اعتذار قلم طال صمته



أتيت اليوم و النفس راجية إلى من يزيل نفارها، و الهمّة تائقة إلى من يرمّم عوارها، حتى كانت المظنّة بي كسر اليراع، و هجر الرّقاع، و حسب الأخلاّء في النادي أنّا قد ابتغينا بدلا عن اخاءهم، أو عدلنا عن حسن آرائهم.. لا والله ! بل كفاني أنّكم تكرمونني حتى في الغياب، و تذكرونني بأحسن الكلم المستطاب، كأنْ تأتي "سفينة الحياة" لتحتملني على ظهرها في بحر صروف المحن، ثمّ لتهبّ عليها رياحين من الجنان لتملأ أشرعتها إيمانا و يقينا، ثم تسير بها إلى حيث قدر الله لها أن تسير.. أو أن يداهمني المنصف كما ألفناه بما فيه عزاء الغرباء.

و كيف لقلمي أن يعتذر و هو المقصّر في حقّ إخوانه ؟ و كيف له أن يستتر و هو من أجرم بنأيه عن جلاّسه ؟ بل قد كفاه من العتب ما عنّف به نفسه، و لكن الله يشهد أنّ صمته قد قُسِر عليه اجبارا لا ختيارا، فما كان منه إلا ممّا يكون من المثخن الجريح، الذي كان بالأمس المجاهد الصريح.. غير أنّي سأكفّر عن خطيئتي بالعودة إلى سالف العهد، و الأوبة إلى سابق المجد، لنجدّد التذكرة، بما يكون لنا صلاحا في الآخرة، و أستنزل من النثر ما يكتحل به الناظر، و يتعلّل به الخاطر العاطر، و لا أكتم أنّ الحنين يهزّني إلى القوافي، فقد بَعُد عهدي عنها و استعصت عليّ عقابا للجافي، و لعلّ قد يكون فيما ننثره ما يجمع الله به شتاتنا، و يلّم به شعثنا، و إلى الله نرفع الشكوى، و نشكو شدّة البلوى، و يكفيني من لدنكم النصح الصحيح، و الودّ الصريح، و حسبي من العزاء ما نعرفه من حلمكم المألوف، و ما وصلنا من كرمكم المعروف.. و السلام.