بسم الله الرحمن الرحيم


37-من تفقه في دين الله كفاه الله عز و جل [همه] و رزقه من حيث لا يحتسب
ضعيف جدا
أخرجه أبو نعيم في ''مسند أبي حنيفة'' (ص 25) من طريق محمد بن عمر بن سلم حدثني عبيد الله بن جعفر الرازي أبو علي من كتاب أبيه عن محمد بن سماعة عن أبي يوسف قال سمعت أبا حنيفة يقول حجت مع أبي سنة ست و تسعين و لي ستة عشر سنة فإذا أنا بشيخ قد اجتمع عليه الناس فقلت لأبي يا أبه من هذا الشيخ قال هذا رجل قد صحب محمدا صلى الله عليه و سلم يقال له عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي فقلت فأي شيء عنده قال أحاديث سمعها من النبي صلى الله عليه و سلم فقلت له قدمني إليه حتى أسمع منه فتقدم بين يدي فجعل يفوح الناس حتى دنا منه فسمعته يقول قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
فذكره دون ما هو بين معقوفين فإنه مستدرك من المصادر الأخرى ثم قال أبو نعيم :
''هذا لا يعرف له مخرج إلا من هذا الوجه عن عبد الله بن الحارث بن جزء و هو مما تفرد به محمد بن سماعة عن أبي يوسف عن أبي حنيفة''
قلت فيه : محمد بن عمر بن سلم و هو أبو بكر الجعابي و هو و إن كان موصوفا بقوة الحفظ و شدته و أنه كان من المجودين إلا أنه كان فاسقا رقيق الدين على ما جاء في ترجمته و حكى الخطيب عن ابن زرقويه ما يفيد أنه كان لا يتورع عن أخذ المال لزيادة أحرف أو نقصها في كتبه و ذكر الدارقطني أنه اختلط و ذكر الخطيب أنه كان كثير الغرائب
و عبيد الله بن جعفر هذا أظنه وقع هنا خطأ من الطابع أو الناسخ في إسناد أبي نعيم و أغلب ظني أنه عبد الله بن أبي جعفر الرازي و الكلام فيه معروف وقد وثق فقال أبو زرعة و ابن أبي حاتم : ''صدوق'' لكن قال محمد بن حميد الرازي : ''كان فاسقا'' و قال ابن عدي ''من حديثه ما لا يتابع عليه'' و أما الحافظ فقال في ''التقريب'' : ''صدوق يخطيء'' بعدما قال –عن ابن حبان- في ''التهذيب'' : ''يعتبر حديثه من غير روايته عن أبيه'' فإن كان هو فقد عرفت الكلام فيه فإن لم يكنه فإني لم أهتد إليه
أقول هذا لأن ابن عبد البر أخرج هذا الحديث في ''جامع بيان العلم'' (1/100/166) من طريق العقيلي نا أبو علي عبد الله بن جعفر الرازي نا محمد بن سماعة .به
فأسقط الواسطة بينه و بين ابن سماعة –و هي كتاب أبيه- فتنبه
و سيأتي الكلام في أبي حنيفة و في سماعه من ابن جزء في آخر البحث
و أخرجه الخطيب في ''تاريخ بغداد'' (2/406/733) من طريق أحمد بن محمد الحماني حدثنا محمد بن أحمد بن سماعة حدثنا أبو يوسف به مختصرا
و أخرجه الصميري في ''أخبار أبي حنيفة و أصحابه'' (ص 18) من طريق أحمد بن الصلت قال ثنا محمد بن سماعة
و أحمد بن الصلت هذا كذاب قال ابن عدي : ''ما رأيت في الكذابين أقل حياء منه'' و رماه ابن حبان و الدارقطني بوضع الحديث
و قال الذهبي : ''كذاب وضاع فلذا يدلسه بعضهم فيقول حدثنا أحمد بن عطية و بعضهم أحمد بن الصلت'' قلت : و هو أحمد بن محمد الحماني المذكور في إسناد ''تاريخ بغداد''
و أخرجه الرافعي في ''التدوين في أخبار قزوين'' (3/261) من طريق الحسن بن علي الصميري ثنا أبو بكر هلال بن محمد بن محمد بن أخي هلال الرازي ثنا أبو عبيد محمد بن محمد ثنا محمد بن حمدان الطيالسي ثنا أحمد بن الصلت عن بشر بن الوليد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة قال سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول
من تفقه في دين الله كفاه الله همه و رزقه من حيث لا يحتسب
فجعله من حديث أنس بن مالك كما ترى و فيه أحمد بن الصلت المذكور آنفا و هو من طريق الصميري المذكور آنفا فلعلها من تصرفاته و تخاليطه
و فيه كذلك بشر بن الوليد فإنه شاخ و خلط فأمسك أصحاب الحديث عنه قال صالح جزرة : ''صدوق لكنه لا يعقل كان قد خرف'' و أثنى عليه غير واحد فلعل التخليط منه هو
و وجدته عند ابن النجار في ''ذيل تاريخ بغداد'' (16/54/18) من طريق أبي بكر مكرم بن أحمد بن مكرم البغدادي حدثنا محمد بن أحمد بن سماعة حدثنا بشر بن الوليد القاضي حدثنا أبو يوسف
و قد علمت ما قيل في بشر و ابن مكرم لم أهتد إليه
و لما كان مدار هذا الحديث على أبي حنيفة –رحمه الله- و روايته –أو رؤيته- لعبد الله بن جزء فإنه من الضروري لإتمام هذا البحث ذكر ما جاء في هذا الباب
قال الذهبي في ''السير'' (3/387) :
''و زعم من لا معرفة له أن الإمام أبا حنيفة لقيه –أي عبد الله بن الحارث بن جزء الصحابي- و سمع منه و هذا جاء من رواية رجل متهم بالكذب و لعل أبا حنيفة أخذ عن عبد الله بن الحارث الزبيدي الكوفي أحد التابعين فهذا محتمل و أما الصحابي فلم يره أبدا و يزعم الواضع أن الإمام ارتحل به أبوه و دار على سبعة من الصحابة المتأخرين و شافههم و إنما المحفوظ أنه رأى أنس بن مالك لما قدم عليهم الكوفة''
و لعل هذا النقل عن الذهبي لا يروق لبعض الحنفية فأنقل له كلام رجل حنفي معروف فقد قال الهيتمي في ''الخيرات الحسان'' (ص24-25):
''و أما ما جاء عن أبي حنيفة أنه حج مع أبيه سنة ست و تسعين و أنه رأى عبد الله –بن الحارث بن جزء الزبيدي- هذا يدرس بالمسجد الحرام و سمع منه حديثا فرده جماعة منهم الشيخ قاسم الحنفي من مشائخ مشائخنا بأن سند ذلك فيه قلب و تحريف و فيه كذاب اتفاقا و بأن ابن جزء مات بمصر و لأبي حنيفة ست سنين و بأن عبد الله بن جزء لم يدخل الكوفة في تلك المدة''
و لا شك أن أبا حنيفة النعمان بن ثابت من أئمة المسلمين الذين ثبتت إمامتهم حتى قال الشافعي فيه : ''الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة'' و قال الذهبي في ''السير'' (6/403) بعد إيراده لقول الشافعي : ''قلت : الإمامة في الفقه و دقائقه مسلمة إلى هذا الإمام و هذا أمر لا شك فيه'' و هذا لا يتعارض مع إطلاق القول بضعفه في الحديث حفظا و إتقانا كما قال النسائي : ''ليس بالقوي في الحديث كثير الغلط على قلة روايته'' و تكلم الدارقطني كذلك في حفظه و ابن عدي و آخرون و هو ما أثار حفيظة بعض متعصبة الحنفية من المتقدمين و المتأخرين فألفوا في إبطال ذلك مؤلفات عديدة ظنا منهم أن إنتقاد حديث الإمام طعن في شخصه كما قال اللكنوي في ''الرفع و التكميل'' (ص 19) : ''كما قدح الدارقطني في الإمام الهمام أبي حنيفة رضي الله عنه بأنه ضعيف في الحديث و أي شناعة فوق هذا'' و ممن مشى على هذا النحو و كان أشد تعصبا و قسوة و بعدا عن الحق زاهد الكوثري الذي أكثر من التأليف في هذا الموضوع و لعل كتابه ''تأنيب الخطيب'' من أشدها و قد انبرى للرد عليه إمام المتأخرين في الحديث عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني و كتابه متداول معروف فلا داعي لذكره
