[color:4504=blue]إعداد
نصرالدين بلقاسم أبو هانئ

تمهيد

بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهديه الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمدا عبده ورسوله .
(( يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون))آل عمران
(( يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تسآءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا )) النساء
(( يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ))الأحزاب
أما بعد فإنَّ أحسن الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكلَّ محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ثم أما بعد .
يحرص المسلم في الغالب أن يكون عمله خالصا لوجه الله تعالى مطابقا لشرعه وهذان الأمران هما شرطا قبول العمل ، كما يحرص المسلم على إرضاء ربه تعالى في جميع أقواله وأفعاله ولو كان في ذلك إسخاط للخلق لأن من أرضى ربه رضِي الله عنه وأرضى عنه الخلق ، ومن أسخط ربه سخِط الله عنه وأسخط عنه الخلق .
ولا يحرص المسلم على إرضاء الله تعالى إلا إذا كان محبا لله تعالى ورسوله ، ومن أحب الله سعى جاهدا أن يعمل كل ما يوجب محبته ويستوجب رضاه ، ومن هنا لا يكون المسلم مسلما كاملا حتى يتجرد لله تعالى في أقواله وأعماله كلها .
ومن الأعمال التي يحبها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أن يكون المسلمون إخوة متحابين متعاونين على البر والتقوى ، مثلهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ، وقد حث كل من القرآن والسنة على الألفة والوحدة وحذرا من الفرقة والتنازع وذلك لما فيهما من الفشل والضعف فضلا عن كونهما مستوجبان لغضب الله تعالى وسخطه .
و في هذا الإصدار أحاول أن أسلط الضوء على بعض الأعمال التي تعين على تحقيق المحبة في الله بين المسلمين لتكون دافعا قويا على التعاون على البر والتقوى .

الحب في الله

إن الحب في الله يحقق مبدأ الترابط الجماعي الخالص بين المؤمنين وهو الترابط النقي من شوائب المصالح الشخصية والأهواء النفسية والشهوات المادية ، إذ هو حب لله خالص لوجهه .

حقيقة الحب في الله :

الحب في الله أو لله ليس دعوى مجردة ولا شعار فحسب وإنما هو كما قال المباركفوري في شرح الترمذي لحديث ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان وفيه : وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله : أي لا يحبه لغرض وعرض وعوض ولا يشوب محبته حظ دنيوي ولا أمر بشري، بل محبته تكون خالصة لله تعالى، فيكون متصفا بالحب في الله وداخلا في المتحابين لله . اهـ1.
فضل الحب في الله : للحب في الله منزلة ومكانة عالية تتبين من خلال ما يلي :

ـ الحب في الله من حلاوة الإيمان :
عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه ، كما يكره أن يقذف في النار )) متفق عليه2
وفي رواية عند البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : (( من سره أن يجد حلاوة الإيمان فليحب المرء لا يحبه إلا لله عز و جل ))3
ـ ممن يظلهم الله يوم القيامة : وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( سبعة يظلم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل ، وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل ، ورجل قلبه معلق بالمساجد ، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه ، وتفرقا عليه ، ورجل دعته امرأة ذات حسن وجمال ، فقال : إني أخاف الله ، ورجل تصدق بصدقة ، فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه )) متفق عليه4
وفي لفظ عنه رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله تعالى يقول يوم القيامة : أين المتحابون بجلالي ؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي ))5
رجلان تحابا في الله لا لأجل مال ، ولا جاه ، ولا نسب ، ولا أي شيء ، إنما هو محبة الله عز وجل ، رآه قائماً بطاعة الله ، متجنباً لمحارم الله ، فأحبه من أجل ذلك
وقوله اجتمعا عليه وتفرقا عليه : أي اجتمعا عليه في الدنيا وبقيت المحبة بينهما حتى فرق بينهما الموت تفرقا وهما على ذلك .
ففي هذا إشارة إلى أنها محبة حقيقية لا يقطعها شيء من أمور الدنيا فهي باقية إلى أن يفرق بينهما الموت ، ولولا أنها محبة خالصة لله تعالى ما كتب لها البقاء والدوام
ـ الحب في الله موجب لمحبة الله : عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِي صلَّى الله عليه وسلم قال : (( إنَّ رَجُلاً زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ : أَيْنَ تُرِيدُ قَالَ : أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ. قَالَ هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا قَالَ لاَ غَيْرَ أَنِّى أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ ))6 .
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه يرفعه قال : (( ما من رجلين تحابا في الله بظهر الغيب إلا كان أحبهما إلى الله أشدهما حبا لصاحبه ))7 .
وفي الحديث القدسي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : (( وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ ))8
4ـ الحب في الله من كمال الإيمان :
عَنْ أَبِى أُمَامَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : (( مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ وَأَبْغَضَ لِلَّهِ وَأَعْطَى لِلَّهِ وَمَنَعَ لِلَّهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الإِيمَانَ ))9
ففي هذا الحديث دلالة على أن كل حركات القلب والجوارح إذا كانت كلها لله فقد كمل إيمان العبد بذلك باطنا وظاهرا ويلزم من صلاح حركات القلب صلاح حركات الجوارح فإذا كان القلب صالحا ليس فيه إلا إرادة الله وإرادة ما يريده لم تنبعث الجوارح إلا فيما يريده الله فسارعت إلى ما فيه رضاه وكفت عما يكرهه وعما يخشى أن يكون مما يكرهه 10 .
1) تحفة الأحوذي (7/312) دار الكتب العلمية
2) رواه البخاري ، كتاب الإيمان ، رقم ( 16 ) ، ومسلم ، كتاب الإيمان ، رقم ( 43 ) .
3) شعب الإيمان (9018) ورواه أحمد في المسند (2/296) وحسنه الألباني صحيح الترغيب (3012)
4) رواه البخاري ، كتاب الأذان ، رقم ( 660 ) ، ومسلم ، رقم ( 1031 ) .
5) رواه مسلم : كتاب البر والصلة ، رقم ( 2566 ) .
6) رواه مسلم : كتاب البر والصلة ، رقم ( 2567 )
7) رواه الطبراني في الكبير ( 20/274) رقم 1798 و في الأوسط ( 5/267) رقم 5279 وذكره الألباني في صحيح الترغيب (3016) وقال : رواه الطبراني بإسناد جيد قوي
رواه مالك في الموطأ ( 3507) تحقيق محمد مصطفى الأعظمي ( ط مؤسسة زايد بن سلطان )وصححه الألباني كما في صحيح الترغيب (2581)
9) رواه أبو داود في السنن ( 4638) وصححه الألباني في الصحيحة: (380) وصحيح الجامع: (5965).
10) نقلا من جامع العلوم والحكم (1/76)


إلى الحلقة الأولى
الهدية سبب للود والمحبة

بارك الله فيكم شيخنا الفاضل