الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : زائرنا الكريم مرحبا بك بين إخوانك في منتديات تبسة الإسلامية ، بعد التسجيل ستجد رسالة تأكيد التسجيل في بريدكم ، نرجوا لكم قضاء وقت مفيد ومريح في هذا الفضاء التربوي العلمي .


آخر المواضيع
الموضوع
تاريخ ارسال المشاركة
بواسطة
مرحبا بكم أيها الأحباب من جديد ..
من بريد المنتدى ذات يوم ...
كتاب الانتصار للنبي المختار ﷺ (يصور لأول مرة) المؤلف: د.سليمان بن صفية الجزائري
رحم الله الشيخ علي الحلبي ..
بشرى صدور موقع جديد للشيخ أبو يزيد المدني (سليم بن صفية)
حذروا من صناعة المعاقين في بيوتكم
‏الرفقة الدافئة
يا طالب العلم البشرية كلها بحاجة إليك.
قصة قصيرة جملية
حكمة وعبرة ✍
الخميس 29 ديسمبر 2022 - 11:57
الخميس 29 ديسمبر 2022 - 9:20
الإثنين 28 ديسمبر 2020 - 15:30
الخميس 3 ديسمبر 2020 - 18:36
الأربعاء 22 يناير 2020 - 18:36
الجمعة 21 ديسمبر 2018 - 20:08
الخميس 20 ديسمبر 2018 - 12:28
الإثنين 17 ديسمبر 2018 - 13:30
الخميس 6 ديسمبر 2018 - 21:09
الإثنين 3 ديسمبر 2018 - 20:11











شاطر
 

 زهرات من بستان رياض الصالحين للشيخ العثيمين

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
سليلة الغرباء
Admin
سليلة الغرباء

عدد الرسائل :
6335

الموقع :
جنة الفردوس بإذن الله

تاريخ التسجيل :
19/05/2009


زهرات من بستان رياض الصالحين للشيخ العثيمين Empty
مُساهمةموضوع: زهرات من بستان رياض الصالحين للشيخ العثيمين   زهرات من بستان رياض الصالحين للشيخ العثيمين I_icon_minitimeالسبت 12 يناير 2013 - 10:51



الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

صفحة خاصة ننتقي لها ما يمكن ونحتاجه في حياتنا من شرح رياض الصالحين ، والمشاركة للجميع بأي نص احتجتَه يوما وشد انتباهك ، فطرحتَ سؤاله ,,,, فبحثت عنه ,,,, ووجدت إجابته في رياض الصالحين للشيخ محمد بن صالح العثيمين
مع ذكر مصدر النقل

والبداية مع أول صفحة

المكتبة المقروءة
:
الحديث
:
شرح رياض الصالحين المجلد الأول

باب الإستقامة










8- باب الاستقامة



قال الله تعالى: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾ [هود:112]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ ألا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ(30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ﴾ [فصلت:32،30]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ
خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأحقاف:13، 14] .


الشرح

الاستقامة:
هي أن يَثْبت الإنسان على شريعة الله_ سبحانه وتعالى_ كما أمر الله،
ويتقدَّمها الإخلاص لله عز وجل. ثم ذَكَرَ المؤلف عدة آيات في هذا، فذكر
قول الله تعالى: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾
الخطاب هنا للنبي صلى الله عليه وسلم والخطاب الموجَّه للرسول صلى الله
عليه وسلم يكون له ولأمته، إلا إذا قام دليل على أنه خاصٌّ به ،فإنه يختص
به،وأما إذا لم يقم الدليل على أنه خاص به، فإنه له وللأمة. فمما دل الدليل
على أنه خاص به قوله تعالى: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَك (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ﴾ [الشرح:1ـ3]، فإن هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم. ومثلَ قوله: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾ [الحجر:87]،
هذا أيضا خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم. وأما إذا لم يقل الدليل على أن
الخطاب للخصوصية، فهو له ولأمته، وعلى هذه القاعدة يكون قوله: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾ عامًّا له ولأمَّته، كل واحد يجب عليه أن يستقيم كما أمر، فلا يبدِّل في دين الله، ولا يزيد فيه ولا ينقص، ولهذا قال في آية أخرى: ﴿وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾[الشورى:15].الآية الثانية قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا...﴾ [فصلت:30ـ33] . ﴿رَبُّنَا اللَّهُ﴾ أي: خالقُنا ومالكُنا ومدِّبر أمورنا، فنحن نخلص له، ﴿ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ على ذلك؛ أي: على قولهم ربُّنا الله، فقاموا بشريعة الله. هؤلاء الذين اتصفوا بهذين الوصفين: ﴿قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ ﴿تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ﴾ مَلَكا بعد مَلَك ﴿أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا﴾ يعني : أن الملائكة تتنزل عليهم بأمر الله في كل موطن مخوف ولاسيما عند الموت ؛ يقولون لهم: ﴿أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا﴾ لا تخافوا: فيما تستقبلون من أُمُوركم، ولا تحزنوا على ما مضى من أُموركم ، ﴿وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ والبشرى هي الإخبار بما يسُرُّ، ولا شك أن الإنسان يَسُرُّهُ أن يكون من أهل الجنة ، أسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم ، ﴿وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ لأنَّ كلَّ من قال ربِّي الله، واستقام على دين الله، فإنه من أهل الجنة، ويقولن لهم أيضا: ﴿نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ﴾
فالملائكة أولياء للذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا في الحياة الدنيا،
تسددهم وتساعدهم وتعينهم، وكذلك في الآخرة تتلقاهم الملائكة يوم البعث
والحساب ﴿هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ فيبشروهم بالخير في مقام الخوف والشدة. قال الله عز وجل ﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ﴾ «لَكُمْ فِيْهَا» أي: في الآخرة ما تشتهي أنفسكم، وذلك في نعيم الجنة، لأن الجنة فيه ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين. ﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ﴾ أي: تطلبون، بل لهم فوق ذلك: ﴿لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾ [ق:35]، لهم زيادة على مايدعونه ويطلبونه ويتمنونه. ﴿نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ﴾ يعني: أن الجنة نزُلٌ لهم وضيافة من غفور رحيم. ﴿غَفُور﴾ غفر لهم سيِّئاتهم ﴿ رَحِيمٍ﴾
بهم، رفع لهم درجاتهم، هذا جزاء الذين يقولون ربنا الله ثم يستقيمون. وفي
هذا دليل على أهمية الاستقامة على دين الله، بإن يكون الإنسان ثابتا لا
يزيد، ولا ينقص، ولا يبدِّل، ولا يغير، فأمَّا من غلا في دين الله، أو جفا
عنه، أو بدل فإنه لم يكن مستقيما على شريعة الله عزَّ وجلَّ، والاستقامة لا
بُدَّ لها من الاعتدال في كل شيء، حتى يكون الإنسان مستقيما على شريعة
الله عزَّ وجلَّ.


* *
85_
وعن أبي عمرو، وقيل: أبي عمرة سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قال: قلت:
يا رسول الله قُل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدًا غيرك؟ قال: ((قل:
آمنتُ بالله، ثم استقم)) (336) رواه مسلم.




