المقامة النجدية الرابعة
فضل التوحيد و ما يكفر من ذنوب العبيد
حدثني أبو همام الجزائري في اليوم الرابع فقال :
فتحت الصفحة في باب فضل التوحيد، و ما يكفر من ذنوب العبيد، فقلت: أيصل فضل التوحيد، إلى تكفير الذنب القديم و الجديد ؟
فباغتني الواعظ قائلا: كأنك تستعظم الأمر، أن يكفر التوحيد ذنوب العمر!!
قلت: هل لك يا صاح ، أن تشرح الباب بشيء من الإفصاح ؟
قال: قسم الإمام الكتاب إلى أبواب ، تزيد على الستين بأكثر من باب...
والباب ما كان إلى الشيء مدخلا ، جامعا لمسائل ما ترجم أولا ...
سماه المصنف فضل التوحيد ، و ما يكفر من ذنوب العبيد ، و المفرد في قوله" فضل" يعم ، إذا أضيف إلى غيره يا عم !!
و" ما" فيها احتمال ، لكثير من الأقوال ، فبعضهم قال هي موصولة ، معناها و الذي يكفره من الذنوب المعمولة ،و القصد بذلك بعض
الذنوب ، يغفرها الله علام الغيوب . و قال آخرون هي مصدرية ، معناها و تكفيره لذنوب البشرية ، و الثاني الأولى و الأصح ، لأن
فضل التوحيد عام فاصدع به و انصح .
قلت : بارك الله فيك على شرح الترجمة ، نعوذ بالله من قلة العلم و كثرة العجمة !!
قال: أتريد فهم آية الأنعام ؟ و مناسبتها لترجمة الامام ؟
(الذين ءامنوا و لم يلبسوا ايمانهم بظلم اولئك لهم الأمن و هم مهتدون)
قلت : بلى بلى ! قد صار حديثك أعجب و أحلى !!
قال : اللبس هو الخلط و مايغطي الأشياء ، وليس ما يغطي الايمان كالشرك و اتخاذ الشركاء...
و دواوين الظلم يوم القيامة ثلاث:(1)
ديوان لايغفره الله
و ديوان لا يتركه الله
و ديوان لا يعبؤ به الله
فأما الأول فالشرك في حق المعبود ، و هو في الآية الظلم المقصود
قلت : أيها الواعظ ، كأن الظلم و الشرك مشتركان في المعنى ألا تلاحظ ؟
قال : زادك الله في الفهم ، و أراحك من الغم والهم …
فالظلم وضع الشيء في غير موضعه ، فاحفظ هذا الحد و عِه
و الشرك وضع العبادة في غير موضعها ، فهو أظلم الظلم في حق واضعها !!
قلت: قد عرفتُ الظلم بيتَ الداء ، فماذا عن الأمن و الاهتداء ؟
قال : الأمن و الاهتداء ثمرة التوحيد ، مااجتنب التشريك و التنديد
وأقسام الناس من حيث الأمنُ و الاهتداء ، ثلاثة من الابتداء الى الانتهاء :
أولا أهل الأمن و الاهتداء التام لمن كمل توحيدهم على التمام !!
و الثاني أهل ايمان ومعاصي و ذنوب ،فلهم من الأمن و الاهتداء بقدر توحيد علام الغيوب …
و الثالث لا أمن و لا اهتداء ، كيف و قد ناصبوا الرب العداء !! ، و اتخذوا له الأنداد و الشركاء !!
قلت : فما مناسبة الآية للترجمه ؟ ، أجبني لأحفظ ذلك و أفهمه ...
قال : أن من فضائل التوحيد ، ثبوت الأمن و الاهتداء للعبيد ...
