بارك الله فيك أخي الفاضل والكريم على صيد هذه الفوائد، واقتناص هذه الشّرائد، وزادك الله حرصا على الخير.

ولي تعقيبات على ما جاء ذكره – لو سمحت – بارك الله فيك، وذلك إتماما لمرادك من تحصيل الفائدة.

التّعقيب الأوّل: ذكرت تحت الحالة الأولى حين: يكون الفاعل المسند إليه ذلك الفعل جمع تكسير لمذكّر ...

ورجّح الكاتب أنّ الإثبات أحسن مع جمع التّكسير المذكّر، إلاّ أن يكون فاصل، مستدلاّ بقوله تعالى: {لََّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ

رِجَالٌ } !!

فالآية لا شاهد فيها لما قرّر، لأنّ الفعل ( تقومَ ) ليس مسندا إلى ( رجال )، وإنّما هو مسند لضمير المخاطب العائد على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال له

وهو ينهاه أن يقوم في مسجد ضرار:{ لََّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ }، ثمّ استأنف الكلام يصف مسجد قباء:{ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أنْ

يتَطَهَّرُوا }.

التّعقيب الثّاني: قول بعض العلماء تمتنع التاء مع الفاعل المؤنث إذا كان الفاصل " إلاّ ".

وأوّلوا من أجل ذلك كلام ابن مالك رحمه الله لمّا قال:


فقالوا: معنى ( فُضلا ) أي وجوبا.

لكنّ الصّواب أنّ قوله " فُضِلَ " على ظاهره، أي: استحبابا، وليس وجوبا.

والدّليل على أنّه ليس بواجب السّماع، فقد قال الله تعالى:]إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَة[ [يـس: 29]، فقرأ أبو جعفر "صيحةٌ " بالرّفع ، فكان هنا تامة، و(صيحةٌ)

فاعل، وثبتت التّاء مع وجود الفصل بـ(إلاّ).

وكذلك قوله تعالى في قراءة:{فَأَصْبَحُوا لا تُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُم} [الأحقاف: 25]، فـ( مساكنُهم ) نائب فاعل، وللنّائب حكم الأصل.

أمّا استدلال بعضهم بأنّ الفاعل في مثل:" ما جاء إلاّ هند "، إنّما هو ( أحدٌ ) محذوف، وهو مذكّر ! إذن فلا يجوز الإتيان بالتّاء مع الفاعل المذكّر !

فهذا بعيد، يردّه النّظر، لأنّهم قرّروا في باب الاستثناء أنّ قولهم: ( ما جاء إلاّ هندٌ ) هو استثناء مفرّغ، ليس له فاعل إلاّ ما بعد ( إلاّ )، وهو موجب للرّفع.

التّعقيب الثّالث: كما ذكرت في الفاعل المؤنّث لـ" نعم " و" بئس "، فإنّه يجوز حذف التّاء وإثباتها، لأنّ المقصود في الفاعل هو الجنس، فيقال: نعم الفتاة هندٌ،

وبئس الفتاة دعدٌ.

ولكنّ الكاتب ذكر أنّ الحذف في كلّ ذلك أجود ..

والصّواب أنّ مراعاة الأصل أجود، وإنّما رجّح كلّ من رجّح الحذف أخذا بظاهر كلام ابن مالك:


مع أنّ قوله: "استحسنوا " أي أجازوا استحسانا، وليس معناه أنّه الأفضل، بدليل كلامه في كتبه الأخرى.

التّعقيب الرّابع: قوله في حالات جواز الحذف والإثبات: ( أن يكون الفاعل ملحقًا بجمع المذكّر السّالم ).

وهذا مذهب الكوفيّين رحمهم الله تعالى، ولكنّ الصّواب هو مذهب البصريّين والفارسيّ.

وأجابوا عن آية:{ آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ }بأنّه إنما جاز إثبات التّاء في الفعل المسند إلى ( بنو) لمشابهته جمع التّكسير، فلا يخفى عليك أنّ مفرد ( بنون ) قد

تكسّر، فقد كان ( ابن ) وصار ( بنون )، وجمع التّكسير يجوز حذف التّاء من فعله وإثباتها كما ذكر.

ثمّ ما جاء على خلاف القياس فعليه لا يُقاس كما هو معلوم، فلا يليق تعميم القاعدة على كلّ ملحق بجمع المذكّر السّالم، ولو قِسْت لقلت: جاءت أولو العلم !! لأنّ

( أولو ) ملحق بجمع المذكّر السّالم !!

لذلك كان ابن مالك رحمه الله دقيقا حين قال:


أي عامل كلّ الجموع ماعدا جمعَ المذكّر السّالم، كما تعامل المؤنّث المجازي من جواز إثبات التاء معها وحذفها، وعبّر عن المؤنّث المجازي في البيت بـ( إحدى

اللّبِن )، وهي اللَّبِنَةُ: الحجارة الّتي تستعمل في البناء.

والله الموفّق وزاد الله حرصا، وبارك الله فيك.