الشرح
قوله: ((قُلْ لي في الإسلام قَوْلاً لا أسأَلُ عَنهُ أحداً غيرك)) أي: قل لي قولا لا أسأل عنه أحدًا غيرك، فيكون فصلا وحاسما، ولا يحتاج إلى سؤال أحد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((قُلْ: آمنتُ باللهِ ثمَّ اسْتقِم)). فقوله عليه الصلاة والسلام: ((قُلْ: آمنْتُ))
ليس المراد بذلك مجرد القول باللسان، فإن من الناس من يقول: آمنت بالله
واليوم الآخر، وما هم بمؤمنين. ولكن المراد بذلك قول القلب واللسان أيضا.
أي: أن يقول الإنسان بلسانه، بعد أن يُقِرَّ ذلك في قلبه، ويعتقده اعتقادًا
جازما لا شك فيه، لأنه لا يكفي الإيمان بالقلب، ولا الإيمان باللسان، لا
بد من الإيمان بالقلب واللسان، ولهذا كان النبي عليه الصلاة والسلام_ يقول
وهو يدعو الناس إلى الإسلام _ يقول: ((يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله
تفلحوا))(337) فقال: ((قولوا)) أي: بألسنتكم. كما أنه لا بد من القول بالقلب. وقوله: ((آمنْتُ بِالله))
يشمل الإيمان بوجود الله عزَّ وجلَّ، وبِرُبُوبيته، وبألوهيته، وبأسمائه
وبصفاته، وبأحكامه، وبأخباره، وكُلِّ ما يأتي من قبله_ عز وجل _ تؤمن به،
فإذا آمنت بذلك فاستقم على دين الله، ولا تحد عنه لا يمينًا ولا شمالاً، لا
تقصر ولا تزد. فاستقم على الدين، واستقم على شهادة أن لا إله إلا الله وأن
محمدًا رسول الله، وذلك بالإخلاص لله عزَّ وجلَّ، والمتابعة لرسول الله
صلى الله عليه وسلم، واستقم على الصلاة، وعلى الزكاة، والصيام والحج، وعلى
جميع شريعة الله. وقوله: ((قُلْ آمنْتُ بالله ثُمَّ))
دليل على أن الاستقامة لا تكون إلا بعد الإيمان، وأن من شرط الأعمال
الصالحة، أي: من شرط صحتها وقبولها أن تكون مبنيةً على الإيمان، فلو أن
الإنسان عمل بظاهره على ما ينبغي، ولكنَّ باطنه خراب، وفي شك، أو في
اضطراب، أو في إنكار وتكذيب، فإن ذلك لا ينفعه، ولهذا اتفق العلماء_ رحمهم
الله_ على أنَّ من شروط صحَّة العبادة وقبولها، أن يكون الإنسان مؤمنا
بالله، أي: معتَرِفا به، وبجميع ما جاء من قِبله تبارك وتعالى. ويستفاد من
هذا الحديث: أنه ينبغي للإنسان_ إذا قام بعمل _ أن يَشْعُر بأنه قام به
لله، وأنه يقوم به بالله، وأنه يقوم به في الله، لأنه لا يستقيم على دين
الله إلا بعد الإيمان بالله عز وجل. فيشعرُ بأنه يقوم به لله، أي مُخلصًا،
وبالله، أي مستعينًا، وفي الله، أي متبعًا لشرعه، وهذه مُسْتَفَادة من قوله
تبارك وتعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ(5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾
فالأول: قيام لله، والثاني: قيام به، والثالث: قيام فيه، أي: في
شرعه،ولهذا نقول: إن المراد بالصراط المستقيم - في الآية الكريمة - هو شرع
الله عزَّ وجلَّ الموصلُ إليه. والله الموفق.




* * *
86_
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((قاربوا وسدِّدوا، واعلموا أنه لنْ يَنْجُوَ أحدٌ منكم بِعَمَلِهِ))
قالوا: و لا أنت يا رسول الله؟ قال: ((و لا أنا إلا أن يتغمَّدني الله
برحمة منه و فضل)) (338)
رواه مسلم. و((المقاربة)) القصد الذي لا غُلُوَّ فيه ولا تقصير.
و((السداد)): الاستقامة والإصابة، و( يتغمدني)) يُلبِسَني ويستُرني. قال
العلماء: معنى الاستقامة: لُزُومُ طاعة الله تعالى، قالوا: وهي من جوامع
الكلم، وَهِيَ نظام الأمور، وبالله التوفيق.






الشرح
هذا الحديث يدل على أنَّ الاستقامة على حسب الاستطاعة، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم((قارِبوا وسَدِّدوا)) أي: قاربوا ما أمرتم به، واحرصوا على أن تقرُبوا منه بقدر المسْتَطَاع. وقوله ((سدِّدُوا))
أي سدِّدُوا على الإصابة؛ أي: احْرصوا على أن تكون أعمالكم مصيبةً للحق
بقدر المستطاع، وذلك لأن الإنسان مهما بلغ من التقوى، فإنه لابد أن يخطىءَ،
كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((كلُّ بني آدمَ
خطَّاءٌ، وخيرُ الخطائين التوابون)) (339)، وقال عليه والصلاة السلام: ((لو لم تُذنِبوا لذهب الله بكم، وَلَجَاءَ بقوم يُذنِبون فيستغفرون اللهَ فيغفرُ لهم)) (340). فالإنسان مأمور أن يقارب ويُسدد بقدر ما يستطيع. ثم قال عليه الصلاة والسلام: ((واعلموا أنَّه لن يَنْجُوَ أحدٌ منكم بِعَمَلِه))أي:
لن ينجو من النار بعمله. وذلك لأن العمل لا يبلغ ما يجب لله_ عز وجل _ من
الشُّكر، وما يجب له على عباده من الحقوق، ولكن يتغمد الله_ سبحانه وتعالى _
العبد برحمته فيغفر له. فلما قال: ((لَنْ يَنْجُوَ أحدٌ منكم بِعَمَلِه)) قالوا له: ولا أنت؟! قال: ((ولا أنا)) حتى النبي عليه الصلاة والسلام لن ينجو بعمله((إلا أن يتغمدني الله برحمة منه)).
فدلَّ ذلك على أن الإنسان مهما بلغ من المرتبة والولاية، فإنه لن ينجوَ
بعمله، حتى النبي عليه الصلاة والسلام، لولا أن الله مَنَّ عليه بأن غفر له
ذنبه ما تقدم منه وما تأخر، ما أنْجاه عمله. فإن قال قائل: هناك نُصُوص من الكتاب والسنة تدل على أن العمل الصالح ينجي من النار ويُدخل الجنة، مثل قوله تعالى: ﴿مَنْ
عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ
فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ
بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل:97]، فكيف يُجمَع بين هذا وبين الحديث السابق؟ والجواب عن ذلك:
أن يقال: يُجمع بينهما بأن المنفيَّ دخول الإنسان الجنة بالعمل في
المقابلة، أما المثْبتُ: فهو أن العمل سبب وليس عوضا. فالعمل _ لا شكَّ_
أنه سَبَب لدخول الجنة والنجاة من النار، لكنه ليس هو العوض، وليس وحده
الذي يدخل به الإنسان الجنة، ولكن فضل الله ورحمته هما السَّبب في دخول
الجنة وهما اللذان يوصلان الإنسان إلى الجنة وينجيانه من النار.

وفي
هذا الحديث من الفوائد: أن الإنسان لا يعجب بعمله، مهما عملت من الأعمال
الصالحة لا تُعْجَبْ بعملك، فعملُكَ قليل بالنسبة لحق الله عليك. وفيه أيضا
من الفوائد: أنه ينبغي على الإنسان أن يُكثر من ذكر الله دائما،ومن السؤال
بأن يتغمَّده الله برحمته ،فأكثر من ذلك ،وقل دائما : ((اللَّهم تغمدني
برحمة منك وفضل)) لأن عملك لن يوصلك إلى مرضاة الله، إلا برحمة الله عز
وجل. وفيه دليل على حرص الصحابة_ رضي الله عنهم _ على العلم؛ ولهذا لما
قال: ((لَنْ يَنْجُوَ أحدٌ منكم بِعَمَلِه)) استفصلوا، هل هذا العموم شامل له أم لا؟ فبَيَّنَ لهم صلى الله عليه وسلم أنَّه شامل له.

و
من تدبر أحوال الصحابة - رضي الله عنهم - مع النبي صلى الله عليه و سلم.
وجد أنَّهم أحرص الناس على العلم، وأنهم لا يتركون شئيا يحتاجون إليه في
أُمور دينهم و دنياهم إلا ابتدروه و سألوا عنه. و الله الموفق.





[center]* * *
-----------------



(336) أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب جامع أوصاف الإسلام، رقم (38) .

(337) أخرجه
ابن خزيمة، رقم (159)، والبيهقي (1/76)، و الحاكم في المستدرك(2/612) و
قال: صحيح الإسناد و لم يخرجاه و قال الذهبي: صحيح .

(338) أخرجه مسلم، كتاب صفة القيامة، باب لن يدخل أحد الجنة بعمله بل برحمة الله تعالى، رقم(2816) .

(339) أخرجه
الترمذي، كتاب صفة القيامة، رقم(2499)، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب ذكر
التوبة،رقم(4251)، و أحمد في المسند(3/198) قال الترمذي: غريب. و حسنه
الألباني في صحيح الجامع رقم(4515) .

(340) أخرجه مسلم، كتاب التوبة، باب سقوط الذنوب بالاستغفار و التوبة، رقم(2749) .



http://www.ibnothaimeen.com/all/books/article_18018.shtml





عدل سابقا من قبل سليلة الغرباء في السبت 12 يناير 2013 - 16:11 عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سليلة الغرباء
Admin
سليلة الغرباء

عدد الرسائل :
6335

الموقع :
جنة الفردوس بإذن الله

تاريخ التسجيل :
19/05/2009


زهرات من بستان رياض الصالحين للشيخ العثيمين Empty
مُساهمةموضوع: حديث : " قاربوا وسددوا "   زهرات من بستان رياض الصالحين للشيخ العثيمين I_icon_minitimeالسبت 12 يناير 2013 - 11:35

انتقيت لكم هذا الحديث من باب الاستقامة وكم نحن في حاجة له






حديث : " قاربوا وسددوا "
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .



وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((
قَارِبُوا وَسَدِّدوا , واعلمُوا أنه لن ينجو أحدُ منكُم بعمله )) قالوا :
ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : (( ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه
وفضل ))(1)



و " المقاربة " القصدُ الذي لا غُلُوَّ فيه ولا تقصير . و " السَّدادُ " الاستقامةُ والإصابةُ , و " يتغمدني " يُلبِسنِي ويستُرني .


قال العلماء : معنى الاستقامة : لُزُومُ طاعة الله تعالى , قالوا : وهي من جوامع الكَلِمِ , وهي نظام الأمور , وبالله التوفيق .


** الشرح **


هذا الحديث يدل على أن الاستقامة على حسب الاستطاعة , وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم (( قاربوا وسددوا )) أي : قاربوا ما أمرتم به , واحرصوا على أن تقربوا منه بقدر المستطاع .

وقوله : (( سددوا )) أي : سددوا على الإصابة
, أي : احرِصوا على أن تكون أعمالكم مصيبة للحق بقدر المستطاع , وذلك
لأن الإنسان مهما بلغ من التقوى , فإنه لابُد أن يخطىء , كما جاء في
الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( كل بني آدم خطاء , وخير
الخطائين التوابون )) (2)

, وقال عليه الصلاة والسلام : (( لو لم تذنبوا لذهب الله بكم , ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم )) (3)


فالإنسان مأمور أن يقارب ويسدد بقدر ما يستطيع .

ثم قال عليه الصلاة والسلام : (( واعلموا أنه لن ينجو أحد منكم بعمله
)) أي : لن ينجو من النار بعمله . وذلك لأن العمل لا يبلغ ما يجب لله –
عز وجل – من الشكر , وما يجب له على عباده من الحقوق , ولكن يتغمد الله –
سبحانه وتعالى – العبد برحمته فيغفر له .

فلما قال : (( لن ينجو أحد منكم بعمله )) قالوا له : ولا أنت ؟! قال : (( ولا أنا )) حتى النبي عليه الصلاة والسلام لن ينجو بعمله (( إلا أن يتغمدني الله برحمه منه )) .

فدل ذلك على أن الإنسان مهما بلغ من المرتبة والولاية , فإنه لن ينجو
بعمله , حتى النبي عليه الصلاة والسلام , لو لا أن الله مَنَّ عليهِ بأن
غفر له ذنبه ما تقدم منه وما تأخر , ما أنجاه عمله .

فإن قال قائل : هناك نصوص من الكتاب والسنة تدل على أن العمل الصالح ينجي
من النار ويدخل الجنة , مثل قوله تعالى : (( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن
ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً
وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ )) [
النحل : آية 97 ] . , فيكف يُجمعُ بين هذا وبين الحديث السابق ؟

الجواب عن ذلك : أن يقال : يُجمع بينهما بأن المنفي دخولُ الإنسان الجنة
بالعمل في المقابلة , أما المُثبتُ : فهو أن العمل سبب وليس عوضاً .
فالعمل – لا شك – أنه سبب لدخول الجنة والنجاة من النار , لكنه ليس هو
العوض , وليس وحده الذي يدخل به الإنسان الجنة , ولكن فضلُ الله ورحمته هما
السبب في دخول الجنة , وهما اللذان يوصلان الإنسان إلى الجنة وينجيانه من
النار .

وفي هذا الحديث من الفوائد : أن الإنسان لا يعجب بعمله , مهما عملت من
الأعمال الصالحة لا تُعجب بعملك , فعملُكَ قليل بالنسبة لحق الله عليك .

وفيه أيضاً من الفوائد : أنه ينبغي على الإنسان أن يكثر من ذكر الله
دائماً , ومن السُّؤال بأن يتغمَّده الله برحمته , فأكثر من ذلك , وقل
دائماً : (( اللهم تغمدني برحمةٍ منك وفضل )) لأن عملك لن يوصلك إلى مرضاة الله , إلا برحمة الله عز وجل .

وفيه دليلُ على حِرص الصحابة – رضي الله عنهم – على العلم , ولهذا لما قال : (( لن ينجو أحدُ منكم بعمله )) استفصلوا , هل هذا العمومُ شامل له أم لا ؟ فبيَّن لهم صلى الله عليه وسلم أنه شامل له .

ومن تدبِّر أحوال الصحابة – رضي الله عنهم – مع النبي صلى الله عليه وسلم .
وجد أنهم أحرص الناس على العلم , وأنهم لا يتركون شيئاً يحتاجون إليه في
أمور دينهم ودُنياهم إلا ابتدروه وسألوه عنه . والله الموفق .



(1) الراوي: أبو هريرة

المحدث: مسلم
- المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2816
خلاصة حكم المحدث: صحيح


(2) أخرجه الترمذي , وابن ماجه , وأحمد في المسند . وقال الترمذي : غريب . وحسنه الألباني في صحيح الجامع رقم (4515) .


(3) الراوي: أبو هريرة المحدث:
مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2749
خلاصة حكم المحدث: صحيح

-----------------------------------------------


المصدر : شرح رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين .
لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله .
المجلد الأول – باب الاستقامة – حديث : " قاربوا وسددوا " ص : 573- إلى ص : 575 .

منقول


575 .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سليلة الغرباء
Admin
سليلة الغرباء

عدد الرسائل :
6335

الموقع :
جنة الفردوس بإذن الله

تاريخ التسجيل :
19/05/2009


زهرات من بستان رياض الصالحين للشيخ العثيمين Empty
مُساهمةموضوع: رد: زهرات من بستان رياض الصالحين للشيخ العثيمين   زهرات من بستان رياض الصالحين للشيخ العثيمين I_icon_minitimeالثلاثاء 22 يناير 2013 - 12:48

من باب المبادرة إلى الخيرات






10ـ باب المبادرة إلى الخيرات




وحث من توجه لخير على الإقبال عليه بالجد من غير تردد .

قال الله تعالى ( فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) (البقرة: 148)

وقال
تعالى : ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ
عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) ( آل
عمران : 133) .


الشرح


قال المؤلف رحمه الله تعالى : ( باب المبادرة إلى الخيرات وحث من أقبل على الخير أن يتمه من غير تردد ) وهذا العنوان تضمن أمرين :

الأول : المبادرة والمسارعة إلى الخير .

والثاني : أن الإنسان إذا عزم على الشيء ـ وهو خير ـ فليمض فيه ولا يتردد .

أما
الأول : فهو المبادرة ، وضد المبادرة التواني والكسل ، وكم من إنسان توانى
وكسل ؛ ففاته خير كثير ، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ، وفي كل خير . احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز )(1) .


فالإنسان
ينبغي له أن يسارع في الخيرات ، كل ذكر له شيء من الخير بادر إليه ، فمن
ذلك الصلاة ، والصدقة ، والصوم ، والحج ، وبر الوالدين ، وصلة الأرحام ،
إلى غير ذلك من مسائل الخير التي ينبغي المسارعة إليها ؛ لأن الإنسان لا
يدري ، فربما يتوانى في الشيء ولا يقدر عليه بعد ذلك ، إما بموت ، أو مرض ،
أو فوات ، أو غير هذا ، وقد جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام :
( إذا أراد أحدكم الحج فليتعجل ؛ فإنه قد يمرض المريض ، وتضل الراحلة ، وتعرض الحاجة )(2) .


فقد يعرض له شيءٌ يمنعه من الفعل . فسارع إلى الخير ولا تتوانى .

ثم ذكر المؤلف قول الله تعالى : ( فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَات ِ)
واستبقوها : يعني اسبقوا إليها ، وهو أبلغ من :سابقوا إلى الخيرات ،
فالاستباق معناه : أن الإنسان يسبق إلي الخير ، ويكون من أول الناس في
الخير ، ومن المسابقة في الصفوف في الصلاة ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم
قال : ( خير صفوف الرجال أولها ، وشرها آخرها ) وقال في النساء : ( وخير صفوف النساء آخرها ، وشرها أولها )(3) .


ورأى
النبي صلى الله عليه وسلم أقواماً في مؤخرة المسجد ؛ لم يسبقوا ولم
يتقدموا ، فقال لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله عز وجل )(4) . فانتهز الفرصة واسبق إلى الخير .


وقال تعالى : (
وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا
السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ
يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ ... )
(آل عمران :133،134) .قال: سارعوا إلى المغفرة والجنة .

