السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : زائرنا الكريم مرحبا بك بين إخوانك في منتديات تبسة الإسلامية ، بعد التسجيل ستجد رسالة تأكيد التسجيل في بريدكم ، نرجوا لكم قضاء وقت مفيد ومريح في هذا الفضاء التربوي العلمي .
موضوع: رد: شرح اعتقاد الإمام الداني في القراءات السبت 6 مارس 2010 - 11:38
قال (رضي الله عنه): «كنت في المسجد فدخل رجل يصلي، فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فلما قضيت الصلاة دخلنا جميعا على رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)، فقلت: إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه؛ فأمرهما رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) فقرآ فحسّن النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) شأنهما، فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية، فلما رأى رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) ما قد غشيني، ضرب في صدري، ففضت عرقا، وكأني أنظر إلى الله (عز وجل) فرقا، فقال لي: ...» الحديث.رواه مسلم.
وفي رواية لأحمد (5/114) قال: «فضرب النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) بيده في صدري، ثم قال اللهم أذهب من أبيّ الشك، ففضت عرقا، وامتلأ جوفي فرقا.»
رضي الله عن صحابة رسوله أجمعين، وأخزى شانئيهم يوم الدين.
قال (رحمه الله تعالى):
م: وأن أمير المؤمنين عثمان (رضي الله عنه) ومن بالحضرة من جميع الصحابة قد أثبتوا جميع تلك الأحرف في المصاحف، وأخبروا بصحتها، وأعلموا بصوابها، وخيروا الناس فيها، كما كان صنع رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم).
وأن من هذه الأحرف حرف أبي بن كعب، وحرف عبد الله بن مسعود، وحرف زيد بن ثابت.
ش: قد شرعنا في طرح إشكال هذه القضية وهي تحتمل ثلاثة احتمالات إجمالا:
إما أن يكون المصحف كتب على حرف واحد من بين الأحرف السبعة لا يحتمل غيره، أو على بعض منها، أو عليها كلها؛ وهي ثلاثة أقوال لأهل العلم.
أمّا الأول فمذهب الطبري وأبي طاهر بن أبي هاشم والطحاوي وغيرهم؛ قال الطبري: ((لا قراءة اليوم للمسلمين إلا بالحرف الواحد الذي اختاره له إمامهم الشفيق الناصح، دون ما عداه من الأحرف الستة الباقية)).
بل هو قول جمهور أهل العلم من السلف والأئمة، كما صرّح بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية [13/395 ،401]. وهذا حجر عثرة، إذ كيف لنا أن نخالف هؤلاء والله المستعان.
والقول الثاني: هو قول ابن الجزري (رحمه الله تعالى) قال: ((وهو الذي يظهر صوابه، لأن الأحاديث الصحيحة والآثار المشهورة المستفيضة تدل عليه)). [النشر1/31].
وأما القول الثالث: فقال شيخ الإسلام: ((وذهب طوائف من الفقهاء والقراء وأهل الكلام إلى أن هذا المصحف مشتمل على الأحرف السبعة، وقرر ذلك طوائف من أهل الكلام، كالقاضي أبي بكر الباقلاني وغيره، بناء على أنه لا يجوز للأمة أن تهمل نقل شيء من الأحرف السبعة)). [13/395، 396].
وبهذه الحجة يُعترض على القولين الأولين.
وأمّا هذا القول نفسه فقد قررنا بطلانه سابقا، لثبوت تخلف بعض الأحرف عن المصحف، وإن شئنا التمثيل لهذا فلنأخذ مثلا: ((حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر))، ((وأتموا الحج والعمرة للبيت))، ((الله لا إله إلا هو الحي القيام)). ويكفينا تمثيلا القراءات الأربعة الشاذة التي تواترت أسانيدها عند القراء.
والأظهر عندي -والعلم عند الله تعالى- أن القول الأول هو الأحظى بالصواب، أي أن المصحف كتب على حرف واحد من الحروف السبعة.
