السياسة ..

مصطفى لطفي المنفلوطي

حضرة السيد الفاضل:
لم لا تكثر الكتابة في الشؤون السياسية اكثارك منها في الشؤون الاخلاقية والاجتماعية؟ وكيف يضيق بالسياسة قلمك وقد وسع ماهوادق مذهبا منها فاكتب لنا في السياسة فأمتك تحب ان تراك سيايا والسلام.
(فلان)

ايها الكاتب:
يعلم الله اني ابغض السياسة واهلها بغضي للكذب والغش والخيانة والغدر.
انا لا احب ان اكون سياسيا لاني لا احب ان اكون جلادا لا فرق عندي بين السياسيين والجلادين الا ان هؤلاء يقتلون الافراد واولئك يقتلون الامم والشعوب.
هل السياسي الا رجل قد عرفت امته انه لا يوجد بين افرادها من هو اقسى منه قلبا ولا اعظم كيدا ولا اكثر دهاءا ومكرا فنصبته للقضاء على الامم الضعيفة وسلبها ما وهبها الله من الحسنات واجزللها من الخيرات؟
اليس اكبر السياسيين مقاما واعظمهم فخرا واسيرهم ذكرا
ذلك الذي تقرأ صفحات تاريخه فنرى حروفها اشلاء القتلى ونقطها قطرات الدماء؟
ايستطيع الرجل ان يكون سياسيا الا اذا كان كاذبا في اقواله وافعاله يبطن مالايظهر ويظهر ما لا يبطن ويبسم في مواطن البكاء ويكي في مواطن الابتسام؟
ايستطيع الرجل ان يكون سياسيا .. الا اذا عرف ان بين جنبيه قلبا متحجرا لا يقلقه بؤس البائسين ولا تزعجه نكبات المنكوبين؟
كثيرا ما يسرق السارق فاذا قضى مأربه من عمله .. رفع يديه الى السماء متضرعا الى الله ان يرزقه المال حلالا حتى لا يتناوله حراما وكثيرا ما يقتل القاتل فاذا فرغ من امره جلس بجانب قتيله يبكي عليه بكاء الثاكل وحيدها ويتمنى بجدع الانف لو رد اليه حياته وافتداه بنفسه اما السياسي فلا يرى يوما في حياته اسعد من اليوم الذي يعلم فيه ان قد تم له تدبيره في هلاك شعب وقتل امة وآية ذلك
انه في يوم انتصاره-كما يسميه هو-او في يوم جريمته- كما اسميه انا وتسميه العدالة الانسانية*-يسمع هتاف الهاتفين باسمه واسم الجريمة التي ارتكبها
مطمئن القلب مثلج الصدر حتى ليخيل اليه ان الفضاء بارضه وسمائه اضيق من ان يسع قلبه الطائر المحلق فرحا وسرورا.
يقولون: ان السياسة ليست علما من العلوم التي يتلقاها الانسان في مدرسة او يدرسها في كتاب وانما هي مجموعة من افكار قانونها التجارب
وقاعدتها العمل .. اتدري لماذا؟
لان العلماء اشرف من ان يدونوا المكايد والحيل في كتاب .. ولان المدارس اجل من ان تجعل بجانب دروس الاخلاق والآداب دروس الاكاذيب والاباطيل والا فكل طائفة من المعلومات المتشابهة تدخل بطبيعتها تحت نظام عام يؤلفها ويجمع شتاتها ويسمى علما.
هؤلاء هم السياسيون وهذه هي اخلاقهم وغرائزهم فهل تظن يا سيدي ان رجلا نصب نفسه لخدمة الحقيقة ومناصرتها على الباطل واستنقاذ الفضيلة من مخالب الرذيلة ووقف قلمه على تهذيب النفوس وترقية الاخلاق .. وملأفي رسائله فضاء الار والماء بكاء على الضعفاء والمساكين والمظلومين والمضطهدين يستطيع ان يكون سياسيا او محاسبا للسياسيين؟
.............................. ..........
*بعض المفكرين يعتبر مصطلح "انسانية" مصطلحا ماسونيا دخيلا