أما المسارعة إلى المغفرة
: فأن يسارع الإنسان إلى ما فيه مغفرة الذنوب ؛ من الاستغفار ، كقول :
أستغفر الله ، أو اللهم اغفر لي ، أو اللهم إني أستغفرك ، وما أشبه ذلك ،
وكذلك أيضاً : الإسراع إلى ما فيه المغفرة ، مثل الوضوء ، والصلوات الخمس ،
والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان ، فإن الإنسان إذا توضأ ، فأسبغ
الوضوء ، ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله ،
اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ؛ فإنه تفتح له أبواب الجنة
الثمانية ؛ ويدخل من أيها شاء (5)، وكذلك إذا توضأ ؛ فإن خطاياه تخرج من أعضاء وضوئه ؛ مع آخر قطرة من قطر الماء (6)، فهذه من أسباب المغفرة .


ومن أسباب المغفرة أيضاً
: الصلوات الخمس كفارة لما بينهن ما اجتنبت الكبائر ، الجمعة إلى الجمعة
كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر ، رمضان إلى رمضان كفارة لما بينهما ما
اجتنبت الكبائر(7) ، فليسارع الإنسان إلى أسباب المغفرة .


الأمر الثاني ( وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ )
، وهذا يكون بفعل المأمورات ، أي : أن تسارع للجنة بالعمل لها ، ولا عمل
للجنة إلا العمل الصالح ، هذا هو الذي يكون سبباً لدخول الجنة ، فسارع إليه
.


ثم
بين الله هذه الجنة ؛ بأن عرضها السماوات والأرض ، وهذا يدل على سعتها
وعظمها ، وأنه لا يقدر قدرها إلا الله عز وجل . فسارع إلى هذه الجنة بفعل
ما يوصلك إليها من الأعمال الصالحة ، ثم قال الله عز وجل (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) يعني : هيئت لهم ، والذي أعدها لهم هو الله عز وجل ، كما جاء في الحديث القدسي : ( أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر )(8) .


ومن
هم المتقون ؟ قال تعالى : ( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ
وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ
وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا
فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا
لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا
عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ
مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) (آل عمران:134-136)
.

هؤلاء هم المتقون : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ ) يعني : يبذلون أموالهم (فِي السَّرَّاءِ ) يعني في حال الرخاء ، وكثرة المال ، والسرور ، والانبساط ، (وَالضَّرَّاءِ ) يعني في حال ضيق العيش والانقباض .

ولكن
؛ لم يبين الله ـ سبحانه وتعالى ـ هنا مقدار ، ولكنه بينه في آيات كثيرة ،
فقال تعالى ( وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ )(البقرة:
219) .


العفو :
يعني ما زاد عن حاجاتكم وضروراتكم فأنفقوه ، وقال تعالى وَالَّذِينَ
إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ
قَوَاماً ) (الفرقان:67)
. فهم ينفقون إنفاقاً ليس فيه إسراف ولا تقتير ، وينفقون ـ أيضاً ـ العفو ، أي : ما عفا وزاد عن حاجاتهم وضروراتهم .

(وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ )
أي : الذين إذا اغتاظوا ـ أي اشتد غضبهم ـ كظموا غيظهم ، ولم ينفذوه ،
وصبروا على هذا الكظم ، وهذا الكظم من أشد ما يكون على النفس ، كما قال
النبي صلى الله عليه وسلم : ( ليس الشديد بالصرعة ، ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب )(9) .


الصرعة
: يعني يصرع الناس ، أي: يغلبهم في المصارعة ، فليس هذا هو الشديد ، ولكن
الشديد : هو الذي يملك نفسه عند الغضب ؛ لأن الإنسان إذا غضب ثارت نفسه ،
فانتفخت أوداجه ، واحمرت عيناه ، وصار يحب أن ينتقم ، فإذا كظم الغيظ وهدأ ،
فإن ذلك من أسباب دخول الجنة .


واعلم
أن الغضب جمرة يلقيها الشيطان في قلب ابن آدم ؛ إذا أتاه ما يهزه ، ولكن
النبي صلى الله عليه وسلم أعلمنا بما يطفئ هذه الجمرة ، فمن ذلك : أن يتعوذ
الإنسان بالله من الشيطان الرجيم ، فإذا أحس بالغضب ـ وأن الغضب سيغلبه ـ
قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (10)، ومنها : أن يجلس إن كان قائماً ، ويضطجع إن كان قاعداً (11) ، يعني : يضع نفسه، وينزلها من الأعلى إلى الأدنى ، فإن كان قائماً جلس ، وإن كان جالساً اضطجع ، ومنها :أن يتوضأ (12)بتطهير
أعضائه الأربعة ؛ الوجه واليدين والرأس والرجلين ، فإن هذا يطفئ الغضب ،
فإذا أحسست بالغضب ؛ فاستعمل هذا الذي أرشدك إليه النبي صلى الله عليه وسلم
حتى يزول عنك ، وإلا فكم من إنسان أي به غضبه إلى مفارقة أهله فما أكثر
الذين يقولون : أنا غضبت على زوجتي فطلقتها ثلاثاً ، وربما يغضب ويضرب
أولاده ضرباً مبرحاً ، وربما يغضب ويكسر أوانيه ، أو يشق ثيابه ، أو ما
أشبه ذلك مما يثيره الغضب ، ولهذا قال تعالى : (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ )
مدحهم لأنهم ملكوا أنفسهم عند ثورة الغضب .


( وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ )
يعني الذين إذا أساء الناس إليهم عفوا عنهم ، فإن من عفا وأصلح فأجره على
الله ، وقد أطلق الله العفو هنا ، ولكنه بين في قوله تعالى : ( فَمَنْ
عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ) (الشورى:40) أن العفو لا يكون
خيراً إلا إذا كان فيه إصلاح ، فإذا أساء إليك شخص معروف بالإساءة والتمرد
والطغيان على عباد الله ، فالأفضل ألا تعفو عنه ، وأن تأخذ بحقك ؛ لأنك
إذا عفوت ازداد شره ، أما إذا كان الإنسان الذي أخطأ عليك قليل الخطأ ،
قليل العدوان ، لكن الأمر حصل على سبيل الندرة ، فهنا الأفضل أن تعفو ، ومن
ذلك حوادث السيارات التي كثرت ، فإن بعض الناس يتسرع ، ويعفو عن الجاني
الذي حصل منه الحادث ، وهذا ليس بالأحسن ، الأحسن أن تتأمل وتنظر : هل هذا
السائق متهور ومستهتر ؛ لا يبالي بعباد الله ولا يبالي بالأنظمة ؛ فهذا لا
ترحمه ، خذ بحقك منه كاملاً ، أما إذا كان إنساناً معروفاً بالتأني ، وخشية
الله ، والبعد عن أذية الخلق ، والتزام النظام ، ولكن هذا أمر حصل من فوات
الحرص ، فالعفو هنا أفضل ؛ لأن الله قال ( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ
فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ) فلابد من مراعاة الإصلاح عند العفو .


(وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )
محبة الله ـ سبحانه وتعالى ـ للعبد هي غاية كل إنسان ؛ فكل إنسان مؤمن
غايته أن يحبه الله عز وجل ، وهي المقصود لكل مؤمن ؛ لقول الله تعالى : (
قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ
اللَّهُ ) (آل عمران:31) ، ولم يقل : اتبعوني تصدقوا فيما قلتم ، بل عدل عن
هذا إلى قوله (يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ) لأن الشأن - كل الشأن ـ أن يحبك
الله عز وجل ، أسأل الله أن يجعلني وإياكم من أحبابه .


وأما المحسنون في قوله : (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) فالمراد بهم المحسنون في عبادة الله ، والمحسنون إلى عباد الله .

والمحسنون في عبادة الله ؛ بين النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ مرتبتهم في قوله حين سأله جبريل عن الإحسان فقال : ( أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك )(13)
يعني : أن تعبد الله ـ سبحانه وتعالى ـ بقلب حاضر ؛ كأنك ترى ربك تريد
الوصول إليه ، فإن لم تفعل ؛ فاعلم أن الله يراك ، فاعبده خوفاً وخشية ،
وهذه المرتبة دون المرتبة الأولى .


فالمرتبة الأولى : أن تعبد الله طلباً ومحبة وشوقاً .

والثانية : أن تعبده هرباً وخوفاً وخشية .

