الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : زائرنا الكريم مرحبا بك بين إخوانك في منتديات تبسة الإسلامية ، بعد التسجيل ستجد رسالة تأكيد التسجيل في بريدكم ، نرجوا لكم قضاء وقت مفيد ومريح في هذا الفضاء التربوي العلمي .


آخر المواضيع
الموضوع
تاريخ ارسال المشاركة
بواسطة
مرحبا بكم أيها الأحباب من جديد ..
من بريد المنتدى ذات يوم ...
كتاب الانتصار للنبي المختار ﷺ (يصور لأول مرة) المؤلف: د.سليمان بن صفية الجزائري
رحم الله الشيخ علي الحلبي ..
بشرى صدور موقع جديد للشيخ أبو يزيد المدني (سليم بن صفية)
حذروا من صناعة المعاقين في بيوتكم
‏الرفقة الدافئة
يا طالب العلم البشرية كلها بحاجة إليك.
قصة قصيرة جملية
حكمة وعبرة ✍
الخميس 29 ديسمبر 2022 - 11:57
الخميس 29 ديسمبر 2022 - 9:20
الإثنين 28 ديسمبر 2020 - 15:30
الخميس 3 ديسمبر 2020 - 18:36
الأربعاء 22 يناير 2020 - 18:36
الجمعة 21 ديسمبر 2018 - 20:08
الخميس 20 ديسمبر 2018 - 12:28
الإثنين 17 ديسمبر 2018 - 13:30
الخميس 6 ديسمبر 2018 - 21:09
الإثنين 3 ديسمبر 2018 - 20:11











شاطر
 

 "عميروش" أوصل صوت "الثورة الجزائرية " إلى.. " أمريكا"

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
علجية عيش

علجية عيش

عدد الرسائل :
25

العمر :
59

الموقع :
www.maktoobblog.com/walqalem www.maktoobblog.com/algeria-fln

تاريخ التسجيل :
05/08/2009


"عميروش" أوصل صوت "الثورة الجزائرية " إلى.. " أمريكا" Empty
مُساهمةموضوع: "عميروش" أوصل صوت "الثورة الجزائرية " إلى.. " أمريكا"   "عميروش" أوصل صوت "الثورة الجزائرية " إلى.. " أمريكا" I_icon_minitimeالثلاثاء 18 أغسطس 2009 - 20:02

في ذكرى 20 أوت
تصفية الإطارات مؤامرة دبرتها المخابرات الفرنسية

هي شهادات ذكرها المجاهد جودي أتومي ضابط في جيش التحرير الوطني بالولاية الثالثة حول المجازر التي نسبت إلى الشهيد العقيد عميروش ىيت حمودة من اولاية الثالثة لاسيما في قضية " الزرق" المشهورة، في مذكراته بعنوان: " العقيد عميروش بين الأسطورة و التاريخ" غير أن عميروش و بفضل حنكته السياسية استطاع أن يوصل صوت الثورة الجزائرية إلى قلب أمريكا عن طريق " قسيس" و هو بذلك يستحق أن يوصف بـ: "الزعيم" أو " أسد الصومام " كما لقبه رفقاء الكفاح و ذلك قد يكون ردا على من أساؤوا إليه و لسمعته الكفاحية و النضالية


كانت القضية التي اتهم فيها العقيد عميروش آيت حمودة بتصفية إطاراته مؤامرة دبرتها المخابرات الفرنسية من أجل القضاء على الثورة الجزائرية و النيل من عميروش، و تفنن المؤرخون و المؤلفون الفرنسيون في تأليفها ليحملوا العقيد عميروش مسؤولية الإعدامات التي وقعت بصفته كان قائدا للولاية الثالثة ( تيزي وزو)، بدأت قضية "الزرق" بقدوم فتاة من العاصمة اسمها (روزة) من أجل طلب التجند في صفوف جيش التحرير الوطني، إلا أنه و من خلال تصرفاتها أثارت الشكوك ووضعت رهن الاعتقال و تعرضت للاستجواب إلى أن اعترفت أنها كلفت من قبل النقيب " ليجيه" مسئول مكتب الاستعلامات و الاتصالات للولاية الثالثة للاتصال ببعض الضباط ، و من هنا بدأت حملة الزرق ، احتار عميروش من الأمر و كان يشعر باستياء كبير من هول ما يحدث بعدما أقنعه المسئولون بوجود "مؤامرة" ضد الثورة، فرسم خطة لردعها باتخاذه بعض الإجراءات منها: وقف التجنيد، إقامة مركز استجوابات في غابة " أكفادو"، تعيين فوج يسهر على أمن و نقل المشتبهين فيهم ، إنشاء محكمة لمعاقبة الخونة و غير ذلك، حدثت خلالها اعتقالات عشوائية في وسط الضباط و المحافظين السياسيين و عدد من مسئولي المصالح الملحقة مثل المنظمة السياسية الإدارية و نادرا ما مست هذه الإجراءات الوحدات القتالية، و تمكنت المخابرات الفرنسية من زرع "الشك" وسط أعضاء جيش التحرير الوطني و تحول كل واحد إلى جاسوس على الآخر، و سرعان ما اكتظ مركز الإستنطاقات بالموقوفين وكان لابد من الإسراع في معالجة الملفات لفسح المكان للقادمين الجدد..
كانت الاعترافات تنتزع بواسطة التعذيب ونفذت حالات إعدام ، كان عميروش مقتنعا بوجود مؤامرة و أمام استفحال الظاهرة استدعى هذا الأخير كل الإطارات و الجنود لتجمع كبير في "أكفادو" لإخبارهم و معرفة موقفهم وذلك من باب الحيطة و الحذر و الشورى حتى ( كما قال هو) لا يُذكر اسمه غدًا أي بعد الاستقلال أمام التاريخ كواحد من مجرمي الحرب، و لاقى في الاجتماع تأييدا واسعا من الأصوات التي شجعته في عملية مكافحة الزرق..
كانت المجزرة رهيبة و كان المشهد مقرف لأنه لم يخطر على الذين كانت غايتهم الاستشهاد من أحل حرية الوطن أن يموتوا مذبوحون أو معدمون على يد إخوانهم في الجهاد، و راح البعض بالقول أن قائد الولاية الثالثة و من معه من الضباط الذين أيدوه قد أصيبوا بالجنون و هم يظنون بذلك أنهم يشرفون الثورة و ينقذونها زو أنهم مطالبون بمحاربة الخيانة و الدفاع عن مصلحة الثورة..
ما زاد في تأزم الوضع وربما الخطأ الذي ارتكبه عميروش هو إعطاؤه للمجاهد الملقب بـ: " إيشمان" كل الصلاحيات في التصدي لمؤامرة الزرق و كان هذا المجاهد محب للثورة و للوطن إلى حد الإفراط و الغلو وكان غيورا على كل ما له صلة بمهمته المقدسة لاسيما و قد كان يضرب به المثل في الانضباط ، اشتهر إيشمان بين المجاهدين بصيحته " بطيح" وهي طريقة كان إيشمان يحبذها في معاقبة الجنود قليلي الانضباط أو المتعنتين ، فيأمرهم بالقيام بحركات انبطاحية المعروفة إلى حد الإنهاك، وبهذه الميزة عَيّنـَهُ عميروش رائدا ثانيا ضمن الفريق الذي شكله لإدارة لجنة التحريات المكلفة بكشف المتورطين في المؤامرة و توقيفهم...
تضررت الولاية الثالثة ( تيزي وزو) كثيرا بفعل هذه المؤامرة لأن العدو الفرنسي كان يريد أن يُرَكّعَ الولاية و يدمر معاقل جيش التحرير الوطني و يوجه له الضربة القاضية و على رأسهم العقيد عميروش الذي كان مستهدفا من طرف أجهزة الاستخبارات الفرنسية لتصفيته بأي ثمن، و أعدتُ له مخططات كبيرة أسندت إلى النقيب ليجيه، و كان هذا الأخير في فرقة المظليين الأجانب، شارك في حرب الهند الصينية، حيث برز اسمه في مجال التعذيب و الإعدامات الجماعية و على هذا الأساس عين قائدا لمكتب الاستعلامات و الاتصالات( BEL ) الخاص بالولاية الثالثة واقتصر دوره في اقتفاء أثر عميروش من بعيد و تتبع تحركاته و نصب له الكمائن مستعينا في ذلك بـ: " القومية و الحركى" من الخونة الجزائريين ومنهم جلال رمضان الملقب بـ: "اللاجودان" لكن النقيب فشل في كل محاولاته في الحصول على المعلومات لأن عميروش كان محبوبا عند الشعب كما فشلت بعدها مساعي الجنرال " غراسييه" مع فرقته التاسعة للمشاة في الإطاحة بعميروش.