فإن قيل أيها؟ قلنا الذي أجمع عليه الصحابة الكرام ممن تولوا ذلك، ووافقهم عليه سائرهم، وعلى رأسهم الخليفة الراشد عثمان بن عفان؛ فهو إذن على قراءة زيد ومن معه، ودليل ذلك قول عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه).
عن أبي وائل قال خطبنا ابن مسعود (رضي الله عنه) على المنبر فقال: «ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة، غلوا مصاحفكم؛ وكيف يأمروني أن أقرأ على قراءة زيد بن ثابت ... » الأثر. رواه ابن أبي داود في المصاحف وصححه محققه الهلالي [ص180].
فإن قيل: لم كانت قراءة زيد وأصحابه ولم تكن قراءة غيرهم؟
قلنا: لأن قراءة زيد (رضي الله عنه) كانت العرضة الأخيرة التي أسلفنا ذكرها، قال شيخ الإسلام: ((والعرضة الأخيرة هي قراءة زيد بن ثابت وغيره، وهي التي أمر الخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي بكتابتها في المصاحف، وكتبها أبو بكر وعمر في خلافة أبي بكر في صحف، أمر زيد بن ثابت بكتابتها، ثم أمر عثمان في خلافته بكتابتها في المصاحف، وإرسالها إلى الأمصار، وجمع الناس عليها باتفاق الصحابة علي وغيره)). [13/ 395].
فإن قيل فكيف بسائر الحروف؟
قلنا إن القراءة بجميع الحروف لم تكن واجبة على الأمة يوما ما، وإنما كانت رخصة جائزة، بدليل قوله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) لجبريل: «إني بعثت إلى أمة أميين، منهم العجوز، والشيخ، والغلام، والجارية، والرجل الذي لم يقرأ كتابا قط؛ قال: يا محمد، إن القرآن أنزل على سبعة أحرف». رواه الترمذي.
وعلم ذلك أمير المؤمنين عثمان (رضي الله عنه) ورأى من المصلحة العامة أن يجمعهم على خط حرف واحد، وأن سبب السعة التي كانت على عهد رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) قد تضاءل -ولا نقول زال-؛ ويمكن للأمة أن تجتمع على هذا الخط مع حفاظها على لهجاتها من إمالات ومدود وسائر الأوجه، وتتحد على خط الحرف الذي كتب عليه.
فإن قيل: هل القراءات التي يقرأ بها الناس هي من هذا الحرف الذي كتبه عثمان؟
قلنا: هنا نقطة الخلاف بيننا وبين الطبري ومن وافق مذهبه، فلسنا نقرر مقالته الآنفة الذكر: ((لا قراءة اليوم للمسلمين إلا بالحرف الواحد...))؛ بل إننا نقول بما قال به الإمام مكي بن أبي طالب في الإبانة: ((فالمصحف كتب على حرف واحد، خطه محتمل لأكثر من حرف، إذ لم يكن منقوطا ولا مضبوطا)) [الإبانة 3، 4].
فما كان من الأحرف الستة الباقية موافقا خطه خط الحرف الأول جاز الأخذ به، وما لم يوافق فإن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) أجمعوا على اطِّراحه، واعتبار الحرف الذي كتب في المصحف، حتى ابن مسعود وأبيّ بن كعب (رضي الله عنهما)، إذ أن قراءات اليوم مروية عنهم.
قال مكي (رحمه الله) تبعا لقوله السابق: ((فذلك الاحتمال الذي احتمل هو من الأحرف الستة الباقية)).
ومن الأدلة على هذا عندنا اختلاف المصاحف في بعض المواضع، ولعل ذلك يدل على تقصدهم احتمال خطهم لبعض من سائر الأحرف الستة. والله أعلم.
والجواب إذن: إن القراءات اليوم، بل القراءات التي كانت على عهد الطبري -وهي أكثر من خمسين- ليست من حرف واحد، وإنما هي من الأحرف السبعة كلها، لكن الصحيح منها الآن ما وافق خط المصحف ولو احتمالا -كما هو مقرر-، مع الشرطين الآخرين طبعا.