أما الإحسان إلى عباد الله
: فأن تعاملهم بما هو أحسن ؛ في الكلام ، والأفعال ، والبذل، وكف الأذى ،
وغير ذلك ، حتى في القول ؛ فإنك تعاملهم بالأحسن ، قال الله تعالى : ( وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا
) (النساء:86) ، يعني: إن لم تفعلوا فتردوا بأحسن منها ، فلا أقل من أن
تردوها ؛ ولهذا قال كثير من العلماء : إذا قال المسلم : السلام عليكم ورحمة
الله ، قل : وعليكم السلام ورحمة الله .هذا أدنى شيء ، فإن زدت : ( وبركاته ) فهو أفضل ؛ لأن الله قال : بأحسن منها ، فبدأ بالأحسن ثم قال : (أَوْ
رُدُّوهَا ) كذلك إذا سلم عليك إنسان بصوت واضح بين ؛ ترد عليه بصوت واضح
بين على الأقل ، كثير من الناس ـ أو بعض الناس ـ إذا سلمت عليه رد عليك
السلام بأنفه ، حتى إنك تكاد لا تسمعه في رد السلام ، وهذا غلط ؛ لأن هذا
خلاف ما سلم عليك به ، يسلم عليك بصوت واضح ثم ترد بأنفك!! ‍‍هذا خلاف ما
أمر الله به .


كذلك الإحسان بالفعل ؛ مثل معونة الناس ومساعدتهم في أمورهم . فإذا ساعدت إنساناً فقد أحسنت إليه ، مساعدة بالمال ، بالصدقة بالهدية ، بالهبة وما أشبه ذلك هذا من الإحسان .

ومن الإحسان أيضاً : أنك إذا رأيت أخاك على ذنب ؛ أن تبين له ذلك وتنهاه عنه ؛ لأن هذا من أعظم الإحسان إليه ، قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ) قالوا : يا رسول الله ، هذا المظلوم فكيف ننصر الظالم ؟ قال : ( أن تمنعه من الظلم )(14)
فإن منعك إياه من الظلم نصر له وإحسان إليه ، والمهم أنه ينبغي لك ـ في
معاملة الناس ـ أن تستحضر هذه الآية (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )
فتحسن إليهم بقدر ما تستطيع .


(
وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ
ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذنُوبِهِم ) (آل عمران: 135) .


(وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً ) الفاحشة : ما يستفحش من الذنوب ، وهي كبائر الذنوب ، مثل الزنا ، شرب الخمر ، وقتل النفس وما أشبهها ، كل مل يستفحش فهو فاحشة (أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ) بما دون الفاحشة من المعاصي الصغار (ذَكَرُوا اللَّهَ ) أي : ذكروا عظمته وذكروا عقابه ، ثم ذكروا أيضاً رحمته وقبوله للتوبة وثوابها .

فهم يذكرون الله من وجهين :

الوجه الأول : من حيث العظمة ، والعقوبة ، والسلطان العظيم ، فيوجلون ويخجلون ويستغفرون .

والثاني :
من حيث الرحمة وقبول التوبة ، فيرغبون في التوبة ويستغفرون الله ؛ ولهذا
قال : ( ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِم ) ومن أفضل ما
يستغفر به سيد الاستغفار : ( اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت ، خلقتني
وأنا عبدك ، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ، أعوذ بك من شر ما صنعت ، أبوء
لك بنعمتك علي ، وأبوء بذنبي فأغفر لي ، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت
)(15).


قال الله تعالى : ( ومن يغفر الذنوب إلا الله
) يعني : لا أحد يغفر الذنوب إلا الله عز وجل لو أن الأمة كلها من أولها
إلى آخرها ، والجنة والملائكة اجتمعوا على أن يغفروا لك ذنباً واحداً ما
غفروه ؛ لأنه لا يغفر الذنوب إلا الله عز وجل ، ولكننا نسأل الله المغفرة ،
لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ، وأما أن يكون بيدنا أن نغفر ، فلا
يغفر الذنوب إلا الله .


قال تعالى : ( وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُون
َ) يعني : لم يستمروا على معاصيهم وظلمهم ؛ وهم يعلمون أنها معاصي وظلم ،
وفي هذا دليل على أن الإصرار مع العلم أمره عظيم ، حتى في صغائر الذنوب ؛
ولهذا ذهب كثير من العلماء إلى أن الإنسان إذا أصر على الصغيرة صارت كبيرة .
ومن ذلك ما يفعله جهلة الناس اليوم من حلق اللحية ، تجدهم يحلقون اللحية
ويصرون على ذلك ، ولا يرونها إلا زينة وجمالاً ، والحقيقة أنها شين ، وأنها
قبح ؛ لأن كل شيء ينتج عن المعصية فلا خير فيه ، بل هو قبح ، وهؤلاء الذين
يصرون على هذه المعصية ـ وإن كانت صغيرة ـ أخطئوا ؛ لأنها بالإصرار تنقلب
كبيرة والعياذ بالله ؛ لأن الإنسان لا يبالي بما يفعل ، تجده كل يوم ، كلما
أراد أن يخرج إلى السوق ، أو إلى عمله ؛ يذهب وينظر في المرآة ، فإذا وجد
شعرة واحدة قد برزت ، تجده يسارع إلى حلقها وإزالتها ، نسأل الله العافية ،
وهذا لا شك أنه معصية للرسول عليه الصلاة والسلام ، وإن الإنسان ليخشى
عليه من هذا الذنب أن يتدرج به الشيطان إلى ذنوب أكبر وأعظم .


قال الله تعالى : (
أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِين
َ) .


اللهم اجعلنا من هؤلاء العاملين واجعل جزاءنا ذلك يا رب العالمين .



* * *

وأما الأحاديث :

87 ـ فالأول :
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (
بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً
ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً ، يبيع دينه بعرض من الدنيا ) رواه مسلم
(16) .

الشرح


قال المؤلف ـ رحمه الله ـ فيما رواه عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( بادروا بالأعمال
) وبادروا : يعني أسرعوا إليها ؛ والمراد الأعمال الصالحة ؛ والعمل الصالح
ما بني على أمرين : الإخلاص لله ، والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه
وسلم ، وهذا تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله ،وأن محمد رسول الله ، فالعمل
الذي ليس بخالص ليس بصالح ، لو قام الإنسان يصلي ؛ ولكنه يرائي الناس
بصلاته ، فإن عمله لا يقبل ؛ حتى لو أتى بشروط الصلاة ، وأركانها ،
وواجباتها ، وسننها ، وطمأنينتها ، وأصلحها إصلاحاً تاماً في الظاهر ،
لكنها لا تقبل منه ، لأنها خالطها الشرك ، والذي يشرك بالله معه غيره لا
يقبل الله عمله ، كما في الحديث الصحيح ؛ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( قال الله تعالى : أنا أغنى الشركاء عن الشرك ) يعني إذا أحد شاركني ؛ فأنا غني عن شركه ، ( من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه )(17) .


كذلك
أيضاً : لو أن الإنسان أخلص في عمله ، لكنه أتى ببدعة ما شرعها الرسول
عليه الصلاة والسلام ؛ فإن عمله لا يقبل حتى لو كان مخلصاً ، حتى لو كان
يبكي من الخشوع ، فإنه لا ينفعه ذلك ؛ لأن البدعة وصفها النبي صلى الله
عليه وسلم بأنها ضلالة ، فقال فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة )(18) .


ثم قال : (فتناً كقطع الليل المظلم ) أخبر
أنه ستوجد فتن كقطع الليل المظلم ـ نعوذ بالله ـ يعني أنها مدلهمة مظلمة ؛
لا يرى فيها النور والعياذ بالله ، ولا يدري الإنسان أين يذهب ؛ يكون
حائراً ، ما يدري أين المخرج ، أسأل الله أن يعيذنا من الفتن .


والفتن
منها ما يكون من الشبهات ، ومنها ما يكون من الشهوات ، ففتن الشبهات : كل
فتنة مبنية على الجهل ، ومن ذلك ما حصل من أهل البدع الذين ابتدعوا في
عقائدهم ما ليس من شريعة الله ، أو أهل البدع الذين ابتدعوا في أقوالهم
وأفعالهم ما ليس من شريعة الله ، فإن الإنسان قد يفتن ـ والعياذ بالله ـ
فيضل عن الحق بسبب الشبهة .


ومن ذلك أيضاً :
ما يحصل في المعاملات من الأمور المشتبهة التي هي واضحة في قلب الموقن ،
مشتبهة في قلب الضال والعياذ بالله ، تجده يتعامل معاملة تبين أنها محرمة ،
لكن لما على قلبه من رين الذنوب ـ نسأل الله العافية ـ يشتبه عليه الأمر ،
فيزين له سوء عمله ، ويظنه حسناً ، وقد قال الله في هؤلاء : ( قُلْ هَلْ
نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ
سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ
يُحْسِنُونَ صُنْعا ً) (الكهف:103،104 )
، فهؤلاء هم الأخسرون والعياذ بالله .