المجاهد "رشيد أجعود " الشاهد الوحيد على مؤامرة "الزرق"


نظرا للأصوات العديدة التي تجنت على العقيد عميروش تتهمه بتصفية إطاراته في هذه المؤامرة يكشف المجاهد "رشيد أجعود" و هو الشاهد الوحيد على هذه القصة مع الرائد( سي حميمي فاضل) أن قصة "الزرق" كانت عملية تجسسية دبرتها المخابرات الفرنسية وتم إحباطها بفضل يقظة عميروش وجاءت هذه المؤامرة كون الجيش الفرنسي تلقى ضربات قاسية من الولاية الثالثة التي تعد الفترة الذهبية التي شهدتها معركة الجزائر موضحا أنه عندما فشل العدو في هزم جيش التحرير الوطني في هذه الولاية لجأ مظليو " بيجار" إلى تجريب الاختراق و التجسس..
اكتشاف هذه المؤامرة تمت بعد اختفاء الضابط السياسي ( سي الحسين صالحي)، ويكشف المجاهد أجعود ما صرحت به الفتاة (روزة) و مهمتها التي كلفت بها في الاتصال بضابط في جيش التحرير يدعى" سي العربي" و تم توقيف هذا الخائن الذي كان له جهاز إرسال و اعترف أنه يعمل لحساب مصالح الاستخبارات الفرنسية منذ 1946، كاشفا كيف دبر اختطاف الضابط الأول سي الحسين صالحي رفقة النقيب( ليجيه) الذي وصل مع فرق كومندوس الحركى و عساكر فرنسيين متخفين بزي مجاهدين من الولاية الرابعة، ومن ثم شكل عميروش آيت حمودة لجنة تحقيق و إنشاء المحكمة لمعاقبة الخونة و تصفيتهم..



"عميروش" يوصل صوت الثورة الجزائرية إلى قلب "أمريكا"


برهن العقيد عميروش آيت حمودة للرأي العام الدولي أن الشعب الجزائري ليس كما وصفته فرنسا مجموعة من العصابات و الخارجين عن القانون و غيرها من الدعايات التي كانت تروجها الصحافة الفرنسية بل مكافحين من أجل الاستقلال ذلك من خلال معاملته الحسنة للأسرى، وكان أول أسير عند عميروش المعلم لانكلاد laglande و مونييه meunier من مدرسة الفلاي بـ: "سيدي عيش" بجاية في عام 1956 ، و عندما أطلق صراحهما أبلغا الرأي العام الفرنسي بحقيقة الثورة الجزائرية و معاملة الجزائريين لهما، نفس الشيء كان بالنسبة للبعثة التبشيرية التي استقرت في إيغيل علي ( أقبو) أو كما يسمونهم بالآباء البيض على أساس تعاونهم مع مصالح الاستخبارات الفرنسية ، و استنادا لشهادة عبد الحميد جوادي ضابط سابق في جيش التحرير الوطني تم توقيف الأب " جوزيف أيلو" و هو عضو في البعثة الكاثوليكية ، اقتيد هذا القسيس إلى الجبل ومكث فيه 45 يوما بين المجاهدين دون أي مشكل و كان مرتاحا بينهم و اطمأن إليهم لدرجة أنه أصبح يتكلم بكل حرية معهم و أدرك أن فرنسا كانت ظالمة في اعتدائها على الشعب الجزائري ، وعندما أطلق صراحه عقد ندوة صحفية مدافعا فيها عن جيش التحرير الوطني و كانت شهاداته متناقضة تمام لما بثته دعاية للأجهزة الفرنسية فقامت بـِدَحْضِهِ دحضًا و نفيه إلى فرنسا و هناك اعتكف الأب جوزيف أيلو في مسقط رأسه في مقاطعة بريطانيا حاملا معه ذكريات لا تنسى عن الثورة الجزائرية، لتأتي قصة عميروش مع القسيس الإنكليكاني " ليستر غرفيث" الذي اقتيد و مكث هو الآخر عدة أشهر في مركز قيادة الولاية ، أعجب هذا القسيس بشخصية العقيد عميروش و مساعده الطاهر عميروشن أمين الولاية، و خلبت علاقة حميمية بينه و بين عميروش الذي أهداه "ساعته" كذكرى ، وكانت نظرة عميروش إزاء هذا التصرف بعيدة المدى ، أراد من خلالها أن يوصل صوت الثورة الجزائرية إلى أمريكا و عيا منه بالوزن الدولي الذي تتمته به الولايات المتحدة الأمريكية، وقد وصل صوته فعلا إلى أقاصي أمريكا الشمالية، و كان له ما أراد، فعندما أفرج عن القسيس" ليستر غرفيث" نزل في " سويسرا" و عقد أول ندواته الصحفية فقام بحملة دعائية للثورة الجزائرية و لسفراء الحكومة المؤقتة و خرجت الصحافة الدولية و المجلات بعناوينها " أمريكي لدى الثوار الجزائريين" و تداول هذه الحملة الرئيس الأمريكي"جون كينيدي" للدفاع عن القضية الجزائرية عندما كان سيناتورا و قبل أن ينتخب رئيسًا، وبعد الاستقلال عاد القسيس " ليستر غرفيث" إلى الجزائر و هو لا يزال واضعا ساعة عميروش في يده و يسوق المجاهد عبد الحميد جوادي مواقف كثيرة للعقيد عميروش آيت حمودة مع أسرى " الحوران" و هم 13 جنديا و قائدهم الملازم الأول "ديبوس" و معاملته الطيبة لهم و هي الشهادة التي أدلت بها آنجليس عندما كانت أسيرة هي وزوجها وكيف أحيطت بالعناية من قبل نساء جيش التحرير الوطني حسب ما رواه (كلود بابا) في كتابه "ملف الجزائر السري".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سمير زمال

سمير زمال

عدد الرسائل :
6494

العمر :
34

تاريخ التسجيل :
07/04/2008


"عميروش" أوصل صوت "الثورة الجزائرية " إلى.. " أمريكا" Empty
مُساهمةموضوع: رد: "عميروش" أوصل صوت "الثورة الجزائرية " إلى.. " أمريكا"   "عميروش" أوصل صوت "الثورة الجزائرية " إلى.. " أمريكا" I_icon_minitimeالخميس 4 فبراير 2010 - 22:50

جزاكم الله خيرا عل الطرح الطيب

وهذه إضافة نرجوا ان تكون فيها فائدة للجميع


بقلم الشيخ محمد حاج عيسى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد :



فإني لست مؤرخا ولا شاهدا على تاريخ من مضى ، ولكني قارئ له كسائر القراء المعتنين به، أحب مطالعة أسفاره، وأتشوف إلى معرفة حقائقه، وأتطلع إلى تفسير أحداثه وأخذ العبر منه، ولا يخفى أن تاريخ أمتنا تاريخ حافل بذكر سير الرجال الأبطال وتدوين جلائل الأعمال، وقد بدا لي أن أنقل في هذه الصفحات شيئا من مآثر أحد المجاهدين الكبار المنتمين إلى هذه الديار، أحد أعلام الجهاد الذي حررت به هذه البلاد، وهو الشهيد عميروش آيت حمودة رحمه الله، أنقلها من المصادر المعتمدة وعن الشهود العيان عليها، لنقربها إلى قراء موقع "منار الجزائر"، ولعلها تكون حافزا لبعضهم أن يرجع إلى المصادر ويتعمق أكثر في تاريخ أمتنا المجيدة .



وقد اخترت الكتابة عن هذا البطل العظيم لأني رأيت بعض الجوانب من حياته تكاد تكون مجهولة لدى أكثر شبابنا اليوم، وللذب عن عرض هذا الشهيد الذي لم يسلم من تشويه الفرنسيين، ومن تجريح حساده –وليتهم حسدوه على الشهادة- حتى بعد موته وبعد أن مضى على ذلك نصف قرن من الزمان ، وكذا لأجلّي بعض حقائق الجهاد في الجزائر، التي يريد كثير من الناس طمسها وإخفاءها، حتى يتسنى لهم تزييف التاريخ والترويج للمفاهيم المنحرفة.

إن الناس كلهم يعرفون عميروش القائد العسكري المغوار، أسد جرجرة والصومام الذي دوخ عساكر الفرنسيين وأرهقهم، وهزمهم في مواقع كثيرة وكبّدهم الخسائر الفادحة في الأرواح والعتاد، لكنهم لا يعرفون عميروش خادم العلم والعلماء وخادم اللغة العربية، ولا يعرفون عميروش المفكر البعيد النظر، ولا يعرفون الأبعاد الحضارية التي جاهد في سبيلها إلى أن نال الشهادة رحمه الله تعالى، وهذا ما نريد إيضاحه بهذه الصفحة المشرقة من حياة هذا الزعيم البطل.