إذن، وتلخيصا لما ذكرنا، فالقول الراجح إن شاء الله هو أن المصحف محتمل للأحرف السبعة، لكن لما وافق منها الحرف الذي كتبه عليه الصحابة؛ والقراءات المختلفة من العشرة المتواترة ليست هي على حرف واحد؛ والله أعلم.
وبهذا يتبين خطأ الإمام الداني، إذ قرّر تبعا للباقلاني وغيره القول الثالث الذي ذكرناه، والله الهادي إلى الصواب لا إله غيره ولا قوة إلا به.
قال (رحمه الله تعالى):
م: وأن عثمان (رحمه الله تعالى) والجماعة إنما طرحوا حروفا وقراءات باطلة غير معروفة ولا ثابتة؛ بل منقولة عن الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) نقل الأحاديث التي لا يجوز إثبات قرآن وقراءات بها.
ش: هذه المسألة تقريرها مبني على ما سبق من الأقوال، وقد قررنا فيها أن القرآن كتب في مصاحف عثمان على حرف واحد يحتمل بعضا من الأحرف السبعة الباقية، إذ كانت الرخصة والسعة حاصلة دون وجود الخلاف بين المسلمين؛ أما وإنه قد حصل الخلاف، بل وكفّر بعضهم ببعضا، فإن رفع الرخصة لأجل جمع الشمل أولى؛ وهذا ما فعله الصحابة؛ فعلى هذا يظهر خطأ الشيخ أبي عمرو (رحمه الله) في تقريره أن المطروح إنما كان قراءات باطلة غير معروفة، بل إننا تقول إن القراءات المطروحة من المصاحف كانت قراءات معروفة ثابتة الإسناد إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صحيحة عنه، كيف لا وهي: أبيّ بن كعب عن النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) وعبد الله بن مسعود عنه (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) فلا أدري لم يقطع الإمام أبو عمرو بمثل هذا، وهو يتضمن من المخالفة ما هو واضح لأول نظرة، ولا شك أن ما لم يصح من القراءات مطروح من باب أولى، إذا كان الصحيح الثابت صنع به ذلك وقد أكثرنا التمثيل على قولنا فلا نرجع إليه. والله أعلم.
*****
الحلقة الرابعة
الحمد لله حق الحمد وأوفاه، والصلاة والسلام على نبيه ومصطفاه، محمد بن عبد الله، وآله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فهذه الحلقة الرابعة من حلقات شرحنا على كتاب الإمام الداني (ما ينبغي اعتقاده في الأحرف والقراءات وتاريخ المصحف)، نخرجها -على عادتنا- أواخر كل شهر هجري، فنسأل الله أن يتقبلنا منا صالح أعمالنا، وأن لا يجعل فيها حظا للشيطان الرجيم.
قال الإمام أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني (رحمه الله تعالى) في كتابه جامع البيان، في باب ذكر الخبر الوارد عن النبي (صلى الله عليه وسلم) بأن القرآن أنزل على سبعة أحرف، وبيان ما ينطوي عليه من المعاني، ويشتمل عليه من الوجوه:
م: وأنّ معنى إضافة كل حرف مما أنزل الله تعالى إلى من أضيف إليه من الصحابة، كأبيّ وعبد الله وزيد وغيرهم، من قِبل أنه كان أضبط له، وأكثر قراءة وإقراء به، وملازمة له، وميلا إليه، لا غير ذلك.
ش: القرآن كلام الله سبحانه وتعالى على أي حرف كان ((وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ)) [الشعراء 192]، لم يضعه جبريل (عليه السلام)، ولا النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) بَلْهَ الصحابة (رضي الله عنهم)؛ ولكن لما لزم كلُّ واحد من هؤلاء حرفا، وخاصة القراء المشهورون منهم، وصاروا يَقرءون ويُقرئون به، وصار دليلا عليهم، وصاروا أدلةً عليه، نُسب إليهم، ونسبوا إليه، فقيل: حرف فلان ولحنه وقراءته؛ وما من محظور في هذا، إذا سلم الاعتقاد بكونه نازلا من عند الله، تكلم به سبحانه، منه بدأ وإليه يعود؛ فعن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) قال: ((أبيّ أقرؤنا، وإنا لندع من لحن أبيّ)) [رواه مسلم]، فنسب اللحن إليه؛ وقد صح عن كثير من الصحابة نسبة القراءة إلى بعضهم بعضا، كقولهم قراءة فلان؛ بل قال النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم): ((من أراد أن يقرأ القرآن غضا طريا كما نزل فليقرأه بقراءة ابن أم عبد يعني ابن مسعود). والله الموفق.
