الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:
فإنّه ممّا يجب على المسلم أن يعلمه أنّ العبرة في المسمّى لا في الأسماء، فلا ينبغي أن تُعالجَ القضايا الفقهيّة المطروحة اليوم على ضوء أسمائها، ولكن على ضوء معانيها وحدودها.
وقد حذّر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من قومٍ يستحلّون الخمر ويسمّونها بغير اسمها ! وها نحن اليوم نُعانِي من انتشار الرّشوة باسم القهوة، والإكراميّة !! وابتُلينا بالغناء باسم الأناشيد !! وابتُلينا بالرّبـــا باسم المرابحــة !
وهؤلاء المروّجون للرّبا ليسوا بالسُذّج ولا الحمقى حتّى يسمّون معاملاتهم بالرّبا، ولكنّهم يطلقون عليها مصطلحا إسلاميّا فقهيّا؛ حتّى ينطلي حكمها على معظم النّاس ! وقد حصل.
فالمرابحة في اصطلاح الفقهاء هي:: ( البيع برأس المال وربح معلوم ).
وصورتها: أن يقول صاحب البضاعةِ للمشتري: سأشتري البضاعة بمبلغ كذا، وأبيعك إيّاها بزيادة قدرها كذا.
واعتبرها الفقهاء من بيوع الأمانة لأنّ المشتري أخذ بقول البائع وصدّقه في قوله إنّه سيشتري السّلعة بالمبلغ المذكور.
ومن خلال هذا البيان فإنّه لا خلاف بين الفقهاء في جوازها، لأنّها معاملة بين طرفين توفّر في كلّ منهما شروط البيع والشّراء.
أمّا المرابحة البنكيّة فمنشأ الإشكال فيها: دخول الوسيط طرفا ثالثا، وهو البنك.
فلا بدّ من النّظر والتأمّل في موقع البنك في هذه المعاملة:
1- فإذا اشترى البنك من المؤسّسة، وملك السّلعة، وقبضها [بدخولها في مستودعات تابعة للبنك]، ثمّ باعها للعميل ( طالب السّلعة ) فلا إشكال في ذلك.[اللهمّ إلاّ ما سنذكره في جعلهم الوعد بالشّراء ملزما].
2- أمّا إذا لم يشتر البنك السِّلعة، وإنّما سدّد المبلغ للمؤسّسة، على أن يسدّد العميل المبلغ في مدّة معيّنة، فهناك محاذير:
أ‌) أنّه باع ما لا يملك.
ب‌) فإن ملكه فقد باع ما لم يقبضه.
والأحاديث كثيرة في النّهي عن بيع ما لا يملك، والنّهي عن بيع السّلعة حتّى تُقبض.
ت‌) وأنّه تحايل على الرّبا، فهو في الحقيقة لم يبِعْ، وإنّما أقرض العميل مقابل فائدة !
وقد اعتبره بعض أهل العلم من صور بيع العِينة المحرّمة، وهو أن يشتري السّلعة ثمّ يبيعها لا من أجل الحصول على المال المؤجّل، ولا يريد السّلعة للحصول على المال نقدا.
3- وإن كان يشتري ويملك ولكنّه يُلزمك حال الوعد بالشّراء، فهذا محرّم كما لا يخفى، فإنّ مجرّد الوعد بالشّراء ليس عقدا، وهم يجعلونه عقدا ملزما.
هذا باختصار ما يمكن قوله في هذه المسألة، بغضّ النّظر عن المخالفات الأخرى الّتي يرتكبها البنك، منها:
أ‌) الإلزام بالتّأمين، بل ومن جهة معيّنة ! بالتّواطئ كي يجرّا لأنفسهما الأرباح الطّائلة.
[وإنّما لا نتحدّث عن التّأمين لأنّه مفروض يُضطرّ إليه العميل].
ب‌) الإلزام بالغرامات إذا تعذّر على العميل تسديد ما عليه في الأجل المسمّى !
فهذا إلزام غير شرعيّ، إلاّ إذا ثبت المطل.
وغير ذلك.
الحاصل: أنّه لا بدّ من النّظر إلى بنود كلّ عقدٍ ومعاملة على حِدة، وإن كان الغالب على بنوك اليوم أنّها قائمة على ما ذكرناه.
والله أعلم وأعزّ وأكرم.