و مما شد انتباهي و أنا بصدد النظر في مراجع تحقيق هذا الحديث تعليق أبي غدة –تلميذ الكوثري- على كتاب اللكنوي الآنف الذكر عند الكلام على ما وقع من نقد لحفظ أبي حنيفة في ''الميزان'' للذهبي فادعى أن هذا غير ثابت في النسخ الخطية الأصلية ''للميزان'' و التي اطلع عليها في عديد من المكتبات و أن طبعة البجاوي مليئة بالتحريف و السقط إلى أن قال : ''و قد أوسع المؤلف اللكنوي القول جدا في التدليل على دس ترجمة أبي حنيفة في بعض نسخ ''الميزان'' في كتابه ''غيث الغمام على حواشي إمام الكلام'' (ص 146) و ذكر وجوها كثيرة في تعزيز نفيها عن الميزان أقتصر على نقل الوجه الأول منها'' و هو الوجه الذي بين فيه اللكنوي –نقلا عن بعض أهل العلم- أن الذهبي رحمه الله لم يذكر في كتابه الأعلام البارزين و الأئمة المتبوعين و لا داعي لإطالة البحث بإيراد نقول منها لكني أحيل القاريء على ما ذكره الذهبي خارج ''الميزان'' فقد قال في ''ديوان الضعفاء'' : ''النعمان الإمام رحمه الله قال ابن عدي عامة ما يرويه غلط و تصحيف و زيادات و له أحاديث صالحة و قال النسائي ليس بالقوي في الحديث كثير الغلط على قلة روايته و قال ابن معين لا يكتب حديثه'' فهل يقال في ''الديوان'' مثلما قيل في ''الميزان'' ؟؟ هذا مع العلم أن الكلام في الإمام أبي حنيفة ليس على إطلاقه كما يظن فقد وثقه يحيى بن معين فقال : ''كان أبو حنيفة ثقة لا يحدث بالحديث إلا بما يحفظه و لا يحدث بما لا يحفظ'' و روى أحمد بن محمد بن القاسم بن محرز عن ابن معين ''كان أبو حنيفة لا بأس به'' و قال مرة ''هو عندنا من أهل الصدق و لم يتهم بالكذب'' و قد مر بك النقل عن ابن معين كذلك أنه ''لا يكتب حديثه'' و هذا معروف عن يحيى بن معين فإنه كان يجيب بحسب اجتهاده في الرجل و حسب اطلاعه على حديثه و أحواله لذا تجده من أكثر النقاد الذين يحفظ عنهم القولان في الرجل الواحد
ثم إن كلام النسائي و غيره في الإمام مفسر مبين و ليس كما ذهب إليه اللكنوي و غيره فقد تكلم النسائي في سوء حفظه و كثرة غلطه و تصحيفه كما ذهب إليه ابن عدي كذلك و لهذا كان الهيتمي أكثر إنصافا من الكوثري حيث علق على ما أورده الخطيب في ترجمة أبي حنيفة في ''تاريخ بغداد'' فقال في ''الخيرات الحسان''(ص79) :''إعلم أنه لم يقصد بذلك إلا جمع ما قيل في الرجل على عادة المؤرخين و لم يقصد بذلك إنتقاصه و لا الحط من مرتبته بدليل أنه قدم كلام المادحين و أكثر منه'' و هذا ما درج عليه جميع من ألف في التاريخ و السير أو في الجرح و التعديل ممن عرف باستقامة المنهج و حسن الطوية و النصح للمسلمين و بهذه المناسبة –و الكلام يجر بعضه بعضا- فإن إنتقاد كلام أبي حنيفة في الفقه قديم كذلك ففي آخر كتاب ''المصنف'' لابن أبي شيبة ''باب الرد على أبي حنيفة'' و للكوثري رد عليه في كتابه ''النكت الطريفة في التحدث عن ردود ابن أبي شيبة على أبي حنيفة'' و سبقه إلى ذلك الشيخ زين الدين قاسم بن قطلوبغا الفقيه الحنفي المصري المتوفي سنة 879 فألف كتاب ''الأجوبة عن اعتراضات ابن أبي شيبة على أبي حنيفة'' (كشف الظنون 1/46)
و الله أعلم

جزاك الله كل خير أختي سلسلة