نسختها قديما عن المجموعة الكاملة للمنفلوطي .. وآسف لعدم تحقيق الهمزات فقد كتبتها على ال(google arabic keyboard)

بسم الله الرحمان الرحيم
السلام عليكم و رحم الله و بركاته

رحم الله الكاتب و الأديب الكبير الأستاذ مصطفى لطفي المنفلوطي ... غير أنني و للأسف لا أشاطره الرأي في ما ذهب إليه في هذا المقال ... فليس كل سياسي بكذاب أو آفاك أو لص أو غير مؤتمن أو ما إلى ذلك من الصفات الذميمة أكيد من مارس السياسة بهذه الأخلاق نمقطه و نبغضه ... و لكن ماذا عن من مارسها و هو ملتزما بتعاليم الإسلام ؟؟؟

و هل من اشتغل بالإقتصاد و الإجتماع و الرياضة والأدب و التاريخ و غير ذلك من الفنون كان معصوما من الكذب و الخيانة و اللصوصية و ما إلى ذلك من الرذائل ؟؟؟

رحم الله الإمام بديع الزمان سعيد النورسي، حيث قال :" ما أعظم ضرر الإطلاق فيمقام التقييد، و التعميم في مقام التخصيص ... و من هذا تتعادى الاجتهادات المتآخية ." و الله المستعان

بسم الله الرحمان الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

هل قلت شيئا يسيء للأديب الكبير الأستاذ المنفلوطي ... فقط خلفته الرأي في ما ذهب إليه ...

و لكني ما فهمت قصدك من هذه الجملة ( ولولا خشية الرجوع إلى تلك الأيام لخاطبتك بغير هذا الكلام فأرجوا أن تعذرني والسلام )

يا أخي من حقك أن تتبنى فكرة أو رأي زيد أو عمر من العلماء أو المفكرين و قد تعرضها على الغير و للغير وجهة نظر قد تتفق مع نظرتك و قد تتفق مع بعض من نظرتك و قد تخالفك ... فهل من مشكلنا اذا اختلفت الأراء ... المهم أن لا تختلف القلوب و أن لا تختلف الأراء تبعا للهواء ... عدا ذلك الأمر عندي عادي ... و الله المستعان

بسم الله الرحمان الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

تأكد يا أخي و الله شاهد على ما أقول لم يتبادر إلى ذهني شيء من سوء الظن بك ... و طبعا نريد أن نواصل النقاش لنضع النقاط على الحروف في ما هو إيجابي في السيساسة و في ما هو سلبي ... و من تعقيبي على الموضوع أردت أن أنبه أن البعض و هم كبار يتناولون بعض المواضيع من زاوية دون أخرى أو بعين دون أخرى الشيء الذي قد يفسد التصور عند الغير خاصة ممن لم يحط علما بالموضوع ... فإذا تعرض الموضوع للنقاش و الحوار و الأخذ و الرد وقف الجميع على ما هو صواب في كلام الكاتب و على ما هو خطأ ... عندها يؤخذ ما هو مباح و ما تبين لنا الخير فيه و يترك ما تبين لنا شره ...

و موضوع السياسة واحد من المواضيع المهمة و العلماء فيه منقسمون بعضهم يراها شرا كلها لا تأتي بخير و البعض الآخر يرى غير ذلك ... و للوقوف على الحقيقة الأمر يستدعي شيء من التمحيص و البحث عن الحق لا عن القائل على رأي الإمام علي رضي الله عنه :" أعرف الحق تعرف أهله "

و شخصيا أتمنى أن يحظى الموضوع بالنقاش و الحوار لنستفيد من وجهات النظر المختلفة على أن نكون واقفون عند الحق ... و الله المستعان