الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد:

فبارك الله فيك أخي العاصميّ، وزادك من فضله العظيم.

فكثيرا ما كنّا نتحدّث عن بعض المصطلحات العلميّة الّتي تعقّد الفنّ بدلا من أن تقعّده، وتعسّره بدلا من أن تيسّره، وكنت أضرب لذلك مثلا بهذه المصطلحات الثّلاثة: تنقيح المناط، وتخريج المناط، وتحقيق

المناط.

ولو لجأنا إلى المصطلحات العلميّة المعهودة، لكان أقوم للطّلب وأيسر على الطّالب.

· فـ( المناط ) هو العلّة، لأنّه بها أُنِيطَ الحكم، أي تعلّق.

والمجتهد الّذي يبحث في القياس حتّى يُلحق الفرع بالأصل، لا بدّ له من خطوات:

· الأولى: ( تنقيح المناط ) أي: الاجتهاد في تحصيل العلّة الّتي ربط بها الشارع الحكم، فيُثبت من الأوصاف ما يصلح، ويلغى ما لا يصلح.

· الثّانية: ( تخريج المناط ): أي: هو استخراج العلّة المناسبة للحكم، فالتّخريج نتيجة التّنقيح.

· الثّالثة: ( تحقيق المناط ): هو النّظر في الفرع غير المنصوص على علّته، فإذا ألحق الفرع بالأصل من أجل العلّة المناسبة سمّي ذلك تحقيقا للمناط، أي: تحقيقا للعلّة.

من الأمثلة على ذلك: علّة تحريم بيع الأجناس الرّبويّة عند اتّحادها إلاّ بشرط التّماثل والتّقابض.

هل ذلك لأنّها طعام ؟ أو لأنّها قوت ؟ أو لأنّها توزن وتُكال ؟ أو لأنّها نقد ؟ أو هما أمران اثنان أو أكثر أو غير ذلك.

فأوّل الخطوات هو تهذيب العلّة وتنقيحها وهو ( تنقيح المناط ).

ثمّ استخراجها بالنّظر إلى المناسبة بين العلّة والحكم، وهو ( تخريج المناط ).

ثمّ تعدية هذا الحكم إلى الفرع غير المذكور في النصّ:

أ‌) فمن رأى أنّ العلّة هي الطّعام جعل الحكم يشمل كلّ مطعوم.

ب‌) ومن رأى أنّ العلّة هي القوت، ألحقها في كلّ ما يُعدّ قوتا.

ت‌) ومن رأى أنّ العلّة هي الوزن والكيل عدّى الحكم إلى كلّ ما يوزَن ويُكال، وهكذا ..


أمّا الفرق بين صحّة الدّليل وصحّة الاستدلال، ووجه الدّلالة:

· فصحّة الدّليل: أن يكون ثابتا، إمّا من القرآن أو السنّة الصّحيحة، أو إجماع أهل العلم.

ولكن لا يستلزم من صحّة الدّليل صحّة الاستدلال.

· صحّة الاستدلال: أن يكون الدّليل الصّحيح موافقا للدّعوى، فربّما كان الدّليل أعمّ أو أخصّ من الدّعوى، أو يكون منسوخا، أو يكون له معارض ..الخ

· وجه الدّلالة: ما سِيق الدّليل من أجله، وقد يكون أكثر من وجه، لذلك يقول العلماء: وهذا دليل من وجوه، فيذكرها.

والله أعلم وأعزّ وأكرم.