العقيد عميروش في رحاب جمعية العلماء

والذي يمهد لنا شرح هذه الجوانب أن نعلم أن عميروش رحمه الله كان قد انتسب إلى الشعبة المركزية لجمعية العلماء العاملة في باريس آنذاك، فكان من النشطاء في ظلها، وبعد أن تعلم مبادئها واعتنقها، صار داعيا إليها ناشرا لصحفها ومنسقا بين خلاياها في تلك البلاد، وذلك ابتداء من السنة التي التحق فيها بباريس عام 1950م، وكان رحمه الله منتميا لحزب الانتصار للحريات الديمقراطية، فانسحب منه قبل الانضمام للجمعية أو بعد انضمامه –ليس ثمة خبر يقيني عن هذا الأمر- وقد اختلفت الروايات في تحديد سبب انسحابه من هذا الحزب السياسي ، والذي شهد به المجاهد عبد الحفيظ أمقران أن سبب ذلك اختلافه مع الجماعة التي تبنت النزعة البربرية داخل الحزب في تلك الحقبة، فقد أرادوا استمالته إليهم بحكم انتمائه لمنطقة القبائل، لكنه رحمه الله تعالى كان متشبعا بالعقائد والأفكار التي تحميه من مثل تلك النزعات العرقية، التي كانت تبثها فرنسا الاستعمارية آنذاك من أجل تفريق مسلمي الجزائر إعمالا لسياسة فرق تسد(1)، فعارضهم بل واجَههم حتى وصل الأمر إلى المشادات البدنية وضرب بعمود حديدي فكسرت ثَنِيَّتُه.
وحسب رواية الشيخ الطاهر آيت علجات فإن كسر سِنّه كان بسبب انخراطه في صفوف النَّشيطين مع جمعية العلماء والداعين إليها، ثم إنه بعد إعلان الجهاد تصالح مع خصمه واجتمعا على حرب الغزاة الصليبيين (2).

العقيد عميروش يحب لغة القرآن

وقد استفاد عميروش كثيرا من انخراطه في الجمعية واتصاله بقادتها في باريس كالربيع بوشامة والشيخ عباس والشيخ بسطانجي؛ ومن ذلك أنه أصبح لديه اهتمام كبير بتعلم اللغة العربية ، بل قد درّسها للمبتدئين رغم مستواه المتواضع فيها(3)، ومما قاله لمحمد الصالح صديق لما لقيه في تونس وقد رواه عنه بالمعنى ولا شك:« إن اللغة العربية قد هانت في الجزائر بهوان أهلها، وقد آن الأوان أن تعتز بعزة أهلها وتأخذ مكانها الشرعي في المدرسة والإدارة والمحكمة والشارع وسائر ميادين الحياة ..واللغة العربية من أعظم العوامل الفعالة في توحيد المسلمين وجمع شملهم لأنها لغة دينهم وقرآنهم الذي يتعبدون به ويتثقفون، ونُموُّ هذه اللغة وانتشارها يقوم على انتشار المدارس والجرائد والمساجد ، وقد أدركت فرنسا المستعمرة في الجزائر فعالية هذه اللغة في توحيد الفكر والاتجاه ، وفعالية المدارس والجرائد والمساجد في انتشار اللغة العربية ، فَحَرَمت الجزائريين من هذه اللغة ، ومنعتهم من بناء المدارس وتأسيس الجرائد وحولت المساجد إلى كنائس، ولولا جهاد جمعية العلماء بقيادة الإمام عبد الحميد بن باديس في تأسيس بعض المدارس وإنشاء بعض الجرائد والمجلات تحت مدافع فرنسا وفَوَّهات بنادقها لكانت الجزائر اليوم في وضع أسوأ مما هي عليه الآن»، قال محمد الصالح: "وأكد العقيد بعد هذا أن من واجب كل جزائري وجزائرية أن يحافظ على هذه اللغة لأنها لغة دينه ولغة قرآنه ، واللغة هي التي تربطه بالعالم الإسلامي قاطِبة . وسأله أحد الحاضرين عن دور المثقفين بالعربية فقال إنه دور مشرف وساق أمثلة من الشهداء منهم والذين ما يزالون آنذاك في صفوف الثورة مجاهدين أو فدائيين أو مناضلين ، وقد تحدث العقيد عميروش بإسهاب عن دور هؤلاء في القضاء والإفتاء ونشر الوعي الثوري في مختلف القرى والمداشر"(4).
وبعد أن تكلم بهذا الكلام، أي في غضون عام 1958م أصدر تعليمة إلى كل المجاهدين تنص على إلزامية أداء الصلاة وتدعوهم إلى تعلم اللغة العربية ، وقد عين لأجل ذلك معلمين يقومون بهذه المهمة ، حتى أصبح كثيرا ما يُرى المجاهد في الجبال يحمل بيد سلاحه وباليد الأخرى كراسا يكتب فيه دروسا في العربية (5).

[العقيد عميروش يشيد بدور مدارس العلماء]

قد رأينا في النص الذي نقلناه إشادته بدور مدارس جمعية العلماء في الحفاظ على اللغة العربية وهي إحدى مقومات الشخصية الجزائرية، وقد أشاد رحمه الله تعالى بهذه المدارس التي أذكت الروح النضالية أيضا ، وكانت سببا في الاستجابة لنداء الجهاد في أول نوفمبر، فإن عميروش كان مكلفا في بداية الحرب بالدعاية للجهاد في منطقة القبائل الصغرى، وقد وجد في قلعة بني عباس ما لم يجده في غيرها من المدن والقرى، فأرسل عام 1955م رسالة إلى الشيخ محمد الصالح بن عتيق، الذي كان أحد العلماء المعلمين في مدرسة القلعة قبل الثورة ، وجاء في هذه الرسالة التنويه بالعمل الذي قام به الشيخ ابن عتيق وبالروح الجهادية التي برزت بوضوح في أهل القلعة عموما وفي تلاميذ المدرسة خصوصا، وقد قال في رسالته: " جئت إلى القلعة فوجدت القوم على أتم استعداد لخوض معركة التحرير والالتحاق بالمجاهدين ، وبذل المال والرجال، يا ليتنا عملنا على نشر هذه المدارس في الوطن إذاً لاسترحنا من كثير من المشاكل التي تعترض سبيلنا اليوم "(6).

[ثقة عميروش في العلماء]

ومن الأمور البارزة في شخصية عميروش ثقته الكبيرة في أهل العلم الشرعي وطلابه وتعظيمه لهم وكثرة رجوعه إليهم وعلى رأسهم الشيخ "الطاهر آيت علجات" و"أزرقي كَتالي" والإخوة "أُبوداود" ا"لسعيد" و"السي الطيب"، و"الشريف أوسحنون" وغيرهم(7)، وكان معروفا باحترامه لأهل القرآن وطلاب الزوايا أي الزوايا التي تعلم القرآن.
وقد قال لي الشيخ الطاهر آيت علجات في لقاء معه:"إنه كان يثق في العلماء ثقة مطلقة"، وقال محمد الصالح صديق:" وأذكر للتاريخ أني سألته عن رجال الدين والثقافة العربية بالولاية الثالثة ، وَوضْعِهم مع الثورة فأشاد بهم ونوَّه بجهادهم وسألني عن اثنين من هؤلاء إن كنت أعرفهما: وهما الشيخ الطاهر آيت علجات والشيخ أرزقي آيت شبانة، ولما أجبته بنعم قال : إنهما مثلان للجد والنشاط، فلو رأيتهما لظننت أنهما دون الثلاثين من العمر "(8).

وكان رحمه الله تعالى يرجع إلى كل من يعرفهم من أهل العلم بقصد الاستفتاء، وممن كان يرجع إليهم الشيخ الطاهر آيت علجات قبل أن يرسله إلى تونس
وتقدم مسؤول الأوقاف محند الطاهر مواسي ورفيقه أبو عبد السلام إلى عميروش يوما بملاحظة حول طبيعة محاكم جيش التحرير وممارساتها فأجابهما بقوله :" بما أن الأئمة يعرفون أفضل من غيرهم أحكام الشريعة، فيجب أن تكون لديهم مكانتهم في قضاء جيش التحرير ، وما عليكم إلا أن تقدموا اقتراحات ألتزمُ بتنفيذها "، وفي الليلة ذاتها أعدا مذكرة تتمحور حول النقط الآتية:
منع إعدام أي متهم بدون محاكمته من قبل محكمة شرعية،
ومراجعة تشكيلة كل محكمة بإدخال عضو ممثل عن الأوقاف يكون كامل الصلاحيات،
وإلزام كل المجاهدين بأداء الصلاة،

وبناء على ذلك وجه عميروش تعليمة لكل المناطق يُطالبها بتطبيق ما جاء في المذكرة،

وقال جودي أتومي وهو يتحدث عن المحكمة بعد هذه التعليمة:" لكن ممثل الحبوس يملك الكلمة الفاصلة أو على الأقل القدرة على التأثير "(9).
كان عميروش رحمه الله يجل أهل العلم ويتواضع أمامهم ويوصي بهم خيرا، وقد فرض على مسؤولي التنظيم إسناد مسؤولية الخلايا والقرى والمداشر إلى المعلمين الذين لم ينخرطوا بعد في جيش التحرير، وقد قال مرة :" إن مهمة هؤلاء المعلمين جد خطيرة، وإنها لأعظم من مهمة المقاتل في الأدغال، وإن ثقافتهم لهي الرتبة الحقيقية التي تفوق رتبتي العسكرية كعقيد"(10).
[مراسلات عميروش لأهل العلم]

سبق أن ذكرنا أن العقيد عميروش كان يرجع إلى أهل العلم فيما يعرض له من مسائل شرعية وكان يستشيرهم فيما يتخذ من قرارات وإجراءات ، وممن كان على اتصال به أثناء الحرب للفتوى والاستشارة الشيخ العربي التبسي بعد انتقاله إلى العاصمة عام 1956م (11)، وقد أرسل التبسي أيضا إلى العقيد عميروش رحمه الله تعالى أموالا وآلات الكتابة والطباعة والسَّحب(12). وطلب منه عميروش يوما أن يكتب إليه بوصية يتبعها في جهاده ، فأرسل إليه مع الرسول مصحفا صغيرا وقال له : بلغه سلامي ودعواتي وابتهاجي العظيم بجهادهم وانتصارهم وقل له :" هذا المصحف الشريف هو وصيتي له"(13).

