توديع رمضان

كتبه أبو عبد المهيمن





بسم الله الرحمان الرحيم



الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.

أما بعد:

عباد الله اشكروا ربكم على ما منّ به عليكم من بلوغ هذا الشهر الكريم، الذي أزف على الرحيل، ذاهبا عنكم بما حمّلتموه من الأعمال، قادما بها عليكم غدا ، فيا ليت شعري ماذا أودعتموه وبأي الأعمال ودعتموه؟

واسألوه جل وعلا أن يتقبل منكم الصيام والقيام، وسائر العبادات والأعمال، وأن يتجاوز عنكم التقصير وما ارتكبتموه من الذنوب والآثام، فقد أرشد النبي الكريم عليه أفضل صلاة وأتم تسليم أُمّنا عائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها "لما قالت: له يارسول الله إن عَلِمتُ أيُّ ليلةٍ ليلةُ القدر ما أقول فيها؟ قال:قولي: اللهم إنك عفوٌّ تحب العفو فاعف عني." [رواه الترمذي برقم"3513 وابن ماجة برقم3850 وصححه الألباني.]

(وهذا الدعاء المبارك عظيم المعنى عميق الدلالة كبير النفع والأثر، وهو مناسب لهذه الليلة غاية المناسبة، فهي الليلة التي يُفرق فيها كل أمر حكيم، ويُقدّر فيها أعمال العباد لسنة كاملة حتى ليلة القدر الأخرى، فمن رزق في تلك الليلة العافية وعفا عنه ربه فقد أفلح، وفاز وربح أعظم الربح، ومن أوتي العافية في الدنيا والآخرة فقد أوتي الخير بحذافيره، والعافية لا يعدلها شيء.) [فقه الأدعية والأذكار لعبد الرزاق البدر القسم الثالث ص267]

فتضرعوا -رحمكم الله- إليه سبحانه في طلب العفو، فإن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أيُّ الدعاء أفضل؟ قال: "سل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة" ثم أتاه الغد فقال: يانبي الله، أي الدعاء أفضل؟ قال:"سل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة، فإذا أعطيت العافية في الدنيا والآخرة فقد أفلحت." [رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني في صحيح الأدب: 495]

(وإنما أمر بهذا الدعاء بعد الاجتهاد في الأعمال فيها وفي ليالي العشر، لأن العارفين يجتهدون في الأعمال، ثم لا يرون لأنفسهم عملا صالحا، ولا حالا، ولا مقالا، فيرجعون إلى سؤال العفو،كحال المذنب المقصر، قال يحي بن معاذ: ليس بعارف من لم يكن غاية أمله من الله العفو.) [لطائف المعارف للحافظ ابن رجب ص280 بتصرف يسير]

فألـحُّوا به على ربكم فإنه عفوٌّ كريم بَرّ رحيم، فهو (العفوُّ الذي لم يزل، ولا يزال بالعَفْو معروفا، وبالغفران والصفح عن عباده موصوفا، كل أحد مضطر إلى عفوه ومغفرته،كما هو مضطر إلى رحمته وكرمه.) [مقدمة تفسير الشيخ السعدي].

واجتهدوا في ما بقي من الأيام، فـ«إنما الأعمال بالخواتيم»، فكم من عاص تاب إلى الله وأطاع فأدركته عناية الله في الآخر، واختموا أعمالكم بالاستغفار، فهو (ختام الأعمال الصالحة كلها، فيختم به الصلاة والحج والقيام في الليل، ويختم به المجالس، فإن كانت ذِكرا كان كالطابع عليها، وإن كانت لغوا كان كفارة لها، فكذلك ينبغي أن يختم صيام رمضان بالاستغفار، يُرقع ما تخرق من الصيام باللغو والرفث.) [المناهل الحسان في دروس رمضان للعلامة عبد العزيز السلمان رحمه الله تعالى ص239]

وداوموا بعد رمضان على التقرب إلى القريب المجيب بتلاوة القرآن والقيام وغيرها من الأعمال التي حافظتم عليها فيه، ولا تكونوا ممن قال فيهم الحسن البصري: "بئس القوم الذين لايعرفون الله إلا في رمضان." فلا تكونوا من أولئك الذين يصومون في رمضان، ويصلون فيه الصلوات الخمس في المساجد، ويستقيمون، فإذا انقضى شهر الرحمة والغفران والعتق من النيران، رجعوا إلى الضلال والعصيان، فمالكم تعصُون بعد طاعة، وتضِلُّون بعد هدى، وتعوَجَّون بعد استقامة.

وأتبعوا هذا الشهر بصيام ست من شوال فمن فعل هذا فكأنه صام الدهر، كما أخبر بهذا خير الأنام عليه الصلاة والسلام.

نسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يتقبل من الصيام والقيام وسائر الأعمال، وأن يعفو عنا ويغفر لنا تقصيرنا، ويثبتنا على طاعته، ويختم لنا بالحسنى، إنه سميع الدعاء.

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.