ومن الكلمات الذهبية للإمام العلم ابن الجوزي وكشف جنس غريب ممن تسمـّى بالأصدقاء , فيقول :"رأيت نفسي تأنس بخلطاء تسمّيهم أصدقاء , فبحثت بالتّجارب عنهم , فإذا أكثرهم حسّاد على النعم ,وأعداء لا يسترون زلّة ,ولا يعرفون لجليس حقّا..." .صيد الخاطر ص 312.
ليبيّن حقيقة مرّة بقوله:" كان لنا أصدقاء أعتدّ بهم فرأيت منهم من الجفاء , وترك شروط الصّداقة والأخوة عجائب, فأخذت أعتب , ثم أنتبهت لنفسي فقلت , وما ينفع العتاب فإنهم إن صلحوا فللعتاب لا للصّفاء , فهممت بمقاطعتهم , ثمّ تفكرت فرأيت الناس بين معارف وأصدقاء في الظّاهر وإخوة مباطنين , فقلت : لا تصلح مقاطعتهم , إنما ينبغي أن تنقلهم من ديوان الأخوة إلى ديوان الصّداقة الظّاهرة , فإن لم يحلوا لها نقلتهم إلى جملة المعارف , وعاملتهم معاملة المعارف , ومن الغلط أن تعاتبهم .". صيد الخاطر ص271.
ليسرد علينا توجيها رائعا من القاضي الفضيل بن عياض عليه رحمة الله يبرز فيه تجربة ناجعة في معرفة الخّل الحقيقي والذي جاء فيه :" إذا أردت أن تُصادق صديقا فأغضِبه , فإن رأيته كما ينبغي فصادقه , وهذا اليوم مخاطرة , لأنك إذا أغضبت أحدا صار عدوّا في الحال , والسبب في نسخ حكم الصفا أن السلف همتهم الآخرة وحدها , فصفت نياتهم في الأخوّة والمخالطة , فكانت دينا لا دنيا ". صيد الخاطر,ص271.
ولأن حبّ الرئاسة والظهور ,والتّقدم على الغير من أهم أسباب هدم أواصر الأخوة والصداقة ,كتب الإمام إبن الجوزي تحت عنوان وتجلدي للشامتين :" قد ركب في الطّباع حبّ التفضيل على الجنس , فما أحد إلا هو يحب أن يكون أعلى درجة من غيره , ...".صيد الخاطر ,ص215
وقد ذمّ الكثير من أهل العلم والفضل التلوّن في الوداد من المتآخين , فمن جميل ما قرأت , ما ذكره أبي حاتم البستي مستشهدا بأبيات للمنتصر بن بلاد الأنصاري :
وكم من صديق وُدُّه بلسانه **** خؤون الغيب لا يتنــدّم
يُضاحكني كُرها كيْما أوُدُّه **** وتتبعني إذا غبت منه أسهُم
... يتــبع بإذن الله
الرئيسية 
الخميس 29 ديسمبر 2022 - 11:57
موضوع: من أعظم الغلط الثقة بالناس والاسترسال إلى الأصدقاء، فإن أشد الأعداء وأكثرهم أذى الصديق المنقلب عدوا. 
الثلاثاء 31 يناير 2012 - 1:23