وممن كان على صلة به أيضا الأستاذ الربيع بوشامة أحد تلاميذ ابن باديس رحمهم الله تعالى أجمعين، الذي وطّد العلاقة معه في شعبة باريس حيث كان عميروش تلميذا من تلاميذه ما بين 1952 و1953، وقد استمرت هذه العلاقة أثناء الحرب وقد كان الربيع مجاهدا يعمل في السر وكان هو الوسيط بينه وبين الشيخ العربي التبسي، وكانت بينه وبين عميروش مراسلات كثيرة وقد نُصح الربيع بإحراق تلك الرسائل فعزَّ عليه ذلك ، حتى جاء اليوم الذي اكتشف أمره وضبطت الرسائل في بيته فأعدم رحمه الله بسببها بدون محاكمة (14).

وممن كان يراسلهم عميروش الشيخ محمد الصالح بن عتيق، وقد سبق نقل جزء من إحدى رسائله إليه وكان يومها في البليدة، ومنهم أيضا محمد الصالح صدّيق صاحب مقاصد القرآن فإنه لما كان في ساحات القتال كان عميروش يبعث إليه دائما بالسلام مع الجند الذين يعملون تحت قيادته وينتقلون إلى المنطقة التي كان فيها، حتى ظن هؤلاء المجاهدون أنهما كان يتعارفان من قبل الحرب من شدة حرص عميروش على معرفة أخبار محمد الصالح وتأكيده على إقرائه السلام(15). والواقع أنه كان يسمع عنه فقط، وكان أول لقاء بينهما في تونس عام 1957م، حيث كُلف عميروش بمهمة هناك وكان محمد الصالح قد سبقه إلى تونس بعد تأسيس جريدة المقاومة ، وكان عميروش هو من بحث عن محمد الصالح صدّيق وطلب لقاءه .
[العقيد عميروش وقطاع التعليم]
ومن الآثار التي ورثها من غير شك من الحركة الإصلاحية، اهتمامه بقطاع التعليم ، فإن الحركة الإصلاحية التي كان يقودها الإمام عبد الحميد بن باديس كان التعليم قوامها الأساسي(16). ففي قلب المعركة وفي ظل حصار المستعمر العسكري كان عميروش يفكر في جزائر ما بعد الاستقلال، إنه كان واثقا بنصر الله تعالى للمجاهدين، وقد رأى ومن كان معه كرامات كثيرة تدل على تأييد الإله جل جلاله للمجاهدين(17)، وقد أهدى يوما لمحمد الصالح صديق ساعة لِيَعُدَّ أيام الاستعمار التي كانت قليلة في نظره (18)، لذلك فقد جمع إلى جانب تفكيره في قيادة الولاية الثالثة عسكريا وتنظيميا تفكيره في تكوين إطارات المستقبل، فنظم قطاع التعليم في ولايته التي كانت تمتد إلى بوسعادة جنوبا، ومن ثنية ودلس غربا إلى سطيف والبرج شرقا، ورصد لهذه العملية العظيمة ميزانية ضخمة وجنَّد لها رجال الأوقاف في الداخل الذين قاموا بمجهود عظيم في الميدان(19). ومن أجل ذلك اهتم عميروش بقطاع الأوقاف اهتماما بالغا ، وهذا القطاع الذي كان يضطلع بمهام التعليم والإفتاء والقضاء وتنظيم الممتلكات الوقفية من مساجد وزوايا وكتاتيب قرآنية، بل كان يتدخل بنفسه للبحث عن الإطارات الشرعية المؤهلة لتسيير هذا القطاع، وكان من بين من كلفهم بمهام تسيير هذا القطاع على مستوى الولاية عبد الحفيظ أمقران وأحمد قادري، وهما من خريجي زوايا المنطقة.
وقد شهد الشيخ الطاهر آيت علجات أنه كلفه عام 1955م بإنشاء زوايا في القرى المجاورة لتَموقْرَة، لتدريس القرآن واللغة العربية وتوعية الناس وحثهم على الكفاح من أجل التحرر ، وذكر أن عميروش رصد مبلغا ماليا لترميم زاوية تموقرة وغيرها من الزوايا، وقال العقيد في خطاب موجه إلى طلبة زاوية أوبوداود :" أنتم جيل الغد أنتم ستتولون تربية أجيال الاستقلال، وستكونون إطارات الجزائر المستقلة، من خلال دراستكم في هذه المدرسة تخوضون نفس الكفاح الذي يخوضه المجاهدون، وهي طريقتكم في الكفاح التي تُطمْئِنُنا على مستقبل البلاد، لا تنسوا بأن الحرب ستكون طويلة وصعبة ، فإذا احتجنا إليكم في الجبال كونوا مستعدين لأخذ المشعل ، لكن في انتظار ذلك اهتموا بدراستكم واعملوا بجد "(20).

[العقيد عميروش والبعثات العلمية]

ولم يكتف بتوفير كل الوسائل لهذا الميدان في الداخل بل أرسل بعثات طلابية إلى تونس ومنها ينتقلون إلى مختلف البلدان العربية كليبيا ومصر والأردن والعراق والسعودية، وغيرها من البلدان الصديقة، كان يرسل الشباب الذين حصلوا شيئا من مبادئ العلوم في الزوايا كزاوية عبد الرحمن اليلولي وزاوية تموقرة ومدارس جمعية العلماء وغيرها من المدارس الحرة المنتشرة في تراب الولاية الثالثة.
وكلف الشيخين أرزقي آيت شبانة ومحمد الطاهر آيت علجت وكذا السيد سعيد بن غانم بالذهاب إلى تونس لتلقي هؤلاء الطلبة والقيام على شؤونهم وتعليمهم وتوجيههم إلى التخصصات التي تناسبهم ، وكان في تونس العاصمة مركزان لاستقبال هؤلاء الطلبة (21).
وقد فاق عدد الطلبة الذين أرسلهم في تلك البعثات الثلاثمائة حسب بعض الشهود ، وكان يجعل لهم ميزانية خاصة حتى وهم خارج الوطن، فقد أرسل إليهم في أوت 1958 مثلا مبلغ 3ملايين فرنك قديم، وأرسل إليهم رسائل يشرح لهم فيها واجبهم والغاية التي أُرسلوا من أجلها إلى تلك البلاد(22).
بل وكان يخطب فيهم قبل إرسالهم ويقول لهم : أرسلكم إلى تونس لكي تُحصِّلوا على تكوين وتخدموا الوطن بعد الاستقلال ، لا تعودوا إلا بشهادات لأن هذا ما نفتقر إليه أكثر "(23).
وحسب عبد الحفيظ أمقران فإنه شرع في هذه العملية بإرسال تعليمة إلى كل مناطق الولاية الثالثة تنص على جمع الطلبة في مراكز معينة، والشروع في إرسالهم إلى تونس، وقد تم توجيههم حسب مؤهلاتهم وحسب احتياجات الثورة إلى معاهد مختلفة في تونس ومصر وسوريا والعراق والسعودية، فمنهم من تخرج من الكليات العسكرية ومنهم من تخرج من مختلف التخصصات الأدبية والعلوم الإنسانية والتحقوا بمختلف هياكل الثورة، وقد كانت الولاية الثالثة سباقة إلى هذا الميدان(24).
كما تولى كثير منهم مناصب هامة بعد الاستقلال في مختلف أجهزة الدولة، وهذا التصرف الحكيم يدل على بعد نظره وتفكيره في الجزائر بعد الاستقلال، وعِلْمِه بأن الثورة ستكلف الشعب تضحيات بما في ذلك طبقة المثقفين(25).
وبقي عميروش يحمل هم هؤلاء الطلبة إلى آخر ساعة من حياته، فقد كان من ضمن المطالب التي حملها معه إلى الحكومة المؤقتة، مطالب تتعلق بالبعثات العلمية، فقد جاء في توصيات المجلس الولائي المنعقد في 2 مارس 1959م، مطالبة الحكومة المؤقتة بمنح مساعدة مادية منتظمة للطلبة الجزائريين الموجودين في الخارج، لأن تنظيمهم لم يكن مرْضيا وأوضاعهم المادية لم تكن لائقة، وميزانية الولاية الثالثة لم تعد كافية (26).
(اجتمع مجلس الولاية في دورة استثنائية ثم اجتمع عميروش ببقية ممثلي الولايات في الاجتماع الذي عرف باجتماع العقداء الأربعة، وقرروا حمل مطالبهم الجماعية إلى تونس واستشهد العقيدان عميروش وسي الحواس وهما في الطريق إليها رحمهما الله تعالى)

[تقدير عميروش لكل المثقفين]

ولم يكن عميروش يقدر فقط المتعلمين تعليما عربيا، بل كان يحترم المثقفين عموما ولو كانت ثقافتهم باللغة الفرنسية ، فكان يقربهم ويرفع من أقدارهم ورتبهم رغم صغر سنهم، حتى أصبح المجاهدون القدماء يحسدون الشباب الذين التحقوا بعد 19جوان 1956م على الرتب التي نالوها (27)، وفي هذا رد على بعض حساده ممن يرميه ببغض المثقفين، بل وبإعدامهم دون جريرة. (تاريخ 19 جوان 1956م هو تاريخ التحاق طلبة المدارس الفرنسية جماعيا بالجهاد، أما طلبة مدارس الجمعية والزوايا فقد كانوا سباقين فرادى وجماعات منذ انطلاق الشرارة الأولى وأول شهيد سقط في الميدان هو قاسم زيتون خريج معهد ابن باديس قتل تحت التعذيب يوم 2 نوفمبر 1954 وألقي جثمانه في ميناء الجزائر).