قلت : ماذا عن حديث عُبادة ،و هل فيه زيادة و إفادة ، عن فضل توحيد العبادة ؟؟
قال : و أما حديث عبادة بن الصامت ، فاسمع الحديث بقلب الخاشع القانت :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
(من شهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له و أن محمدا عبده و رسوله ، و أن عيسى عبد الله و رسوله
و كلمته ألقاها الى مريم و روح منه ، و الجنة حق ، و النار حق ، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل ) أخرجاه
تفضل الآن بالسؤال ، لأزيل عنك الاشكال، باذن ربنا المتعال....
قلت:ما معنى الشهادة للمعبود والشهادة للنبي المحمود ؟و هل لها شروط و قيود ، ليحصل المقصود ، و تتحقق الوعود ؟؟
قال: الشهادة للمعبود لفظ و معنى، و إلا فما وحدنا و ما أطعنا...
و المعنى لا معبودَ بحق إلا الله ، فكن ذلك العبدَ الموحدَ الأواه....
و تفسيرها من نظم سلم الوصول ، في توحيد الله و اتباع الرسول :
من قالها معتقدا معناها *** و كان عاملا بمقتضاها
في القول و الفعل و مات مؤمنا *** يبعث يوم الحشر ناج آمنا
فان معناها الذي عليه *** دلت يقينا و هدت إليه
أن ليس بالحق إله يعبد ***إلا الإله الواحد المنفرد
بالخلق و الرزق و بالتدبير *** جل عن الشريك و النظير
و شروطها قسمان ، يتحقق بهما الإيمان .....
أما الشروط الأولى فإجمالية ، علم و عمل و صدق النية(2).....
و أما الشروط الأخرى فتفصيلية ، سأخبرك عنها بأبيات شعرية، من منظومة الحكمي العلمية، عليه رحمة رب البرية :(3)
و بشروط سبعة قد قيدت *** و في نصوص الوحي حقا وردت
فانه لم ينتفع قائلها *** بالنطق الا حيث يستكملها
العلم و اليقين و القبول *** و الانقياد فادر ما أقول
و الصدق و الاخلاص و المحبه *** وفقك الله لما أحبه
أما الشهادة الثانية فللنبي المحمود ، بأنه عبد و رسول من المعبود،
و معنى الشهادة للنبي بالرسالة..... طاعته كما قال تعالى
(و ما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله)
و من شهد للنبيين بهذين ، أمن من غلو و جفاء الطائفتين....
قلت : ما تقصد بالغلو و الجفاء ، وضح الأمر بجلاء و صفاء ؟؟
قال : الذي يؤمن أن الرسول عبد، يأمن من غلو النصارى باتخاذهم الند....
و الذي يؤمن أن الرسول رسول ، يأمن من جفاء اليهود مع ابن مريم البتول ، بقولهم فيه أسوأ القول...
قلت : ولكن ما معنى عيسى كلمة الله ، وأنه روح من الاله ؟ !!
قال : ليس عيسى عينَ كلمةِ الرحمن(4) ، و لكنه بالكلمة كان....
و عيسى روح من الله مرزوقة، أي روح من الأرواح المخلوقة....
و الجنة حق ، و النار حق ، و هذا فيه ايمان بالجزاء و الثواب المستحَق ، و العقاب لمن عصى و أبق و عق....
قلت : و ماذا عن حديث عتبان ، فهل فيه مثل ما في حديث عبادة من البيان ؟؟
قال : و أما حديث عتبان بن مالك ، عليه رضوان المالك ، فيقول فيه الرسول الأكرم ، صلى الله عليه و سلم :
(فان الله حرم على النار من قال لا اله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله)دل على أن من ثمار التوحيد، تحريم دخول النار على العبيد
قلت : و ماذا عن حديث أبي سعيد ؟ وهل فيه فضل جديد ؟
قال : و أما حديث أبي سعيد الخدري، عن الرسول النبي ، عليه صلاة و سلام ربي :
(قال موسى : يارب علمني شيئا أذكرك و أدعوك به ، قال : قل يا موسى : لا اله الا الله ، قال : يا رب كل عبادك يقولون هذا ؟
قال : يا موسى لو أن السموات السبع و عامرهن غيري و الأرضين السبع في كفة ، و لا اله الا الله في كفة ، لمالت بهن لا اله الا الله)
رواه ابن حبان و الحاكم و صححه.
