علم التعمية
التعميةُ لغةً: الخفاءُ و الالتباسُ, و هي في الاصطلاحِ: تحويلُ نصّ واضحٍ إلى آخر غيرِ مفهومٍ باستعمالِ طريقةٍ محدّدةٍ يستطيعُ مَنْ يعرفُها
أن يفهمَ النصّ, و استخراجُها عكسُ ذلك، يجري فيه تحويل النصِّ المُعمَّى إلى نصٍّ واضحٍ لِمَنْ يعرفُ مُسبَقًا طريقةَ التعميةِ المستعملةِ.
ويدين علم التعمية بشقيه للعرب في ولادته ونشأته كعلم مؤسس منظم. وأول العلماءالعرب في التعمية هو الخليل بن أحمد الفراهيدي
(718-786م) الذي ينسب إليه كتاب المُعَمَّى الذي يعتبر مفقودًا حتى الآن. الخليل هو عالم اللغة العربية المشهور وواضع علم العروض
وأول من كتب معجمًا للغة العربية. ولكن أعظم العلماء العرب في هذاالميدان هو الفيلسوف العربي يعقوب بن إسحاق الكِنْدي (185-
260هـ، 801-874م) الذي ضمت مؤلفاته الكثيرة أول كتاب معروف في علم التعمية وهو رسالة في استخراج المعمَّى استقصى فيه
قواعد علم التعمية وأسرار اللغة العربية، واستخدم لأول مرة في التاريخ مفاهيم الإحصاء في تحليل النصوص المعمّاة، وذلك قبل كتابات
باسكَال وفيرما الأولية (1654م) التي يعتبرها مؤرخو الرياضيات الغربيون بداية علم الإحصاء والاحتمالات بحوالي ثمانية قرون.
و لقد درج في أيّامنا هذه استعمال كلمة" التشفير" بدلا من كلمة "التعمية" و هي وافدة من اللغات اللاتينية Cipher و التي جاءت
من كلمة عربية وهي " الصّفر" فبعد أن أدخل العرب مفهوم الصفر في الحساب, و طوّروا استعماله, و هذا ما لم يعرفه الغرب في العصور
الوسطى لاستعماله الأرقام اللاتينية التي لا وجود للصفر في نظامها . و حينما دخلت الأرقام العربية العلم الغربي بدا مفهوم الصفر غاية في
الإبهام و التعمية, فكان أن شاع مثَلٌ في اللغة اللاتينية يستعمله المتكلم عندما يريد أن يقول: إنّه يتكلمُ عن أمور مفهومةٍ لا عن شيء
مبهم مُعمّى كـ" الصفر" و من هنا جاءت فكرةُ الكلمة " صفر"Cipher في جميع اللغات الأوربية للدلالة على التعمية .
الطرقُ الأساسيّةُ للتعميةِ:
أ- تعميةُ المعاني بالتوريةِ: وهي لا تتبعُ قواعدَ محددة, بل تعتمد على فطنة المتراسلين وخبرتهم و ثقافتهم, و هي إلى العمل الأدبي أو البديعي أقرب منها إلى التعمية بمفهومها الذي ذكرناه.
ب- التعميةُ بمعالجةِ الحروفِ: و تقومُ على اتّباع طرق تلزمُ قواعدَ محددة تخصُّ كُلا منها, ويمكنُ تقسيمها إلى أربع طرق رئيسة وهي:
1- التعميةُ بالقلب : و تكون بتغيير مواقع حروف الرّسالة وفْقَ قاعدة معيّنة, و يمكنُ أن يُمثّل عليها بقلب
حروف كلّ كلمةٍ ضمنها, فنُعَمّي ( محمد والد علي ) على الشكل التالي : ( دمحم دلاو يلع )
2- التعمية بالإعاضةِ و التبديلِ : و طريقتها أن يبدلَ بكل حرف حرفٌ أو رمزٌ آخر وفق قاعدة محددة, كأن يُستبدلَ بكل حرفٍ الحرف الذي يليه حسب ترتيب الحروف الأبجدي , فتُستبدلُ الباءُ بكلّ ألفٍ، و الجيم بكلّ باء, و الدّال بكلّ جيمٍ .... و هكذا إلى أن تنقضي الحروفُ, فَنُعمّي ( محمد والد علي ) على الشكل التالي: ( نطنه زبمه فمك ).
3- التعميةُ بزيادة حروف أو كلمات أغفالٍ أو بحذف حروف:
مثالُ ذلك أن تزيدَ حرفَ القافِ مثلا بعد كلّ ميمٍ, و حرف الشّين بعد كلّ لام ... إلخ. فنُعمّي ( محمد والد علي ) على الشكل التالي: ( مقحمقد والشد علشي )
4- التعميةُ المركبةُ: و تكون باستعمال طريقتين أو أكثر من الطرقِ الثلاثة السّابقة في آن واحد, فإذا استعملنا الطريقتين الأولى و الثانية منها في تعمية الجملة ( محمد والد علي) كانت ( هنطن همبز كمف )
بعض طرق حلّ التعمية :
1- استعمال عدد الحروف المستخدمة لتحديد اللغة المعمّاة .
2- استعمال تواتر ورود الحروف في النص .
3- استعمال تواتر ورود ثنائيات الحروف وثلاثياتها وغيرها, أو ما سمّوه بائتلاف الحروف و تنافرها.
4- استعمالُ الفواتح التقليدية المُحتملة للرسالة, و هو ما سُمّي حديثا بالكلمة المُحتملة الورود.
والمتأمل في مخطوطات التعمية يُدرك بوضوح اعتماد أصحابها على علوم اللغة العربية التالية:
1- الصوتيات.
2- إحصائيات الحروف و المفردات.
3- علم الصرف.
4- علم المعاجم.
5- النحو التراكيب.
6- الدلالة.
7- العروض.
نقلته للمعرفة والفائدة
الرئيسية 
الخميس 29 ديسمبر 2022 - 11:57
موضوع: وقفة مع : علم التعميـــــــــــــــــــــــــــــــة 
الجمعة 6 يناير 2012 - 23:14