قال (رحمه الله تعالى):
م: وكذلك إضافة الحروف والقراءات إلى أئمة القراءة بالأمصار، المراد بها أن ذلك القارئ وذلك الإمام اختار القراءة بذلك الوجه من اللغة، وآثره على غيره، وداوم عليه، ولزمه؛ حتى اشتهر وعرف به، وقُصد فيه، وأُخذ عنه؛ فلذلك أضيف إليه دون غيره من القراء، وهذه الإضافة إضافة اختيار ولزوم، لا إضافة اختراع ورأي واجتهاد.
ش: ما يقال في نسبة الأحرف إلى الصحابة هو نفسه الذي يقال عن القراءات ونسبتها إلى الأئمة، فإن الأئمة قرأوا على من قَبلهم وأقرأوا به، لم يخرجوا عنه أبدا؛ وكان للزومهم قراءاتهم فضل في نسبتها إليهم.
لكن الذي جعل النسبة تكون لهم دون من فوقهم من مشايخهم هو مخالفتهم للواحد منهم دون الخروج عن جميعهم.
بيان ذلك: أن الأئمة إنما قرأ كل واحد منهم على أكثر من شيخ، بل قال نافع إنه قرأ على سبعين من التابعين؛ ومشايخهم هؤلاء كل منهم يروي حرف صحابي أو أكثر، فإذا تمكن الإمام من علوم القرآن والعربية، وصار إماما فيها، انتقى من بين ما يروي عن مشايخه الأليق بلغته ولغة قومه الذين يعيش فيهم، ويترك الباقي لا يقرئ به، إلا إذا طُلب منه، فإذا استمر على هذا، اشتهرت عنه تلك القراءة الملفقة، ونسبت إليه، إذ لم تكن نسبتها إلى أحد من شيوخه صحيحة؛ وهذا ما يسمى بالاختيار، فالنسبة إليهم إذن -كما قال الداني- نسبة اختيار ولزوم، لا نسبة اختراع ورأي واجتهاد.
بقي أن نقول ليست اللغة وحدها معيارا للاختيار، بل إن معاييره متعددة، منها موافقة الأكثر، وكذا الموافقة الصريحة للمصحف، وهذا شرطان خارجان عن العربية. والله أعلم.
قال (رحمه الله تعالى):
م: وأن القرآن لم ينزل بلغة قريش فقط دون سائر العرب، وإن كان معظمه نزل بلغة قريش.
ش: القرآن عربي، قال تعالى ((وإنه لتنزيل رب العالمين، نزل به الروح الأمين، على قلبك لتكون من المنذرين، بلسان عربي مبين)) [الشعراء 192- 195]. ونفى كونه أعجميا فقال: ((ولوجعلنه قرءانا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته، ءأعجمي وعربي؟)) [فصلت 44].
ولما كان نزل على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو من قريش، وكذلك قريش هي أفصح العرب قاطبة، وكان معجزا بلغته وبلاغته، كان من الواضح أن يكون على لغتها ولهجتها، بل أبلغ من فصاحتها، ليعجز العرب، ويكون حجة عليهم؛ والدليل على ذلك قول عثمان للرهط القريشيين الثلاثة: ((إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم)) [رواه البخاري]؛ وهذا الحكم إنما هو حكم إجمالي فقط، وإلا فقد وجد في القرآن ما ليس لغةً لقريش، قال أبو شامة: "ومعنى قول عثمان (رضي الله عنه): إن القرآن أنزل بلسان قريش أي معظمه بلسانهم، فإذا وقع الاختلاف في كلمة فوضعها على موافقة لسان قريش أولى من لسان غيرهم. [المرشد الوجيز ص69].