[الجهاد من أجل القيم هو الجهاد الأكبر]

كان عقيدنا رحمه الله يعلم أن الأمة قد ابتعدت كثيرا عن مقومات شخصيتها، لذلك كان يرى أن معركة القيم هي الجهاد الأكبر الذي ينتظر الأمة بعد الاستقلال، ففي لحظة وداعه للشيح محمد الصالح صديق في تونس أخرج ساعة من جيبه فضبطها على ساعته فأهداها إليه كما هي عادته رحمه الله ، فقد كان سخيا كريما ، أعطاه إياها وقال:" خذها لِتَعُدَّ بها أيام الاستعمار الباقية في الجزائر وهي قليلة، وبعد الاستقلال سنخوض معركة أخرى من أجل قِيَمِنا وإسلامنا ولغتنا العربية فذلك هو الجهاد الأكبر"(28).
الخلاصة: أن هذه الكلمات، ولا شك قد أظهرت صفحة مجهولة من حياة العقيد عميروش؛ وهي تَدَيُّنَه العميق وحبه للعلم والعلماء، وحبه للغة العربية التي هي لغة القرآن ودين الإسلام..

وفي الأخير ننقل هذه الكلمات المقتطفة من كتاب جودي أتومي المقاتل الذي عاش مع عميروش مدة في الولاية الثالثة قال :"من غير شك أنه يدعو لأن يكون للدين مكانة هامة لدى المجاهدين" "وكان يحب التعمق في أمور الشريعة" "وكان تقيا محافظا على الدين حريصا على القيم الإسلامية التي يُلْزِم جميع المجاهدين باتباعها"، ونقل أن المنخرطين الجدد قبل 1956م كان قَسَمُهم أمام عميروش: "أقسم على المصحف الشريف بأن أكافح حتى النصر أو الشهادة "(29). ومن شدة ما أثر عنه ما الالتزام بالدين وبأحكامه فقد وصفه بعضهم بعمر بن الخطاب، وقيل بأنه كان يفرض على المجاهدين أن يعلموا أحكام الجهاد في الشريعة الإسلامية (30).

[استشهاد العقيد عميروش رحمه الله]

وقد استشهد رحمه الله تعالى يوم 29 مارس 1959م مع العقيد سي الحواس، لما كانا في طريقهما إلى تونس في جبل ثامر قرب بوسعادة، تحت قصف الطائرات والمدفعية بعد وشاية بهما لا يعلم مصدرها يقينا، استُشهد رحمه الله وهو يحمل في جيبه المصحف الشريف (31)، وفي قبله همّ العربية والإسلام، استُشهد رحمه الله وهو يحمل في جعبته مطالب تهم الجهاد في الداخل والطلبة في الخارج ، وتهََم التوجه العام للجهاد الجزائري آنذاك (32).
نسأل الله تعالى أن ينفعني وإخواني بهذه الكلمات، وإن مما نرجوه أن تكون فاتحة لشهية الباحثين عموما، والمختصين في التاريخ خصوصا؛ أن يُبرزوا مثل هذه الجوانب التاريخية التي تخدم قضايا أمتنا في هذه الأيام، خاصة مع كثرة حملات التشويه ضد أعلام الجهاد، وكثرة التزييف للحقائق والتحريف للتاريخ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.




عدل سابقا من قبل سمير الجزائري في الخميس 4 فبراير 2010 - 23:47 عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://tebessa.alafdal.net
أمة الغفار

أمة الغفار

عدد الرسائل :
1268

الموقع :
http://www.tvquran.com/sultan-alrukan.htm

تاريخ التسجيل :
20/08/2008


"عميروش" أوصل صوت "الثورة الجزائرية " إلى.. " أمريكا" Empty
مُساهمةموضوع: رد: "عميروش" أوصل صوت "الثورة الجزائرية " إلى.. " أمريكا"   "عميروش" أوصل صوت "الثورة الجزائرية " إلى.. " أمريكا" I_icon_minitimeالخميس 4 فبراير 2010 - 23:15

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
جزيتم خيرا على هذه المعلومات التاريخية القيّمة..
تمنيت أخيتي علجية لو أدرجت لنا المصدر كي نعود إليه و ننهل من معلومات و ذكريات المجاهد جودي أتومي جزاه الله خيرا ...
فقط ملحوظة أختي.. أرجو أن يتسع لها صدرك ..
المنطقة الثالثة ... لا يمكن تسميتها بتيزي وزو فقط ! لأنها ضمت بجاية أيضا ..الولاية التي تحوي غابة أكفادو ... لذا من الأفضل "تسميتها هكذا "منطقة القبائل..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أمة الغفار

أمة الغفار

عدد الرسائل :
1268

الموقع :
http://www.tvquran.com/sultan-alrukan.htm

تاريخ التسجيل :
20/08/2008


"عميروش" أوصل صوت "الثورة الجزائرية " إلى.. " أمريكا" Empty
مُساهمةموضوع: رد: "عميروش" أوصل صوت "الثورة الجزائرية " إلى.. " أمريكا"   "عميروش" أوصل صوت "الثورة الجزائرية " إلى.. " أمريكا" I_icon_minitimeالخميس 4 فبراير 2010 - 23:20

سمير الجزائري كتب:
جزاكم الله خيرا عل الطرح الطيب

وهذه إضافة نرجوا ان تكون فيها فائدة للجميع

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: فإنّي لست مؤرخا ولا شاهدا على تاريخ من مضى، ولكنني قارئ له كسائر القراء المعتنين به، أحب مطالعة أسفاره، وأتشوف إلى معرفة حقائقه، وأتطلع إلى تفسير أحداثه وأخذ العبر منه، ولا يخفى أنّ تاريخ أمتنا تاريخ حافل بذكر سير الرجال الأبطال وتدوين جلائل الأعمال، وقد بدا لي أن أنقل في هذه الصفحات شيئا من مآثر أحد المجاهدين الكبار المنتمين إلى هذه الديار، أحد أعلام الجهاد الذي حررت به هذه البلاد، وهو الشهيد بإذن الله تعالى عميروش آيت حمودة رحمه الله، أنقلها من المصادر المعتمدة وعن الشهود العيان عليها، لنقربها إلى القراء، ولعلّها تكون حافزا لبعضهم أن يرجع إلى المصادر ويتعمق أكثر في تاريخ أمتنا المجيدة. وقد اخترت الكتابة عن هذا البطل العظيم لأنّي رأيت بعض الجوانب من حياته تكاد تكون مجهولة لدى أكثر شبابنا اليوم، وللذب عن عرض هذا الشهيد الذي لم يسلم من تشويه الفرنسيين وغيرهم، وكذا لأجلّي بعض حقائق الجهاد في الجزائر، التي يريد كثير من الناس طمسها وإخفاءها، حتى يتسنى لهم تزييف التاريخ والترويج للمفاهيم المنحرفة.




إنّ الناس كلهم يعرفون عميروش القائد العسكري المغوار، أسد جرجرة والصومام الذي دوّخ عساكر الفرنسيين وأرهقهم، وهزمهم في مواقع كثيرة وكبّدهم الخسائر الفادحة في الأرواح والعتاد، لكنهم لا يعرفون عميروش خادم العلم والعلماء وخادم اللغة العربية، ولا يعرفون عميروش المفكر البعيد النظر، ولا يعرفون الأبعاد الحضارية التي جاهد في سبيلها إلى أن نال الشهادة رحمه الله، وهذا ما نريد إيضاحه بهذه الصفحة المشرقة من حياة هذا الزعيم البطل.




