الحمد لله ربّ العالمين, والصلاة والسلام على أشرف المرسلين, وبعد:
فهذا جواب على عجل, لعله يفي بالغرض, ويوضح المراد, فأقول وبالله التوفيق:
إنّ أنجع الطريق وأفضل السبل لحفظ القرآن ما كان موافقاً لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وهديه صحابته رضوان الله تعالى عليهم, حيث كان تعلمهم للقرآن عرضاً وسماعاً, بمعنى أنّ المتعلّم يسمع القرآن من شيخه المتقن, ثم يعرض ما حفظه بعد سماعه, فيبلغ بذلك غاية الإتقان في حفظه, ويأمن الخطأ والزلل.
أما السماع؛ فيدل عليه فعل النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان يسمع القرآن من جبريل عليه السلام, كما أخبر جلّ وعلا: {وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ}.
وأما المعارضة: فيدل عليها معارضة النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام القرآن الكريم, كما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من شهر رمضان فيدارسه القرآن قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل عليه السلام أجود بالخير من الريح المرسلة" (رواه أحمد والنسائي بسند صحيح).
وقد كان الصبيان في الكتاتيب يجمعون بين الكتابة والسماع والمعارضة, وهذه أفضل صور حفظ القرآن على الإطلاق, وما زال معمول بها ولله الحمد في زوايا تحفيظ القرآن في ربوع الجزائر الحبيبة.
وطريقتها:
1- يسمع الطالب من شيخه ثمن حزب.
2- ثم يكتب الطالب هذا الثمن في لوحه (بالقلم والداوة) ثم يأتي شيخه فيقرأ عليه المكتوب في اللوح (نظراً) فيصحّح ما وجد فيها من خطأ.
والكتابة تكون بالرسم العثماني لا بغيره, مع مراعاة علامات الوقف والابتداء وغيرها.
3- بعد أن يكرر الطالب حفظ الثمن يأتي شيخه ويعرض عليه ما حفظ.
فهذه الطريقة المثلى في حفظ القرآن, لأنها تشتمل على فوائد جمّة, منها:
1- الإتقان في الحفظ, بحيث لا تكاد تجد عند أصحاب هذه الطريقة لحناً في القرآن.
2- رسوخ المحفوظ؛ لأنه يجمع بين السماع والعرض والكتابة, وهو جمع بين النظر والسماع والنطق, وهذه ثلاثية متلازمة في الحفظ, فأجود الحفظ ما جمع بين سماع المحفوظ, وبين عرضه وترداده, وبين كتابته.
3- مراعاة الرسم العثماني بحيث يصير حافظ القرآن مجيداً في ذلك.
4- التمرّس على علامات الوقف والابتداء, وهي علامات اصطلح عليها حتى لا يتخلّ معنى القرآن, ولهذا تجد من حفظ القرآن على غير هذه الطريقة يتخبط تخبطاً عظيما في وقفه وابتدائه لآي القرآن.
5- الجمع بين الحفظ وبين إتقان التجويد, خصوصاً إذا كان الشيخ والمعلّم متقناً لأحكام التجويد.
فهذه الطريقة المثلى – في ظني – والله أعلم في حفظ القرآن.
وأتحدّث عن واقع تجربة فقد حفظت جزء من القرآن في بدايته نظراً من المصحف, وحفظت الجزء الأكبر الباقي في بعض زوايا تحفيظ القرآن, فلا زلت أشهد الفرق الشاسع بين المحفوظ الأول والمحفوظ الثاني فهو أجود وأثبت وأرسخ.
أما عن سؤال الأخت الكريمة عن حفظ القرآن وعرضه كتابة فقط, وبغير الرسم العثماني, فأقول, إنّ في هذه الطريقة سلبيات كثيرة, أوجزها في الآتي:
1- إنّ في هذه الطريقة عدول على ما درج عليه سلف الأمة في حفظهم للقرآن, كما أسلفنا, عن طريق السماع والمعارضة.
2- أنّ متّبع هذه الطريقة يكون حفظه عادة مهلهلاً من ناحية الإتقان, ومن ناحية الرسوخ, لأنّ السماع والمعارضة مع الكتابة بنحو ما ذكرنا أعظم وسائل تثبيت المحفوظ.
3- كثرة الأخطاء في هذه الطريقة, وذلك بتحريف بعض الكلمات, وأيضاً عدم مراعاة الوقف والابتداء وغيرها.
4- ليس في هذه الطريقة مراعاة لأحكام التجويد.
هذا ولكن: إذا لم يكن إلا الأسنة مركباً..... فلا يسع المضطر إلا ركوبها
فإن لم يجد الطالب شيخاً يجالسه ويأخذ عنه القرآن, فلا أقل من أن يستمع أولاً قبل الحفظ لشريط مسجّل لأحد القراء المشهورين.
ثم لا بأس أن يكتب المحفوظ بخطّ يده, زيادة في التثبيت, أو إعلاماً بحفظه.
ولكن مسألة كتابة القرآن الكريم بغير الخطّ العثماني, اختلف فيها العلماء, وهذا شيء من تفصيلها:
إنّ كتابة القرآن الكريم بغير الخط العثماني لا تخلو من حالتين:
الأول: أن يكون ذلك بكتابة القرآن كله في مصحف.
والثاني: أن تكتب بعض الآيات في الكتب، والمنتديات، والمقالات.
فأما كتابة المصحف كلّه بغير الخط العثماني (أي بالخط الإملائي العادي) فقد اتفق جمهور العلماء على عدم جوازها, لأنّ:
1- في ذلك عدول عن هدي الخلفاء الراشدين المهديين الذين أمرنا باقتفاء آثارهم.
2- والعدول عن الرسم العثماني إلى الرسم الإملائي الموجود حاليّاً بقصد تسهيل القراءة: يفضي إلى تغيير آخر إذا تغير الاصطلاح في الكتابة ؛ لأن الرسم الإملائي نوع من الاصطلاح ، قابل للتغير باصطلاح آخر ، وقد يؤدي ذلك إلى تحريف القرآن.
3- ما يخشى من أنه إذا لم يلتزم الرسم العثماني في كتابة القرآن أن يصير كتاب الله ألعوبة بأيدي الناس ، كلما عنت لإنسان فكرة في كتابته اقترح تطبيقها ، فيقترح بعضهم كتابته باللاتينية ، أو غيرها.
أمّا كتابة بعض الآيات بغير الرسم العثماني بقصد التعلّم, فلا بأس به, بشرط مراعاة قواعد الإملاء حتى لا يتحرّف المعنى.
وعليه لا بد أن تكون رقابة داخل المنتديات لتصحيح هذه الآيات ومتابعتها, والأولى أن لا تعرض على صفحات المنتدى قبل أن تمرّ على الرقابة الإملائية من لدن المشرفين.
والله تعالى أعلم
كتبه وحرّره: أبو يزيد المدني
الرئيسية 
الخميس 29 ديسمبر 2022 - 11:57
موضوع: سؤال عاجل من فضلكم الرد جزاكم الله خيرا 
السبت 5 يونيو 2010 - 19:25