وتكون
الفتن ـ أيضاً ـ من الشهوات ، بمعنى أن الإنسان يعرف أن هذا حرام ، ولكن
لأن نفسه تدعوه إليه فلا يبالي النبي صلي الله عليه وسلم بل يفعل الحرام ،
ويعلم أن هذا واجب ، لكن نفسه تدعوه للكسل فيترك هذا الواجب ، هذه فتنة
شهوة ، يعني فتنة إرادة ، ومن ذلك أيضاً ـ بل من أعظم ما يكون ـ فتنة شهوة
الزنا أو اللواط والعياذ بالله ، وهذه من أضر ما يكون على هذه الأمة، قال
النبي عليه الصلاة والسلام: ( ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء )(19) وقال : ( اتقوا النساء ، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء )(20)
، ولدينا الآن ـ وفي مجتمعنا ـ من يدعو إلى هذه الرذيلة ـ والعياذ بالله ـ
بأساليب ملتوية ، يلتوون فيها بأسماء لا تمت إلى ما يقولون بصلة ، لكنها
وسيلة إلى ما يريدون ؛ من تهتك لستر المرأة ، وخروجها من بيتها لتشارك
الرجل في أعماله ، ويحصل بذلك الشر والبلاء ، ولكن نسأل الله أن يجعل كيدهم
في نحورهم ، وأن يسلط حكامنا عليهم ؛ بإبعادهم عن كل ما يكون سبباً للشر
والفساد في هذه البلاد ، ونسأل الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن يوفق لحكامنا
بطانة صالحة ؛ تدلهم على الخير ، وتحثهم عليه .


إن
فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ، وهي أعظم فتنة ، وهناك أناس الآن
يحيكون كل حياكة من أجل أن يهدروا كرامة المرأة ، من أجل أن يجعلوها
كالصورة ، كالدمى ، مجرد شهوة وزهرة يتمتع بها الفساق والسفلاء من الناس ،
ينظرون إلى وجهها كل حين وكل ساعة والعياذ بالله ، ولكن ـ بحول الله ـ أن
دعاء المسلمين سوف يحيط بهم ، وسوف يكبتهم ويردهم على أعقابهم خائبين ،
وسوف تكون المرأة السعودية ـ بل المرأة في كل مكان من بلاد الإسلام ـ
محترمة مصونة ، حيث وضعها الله عز وجل .


المهم
أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ حذرنا من هذه الفتن التي هي كقطع الليل
المظلم ، يصبح الإنسان مؤمناً ويمسي كافراً ، والعياذ بالله . يوم واحد
يرتد عن الإسلام ، يخرج من الدين ، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً . نسأل الله
العافية . لماذا ؟ ( يبيع دينه بعرض من الدنيا )
ولا تظن أن العرض من الدنيا هو المال ، كل متاع الدنيا عرض، سواء مال ، أو
جاه أو رئاسة ، أو نساء ، أو غير ذلك، كل ما في الدنيا من متاع فإنه عرض ،
كما قال تعالى : ( تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ
اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ) (النساء: 94) فما في الدنيا كله عرض .


فهؤلاء
الذين يصبحون مؤمنين ويمسون كفاراً ، أو يمسون مؤمنين ويصبحون كفاراً ،
كلهم يبيعون دينهم بعرض من الدنيا ، نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من الفتن .
واستعيذوا دائماً يا أخواني من الفتن ، وما أعظم ما أمرنا به نبينا عليه
الصلاة والسلام ، حيث قال : ( إذا تشهد أحدكم ـ يعني التشهد الأخير ـ فليستعذ
بالله من أربع ، يقول : اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ، ومن عذاب القبر ،
ومن فتنة المحيا والممات ، ومن شر فتنة المسيح الدجال
)(21) نسأل الله أن يثيبنا وإياكم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة .




* * *

88
ـ الثاني : عن أبي سروعة ـ بكسر السين المهملة وفتحها ـ عقبة بن الحارث
رضي الله عنه قال : صليت وراء النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة العصر ،
فسلم ثم قام مسرعاً فتخطى رقاب الناس إلى بعض حجر نسائه ، ففزع الناس من
سرعته ، فخرج عليهم ، فرأى أنهم قد عجبوا من سرعته ، قال : ( ذكرت شيئاً من
تبر عندنا ، فكرهت أن يحبسني ، فأمرت بقسمته )(22) رواه البخاري .


وفي رواية له : ( كنت خلفت في البيت تبرا ً من الصدقة ؛ فكرهت أن أبيته ).

( التبر ) قطع ذهب أو فضة .

الشرح

قال
المؤلف ـ رحمه الله ـ فيما نقله عن عقبة بن الحارث رضي الله عنه ؛ أنه صلى
مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم صلاة العصر ، فقام النبي صلى الله
عليه وسلم حين أنصرف من صلاته مسرعاً ؛ يتخطي رقاب الناس على بعض حجرات
زوجاته ، ثم خرج فرأى الناس قد عجبوا من ذلك ، فبين لهم النبي صلى الله
عليه وسلم سبب هذا، وقال ( ذكرت شيئاً من تبر عندنا ) يعني مما تحب قسمته ( فكرهت أن يحبسني فأمرت بقسمته ).


ففي
هذا الحديث المبادرة إلى فعل الخير ، وألا يتوانى الإنسان عن فعله ، وذلك
لأن الإنسان لا يدري متى يفاجئه الموت ؛ فيفوته الخير ، والإنسان ينبغي أن
يكون كيساً ، يعمل لما بعد الموت ولا يتهاون ، وإذا كان الإنسان في أمور
دنياه يكون مسرعاً ، وينتهز الفرص ، فإن الواجب عليه في أمور أخراه أن يكون
كذلك بل أولى ، قال الله تعالى : ( بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ
الدُّنْيَا (16)
وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17) إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى) (الأعلى:16-19) .

وفي
هذا الحديث دليل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسرع الناس مبادرة
إلى الخير ، أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ محتاج إلى العمل ؛ كما أن غيره
محتاج إلى العمل ؛ ولهذا لما حدث فقال : ( إنه لن يدخل الجنة أحد بعمله ) ، قالوا : لا أنت ؟ قال : ( ولا أنا إلا أن يتغمد ني الله برحمته )(23) ، هذا هو النبي عليه الصلاة والسلام .


وفي
هذا الحديث دليل على جواز تخطي الرقاب بعد السلام من الصلاة ، ولا سيما
إذا كان لحاجة ، وذلك لأن الناس بعد السلام من الصلاة ليسوا في حاجة إلى أن
يبقوا في أماكنهم ، بل لهم الانصراف ، بخلاف تخطي الرقاب قبل الصلاة ، فإن
ذلك منهي عنه ؛ لأنه إيذاء للناس ، ولهذا قطع النبي صلى الله عليه وسلم
خطبته يوم الجمعة حين رأى رجلاً يتخطى الرقاب ، فقال له : ( أجلس فقد آذيت )(24) .


وفي
هذا الحديث دليل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ كغيره من البشر ـ
يلحقه النسيان ، وأنه ينسى كما ينسى غيره ، وإذا كان صلى الله عليه وسلم
ينسى ما كان معلوماً عنده من قبل ، فإنه كذلك من باب أولى يجهل ما لم يكن
معلوماً عنده من قبل ، كما قال الله له ( قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي
خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي
مَلَكٌ ) (الأنعام:50) فأمره الله أن يعلن للملأ أنه ليس عنده خزائن الله ؛
وأنه لا يعلم الغيب ، وأنه ليس بملك صلوات الله وسلامه عليه .


وفي
هذا قطع السبيل على من يلتجئون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في مهماتهم
وملماتهم ، ويدعونه ، فإن هؤلاء من أعدائه وليسوا من أوليائه ؛ لأنه ـ عليه
الصلاة والسلام ـ لو كان حياً لاستتابهم ، فإن تابوا وإلا قتلهم ؛ لأنهم
مشركون ، فإن الإنسان لا يجوز أن يدعو غير الله عز وجل ؛ لا ملكاً مقرباً ،
ولا نبياً مرسلاً ، وهو ـ عليه الصلاة والسلام ـ إنما جاء لحماية التوحيد
وتحقيق عبادة الله ، فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب ، وينسى ما
كان قد علم من قبل ، ويحتاج إلى الأكل والشرب واللباس والوقاية من الأعداء ،
وقد ظاهر ـ بين درعين في غزوة أحد ـ يعني لبس درعين ـ خوفاً من السلاح .


