابِ رسول الله
صلى الله عليه وسلم في القرآن و التوراة و الإنجيل، و سَبَقَ لهم على لسان رسول
الله صلى الله عليه و سلم من الفضلِ ما ليس لأحدٍ بعدهم
. فرحمهم اللهُ و هَنَّاهم
بما آتاهم من ذلك، ببلوغِ أعلى منازلِ الصديقين و الشهداء و الصالحين، هم أدّوا
إلينا سًنَنَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، و شاهدُوه و الوحيُ ينزل عليه،
فعلِموا ما أرادَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:عامّا، و خاصا، و عزما، و إرشادا.
و عرفوا من سًننِه ما عرفنا و جهلنا، و هم فوقنا في كل علمٍ، و اجتهادٍ، و ورع، و
عقلٍ استُدرِك به علمٌ و استُنبِط به، و آثارُهم لنا أحمَدُ و أولى بنا من آرائنا
لأنفسنا، و الله أعلم". لذلك و غيره، يعتقِدُ أهلُ السنة و الجماعة أنّ أصحابَ
رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضلُ هذه الأمة بعد نبيِّها، و أعلاهم منزلةً و
مكانةً عند الله و يعتقدون أنّ الصحابة جميعا مشتركون في هذا الفضل العظيم،
مشمولون بجميلِ الثناء، و الكرامةِ، و الوعدِ الحسن من الله تبارك و تعالى.




و يقول الإمام ابنُ حجر: اتّفقَ أهلُ السنة على أنّ الجميع عُدُولٌ، و لم يُخالف في ذلك إلا شذوذ المبتدعة".
و قال الإمام ابنُ كثير:" الصحابةُ كلهم عدول عند أهلِ السنة و
الجماعة
، لما أثنى اللهُ عليهم في كتابِه العزيز، و بما نطقتْ به السنّةُ النبوية
في المدحِ لهم في جميعِ أخلاقِهم، و ما بذلوه من الأموال و الأرواح بين يدَي رسول
الله صلى الله عليه وسلم، رغبةً فيما عند الله من الثواب الجزيل و الجزاء الجميل". و قال الإمام النووي: اتّفقَ أهلُ الحق و من يُعتَد به في الإجماع على قَبول شهادتهم و
روايتهم، و كمال عدالتِهم رضي الله عنهم أجمعين
" و قال أيضا:" الصحابة كلهم عدول- من لابسَ الفِتنةَ، و
غيرُهم- بإجماعِ من يُعتَدُّ به
"(2).




- وجاء في شرح
العقيدة الطحاوية
:
الاثنا عشر: الخلفاء الراشدون الأربعة، ومعاوية
وابنه يزيد، وعبد الملك بن مروان وأولاده الأربعة، و بينهم عمر بن عبد
العزيز ثم أخذ الأمر في الانحلال، وعند الرافضة أن أمر الأمَّة لم يزل في
أيام هؤلاء فاسداً منغَّصاً، يتولّى عليه الظالمون
المعتدون، بل المنافقون الكافرون، وأهل الحق أذل من اليهود. وقولهم ظاهر
البطلان، بل لم يزل الإسلام عزيزاً في ازدياد في أيام هؤلاء الاثنيعشر"




- و في شرح "لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل
الرشاد" للشيخ العثيمين
رحمه الله :"معاوية بن
أبي سفيان
: هو أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب،
ولد قبل البعثة بخمس سنين، وأسلم عام الفتح وقيل: أسلم بعد الحديبية وكتمَ إسلامَه.
ولاه عمر الشامَ واستمر عليه، و تسمّى بالخلافة بعد الحكمين عام 37هـ، واجتمعَ
الناسُ عليه بعد تنازل الحسن بن علي سنة 41هـ. كان يكتبُ للنبي صلى الله عليه وسلم، و من
جملة كُتّابِ الوحي، توفي في رجب سنة 60هـ عن 78سنة. و إنما ذكره المؤلف وأثنى
عليه للردّ على الروافض الذين يسبّونه ويقدحون فيه
، وسماه خال المؤمنين لأنه أخو
أم حبيبة إحدى أمهات المؤمنين وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة ص 199
ج2 نزاعاً بين العلماء هل يقال لإخوة أمهات المؤمنين : أخوال المؤمنين أم لا؟"




-------------



(1) قطف الجنى الداني شرح
مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني.تأليف عبد المحسن بن حمد العبّاد البدر




(2) الاعتقاد الواجب نحو
الصحابة، د.فلاح بن اسماعيل مندكار



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أسماء كرامدي

أسماء كرامدي

عدد الرسائل :
1331

تاريخ التسجيل :
18/04/2009


" لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب Empty
مُساهمةموضوع: رد: " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب   " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب I_icon_minitimeالثلاثاء 20 يوليو 2010 - 17:10


خاتمة الموضوع :


قد يقول قائل: ما الغرض و
ما الجدوى من عرض السجال الذي كان بين شاكر و سيد قطب و مؤيديه؟ أللطعن في سيّد و
الدعوة إلى تبديعِه و تفسيقه؟ أم لإثارة حفيظة الإخوان؟ أم للتحيّز لشاكر ؟ أم
ماذا...؟ فأقول لا هذا و لا ذاك، و الله وحده العليم بالنيات، و لكني رغبتُ في
نقله حرصا و تذكيرا و تنبيها إلى أمر يغفل عنه الكثيرون.



