إنّ من أجلّ النعم, وأعظم المنن, بعد نعمة الإسلام, معرفة الحق بدليله, وانتهاج منهج من سلف واقتفائه, في زمن تكاثرت فيه المضلات, وانتشرت فيه البدع والضلالات.

ومن أبرز خصائص الطائفة المنصورة, أتباع السلف الصالح من هذه الأمة؛ أنهم أعرف الناس بالحقّ, وأحرصهم على اتباعه, وأرحم الناس بالخلق, وأحرصهم على هدايتهم.

ولكن الناظر في هذا الزمن الحائن, يجد كثيراً من أتباع هذا المنهج قد تعلّقوا باسمه وتخلّفوا عن حقيقته ورسمه, فكذّب الواقع أكثر هذه الدعاوى.

ومما يعاب على بعض أتباع هذا المنهج السلفي الحق في هذا الزمن أمران اثنان: 

أولهما: تنكّب اتباع هذا المنهج إذا خالف الهوى.

وثانيهما: عدم الحرص, وكذا الجهل بالسبيل الأمثل لدعوة الناس إلى هذا المنهج وإقناعهم به.

وهذا ما حدا بكثير من أعداء هذا المنهج القويم إلى الطعن فيه, والتجنّي عليه.

وإنّ تقديم المنهج السلفي القويم مهمة عظيمة يضطلع بها الدعاة والمتخصصون في مجال الدعوة إلى الله عز وجل, وبقدر إصابتهم وسدادهم في تقديم هذا المنهج, وإقناع الآخرين به, بقدر ما تكون ثمار هذه الدعوة يانعة, وآثارها شاملة في عموم المدعوين.

- وتقديم المنهج السلفي القويم للآخرين إمّا أن يكون تقديماً نظرياً علمياً, وإما أن يكون تقديماً عملياً ميدانياً, ولكل من التقديمين طرائقه, وأساليبه, ووسائله.

- ثم إنّ كيفية تقديم المنهج السلفي القويم يتحدّد من خلال معرفة المستهدف والمخاطب بهذا المنهج, والمراد إقناعه به, وهؤلاء على نوعين: 

1-           مؤالف.                2- ومخالف.

فأما المؤالف: - سواء كان جماعة أو فرداً- فيكفيه مجرد عرض هذا المنهج بالحكمة والموعظة الحسنة, لكي يقتنع به, ويلتزم بمضمونه.

وأما المخالف: - سواء كان جماعة أو فرداً- فلا بد من استخدام طرائق الجدال, وضرب الأمثال وغيرها, حتى يقتنع بهذا المنهج, ويلتزم به.

- ومن خلال ما سبق يتلخّص عندنا ثلاثة طرائق لتقديم هذا المنهج القويم للآخرين, وإقناعهم به, وهي(1): 

1- الإقناع النظري      2- الإقناع العملي         3- الإقناع الجدلي.

وفيما يلي تفصيل لهذه الطرائق الثلاثة: 

والمقصود به: عرض المنهج القويم عرضاً توصيفياً, ببيان أركانه, وأساليبه, ومضامينه...

ويكون ذلك عن طريق وسائل عديدة: بيانية (المحاضرات- الخطب- الكتب), أو تقنيّة (وسائل الاتصال الحديثة)(2).

والواقع أنّ المنهج القويم لم يحظ - بالقدر الوافر- من الدراسات المتخصّصة, التي تعنى بعرض هذا المنهج, وتقديمه للآخرين, وإقناعهم به.

والمقصود بالإقناع العملي: أمرين اثنين:

أ- امتثال أصحاب هذا المنهج السلفي القويم والتزامهم بمنهجهم, و ترجمته عملياً على أرض الواقع: 

وهو ما يعرف بأسلوب القدوة العملي, إذ النفوس قد جبلت على الإعراض عمن خالفه قوله فعله, ولذا جاء الذم في كتاب الله الكريم للذين يقولون ما لا يفعلون, قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ{2} كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} (سورة الصف: 2-3).

والوسائل العملية في هذا المجال كثيرة جداً, ولعل من أبرزها: 

وذلك بذكر محاسن المنهج القويم, وترغيب الناس بامتثاله, وبيان عظيم الأجر, ووافر النعم لمن تمسّك به واتّبعه.

والترغيب قد يكون مادياً, وقد يكون معنوياً.

ويكون بذكر مساوئ التنكّب عن المنهج القويم, ومخاطر اتّباع المناهج المنحرفة, وما تجرّه من محن وويلات, وغير ذلك من مسالك الترهيب المعنوية.

وقد يكون لذي السلطان أن يستخدم وسائل الترهيب العملية من أجل إقناع الناس بهذا المنهج القويم, وثنيهم عن الانجراف وراء المناهج المنحرفة المخالفة.

وضرب الأمثال والقصص يكون للعظة والاعتبار, وذلك ببيان المآل الحسن لأصحاب المنهج القويم من الأفراد والأمم, وبيان عاقبة أصحاب المناهج المخالفة المنحرفة, وما حلت به من محن وويلات, سواء كانوا جماعات أو أفراداً.

إنّ المجربات تعدّ من اليقينيات التي يتركّب منها البرهان, ولكلّ إنسان تجاربه التي أصبحت نتائجها مسلمات لا شك فيها بالنسبة له.

ولا شك أنّ أتباع المناهج المنحرفة قد مرّت بهم تجارب وقفوا من خلالها على كساد هذه المناهج, وعدم استيفائها لمتطلبات الدعوة إلى الله عزو جل.

ومن ثمّ فينبغي استثمار هذا المسار لإقناع أصحاب هذه المناهج بوجوب التوبة والرجوع إلى المنهج الحق القويم.

وهذا النوع من الإقناع موجّه إلى المعاندين من المخالفين, وطرائق الإقناع الجدلي كثيرة جداً, ومن ذلك تمثيلاً لا حصراً: 

أ- السبر والتقسيم: وذلك بحصر أوصاف المناهج الباطلة, ومن ثمّ إبطالها

      والله الموفق, والهادي على سواء السبيل

ـــــــــ

(2) انظر: "الإعلام في العصر الحديث ودوره في تبليغ الدعوة الإسلامية" لمحمد متولي, ص 67-68.

(3) انظر: "أساليب الإقناع" ص 95.

(4) المصدر السابق, ص 111.

(5) المصدر السابق, ص 128.

(6) انظر: "أساليب الإقناع" ص 150.