فهو
كغيره من البشر ، جميع الأحكام البشرية تلحقه عليه الصلاة والسلام ؛ ولهذا
قال الله له : ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ
أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ) (الكهف: 110) ، فتأمل وصفه بأنه بشر
مثلكم ، لو لم يقل (مِثْلُكُمْ ) لكفى ، يعني إذا قال : إنما أنا بشر علمنا
بطريق القياس أنه بشر كالبشر لكن قال (مِثْلُكُمْ ) لا أتميز عليكم بشيءٍ
إلا بالوحي ، ( يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ ) الآية .


وفي
هذا الحديث أيضاً دليل على شدة الأمانة وعظمها ، وأن الإنسان إذا لم يبادر
بأدائها فإنها قد تحبسه ، ولهذا قال : ( فكرهت أن يحبسني )، وإذا كان هذا
في الأمانة ، فكذلك أيضاً في الدين ؛ يجب على الإنسان أن يبادر بقضاء دينه
إذا كان حالاً ، إلا أن يسمح له صاحب الدين فلا بأس أن يؤخر ، أما إذا كان
لم يسمح له ؛ فإنه يجب عليه المبادرة لأدائه ن حتى إن العلماء ـ رحمهم الله
ـ قالوا : إن فريضة الحج تسقط على من عليه الدين ؛ حتى يؤديه ؛ لأن الدين
أمره عظيم ، كان النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ قبل أن يفتح الله عليه
الفتوح ؛ إذا جئ إليه بالرجل سال : ( هل عليه دين ؟) فإن قالوا : لا ، تقدم وصلى عليه ، وإن قالوا نعم ، سأل : ( هل له وفاء ؟) فإن
قالوا : نعم ، تقدم وصلى ، وإن قالوا : لا، تأخر ولم يصل . يترك الصلاة
على الميت إذا كان عليه دين . فقدم إليه ذات يوم رجل من الأنصار ، ليصلي
عليه ، فخطا خطوات ، ثم قال : ( هل عليه دين ؟ ) قالوا : نعم يا رسول الله : ثلاثة دنانير وليس لها وفاء ، فتأخر وقال : ( صلوا على صاحبكم
) فعرف ذلك في وجوه القوم ، تغيرت وجوههم ، كيف لم يصل عليه النبي عليه
الصلاة والسلام ؟! فتقدم أبو قتادة رضي الله عنه ، وقال يا رسول الله ، علي
دينه ، فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فصلى عليه(25) .


ومع
الأسف ؛ الآن تجد كثيراً من الناس عليه الدين ؛ وهو قادر على الوفاء ،
ولكنه يماطل والعياذ بالله ، وقد ثبت عن النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ ،
أنه قال : ( مطل الغني ظلم )(26) وأعلم أن الدين ليس كما
يفهمه الناس ؛ هو الذي يأخذ سلعة بثمن أكثر من ثمنها ، الدين كل ما ثبت في
الذمة ، فهو دين حتى القرض ـ السلف ـ حتى إيجار البيت ، حتى أجرة السيارة ،
أي شيءٍ يثبت في ذمتك فهو دين ؛ عليك أن تبادر بوفائه ما دام حالاً .


وفي هذا الحديث أيضاً دليل على جواز التوكيل في قسم ما يجب على الإنسان قسمته؛ ولهذا قال : ( فأمرت بقسمته )
فأمر ـ عليه الصلاة والسلام ـ أن يقسم ، وهذا التوكيل جائز في كل حق تدخله
النيابة من حقوق الله ؛ كالحج مثلاً ، وأداء الزكاة ، وحقوق الآدميين ؛
كالبيع ، والشراء ، والرهن ، وما أشبهها .


وخلاصة هذا الحديث : هو
المبادرة إلى فعل الخيرات ، وعدم التهاون في ذلك ، واعلم أنك إذا عودت
نفسك على التهاون اعتادت عليه وإذا عودتها على الحزم والفعل والمبادرة
اعتادت عليه . وأسال الله ـ تعالى ـ أن يعينني وإياكم على ذكره ، وشكره ،
وحسن عبادته .




* * *

89 ـ الثالث :
عن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد
: أرأيت إن قتلت فأين أنا ؟ قال : ( في الجنة ) فألقى تمرات كن في يده ،
ثم قاتل حتى قتل . متفق عليه (27).


الشرح


قال
المؤلف ـ رحمه الله ـ فيما نقله عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه وعن
أبيه ، أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد : يا رسول الله ،
أرأيت إن قاتلت حتى قتلت ، قال : ( أنت في الجنة )
، فألقى تمرات كانت معه ، ثم تقدم فقاتل حتى قتل رضي الله عنه ، ففي هذا
الحديث دليل على مبادرة الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ إلى الأعمال الصالحة ،
وأنهم لا يتأخرون فيها ، وهذا شانهم ؛ ولهذا كانت لهم العزة في الدنيا ،
وفي الآخرة .


ونظير
هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم عيد ، ثم نزل فتقدم إلى
النساء فخطبهن ، وأمرهن بالصدقة ، فجعلت المرأة منهن تأخذ خرصها وخاتمها،
وتلقيه في ثوب بلال ، يجمعه ، حتى أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم(28) ، ولم يتأخرن ـ رضي الله عنهن ـ بالصدقة ، بل تصدقن حتى من حليهن .


وفي حديث جابر من الفوائد :
أن من قتل في سبيل الله ؛ فإنه في الجنة ، ولكن من هو الذي يقتل في سبيل
الله ؟ الذي يقتل في سبيل الله : هو الذي يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا ،
لا يقاتل حمية ولا شجاعة ولا رياء ، وإنما يقاتل لتكون كلمة الله هي
العليا ، أما من قاتل حمية ؛ مثل الذين يقاتلون من أجل القومية العربية
مثلاً ، فإن هؤلاء ليسوا شهداء ؛ وذلك لأن القتال من أجل القومية العربية
ليس في سبيل الله ، لأنه حمية .


وكذلك أيضاً
: من يقاتل شجاعة ؛ يعني من تحمله شجاعته على القتال لأنه شجاع ، والغالب
أن الإنسان إذا اتصف بصفة يحب أن يقوم بها ، فهذا أيضاً إذا قتل ليس في
سبيل الله .


وكذلك أيضاً :
من قاتل مراءاة والعياذ بالله ؛ ليرى مكانه ، وأنه رجل يقاتل الأعداء
الكفار ، فإنه ليس في سبيل الله ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن
الرجل يقاتل حمية ، ويقاتل شجاعة ، ويقاتل ليرى مكانه ؛ أي ذلك في سبيل
الله ؟ فقال : ( من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله )(29) .


وفي
هذا دليل على حرص الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ على معرفة الأمور ؛ لأن هذا
الرجل سأل النبي عليه الصلاة والسلام ، وكان هذا من عادتهم ؛ أنهم لا
يفوتون الفرصة حتى يسألوا النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنهم يستفيدون من
هذا علماً وعملاً ، فإن العالم بالشريعة قد من الله عليه بالعلم ، ثم إذا
عمل به فهذه منّه أخرى ، والصحابة ـ رضي الله عنهم ـ كان هذا شأنهم ،
فيسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن الحكم الشرعي من أجل أن يعملوا به ،
بخلاف ما عليه من الناس اليوم ، فإنهم يسألون عن الأحكام الشرعية ؛ حتى إذا
عملوا بها تركوها ، ونبذوها وراء ظهورهم ، وكأنهم لا يريدون من العلم لا
مجرد المعرفة النظرية ، وهذا في الحقيقة خسران مبين ؛ لأن من ترك العمل بعد
علمه به فإن الجاهل خير منه .


فإذا قال قائل :
لو رأينا رجلاً يقاتلون ، ويقولون : نحن نقاتل للإسلام ، دفاعاً عن
الإسلام ، ثم قتل أحد منهم ؛ فهل نشهد له بأنه شهيد ؟ فالجواب : لا . لا
نشهد بأنه شهيد ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما من مكلوم
يكلم في سبيل الله ـ والله أعلم بمن يكلم في سبيله ـ إلا جاء يوم القيامة
وجرحه يثغب دماً ، اللون لون الدم ، والريح ريح المسك
)(30) فقوله : ( والله أعلم بمن يكلم في سبيله
) يدل على أن الأمر يتعلق بالنية المجهولة لنا ، المعلومة عند الله ، وخطب
عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ ذات يوم فقال : أيها الناس ، إنكم تقولون :
فلان شهيد وفلان شهيد ، ولعله أن يكون قد أوقر راحلته ؛ يعني قد حملها من
الغلول ؛ يعني لا تقولوا هكذا ، ولكن قولوا : من مات أو قتل في سبيل الله
فهو شهيد ، فلا تشهد لشخص بعينه أنه شهيد ؛ إلا من شهد له النبي صلى الله
عليه سلم فإنك تشهد له ، وأما من سوى هذا فقل كلاماً عاماً قل : من قتل في
سبيل الله فهو شهيد ، وهذا نرجو أن يكون من الشهداء ، وما أشبه ذلك . والله
الموفق .




