الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

اعلم أخي الكريم وفقك الله لمرضاته أنّ هذا الدعاء لم يرد في شيء من كتب السنة ولا في غيرها, وإنما هو دعاء مخترع.

والأدعية المخترعة لها أربعة أحوال:

الأول: أن تكون صحيحة المعنى سليمة المبنى.

فهذا النوع من الأدعية لا حرج في الدعاء به, ما دام مستوفيا شروط الدعاء المعروفة, والتي جمعها ابن مفلح الحنبلي رحمه الله في قوله:
قالوا شروط الدعاء المستجاب لنا *** عشرٌ بها بشرُ الداعي بإفلاح
طهارةٌ و صلاةٌ معهما ندم *** وقتٌ خشوع و حسن الظن يا صاح
وحِلُّ قوتٍ و لا يُدعى بمعصية *** و اسم يُناسب مقرون بإلحاح
ولكن ينبغي أن لا يعدل المرء عن الأدعية القرآنية والنبوية, وإنما يجعل لها حظاً ونصيباً من دعائه وابتهاله وتضرعه.

الثاني: أن تكون صحيحة المعنى سقيمة المبنى.

وهذا النوع من الأدعية يقع فيه من قلّت معرفته باللغة ومعانيها, فتجده يركب الصعب والذلول من أجل تجويد لفظ دعائه فيقع في تحريف الألفاظ وإيقاعها في غير مدلولها.

الثالث: أن تكون سقيمة المعنى صحيحة المبنى.

وصحة المبنى ههنا ليس بشافع للدعاء لأنّ العبرة ههنا بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني.
ويدخل في ذلك الدعاء بقطيعة الرحم, والدعاء بالإثم, والدعاء بألفاظ الشرك وغيرها.

الرابع: أن تكون سقيمة المعنى سقيمة المبنى.

وهذا شرّ أنواع الدعاء على الإطلاق, وينبغي للمرء أن يجتنبه لما فيه من الإثم والتعدّي.

ولا شكّ أن اقتصار العبد ما استطاع على الأدعية المأثور القرآنية والنبويّة فيه من الفوائد العظام ما لا يوجد في غيره من الدعاء وإن صحّ الدعاء به.

[color=red]ومن جملة هذه الفوائد: [/color]

1- الإصابة في الدعاء:
من التزم الدعاء المأثور أمن الوقوع في الاعتداء في الدعاء أو الخطأ فيه.

2- كثرة الأجور:
إنّ الداعي بالدعاء المأثور له أجران:
أجر الدعاء, وأجر الاتباع.

3- تحصيل المطلوب وتحقيق المرغوب:
كثير من الأدعية المأثورة ورد فيها الوعد من الله عز وجل بتحصيل مراد العبد منها, ولا شكّ أن الأدعية المخترعة لا توجد فيها هذه الميزة.

وللعبد أن يدعو بما شاء من الأدعية, فقد كان السلف رحمهم الله يدعون الله في سجودهم حتى الملح وأمور المعايش, وفي هذا إظهار للافتقار للواحد الأحد.
فليس ثمة ما يمنع الدعاء فيه إلا ما كان فيه تعدّ:
كالدعاء بقطيعة الرحم, والدعاء بالإثم, والدعاء بما يستحيل تحقيقه, وغير ذلك مما ورد النهي عنه.

أما ما اعتاد عليه بعض الأئمة خاصة -كما في دعاء القنوت وغيره- من السجع في الدعاء والتمطيط فيه والخروج به عن حدّ المألوف.

فإنّ لي معه وقفة, والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

أولاً: تعريف السجع:
يحدّ السَّجْعُ بأنه تماثل الحروف في مقاطع الفصول, أو اتفاق فواصل الجمل على حرف واحد ("سر البلاغة" لابن سنان الخفاجي, ص 242).
كقوله تعالى: ﴿مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً﴾.

ثانياً: أنواع السجع.
وهو نوعان: حسن وقبيح.
•فالحسن: ما توفرت فيه شروط ثلاثة:
1- أن يكون بعيداً عن التكلّف والتعسّف والتصنّع.
2- أن تكون كلّ سجعة دالّة على معنى مغاير لمعنى غيرها.
3- أن تكون الألفاظ المسجوعة حلوة المذاق, وبهذا يكسب الكلام حُسناً وجمالاً.

• والقبيح: ما خلا من هذه الشروط, كقول الكاهن: "والسماء والأرض، والقرض والفرض، والغمر والبرض" ففيه تكلّف بيّن.

وقد كره السلف رحمهم الله السجع في الأدعية, لا سيما إذا كان فيه تكلّف وتصنّع, وخروج عن مقصود الكلام.
- وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: "وانظر السجع من الدعاء فاجتنبه, فإنّي عهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا يفعلون, إلاّ ذلك -يعني لا يفعلون إلا ذلك الاجتناب-" (رواه البخاري في صحيحه تعليقاً وصححه الألباني في المشكاة).
قال ابن حجر: "(وانظر السجع من الدعاء فاجتنبه) أي: لا تقصد إليه, ولا تشغل فكرك به, لما فيه من التكلّف المانع للخشوع المطلوب في الدعاء" (فتح الباري 11/139).

وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها للسائب: "إياك والسجع, فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا لا يسجعون".

قال الغزالي رحمه الله: "ويدخل فيه كل سجع متكلف, وكذلك التفاصح الخارج عن حدِّ العادة, وكذلك التكلّف بالسجع في المحاورات.
وأُنكر السجع في المحاورات لما فيه من التكلف والتصنع, فينبغي أن يقتصر في كل شيء على مقصوده, ومقصود الكلام التفهيم للغرض, وما وراء ذلك تصنع مذموم" ("إحياء علوم الدين" 3/120).

فيُحْمَل كلام السلف المتقدّم على السجع القبيح, المتكلّف المتصنّع, الخارج عن حدِّ الإفهام.

وأمّا السجع الحسن, فإنّه محمود ومرغوب فيه في الدعاء, يشهد لذلك مجيئه في القرآن والسنّة, وفي أدعيةالسلف رحمهم الله.
قال الغزالي رحمه الله: "ولا يدخل-السجع المذموم- في تحسين ألفاظ الخطابة والتذكير, من غير إفراط وإغراب, فإنّ المقصود منها تحريك القلوب, وتشويقها, وقبضها, وبسطها, فلرشاقة اللّفظ تأثير فيه, فهو لائق به" ("إحياء علوم الدين" 3/122).
ومن نماذج ذلك:
عن ابن عباس رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يعوِّذ الحسن والحسين بهذه الكلمات: "أعوذ بكلمات الله التامَّة, من كل شيطان وهامَّة, ومن كل عين لامَّة" (رواه البخاري).

والله تعالى أعلم
كتبه وحرّره: أبو يزيد المدني.