السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حياك الله حبيبي الغالي أبا عبد الرحمن وحيّ الله جميع الأحبة وبعد:
نعم لعلك تتكلم عن موضوع " إذا استند شخص في حكم على حديث ما على أحكام الإمام الألباني *رحمه الله *على جهة التقليد فلا يصح الاعتراض عليه بحكم غيره "
والأمر كما ذكرت في المشاركة أن الذي ليس له آله الاجتهاد في أي فن من الفنون وليس له القدرة على التمييز بين أقوال أهل العلم المختلفة في ذلك الفن فإنه يشرع له أن يقلّد من يراه ويعتقد فيه أنه أعلم بذلك العلم مع الديانة والأمانة
ونفس الشيء في هذه المسألة

أما إذا كانت عنده القدرة على التمييز بين الأقوال ويمكن أن يعرف الراجح من المرجوح في هذه الحال المشروع في حقة أن يطلع عليها ليختار ما يراه الأقرب إلى الصواب، فإن قلد بناء على عجالة بنفس الشرط فلا بأس.
وفي مثل ما نحن فيه المسألة تختص بدراسة حديثية لحديث أسماء والخلاف الواقع فيه، فأنت إن قلّدت الإمام الألباني رحمه الله بناء على أنه من المختصين في هذا الفن فلك ذلك ولا إشكال.
وأما ما ذكرته من اعتراض لسماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله من قوله: [ كيف لأسماء المعروفة بالحياء..... أن تدخل على النبي صلٌى الله عليه و سلٌم بثيٌاب شفٌٌافة ] وقد قاله غيره أيضا،
فهذه الشبهة أجاب عنها الشيخ الألباني رحمه الله في كتابه الفذ العظيم الرد المفحم، وقبل أن أنقل لك كلامه سأنقل الحديث كما ورد في سنن أبي داود وأبين ما ظهر لي فيه ، قال رحمه الله:

حدثنا يعقوب بن كعب الأنطاكى ومؤمل بن الفضل الحرانى، قالا: حدثنا الوليد، عن سعيد بن بشير، عن قتادة، عن خالد - قال يعقوب: ابن دريك -، عن عائشة رضى الله عنها أن أسماء بنت أبى بكر دخلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال « يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا ». وأشار إلى وجهه وكفيه.

فتأمل أن لفظ الحديث قال رقاق ولم يقل شفافة وفرق بين اللفظين من جهة المبنى والمعنى فلا يلزم بالضرورة من أن تكون رقيقة أن تكون شفافة كما قد نتصوره نحن من معنى الشفاف الآن، أضف إلى ذلك أن هذا الوصف لا علاقة له بالصناعة الحديثية فليس كلاما منكرا من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم أو الصحابي يمكن أن يعلّ به الحديث لذلك، ثم لو فرض جدلا أنه قد يؤثر في الحديث فالصحيح في مثل هذا النوه أن تبطل القصة فقط دون النص المرفوع كما يعلمه أهل الفن.
وأنت إذا رجعت إلى كلام الشيخ الألباني رحمه الله ستجد الجواب عليه وها أنا أنقله لك لترتاح نفسكك، ويطمئن قلبك ، وينشرح صدرك، قال رحمه الله:

شبهات وجوابها :
وتتميما للفائدة لا بد لي من حكاية شبهات المخالفين حول هذا الحديث الصحيح وبيان وهنها - بل بطلانها - فأقول :
الشبهة الأولى :
استبعد أحد الفضلاء ( ولعله يقصد الشيخ ابن باز بهذا التعبير فهو يجله رحمه الله )- ثم قلده من لا علم عنده - أن تدخل أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما على النبي صلى الله عليه و سلم وعليها ثياب رقاق وزاد على ذلك أحد أولئك المتعالمين المتهافتين على الكتابة فيما لا يحسنون فسود سبع صفحات من كتيبه في بيان غيرة زوج أسماء - وهو الزبير ابن العوام - وحيائها هي من رسول الله صلى الله عليه و سلم ومراعاتها لحق زوجها مما لا علاقة له بالموضوع أصلا سوى التمويه والمغالطة المقرونة بالمبالغة في رفع غير المعصوم إلى مرتبة العصمة وبعد هذا نقول :
والجواب من وجهين :
الأول : أن الاستبعاد المذكور ليس له علاقة بمتن الحديث الذي هو من قوله صلى الله عليه و سلم وثبت عنه بمجموع طرقه وشواهده وجريان العمل به من الصحابة ومن بعدهم كما تقدم فلا يضره ولا يوهن من صحته أن يأتي في بعض طرقه ما يستبعد أو يستنكر وسنده ضعيف كما كنت بينته في كتابي " الحجاب " سابقا وهنا أيضا فيترك هذا منه ويستشهد بما فيه مما وافق الطرق الأخرى والشواهد وقد أشار ابن تيمية رحمه الله إلى هذه الحقيقة التي غفل عنها المنكرون بقوله في كلمته الرائعة المتقدمة ( ص 97 ) :
فيعلم قطعا أن تلك الواقعة حق في الجملة
يعني : ليس في التفاصيل التي لم تتفق الطرق عليها فالمستبعد من هذا القبيل كما هو ظاهر لكل ذي بصيرة
ومن هذا المنطلق كنت قلت في " الإرواء " ( 6 / 203 ) :
فالحديث بمجموع الطريقين حسب ما كان منه من كلامه صلى الله عليه و سلم وأما السبب فضعيف لاختلاف لفظه في الطريقين كما ذكرت "
والوجه الآخر : استبعاد ذلك مكابرة مكشوفة طالما رأينا منهم أمثالها ذلك لأنه ليس في الشرع - ولا في العقل - وما يمنع من وقوع ذلك من أسماء أو غيرها لانتفاء العصمة كما ذكرت آنفا كيف وقد استجاز النبي صلى الله عليه و سلم أن يقع من عائشة الصديقة المطهرة أخت أسماء ما يهون ذكر ما استعبده هؤلاء عن أسماء ألا وهو قوله صلى الله عليه و سلم لعائشة في قصة الإفك :
( صحيح ) " إن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه . . . " الحديث ؟
رواه الشيخان وغيرهما وهو مخرج في " الصحيحة " ( 1208 )
أضف إلى ما تقدم أنه ليس في حديث أسماء أنها لبست الثياب الرقاق تبرجا ومخالفة للشرع فلو أنه صح ذلك عنها - ولم يصح كما علمت - لوجب حمله على أنه كان منها عن غفلة أو لغير علم فقد وقع علم وإنما عن هوى وعن القاعدة الجاهلية : الغاية تبرر الوسيلة ؟
ومثله احتجاج التويجري ( ص 182 ) - وتبعه ظله محمد بن إسماعيل ( 3 / 329 ) وغيره - بحديث ابن عمرو :
( ضعيف ) " قبرنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم رجلا فلما رجعنا إذا هو بامرأة لا نظنه عرفها فقال : يا فاطمة . . . " الحديث وفيه : " لو بلغت معهم الكدى ما رأيت الجنة حتى يراها جد أبيك "
وهذا كالذي قبله أورده مستدلا به على تستر النساء في زمنه صلى الله عليه و سلم وليس هذا موضع خلاف لو فرض أنه نص في ستر الوجه لأنه مشروع ولكن لا يدل على الوجوب هذا لو صح وليس كذلك كيف وقد ضعفه مخرجه النسائي بربيعة بن سيف فقال : " ضعيف " ؟ وكتم التويجري هذا وظله واغتر بمن صححه من المتساهلين أو الواهمين كما بينته في " ضعيف أبي داود " ( 560 ) ...
انتهى من "الرد المفحم على من خالف العلماء وتشدد وتعصب وألزم المرأة أن تستر وجهها وكفيها وأوجب ولم يقنع بقولهم : إنه سنة ومستحبة" ص ( 105 ـ 106 )

قلت: ويغني عنه ما في البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كان في حجة الوداع فجاءته امرأة من خثعم تستفتي، والفضل بن عباس رديف النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، فطفق الفضل ينظر إليها، وأعجبه حُسنها، فالتفت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والفضل ينظر إليها، فأخلف بيده، فأخذ بذقن الفضل، فعدل وجهه عن النظر إليها...» أخرجه البخاري في كتاب الاستئذان، باب(2) حديث رقم(6228).
ونقل الحافظ رحمه الله عن الإمام ابن بطال رحمه الله قوله: ( وفيه مغالبةُ طباعِ البشر لابن آدم، وضعفه عما ركّب فيه من الميل إلى النساء، والإعجاب بهن) الفتح(11/11).

قلت: وإني سائل بالله كل منصف كيف يعجبه حسنها من تحت السدل [ فطفق الفضل ينظر إليها، وأعجبه حُسنها، فالتفت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والفضل ينظر إليها، فأخلف بيده، فأخذ بذقن الفضل، فعدل وجهه عن النظر إليها ].
وليس في هذا دعوى إلى كشف الوجه ـ معاذ الله ـ كما يظن البعض ممن تربى على سوء الظن وعشّش فيه ، وإنما القصد بيان حكم الله في المسألة وأن ستر الوجه مستحب نحث عليه أخواتنا في الله لكنه ليس بواجب فنُؤَثِّمَ إماء الله بغير حق، وغيرة الله تبارك وتعالى وغيرة رسوله صلى الله عليه وسلم أعظم من غيرتنا نحن، ومن اعتقد ذلك في نفسه بعد أن يتضح له الحق فليراجع إيمانه، فإنه قد قدّم بين يدي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ويخشى عليه الكفر.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وكتب:
أبو وائل حسّان بن حسين آل شعبان
الرياض في 1 شعبان 1433هـ