مقالة الأخ المشرف يوسف الجزائري في مسابقة المنتدى العلمية الثانية " حقيقة التوحيد"

30/10/2009

الحمد لله القائل في كتابه العزيز:
{ولقد بعثنا في كل أمةٍ رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} النحل:36
{وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} الأنبياء:25
{وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} الذاريات:56
{وما أُمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة} البينة:5.
و أشهد أن لا إلـه إلاّ الله وحده لا شريك له ، الملك الحقّ العلي الكبير، وأشهد أن محمّداً عبده ورسولُه، وصفيّه وخليله، إمام المرسلين، وخاتم النّبيّين .. صلّى الله عليه و على آله و صحبه و سلّم إلى يوم الدين.
أمّا بعد:
إنّ
الواقع المرير الذي يعيشه المسلمون اليوم لا يستغرب من قبل العالم بسنن
الله تعالى في التغيير، حيث أنّ الواقع هو نتيجة طبيعية حتمية للبعد عن ربّ
البريّة عزّ و جلّ و عن شرعته السويّة فهو القائل سبحانه: }إنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم{
(الرعد: 11)، فالتغيير يبدأ من النّفس فإذا وجدت الأسباب تبعتها النتائج ،
إذ أنّ حدوث التغيير من الله عزّ و جلّ مترتب على حدوثه من البشر سلبا و
إيجابا.
قال إلإمام ابن كثير - رحمه الله - في تفسير قوله تعالى }ذَلِكَ
بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ
حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
{الأنفال: 53: "يخبرُ - تعالى - عن تمام عدله وقِسطه في حكمه، بأنه -
تعالى - لا يغيِّر نعمةً أنعمها على أحد إلا بسبب ذنب ارتكبه؛ لقوله -
تعالى} -:إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ {
و حتىّ يتمّ هذا التغيير و يتحقق النصر و التمكين الذي وعد به ربّ العالمين عباده في قوله " و كان حقّا علينا نصر المؤمنين" الروم: 47، لابدّ من عوامل و أسباب ليتحقق نصر الله و يمكّن لعباده في الأرض.
و إنّ من أهم عوامل نصر المؤمنين و التمكين لهم في الأرض من ربّ العالمين، هو تحقيق التوحيد
1- معنى تحقيق التوحيد :
تحقيق التوحيد بمعنى تحقيق الشهادتين "لا إلـه إلا الله، محمد رسول الله"
و معنى تحقيق الشهادتين هو تصفية الدين من الشوائب أي من الشرك و البدع و المعاصي:
تصفية الدين من الشرك بأنواعه الأكبر و الاصغر و الخفي.
تصفية الدين من البدع و أنواعها.
تصفية الدين من المعاصي و أنواعها.
2- كيف يتم تحقيق التوحيد؟:
إنّ
التمكين و النّصر و الاستخلاف و غير ذلك من الخير الذي نطلبه و نسعى إليه،
كل ذلك مشروط بتحقيق التوحيد في أنفسنا و أهلنا و جماعتنا و مجتمعاتنا كما
قال تعالى: }وعد الله الذين آمنوا منكم و
عملوا الصّالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم و
ليمكّننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم و ليبدلنّهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني
لا يشركون بي شيئا{ النور: 55. فكل ما ذكر من خير و عطاء مقابل شرط }يعبدونني لا يشركون بي شيئا{
فهل حقّقنا ذلك في أنفسنا و أهلنا و مجتمعاتنا ثم بعد ذلك سألنا الله تعالى النصر و التمكين ..؟ !
فتحقيق
التوحيد من أهم و أقوى الأسباب إلى النصر و التمكين و العكس كذلك فإنّ من
أقوى أسباب الهزيمة و الفشل و الذل انتفاء التوحيد و عدم تحققه في أنفسنا و
مجتمعاتنا، قال تعالى }إن تنصروا الله ينصركم و يثبّت أقدامكم{محمد:7.
أي إن تنصروا الله بطاعته و عبادته و توحيده ينصركم على أعدائكم بتأييده.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله جوابا على سؤال ورد إلى برنامج نور على الدرب:
هذه العبارات التي يوجد بها هذه الشركيات, أقول: كيف يحقق المسلم التوحيد يا شيخ؟
فأجاب رحمه الله:
"تحقيق
التوحيد بإخلاص العبادة لله وحده، وأن لا يدعو إلى الله وأن لا يستغيث إلا
بالله ولا يتوكل إلا عليه ولا ينذر إلى له، ولا يذبح إلا له، ولا يصلي إلا
له، العبادة لله وحده، كما قال تعالى: (وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحداً)، وقال سبحانه: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء)، هذه
حقيقة التوحيد، أن يخصوا الله بالعبادة، ويخصوا نبيه بالطاعة والاتباع -
عليه الصلاة والسلام - أما العبادة فهي حق الله، يجب أن يخص بها جل وعلا، (فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون)، (إياك نعبد وإياك نستعين)، (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء)، فلا يصلي إلا لله، ولا يذبح إلا لله، ولا ينذر إلا لله، ولا يصوم إلا لله وهكذا، جميع العبادات."
3- صور من تحقيق لا إلـه إلاّ الله محمّدا رسول الله:
1/ صور من تحقيق "لا إلـه إلاّ الله": فلا معبود بحق إلاّ الله تعالى
فهذا نوح عليه السّلام يوصي ابنه حين حضرته الوفاة بالتوحيد
روى الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: « إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ نُوحًا عليه السّلام لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ لِابْنِهِ: إِنِّي
قَاصٌّ عَلَيْكَ الْوَصِيَّةَ: آمُرُكَ بِاثْنَتَيْنِ وَأَنْهَاكَ عَنْ
اثْنَتَيْنِ: آمُرُكَ بِـ( لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ) فَإِنَّ
السَّمَوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرْضِينَ السَّبْعَ لَوْ وُضِعَتْ فِي
كِفَّةٍ وَوُضِعَتْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فِي كِفَّةٍ رَجَحَتْ
بِهِنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَوْ أَنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ
وَالْأَرْضِينَ السَّبْعَ كُنَّ حَلْقَةً مُبْهَمَةً قَصَمَتْهُنَّ لَا
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَ( سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ ) فَإِنَّهَا
صَلَاةُ كُلِّ شَيْءٍ وَبِهَا يُرْزَقُ الْخَلْقُ، وَأَنْهَاكَ عَنْ
الشِّرْكِ وَالْكِبْرِ ».
و هذا ابا الأنبياء عليه السّلام إمام الحنفاء و هو يوصي أبناءه (الأنبياء) بالتوحيد
قال تعالى:{وَوَصَّى
بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ
اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }[البقرة132]، وكان يدعو الله متضرّعا قائلا:{ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ } [إبراهيم 35].. قال ابن عيينة: من يأمن على نفسه الشّرك بعد إبراهيم ؟ أفنحن أكثر أمنا من إبر اهيم ؟! وصدق الله القائل: { وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ }.
و هذا يعقوب عليه السلام حين حضرته المنية يوصي أبناءه بالتوحيد
قال تعالى:{ أَمْ
كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ
مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ
آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً
وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } [البقرة:133]..
و هذا نبينا عليه الصلاة و السلام يوصي أصحابه بالتوحيد
في الصّحيحين عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم
قَالَ: « اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ )) قَالُوا: يَا رَسُولَ
اللَّهِ ! وَمَا هُنَّ ؟ قَالَ: (( الشِّرْكُ
بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ
إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ،
وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ
الْغَافِلَاتِ » .
2/ صور من تحقيق "محمّدا رسول الله": فلا متبوع بحق إلاّ محمّدا صلى الله عليه و سلّم
قال الله تعالى:{ وَإِذْ
أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ
وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ
لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ
عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا
مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ }[آل عمران: 81].
فأوجب الله تعالى على جميع الأنبياء و المرسلين اتباع محمّد صلّى الله عليه و سلّم.
و قال تعالى:{ فَلا
وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ
ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا
تَسْلِيماً } [النساء:65].
و قال الله تعالى:{ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً }[النساء:80].
و قال تعالى:{ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } [الحشر 7].
فمن أراد النصر و التمكين فعليه بتوحيد ربّ العالمين و اتّباع نبيّه الكريم عليه أفضل الصلاة و أزكى التسليم
و الحمد لله ربّ العالمين.