إنّ لسلامة المنهج الذي
يسير عليه العبد أثره في تصرفاته و سلوكه، و هذا المنهج أو الطريق القويم وجبَ
تعلّمه و التعرف عليه حتى لا تزل قدم العبد، خصوصا في خضم هذه التيارات الفكرية
المتصارعة! و أنّ المتعلّم -الطالب بصفة خاصة -كان حقيقا باقتفاء أثر هذا المنهج
لسلامةِ دينه و قلبه، فالشُّبَه خطافة و الفتن كثيرة والقلوب ضعيفة.



و أنّ الغيرة على هذا
الدين من سمات المسلم، فكيف لا يغار على حَمَلة هذا الدين، و هم الصحابة رضوان
الله عليهم!؟ فإذا كان محمود شاكر رحمه الله و غيره قد ردّوا و بينوا غلطَ من وقعَ
في النيل من صحابة رسول الله –حتى على غير قصد من الكاتب- فكيف بمن يلقف هذا الإفك
و يقبله بالكتابة و التقييد من غير اعتراض أو بيان كما يفعل الكثير من الطلبة!! و
كنتُ قد أشرتُ في غير هذا الموضوع، إلى أنّ بعض الأساتذة لا يتورّعون مطلقا في السب و
الطعن في خيرة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كعمر بن الخطاب رضي الله عنهم، حيث يوصف في
معهد الأدب، مادة:"النقد في صدر الإسلام"، بأشنع الأوصاف و أقبحِها رضي
الله عنه، و يَكتبُ الطلبة ذلك الطعن و
كأنهم يسلمون به و لا حرج!!!..فإذا كان الطلب لا يغار أو لا يعي هذه الأمور، فكيف
بغيره من العوام!؟



فالعقيدة أخطرُ شيء و
أجلّه عند المسلم، فهي أصلُ الدين!.. و بها يتحرك العبد و يمشي، فإن سلمت و صلحت
صلح عملُه، و إن نقصت أو كان بها شين، بانَ ذلك على فعل العبد و لا بدّ.. و من
العقيدة كما رأينا أعلاه سلامة الصدر نحو الصحابة رضوان الله عليهم، و الذّب عنهم
و ردّ أذى الطاعن فيهم، و حبّ من دافع عنهم!.



و لهذا أقول، بأنّ شاكرا
كان من الذائدين عن حياض السنة –مهما تكن حدّته أحيانا- إلا أنها حدة ناجمة عن
غيرة لله و لهذا الدين، و هي مشكورة في كل الأحوال. رحمه الله، فقد كان فارس زمانه
في ساحة الأدب، فكيف لو كان متخصصا في علوم الشريعة!؟ لكان أتى بعجائب!.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبد الحق السلفي الجزائري

عبد الحق السلفي الجزائري

عدد الرسائل :
188

تاريخ التسجيل :
25/01/2010


" لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب Empty
مُساهمةموضوع: رد: " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب   " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب I_icon_minitimeالثلاثاء 20 يوليو 2010 - 19:17

أحسن الله إليكم وبارك فيكم..

وحريٌ بنا أن نستخرج الفوائد مما نقلت الأخت الفاضلة ..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سمير زمال

سمير زمال

عدد الرسائل :
6494

العمر :
33

تاريخ التسجيل :
07/04/2008


" لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب Empty
مُساهمةموضوع: رد: " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب   " لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب I_icon_minitimeالإثنين 22 أغسطس 2011 - 16:35

يرفع للفائدة , كتب الله الاجر لكاتبه ورحم الشيخ محمود شاكر رحمة واسعة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://tebessa.alafdal.net
 

" لا تسبُّوا أصحَابِي"... بين محمود شاكر و سيد قطب

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» حيرة! .. أبو فهر محمود شاكر .
» الرافعي .. بقلم محمود شاكر
» أذكري قلبي .. أبو فهر محمود محمد شاكر
» محاضرة للشيخ محمود محمد شاكر سنة1396هـ
» لا تعودي .. من روائع العلامة الاديب محمود محمد شاكر

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منــــتديات تبسة الإســـــلامية :: أقسام متنوعة :: بيان المنهج الوسطي-