[العقيد عميروش في رحاب جمعية العلماء]:




والذي يمهد لنا شرح هذه الجوانب أن نعلم أنّ عميروش رحمه الله كان قد انتسب إلى الشعبة المركزية لجمعية العلماء العاملة في باريس آنذاك، فكان من النشطاء في ظلها، وبعد أن تعلم مبادئها واعتنقها، صار داعيا إليها ناشرا لصحفها ومنسقا بين خلاياها في تلك البلاد، وذلك ابتداء من السنة التي التحق فيها بباريس عام 1951م، وكان رحمه الله منتميا لحزب الانتصار للحريات الديمقراطية، فانسحب منه لأسباب اختلف الرواة في تحديدها، والذي شهد به المجاهد عبد الحفيظ أمقران أنّ سبب ذلك اختلافه مع الجماعة التي تبنت النزعة البربرية داخل الحزب في تلك الحقبة، فقد أرادوا استمالته إليهم بحكم انتمائه لمنطقة القبائل، لكنه رحمه الله كان متشبعا بالعقائد والأفكار التي تحميه من مثل تلك النزعات العرقية، التي كانت تبثها فرنسا الاستعمارية آنذاك من أجل تفريق مسلمي الجزائر إعمالا لسياسة فرق تسد، فعارضهم بل واجَههم حتى وصل الأمر إلى المشادات البدنية وضرب بعمود حديدي فكسرت ثَنِيَّتُه. (شوقي، ص:50-51) وحسب رواية الشيخ الطاهر آيت علجات فأنّ كسر سِنّه كان بسبب انخراطه في صفوف النَّشيطين مع جمعية العلماء والداعين إليها.




[العقيد عميروش يحب لغة القرآن]:




وقد استفاد عميروش كثيرا من انخراطه في الجمعية واتصاله بقادتها في باريس كالربيع بوشامة والشيخ عباس والشيخ بسطانجي؛ ومن ذلك أنّه أصبح لديه اهتمام كبير بتعلم اللغة العربية، بل قد درّسها للمبتدئين رغم مستواه المتواضع فيها (جودي أتومي، ص:176)، ومما قاله لمحمد الصالح صديق لما لقيه في تونس وقد رواه عنه بالمعنى ولا شك: «إنّ اللغة العربية قد هانت في الجزائر بهوان أهلها، وقد آن الأوان أن تعتز بعزة أهلها وتأخذ مكانها الشرعي في المدرسة والإدارة والمحكمة والشارع وسائر ميادين الحياة.. واللغة العربية من أعظم العوامل الفعالة في توحيد المسلمين وجمع شملهم لأنّها لغة دينهم وقرآنهم الذي يتعبدون به ويتثقفون، ونُموُّ هذه اللغة وانتشارها يقوم على انتشار المدارس والجرائد والمساجد، وقد أدركت فرنسا المستعمرة في الجزائر فعالية هذه اللغة في توحيد الفكر والاتجاه، وفعالية المدارس والجرائد والمساجد في انتشار اللغة العربية، فَحَرَمت الجزائريين من هذه اللغة، ومنعتهم من بناء المدارس وتأسيس الجرائد وحولت المساجد إلى كنائس، ولولا جهاد جمعية العلماء بقيادة الإمام عبد الحميد بن باديس في تأسيس بعض المدارس وإنشاء بعض الجرائد والمجلات تحت مدافع فرنسا وفَوَّهات بنادقها لكانت الجزائر اليوم في وضع أسوأ مما هي عليه الآن»، قال محمد الصالح: "وأكدّ العقيد بعد هذا أنّ من واجب كل جزائري وجزائرية أن يحافظ على هذه اللغة لأنّها لغة دينه ولغة قرآنه، واللغة هي التي تربطه بالعالم الإسلامي قاطِبة. وسأله أحد الحاضرين عن دور المثقفين بالعربية فقال إنّه دور مشرف، وساق أمثلة من الشهداء منهم والذين ما يزالون آنذاك في صفوف الثورة مجاهدين أو فدائيين أو مناضلين، وقد تحدث العقيد عميروش بإسهاب عن دور هؤلاء في القضاء والإفتاء ونشر الوعي الثوري في مختلف القرى والمداشر" ( محمد الصالح صديق، ص: 27-28).




وبعد أن تكلم بهذا الكلام، أي في غضون عام 1958م أصدر تعليمة إلى كل المجاهدين تنص على إلزامية أداء الصلاة وتدعوهم إلى تعلم اللغة العربية، وقد عين لأجل ذلك معلمين يقومون بهذه المهمة، حتى أصبح كثيرا ما يُرى المجاهد في الجبال يحمل بيد سلاحه وباليد الأخرى كراسا يكتب فيه دروسا في العربية (جودي أتومي، ص:185).




[العقيد عميروش يشيد بدور مدارس العلماء]:




قد رأينا في النص الذي نقلناه إشادته بدور مدارس جمعية العلماء في الحفاظ على اللغة العربية وهي إحدى مقومات الشخصية الجزائرية، وقد أشاد رحمه الله تعالى بهذه المدارس التي أذكت الروح النضالية أيضا، وكانت سببا في الاستجابة لنداء الجهاد في أول نوفمبر، فإنّ عميروش كان مكلفا في بداية الحرب بالدعاية للجهاد في منطقة القبائل الصغرى، وقد وجد في قلعة بني عباس ما لم يجده في غيرها من المدن والقرى، فأرسل عام 1955م رسالة إلى الشيخ محمد الصالح بن عتيق (من تلاميذ ابن باديس وعضو سابق في المجلس الإسلامي الأعلى)، الذي كان أحد المعلمين في مدرسة القلعة قبل الثورة، وجاء في هذه الرسالة التنويه بالعمل الذي قام به الشيخ ابن عتيق وبالروح الجهادية التي برزت بوضوح في أهل القلعة عموما وفي تلاميذ المدرسة خصوصا، وقد قال في رسالته: "جئت إلى القلعة فوجدت القوم على أتم استعداد لخوض معركة التحرير والالتحاق بالمجاهدين، وبذل المال والرجال، يا ليتنا عملنا على نشر هذه المدارس في الوطن إذاً لاسترحنا من كثير من المشاكل التي تعترض سبيلنا اليوم " (محمد الصالح بن عتيق، ص: 77).




[ثقة عميروش في العلماء]:




ومن الأمور البارزة في شخصية عميروش ثقته الكبيرة في أهل العلم الشرعي وطلابه وتعظيمه لهم وكثرة رجوعه إليهم وعلى رأسهم الشيخ "الطاهر آيت علجات" و"أزرقي كَتالي" والإخوة "أُبوداود"، و"الشريف أوسحنون" وغيرهم (جودي أتومي، ص:178)، وكان معروفا باحترامه لأهل القرآن وطلاب الزوايا أي الزوايا التي تعلم القرآن، وقد قال لي الشيخ الطاهر آيت علجت في لقاء معه: "إنّه كان يثق في العلماء ثقة مطلقة"، وقال محمد الصالح صديق: "وأذكر للتاريخ أنّي سألته عن رجال الدين والثقافة العربية بالولاية الثالثة، وَوضْعِهم مع الثورة فأشاد بهم ونوَّه بجهادهم وسألني عن اثنين من هؤلاء إن كنت أعرفهما: وهما الشيخ الطاهر آيت علجات والشيخ أرزقي آيت شبانة، ولما أجبته بنعم قال: إنّهما مثلان للجد والنشاط، فلو رأيتهما لظننت أنّهما دون الثلاثين من العمر" ( محمد الصالح صديق، ص: 25-26).




وفي عام 1958 تقدم بعض مسؤولي الأوقاف إلى عميروش يوما بملاحظة حول طبيعة محاكم جيش التحرير فأجابهما بقوله: "بما أنّ الأئمة يعرفون أفضل من غيرهم أحكام الشريعة، فيجب أن تكون لديهم مكانتهم في قضاء جيش التحرير، وما عليكم إلا أن تقدموا اقتراحات ألتزمُ بتنفيذها".




وفي الليلة ذاتها أعدا مذكرة تتمحور حول النقط الآتية: منع إعدام أي متهم بدون محاكمته من قبل محكمة شرعية، ومراجعة تشكيلة كل محكمة بإدخال عضو ممثل عن الأوقاف يكون كامل الصلاحيات، وإلزام كل المجاهدين بأداء الصلاة، وبناء على ذلك وجه عميروش تعليمة لكل المناطق يُطالبها بتطبيق ما جاء في المذكرة، وقال جودي أتومي وهو يتحدث عن المحكمة بعد هذه التعليمة: "لكن ممثل الحبوس يملك الكلمة الفاصلة أو على الأقل القدرة على التأثير" (جودي أتومي، ص:189، 201-202).




كان عميروش رحمه الله يجل أهل العلم ويتواضع أمامهم ويوصي بهم خيرا، وقد فرض على مسؤولي التنظيم إسناد مسؤولية الخلايا والقرى والمداشر إلى المعلمين الذين لم ينخرطوا بعد في جيش التحرير، وقد قال مرة: "إنّ مهمة هؤلاء المعلمين جد خطيرة، وإنّها لأعظم من مهمة المقاتل في الأدغال، وإنّ ثقافتهم لهي الرتبة الحقيقية التي تفوق رتبتي العسكرية كعقيد" (شوقي عبد الكريم، ص:155).