09/07/2008

مقال رائع, أحسنت, أحسن الله إليك و إلى والديك.

07/04/2008

وقد نال صاحب المقالة - الأخ يوسف الجزائري- وفقه الله المرتبة الثانية في المسابقة , فهنيئا له إجتهاده وفوزه , ولنا به من مشرف مثابر ومتفوق .

21/01/2009

عذرا رسول الله كتب:: مقال رائع, أحسنت, أحسن الله إليك و إلى والديك.

آمين آمين
و إليكم أحسن الله

21/01/2009

سمير الجزائري كتب:: وقد نال صاحب المقالة - الأخ يوسف الجزائري- وفقه الله المرتبة الثانية في المسابقة , فهنيئا له إجتهاده وفوزه , ولنا به من مشرف مثابر ومتفوق .

جزاك الله خيرا أخي الفاضل
و هذا من حسن ظنّك بأخيك
رفع الله قدرك

» مقالة الأخ محمد عبد العزيز الجزائري في مسابقة المنتدى العلمية الثانية " فضل التوحيد "
» مقالة الأخ أبو حفص العمري السّوري في مسابقة المنتدى العلمية الثانية " التوحيد طريق النّجاة "
» مقالة الأخ محمد بن براهيم في مسابقة المنتدى العلمية " التوحيد هو طريق النصر والتمكين"
» مقالة الأخت سليلة الغرباء في مسابقة المنتدى العلمية الثانية " نُور التوحيد وظلام الشّرك "
» مقالة الأخت أم هيثم في مسابقة المنتدى العلمية الثانية" تحقيق التّوحيد هو سبيل العزّ والتمكين"

مقالة الأخ المشرف يوسف الجزائري في مسابقة المنتدى العلمية الثانية " حقيقة التوحيد"

مقالة الأخ المشرف يوسف الجزائري في مسابقة المنتدى العلمية الثانية " حقيقة التوحيد"

مواضيع مماثلة

مواضيع مماثلة