يدل الحديث على ثقل لا اله الا الله في الميزان ، و هذا من ثمار التوحيد و الايمان.
قلت: هلا شرحت لي حديث أنس ،ليتم الباب ويكمل الدرس.....
قال: يقول خادم الرسول ، سمعته صلى الله عليه و سلم يقول:
(قال الله تعالى :
يا ابن آدم ، لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا ، لأتيتك بقرابها مغفرة )أي أن حسنة التوحيد عظيمة خطيرة ، تكفر الخطايا الكبيرة....
اذا لقيت الله بلا إشراك ، غفر ذنوبك من لا تراه و يراك .
قلت : فماذا عن المسائل ، فهل نسيتها أم تعمدت تركها للسائل ؟
قال : أما عن مسائل الباب ، فسأذكر بعضها باقتضاب ، لا على سبيل الحصر و الاستيعاب !! ....
فمنها :
سعة فضل الله وكثرة ثواب توحيد الإله.....
و تكفيره مع ذلك للذنوب ، فاحمد الله علام الغيوب !...
و التنبيه على شرط الاخلاص ، في حديث عتبان لتحقيق الخَلاص ،
و كون الأنبياء في حاجة للتنبيه و البيان ، لفضل "لا اله الا الله" من الرحمن....
و رجحانها بجميع الخلق ، مع خفة ميزان من يقولها بالحق....
و إثبات الصفات على الطريقة السلفية ، خلافا للمعطلة و الأشعرية ...
و معرفتك حديث أنس و عتبان ، في تحريم المتشهد على النيران ، توجب تركَ الشرك على الإنسان ، و ليس مجردَ القول باللسان....
و معرفة اختصاص عيسى بكونه كلمةَ الله، و أنه روح مخلوقة من الإله...
ومعرفة فضل الإيمان ، بالجِنان و النيران ....
و معرفة قوله "على ما كان من العمل" ، و أنه في السوء و الحسن محتمَل ، بشرط أن لا يُنقض التوحيدُ فيُقطع الأمل ، و لكن لا بد من
الجد و العمل....
واثبات صفة الوجه للرحمن ، كما يليق به دونما نكران....
قلت : أحسنت الجواب ، و أدركت الصواب ، رحم الله الامام و أعظم له الثواب !....
نسأل الله أن لا يحرمنا النظر ، في نعيمه المنتظر ، بين جنات و نهر ، مع إخواننا من أهل الحديث و الأثر
........آمين..آمين..آمين...........................يتبع
أبو همام عبد الحميد الجزائري
سلسلة المقامات النجدية ـ 4 ـ
الجزائر العاصمة
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) و أما الثاني فظلم العباد بعضهم لبعض
و أما الثالث فظلم العبد لنفسه دون الشرك
(2) فالعلم حتى نخرج من طريق الضلالة
و العمل حتى نخرج من طريق المغضوب عليهم
و الصدق حتى نخرج من طريق المنافقين
(3) علم و ضده الجهل
و يقين و ضده الشك
وقبول و ضده الرد
و محبة و ضدها البغض
و صدق و ضده الكذب
و انقياد و ضده الترك
و اخلاص و ضده الشرك أنظر شرح أدلة شروط لا إله إلا الله للشيخ عبيد الجابري ، فهي رسالة قيمة و نافعة.
(4) فالمصدر قد يراد به الصفة ، أو أثر الصفة كقولنا (المطر رحمة الله) أي من أثر رحمة الله.
ـــــــــــــــــــــــــــ
الرئيسية 
الخميس 29 ديسمبر 2022 - 11:57
موضوع: سلسلة المقامات النجدية (في التوحيد) 
السبت 13 فبراير 2010 - 19:34