[مراسلات عميروش لأهل العلم]:




سبق أن ذكرنا أنّ العقيد عميروش كان يرجع إلى أهل العلم فيما يعرض له من مسائل شرعية وكان يستشيرهم فيما يتخذ من قرارات وإجراءات، وممن كان على اتصال به أثناء الحرب للفتوى والاستشارة الشيخ الطاهر آيت علجت، والشيخ العربي التبسي بعد انتقاله إلى العاصمة عام 1956م، وقد أرسل التبسي أيضا إلى العقيد عميروش رحمه الله أموالا وآلات الكتابة والطباعة والسَّحب. وطلب منه عميروش يوما أن يكتب إليه بوصية يتبعها في جهاده، فأرسل إليه مع الرسول مصحفا صغيرا وقال له: بلغه سلامي ودعواتي وابتهاجي العظيم بجهادهم وانتصارهم وقل له: "هذا المصحف الشريف هو وصيتي له". (أحمد حماني، ص: 24/ أحمد عيساوي، ص: 424/ محمد علي دبوز،ص68،ج2)




وممن كان على صلة به أيضا الأستاذ الربيع بوشامة أحد تلاميذ ابن باديس رحمهم الله أجمعين، الذي وطّد العلاقة معه في شعبة باريس حيث كان عميروش تلميذا من تلاميذه ما بين 1952 و1953، وقد استمرت هذه العلاقة أثناء الحرب وقد كان الربيع مجاهدا يعمل في السر وكان هو الوسيط بينه وبين الشيخ العربي التبسي، وكانت بينه وبين عميروش مراسلات كثيرة وقد نُصح الربيع بإحراق تلك الرسائل فعزَّ عليه ذلك، حتى جاء اليوم الذي اكتشف أمره وضبطت الرسائل في بيته فأعدم رحمه الله بسببها بدون محاكمة (محمد الحسن فضلاء، ص289-290،ج1).




وممن كان يراسلهم عميروش الشيخ محمد الصالح بن عتيق، وقد سبق نقل جزء من إحدى رسائله إليه وكان يومها في البليدة، ومنهم أيضا محمد الصالح صدّيق صاحب مقاصد القرآن فإنّه لما كان في ساحات القتال كان عميروش يبعث إليه دائما بالسلام مع الجند الذين يعملون تحت قيادته وينتقلون إلى المنطقة التي كان فيها، حتى ظن هؤلاء المجاهدون أنّهما كان يتعارفان من قبل الحرب من شدة حرص عميروش على معرفة أخبار محمد الصالح وتأكيده على إقرائه السلام. والواقع أنّه كان يسمع عنه فقط، وكان أول لقاء بينهما في تونس عام 1957م، حيث كُلف عميروش بمهمة هناك وكان محمد الصالح قد سبقه إلى تونس بعد تأسيس جريدة "المقاومة".




[العقيد عميروش وقطاع التعليم]:




ومن الآثار التي ورثها من غير شك من الحركة الإصلاحية، اهتمامه بقطاع التعليم، فإنّ الحركة الإصلاحية التي كان يقودها الإمام عبد الحميد بن باديس كان التعليم قوامها الأساسي (محمد الصالح صديق، ص:43-44). ففي قلب المعركة وفي ظل حصار المستعمر العسكري كان عميروش يفكر في جزائر ما بعد الاستقلال، إنّه كان واثقا بنصر الله تعالى للمجاهدين، وقد رأى ومن كان معه كرامات كثيرة تدل على تأييد الإله جلّ جلاله للمجاهدين، وقد أهدى يوما لمحمد الصالح صديق ساعة لِيَعُدَّ أيام الاستعمار التي كانت قليلة في نظره، لذلك فقد جمع إلى جانب تفكيره في قيادة الولاية الثالثة عسكريا وتنظيميا تفكيره في تكوين إطارات المستقبل، فنظم قطاع التعليم في ولايته التي كانت تمتد إلى بوسعادة جنوبا، ومن ثنية ودلس غربا إلى سطيف والبرج شرقا، ورصد لهذه العملية العظيمة ميزانية ضخمة وجنَّد لها رجال الأوقاف في الداخل الذين قاموا بمجهود عظيم في الميدان (شوقي عبد الكريم، ص:155). ومن أجل ذلك اهتم عميروش بقطاع الأوقاف اهتماما بالغا، وهذا القطاع الذي كان يضطلع بمهام التعليم والإفتاء والقضاء وتنظيم الممتلكات الوقفية من مساجد وزوايا وكتاتيب قرآنية، بل كان يتدخل بنفسه للبحث عن الإطارات الشرعية المؤهلة لتسيير هذا القطاع، وكان من بين من كلفهم بمهام تسيير هذا القطاع على مستوى الولاية عبد الحفيظ أمقران وأحمد قادري، وهما من خريجي زوايا المنطقة.




وقد شهد الشيخ الطاهر آيت علجت أنّه كلفه عام 1955م بإنشاء مدارس قرآنية في القرى المجاورة لتَموقْرَة، لتدريس القرآن واللغة العربية وتوعية الناس وحثهم على الكفاح من أجل التحرر، وذكر أنّ عميروش رصد مبلغا ماليا لترميم زاويته وغيرها من الزوايا، وقال العقيد في خطاب موجه إلى طلبة زاوية أوبوداود: "أنتم جيل الغد أنتم ستتولون تربية أجيال الاستقلال، وستكونون إطارات الجزائر المستقلة، من خلال دراستكم في هذه المدرسة تخوضون نفس الكفاح الذي يخوضه المجاهدون، وهي طريقتكم في الكفاح التي تُطمْئِنُنا على مستقبل البلاد، لا تنسوا بأنّ الحرب ستكون طويلة وصعبة، فإذا احتجنا إليكم في الجبال كونوا مستعدين لأخذ المشعل، لكن في انتظار ذلك اهتموا بدراستكم واعملوا بجد" (جودي أتومي، ص:178،198).




[العقيد عميروش والبعثات العلمية]:




ولم يكتف بتوفير كل الوسائل لهذا الميدان في الداخل بل أرسل بعثات طلابية إلى تونس ومنها ينتقلون إلى مختلف البلدان العربية كليبيا ومصر والأردن والعراق والسعودية، وغيرها من البلدان الصديقة، كان يرسل الشباب الذين حصلوا شيئا من مبادئ العلوم في الزوايا كزاوية عبد الرحمن اليلولي وزاوية تموقرة ومدارس جمعية العلماء وغيرها من المدارس الحرة المنتشرة في تراب الولاية الثالثة.




وكلّف الشيخين أرزقي آيت شبانة ومحمد الطاهر آيت علجت وكذا السيد سعيد بن غانم بالذهاب إلى تونس لتلقي هؤلاء الطلبة والقيام على شؤونهم وتعليمهم وتوجيههم إلى التخصصات التي تناسبهم، وكان في تونس العاصمة مركزان لاستقبال هؤلاء الطلبة. وقد فاق عدد الطلبة الذين أرسلهم في تلك البعثات الثلاثمائة حسب بعض الشهود، وكان يجعل لهم ميزانية خاصة حتى وهم خارج الوطن، فقد أرسل إليهم في أوت 1958 مثلا مبلغ 3ملايين فرنك قديم، وأرسل إليهم رسائل يشرح لهم فيها واجبهم والغاية التي أُرسلوا من أجلها إلى تلك البلاد، بل وكان يخطب فيهم قبل إرسالهم ويقول لهم: أرسلكم إلى تونس لكي تُحصِّلوا على تكوين وتخدموا الوطن بعد الاستقلال، لا تعودوا إلا بشهادات لأنّ هذا ما نفتقر إليه أكثر". (محمد الصالح الصديق، ص:40-42/جودي أتومي، ص:207،247)




وحسب عبد الحفيظ أمقران فإنّه شرع في هذه العملية بإرسال تعليمة إلى كل مناطق الولاية الثالثة تنص على جمع الطلبة في مراكز معينة، والشروع في إرسالهم إلى تونس، وقد تم توجيههم حسب مؤهلاتهم وحسب احتياجات الثورة إلى معاهد مختلفة في تونس وغيرها، فمنهم من تخرج من الكليات العسكرية ومنهم من تخرج من مختلف التخصصات الأدبية والعلوم الإنسانية والتحقوا بمختلف هياكل الثورة، كما تولى كثير منهم مناصب هامة بعد الاستقلال في مختلف أجهزة الدولة، وهذا التصرف الحكيم يدل على بعد نظره وتفكيره في الجزائر بعد الاستقلال، وعِلْمِه بأنّ الثورة ستكلف الشعب تضحيات بما في ذلك طبقة المثقفين. (شوقي عبد الكريم، ص: 156/ أحمد بن نعمان، ص:378)




وبقي عميروش يحمل هم هؤلاء الطلبة إلى آخر ساعة من حياته فقد كان من ضمن الاقتراحات التي حملها معه إلى الحكومة المؤقتة، مطالب تتعلق بالبعثات العلمية، فقد جاء في توصيات المجلس الولائي المنعقد في 2 مارس 1959م، مطالبة الحكومة المؤقتة بمنح مساعدة مادية منتظمة للطلبة الجزائريين المتواجدين في الخارج لأنّ تنظيمهم لم يكن مرضيا وأوضاعهم المادية لم تكن لائقة (جودي أتومي، ص:362).




