الحلقة العاشرة / التعريض بدل التجريح

27/03/2011

التعريض بدل التجريح

قد تكون المصلحة العامة تقتضي في حالة صدور خطأ أو تصرف قبيح أن يعالِج الخطيب أوالمربِّي ذلك بالخطاب العام والتوجيه المقصود لفائدة الجميع وهو الأسلوب الأسلم والأنفع بدل أن يكون ذلك بالتعيين وأمام الجميع، وهذا ما يستقبحه الشخص ولايرضى به، وإن كان في قرارة نفسه معترفا بالخطأ ومستشعرا بالذنب ولكن الإنكارعليه بهذه الصورة بمثابة الفضيحة لا يمكن أن يقبلها ويعترف بما صدرمنه إلا إن كان ذلك النصح على انفراد، والذي كان عليه النبي صلىالله عليه وسلم هو معالجة ذلك بالتعريض والتعميم على المنبر في أثناء خطبته بقوله : ما بال أقوام يقولون كذا ويفعلون كذا .
أخرج البخاري في صحيحه من حديث أنس رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السَّماء في صلاتهم ؟ فاشتد قوله في ذلك حتى قال : لينتهينَّ عن ذلك أو لتُخطفنَّ أبصارهم ))1
فلما كان هذا الفعل مخالفا لهيئة الصلاة وخشوعها ، وصدور مثل هذا الفعل غالبا يكون من بعض الناس دون بعض اقتضت المصلحة أن يكون الخطاب عاما دون تحديد شخص بعينه .

ـــــــــــــــــــــ
1) باب رفع البصر إلى السماء في الصلاة / رقم 750

قال القرطبي رحمه الله عند حديث عائشة الذي رواه البخاري ومسلم أنها قالت : صنع النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فرخص فيه فتنزه عنه قوم ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فخطب فحمد الله ثم قال: ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه ، فوالله إنِّي لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية .
هذا منه صلى الله عليه وسلم عدول عن مواجهة هؤلاء القوم بالعتاب وكانوا معينين عنده، لكنه فعل ذلك لغلبة الحياء عليه ولتلطفه في التأديب ، ولستر المعاتب .1
وقال النووي رحمه الله وهو يبين المعروف من خطبه أنه إذا كرِه شيئا فخطب له ذكر كراهيته ولا يُعيِّن فاعله ، وهذا من عظيم خلقه صلى الله عليه وسلم فإنَّ المقصود من ذلك الشخص وجميع الحاضرين وغيرهم ممَّن يبلغهم ذلك ولا يحصل توبيخ صاحبه في الملاْ .2
وفي بيان كون التعريض أصلح وأبلغ من التصريح قال الراغب الأصفهاني : وحق على العالم أن يصرِف من يريد إرشاده من الرذيلة إلى الفضيلة بلطف في المقال وتعريض في الخطاب والتعريض أبلغ من التصريح لوجوه :

ـــــــــــــــــــ
1) انظر المفهم 6/152
2) انظر شرح مسلم 9/1765

ـ إن التعريض لا تُنتهك به سجوف الهيبة ، ولا يُرتفع به ستر الحشمة
ـ إنَّ النفس الفاضلة لميلها إلى استنباط المعاني تميل إلى التعريض شغفا باستخراج معناه بالفكر .
ـ إنَّ للتعريض عبارات مختلفة فيمكن إيراده على وجوه مختلفة والتصريح ليس له إلا عبارة واحدة ، فلا يمكن إيراده إلا على وجه واحد .
ـ إن صريح النهي داع إلى الإغراء ولذلك قيل اللوم إغراء :
دع اللوم إنَّ اللوم يُغري وإنما أراد صلاحا من يلوم فأفسدا
وهكذا ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، فإذا كانت المصلحة الدعوية والتربوية لا تتم إلا بالتعريض والتعميم وجب مراعاة هذا الأسلوب لمافيه من الخيروالمصلحة للداعي والمدعو والحاضرين والمستمعين .
ولنا في رسول الله أسوة حسنة ، وهو خير معلِّم على الإطلاق ، فمن أراد خيري الدنيا والآخرة فما عليه إلا التأسي به ، في جميع شؤون حياته التعليمية والدعوية والتربوية وغيرها .

كتبه أبو هاني

10/03/2011

جزاك الله خير يا شيخ ونفع بطرحكم

04/12/2010

بارك الله فيكم شيخنا ، يا ليت قومي يعلمون ويتعلمون هذا الأدب، فالردود من المسائل التي يكثر فيها حظ النفس وقبولها أشد كما اسلفت شيخنا.

07/04/2008

جزاكم الله خيرا

» أساليب تربوية في ضوء السنة النبوية الحلقة الثانية / الحلقة الثانية /: التدرج في التعليم
» حكم امتحان الناس بقضايا التجريح
» المقالة العاشرة من : إيقاظ الوسنان من زلاّت اللِّسان
» في توضيح ما أشكل من فتوى:«حكم امتحان الناس بقضايا التجريح»
» إعلان: سيتم تعويض درس الشيخ حسّان شعبان يوم الجمعة على الساعة

الحلقة العاشرة / التعريض بدل التجريح

الحلقة العاشرة / التعريض بدل التجريح

مواضيع مماثلة

مواضيع مماثلة