* * *

90 ـ الرابع :
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فقال : يا رسول الله ، أي الصدقة أعظم أجراً ؟ قال : أن تصدق وأنت صحيح
شحيح تخشى الفقر ، وتأمل الغنى ، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت :
لفلان كذا ولفلان كذا ، وقد كان لفلان ) متفق عليه(31) .


(الحلقوم) : مجرى النفس . و( المريء ) : مجرى الطعام والشراب .

الشرح

هذا
الحديث ساقه المؤلف ـ رحمه الله ـ في باب المبادرة إلى فعل الخيرات ، وعدم
التردد في فعلها إذا أقبل عليها . فإن هذا الرجل سأل النبي صلى الله عليه
وسلم أي الصدقة أفضل ؟ وهو لا يريد أي الصدقة أفضل في نوعها ، ولا في
كميتها ، وإنما يريد ما هو الوقت الذي تكون فيه الصدقة أفضل من غيرها ،
فقال له : ( أن تصدق وأنت صحيح شحيح )
يعني صحيح البدن شحيح النفس ؛ لأن الإنسان إذا كان صحيحاً كان شحيحاً
بالمال ؛ لأنه يأمل البقاء ، ويخشى الفقر ، أما إذا كان مريضاً ، فإن
الدنيا ترخص عنده ، ولا تساوي شيئاً فتهون عليه الصدقة .


قال : ( أن تصدق وأنت صحيح شحيح ، تأمل البقاء وتخشى الفقر ) وفي رواية : ( تخشى الفقر وتأمل الغنى ) ، ولكن الرواية الأولى أحسن ، وقوله : ( تأمل البقاء
) يعني : أنك لكونك صحيحاً تأمل البقاء وطول الحياة ؛ لأن الإنسان الصحيح
يستبعد الموت ، وإن كان الموت قد يفجأ الإنسان ، بخلاف المريض ؛ فإنه
يتقارب الموت . وقوله : ( وتخشى الفقر ) يعني : لطول حياتك ، فإن
الإنسان يخشى الفقر إذا طالت به الحياة ؛ لأن ما عنده ينفد ، فهذا أفضل ما
يكون ؛ أن تتصدق في حال صحتك وشحك .


( ولا تهمل ) أي لا تترك الصدقة ، ( حتى إذا بلغت الحلقوم ، قلت لفلان كذا ولفلان كذا ) يعني لا تمهل ، وتؤخر الصدقة ، حتى إذا جاءك الموت وبلغت روحك حلقومك ،وعرفت أنك خارج من الدنيا، ( قلت : لفلان كذا ) يعني صدقة ، ( ولفلان كذا ) يعني صدقة ، ( وقد كان لفلان ) أي قد كان المال لغيرك ، ( لفلان ) : يعني للذي يرثك . فإن الإنسان إذا مات انتقل ملكه ، ولم يبق له شيء من المال .

ففي
هذا الحديث دليل على أن الإنسان ينبغي له أن يبادر بالصدقة قبل أن يأتيه
الموت ، وأنه إذا تصدق في حال حضور الأجل ، كان ذلك أقل فضلاً مما لو تصدق
وهو صحيح شحيح .


وفي
هذا دليل على أن الإنسان إذا تكلم في سياق الموت فإنه يعتبر كلامه إذا لم
يذهل ، فإن أذهل حتى صار لا يشعر بما يقول فإنه لا عبرة بكلامه، لقوله : ( حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان : كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان ) .


وفيه دليل على أن الروح تخرج من أسفل البدن ، تصعد حتى تصل إلى أعلى البدن ، ثم تقبض من هناك ، ولهذا قال : ( حتى إذا بلغت الحلقوم )، وهذا كقوله تعالى : ( فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ ) (الواقعة:83-84) فأول
ما يموت من الإنسان أسفله ، تخرج الروح بأن تصعد في البدن، إلى أن تصل إلى
الحلقوم ، ثم يقبضها ملك الموت ، نسأل الله أن يختم لنا ولكم بالخير
والسعادة . والله الموفق .




* * *

91 ـ الخامس :
عن أنس رضى الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ سيفاً يوم أحد
فقال:( من يأخذ مني هذا ؟ فبسطوا أيديهم ، كل إنسان منهم يقول : أنا أنا .
قال : ( فمن يأخذه بحقه ؟ ) فأحجم القوم ، فقال أبو دجانة رضي الله عنه :
أنا آخذه بحقه ، فأخذه ففلق به هام المشركين . رواه مسلم (32).


اسم أبي دجانة : سماك بن خرشة . قوله : ( أحجم القوم ) أي توقفوا. و( فلق به ) : أي شق ، ( هام المشركين ) : أي رؤوسهم .

الشرح


في
هذا الحديث يقول أنس : إن الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد ؛ وغزوة
أحد إحدى الغزوات الكبار التي غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه ،
وأحد جبل قرب المدينة ، وكان سبب الغزوة : أن قريشاً لما أصيبوا يوم بدر
بقتل زعمائهم وكبرائهم ؛ أرادوا أن يأخذوا بالثار من النبي صلى الله عليه
وسلم فجاءوا إلى المدينة يريدون غزو الرسول صلى الله عليه وسلم فاستشار
النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه حين علم بقدومهم ، فأشار عليه بعضهم
بالبقاء في المدينة ، وأنهم إذا دخلوا المدينة أمكن أن يرموهم بالنبل وهم
متحصنون في البيوت ، وأشار بعضهم ؛ ولا سيما الشباب منهم والذين لم يحضروا
غزوة بدر ؛ أشار أن يخرج إليهم ، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم بيته ولبس
لامته ، يعني لامة الحرب ، ثم خرج ، وأمر بالخروج إليهم في أحد .


فالتقوا
في أحد ، وصف النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه صفاً مرتباً من أحسن ما
يكون ، وجعل الرماة الذين يحسنون الرمي بالنبل ـ وهم خمسون رجلاً ـ على
الجبل ، وأمر عليهم عبد الله بن جبير رضي الله عنه وقال لهم : لا تبرحوا
مكانكم ، وابقوا في مكانكم ، سواء كانت لنا أو علينا .


فلما
التقى الصفان ، انهزم المشركون وولوا الأدبار ، وصار المسلمون يجمعون
الغنائم ، فقال الرماة الذين في الجبل : انزلوا نأخذ الغنائم ، ونجمعها .
فذكرهم أميرهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم لهم أن يبقوا في مكانهم ،
سواء كانت للمسلمين أو عليهم ، ولكنهم ـ رضي الله عنهم ـ ظنوا أن الأمر قد
انتهى ؛ لأنهم رأوا المشركين ولوا ولم يبقى إلا نفر قليل ، فلما رأى فرسان
قريش أن الجبل قد خلا من الرماة ؛ كروا على المسلمين من خلفهم ، ثم اختلطوا
بالمسلمين ، فصار ما كان بقدر العزيز الحكيم جل وعلا ، واستشهد من
المسلمين سبعون رجلاً ، ومنهم حمزة بن عبد المطلب ـ رضي الله عنه ـ عم رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، أسد الله وأسد رسوله .


فلما
أصيب المسلمين بهذه المصيبة العظيمة ؛ قالوا : أنى هذا ، كيف نهزم ومعنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن جند الله ، وأولئك معهم الشياطين : وهم
جنود الشياطين ، فقال الله عز وجل لهم : ( أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ
مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ
مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ) (آل عمران: من الآية165) ، أنتم السبب ، لأنكم
عصيتم ، كما قال الله تعالى : ( حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ
فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ )
(آل عمران : من الآية152) يعني حصل ما تكرهون .


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

زهرات من بستان رياض الصالحين للشيخ العثيمين

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» بشرى أولى حلقات برنامج- رياض الصالحين - للشيخ الدكتور جمال عزون الجزائري * حفظه الله *
» شرح رياض الصالحين للعثيمين كتاب الكتروني رائع
» باب استحباب تقديم اليمين في كل ما هو من باب التكريم.....((رياض الصالحين)).
» أسئلة وأجوبة فى "الحج والعمرة".........للشيخ "العثيمين"
» بعض من انتهج السلفيَّة في عصرنا هذا صار يضلِّل كل من خالفه هؤلاء ليسوا من السلفيَّة في شيء للشيخ العثيمين

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منــــتديات تبسة الإســـــلامية :: العــــــلوم الشرعيـــــة :: العــقيــدة الصحيحة-