[تقدير عميروش لكل المثقفين]:




ولم يكن عميروش يقدر فقط المتعلمين تعليما عربيا، بل كان يحترم المثقفين عموما ولو كانت ثقافتهم باللغة الفرنسية، فكان يقربهم ويرفع من أقدارهم ورتبهم رغم صغر سنهم حتى أصبح المجاهدون القدماء يحسدون الشباب الذين التحقوا بعد 19جوان 1956م على الرتب التي نالوها (جودي أتومي، ص:265)، (تاريخ 19 جوان 1956م هو تاريخ التحاق طلبة المدارس الفرنسية جماعيا بالجهاد، أما طلبة مدارس الجمعية والزوايا فقد كانوا سباقين فرادى وجماعات منذ انطلاق الشرارة الأولى، وأول شهيد سقط في الميدان هو قاسم زيتون خريج معهد ابن باديس، قتل تحت التعذيب يوم 2 نوفمبر 1954 وألقي جثمانه في ميناء الجزائر).




[الجهاد من أجل القيم هو الجهاد الأكبر]:




كان عقيدنا رحمه الله يعلم أنّ الأمة قد ابتعدت كثيرا عن مقومات شخصيتها، لذلك كان يرى أنّ معركة القيم هي الجهاد الأكبر الذي ينتظر الأمة بعد الاستقلال، ففي لحظة وداعه للشيح محمد الصالح صديق في تونس أخرج ساعة من جيبه فضبطها على ساعته فأهداها إليه كما هي عادته رحمه الله، فقد كان سخيا كريما، أعطاه إياها وقال: "خذها لِتَعُدَّ بها أيام الاستعمار الباقية في الجزائر وهي قليلة، وبعد الاستقلال سنخوض معركة أخرى من أجل قِيَمِنا وإسلامنا ولغتنا العربية فذلك هو الجهاد الأكبر" (محمد الصالح صديق، ص: 54).




الخلاصة أنّ هذه الصفحات ولا شك قد أظهرت وجها من العقيد عميروش لم يكن ظاهرا؛ وهو تدينه العميق وحبه للعلم والعلماء، وحبه للغة العربية التي هي لغة القرآن ودين الإسلام، وفي الأخير ننقل هذه الكلمات المقتطفة من كتاب جودي أتومي الذي عاش مع عميروش مدة في الولاية الثالثة قال: "من غير شك أنّه يدعو لأنّ يكون للدين مكانة هامة لدى المجاهدين"، "وكان يحب التعمق في أمور الشريعة"، "وكان تقيا محافظا على الدين حريصا على القيم الإسلامية التي يلزم جميع المجاهدين باتباعها"، ونقل أنّ المنخرطين الجدد قبل 1956م كان قسمهم أمام عميروش: "أقسم على المصحف الشريف بأن أكافح حتى النصر أو الشهادة "(جودي أتومي، ص:177،181،184،177-178).




ومن شدة ما أثر عنه ما الالتزام بالدين وبأحكامه فقد وصفه بعضهم بعمر بن الخطاب، وقيل بأنّه كان يفرض على المجاهدين أن يعلموا أحكام الجهاد في الشريعة الإسلامية (محمد الأمين بلغيث، ص:264).




وقد استشهد رحمه الله تعالى يوم 29 مارس 1959م مع العقيد سي الحواس، لما كانا في طريقهما إلى تونس في جبل ثامر قرب بوسعادة تحت قصف الطائرات والمدفعية بعد وشاية بهما لا يعلم مصدرها، استشهد رحمه الله وهو يحمل في جيبه المصحف الشريف (أحمد بن نعمان،336)، وفي قلبه همّ العربية والإسلام، استشهد رحمه الله وهو يحمل في جعبته مطالب تهمّ الجهاد في الداخل والطلبة في الخارج، وتهم التوجه العام للجهاد الجزائري آنذاك.




نسأل الله تعالى أن ينفعني وإخواني بهذه الكلمات، وإن مما نرجوه أن تكون فاتحة لشهية الباحثين عموما والمختصين في التاريخ خصوصا؛ أن يبرزوا مثل هذه الجوانب التاريخية التي تخدم قضايا أمتنا في هذه الأيام، خاصة مع كثرة حملات التشويه ضد أعلام الجهاد، وكثرة التزييف للحقائق والتحريف للتاريخ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.




المراجع:




1-شوقي عبد الكريم، دور العقيد عميروش في ثورة الجزائر، 2004م عن دار هومة الجزائر.




2- جودي أتومي، العقيد عميروش أمام مفترق الطرق، 2008 عن دار ريم الجزائر.




3- محمد الصالح صديق، العقيد عميروش، 1999م عن دار الأمة الجزائر.




4- محمد الصالح بن عتيق، أحداث ومواقف، 1991 عن منشورات دحلب الجزائر.




5-أحمد حماني، شهداء علماء معهد ابن باديس، 2004 عن قصر الكتاب البليدة.




6-أحمد عيساوي، الشيخ العربي التبسي مصلحا، رسالة دكتوراه في جامعة الجزائر.




7-محمد علي دبوز، أعلام الإصلاح في الجزائر، 1976م عن دار البعث قسنطينة.




8-محمد الحسن فضلاء، من أعلام الإصلاح، 2000 عد دار هومة الجزائر.




9-أحمد بن نعمان، فرنسا والأطروحة البربرية في الجزائر، 1991، منشورات دحلب الجزائر.
10-محمد الأمين بلغيث، تاريخ الجزائر المعاصر دراسات ووثائق، 2007 دار ابن كثير بيروت.




.. يرجى منكم تكبير حجم الخط
بارك الله فيكم و نفع بكـــم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سمير زمال

سمير زمال

عدد الرسائل :
6494

العمر :
34

تاريخ التسجيل :
07/04/2008


"عميروش" أوصل صوت "الثورة الجزائرية " إلى.. " أمريكا" Empty
مُساهمةموضوع: رد: "عميروش" أوصل صوت "الثورة الجزائرية " إلى.. " أمريكا"   "عميروش" أوصل صوت "الثورة الجزائرية " إلى.. " أمريكا" I_icon_minitimeالخميس 4 فبراير 2010 - 23:53

حاولت تعديل المشاركة ولكن ظهرت هكذا ..

سؤحاول إعادة كتابتها على الجهاز بإذن الله
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://tebessa.alafdal.net
أم الحسين

أم الحسين

عدد الرسائل :
4090

تاريخ التسجيل :
18/03/2009


"عميروش" أوصل صوت "الثورة الجزائرية " إلى.. " أمريكا" Empty
مُساهمةموضوع: رد: "عميروش" أوصل صوت "الثورة الجزائرية " إلى.. " أمريكا"   "عميروش" أوصل صوت "الثورة الجزائرية " إلى.. " أمريكا" I_icon_minitimeالجمعة 5 فبراير 2010 - 12:28

جزاكم ا لله خيرا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سمير زمال

سمير زمال

عدد الرسائل :
6494

العمر :
34

تاريخ التسجيل :
07/04/2008


"عميروش" أوصل صوت "الثورة الجزائرية " إلى.. " أمريكا" Empty
مُساهمةموضوع: رد: "عميروش" أوصل صوت "الثورة الجزائرية " إلى.. " أمريكا"   "عميروش" أوصل صوت "الثورة الجزائرية " إلى.. " أمريكا" I_icon_minitimeالجمعة 5 فبراير 2010 - 17:16

بارك الله فيكم ..يبدوا أن احد إخواننا المشرفين عدل المشاركة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://tebessa.alafdal.net
أمة الغفار

أمة الغفار

عدد الرسائل :
1268

الموقع :
http://www.tvquran.com/sultan-alrukan.htm

تاريخ التسجيل :
20/08/2008


"عميروش" أوصل صوت "الثورة الجزائرية " إلى.. " أمريكا" Empty
مُساهمةموضوع: رد: "عميروش" أوصل صوت "الثورة الجزائرية " إلى.. " أمريكا"   "عميروش" أوصل صوت "الثورة الجزائرية " إلى.. " أمريكا" I_icon_minitimeالجمعة 5 فبراير 2010 - 20:08

جزاكم الله خيرا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

"عميروش" أوصل صوت "الثورة الجزائرية " إلى.. " أمريكا"

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» الثورة الجزائرية(اعرف تاريخ بلادك)
» إطلالة على أعظم ثورة في القرن العشرين ;; الثورة الجزائرية ;;
» "العادات الجارية في الأعراس الجزائرية" صوتيا للشيخ فركوس - حفظه الله -
» "الدَّعْوَة الإسْلاميَّة" بَيْنَ "التـّرْغـِيبِ" و "التـّرْهِيبِ".. !
» لماذا لا نحي عهد "الزردة" و"الوعدة" ؟ نداء لأهل الجزائر خاصة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منــــتديات تبسة الإســـــلامية :: وطني الحبيب :: التعريف بالجزائــر-