وزيادة للبيان أقول : إن في الحروف ما هو مختلف فيه بين الأحرف السبعة ومنها ما ليس كذلك، فما كان مختلفا فيه كان وضعه على لغة قريش أولى، وما لم يكن كذلك فهو ثابت على أي لغة كان، سواء قريش أوغيرها، والله أعلم.
هذا فيما يخص المكتوب في المصاحف، أما ما نزل حقيقة، فقد قررنا قبل أنه من معاني الأحرف السبعة: اللغات؛ فلا نحتاج إلى كثرة استدلال وتكرار هنا لما قد فات وهذا الشرح إنما هو مختصر.
ولا ينبغي هنا أن نهمل أن الزركشي أورد خلافا في مسألة نزول الأحرف، هل نزلت من عند الله كلها، أو نزل واحد منها، وأذن في الباقي، وقد استغرب (رحمه الله) مثل هذا التفريق؛ ونحن نقول إن الأحاديث كلها جاءت بلفظ ((أنزل القرآن على سبعة أحرف)) ولم يرد (أذن) !! فلا أظن أن واحدا يرى دلالة نزل كدلالة (أذن) هذا هو التحقيق؛ والله الموفق و الهادي إلى الصواب.
على أننا لا نجزم أن قراءة بعينها من القراءات العشر هي القراءة القرشية، وإنما قد نقول إن اللغات متفرقات في القراءات.
قال رحمه الله تعالى:
م: و أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سنّ جمع القرآن وكتابته، وأمر بذلك وأملاه على كتبته.
ش: لم تكن كتابة القرآن على عهد الخلفاء بدعة محدثة، بل قد ثبت في أحاديث كثيرة أنه (صلى الله عليه وسلم) كان له كتبة يكتبون بين يديه القرآن، منهم: أبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن سعد بن أبي السرح، وعثمان بن عفان، وشرحبيل بن حسنة، وجهيم بن الصلت، وخالد بن سعيد، وأبان بن سعيد، والعلاء بن الحضرمي، ومعاوية بن أبي سفيان، وحنظلة بن الربيع، رضي الله عنهم [جمع القرآن ص40].
وأشهر الكُتّاب -طبعا- زيد (رضي الله عنه)؛ ففي صحيح البخاري عن زيد بن ثابت قال: قال أبو بكر: ((إنك رجل شاب عاقل لا نتّهمك، وقد كنت تكتب لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) ... الحديث.
ولم يكن (صلى الله عليه وسلم) يترك الوقت يمضي، بل يكتب الوحي في حين نزوله، فعن زيد (رضي الله عنه) أيضا قال: ((كنت إلى جانب النبي (صلى الله عليه وسلم) فغشيته السكينة، فوقعت فخذه على فخذي، فما وجدت شيئا أثقل منها، ثم سري عنه؛ فقال لي: اكتب، فكتبت في كتف ((لا يستوي القعدون من المؤمنين والمجاهدون))؛ فقام عمرو بن أم مكتوم فقال: كيف بمن لا يستطيع؟ فما انقضى كلامه حتى غشيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) السكينة، ثم سري عنه؛ فقال: اكتب ((غَيْرَ أُوليِ الضَّرَرِ)) [النساء 95] [رواه البخاري].
وعن ابن عباس (رضي الله عنه) قال: قال لي النبي (صلى الله عليه وسلم): ((ادع لي معاوية، وكان كاتبه)). [رواه مسلم].
لكن القرآن لم يؤلف على هيئة المصحف إلا بعده صلوات الله وسلامه عليه، وكان في عهده إنما يكتب على اللخاف والأكتاف والرقاع.
فعن زيد (رضي الله عنه) قال: ((كنا عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم) نؤلف القرآن من الرقاع)) [رواه الترمذي].
قال ابن شهاب الزهري (رحمه الله): ((قبض النبي (صلى الله عليه وسلم) ولم يكن القرآن جمع في شيء، وإنما كان في الكرانيف والعسب([2]))) تفسير الطبري1/18