المقامة الحرمية
حدثنا موسى ابن عمار، فيما حكاه من الأخبار قال:أتيت البلد الحرام ،في عام من الأعوام
أبغي حجة الإسلام،فإذا به قد امتلأ وضجّ، بالناس من كل بلد وفجّ، يؤدُّون مناسك الحجّ
فلما قضينا المناسك المأمورة، و أتينا المسالك المأثورة، جعلها الله حجة مبرورة، خرجت إلى المدينة في بكرة ذالك اليوم، أنظر من أخبار القوم، فسرت في أرجائها، وتجولت في أنحائها، واقتنصت الكثير من أنبائها، وخبرت كل المسالك والدروب، حتى مالت الشمس إلى الغروب، وانتهى بي المسير، إلى كوخ صغير،على بابه شيخ كبير، فلما اقتربت منه رآني، فسلم علي ودعاني، وقال الحق بمجلس إخواني، وأشار إلى جانب الكوخ اليماني، فأتيتهم سريعا، وسلمت عليهم جميعا، وقلت أنا موسى ابن عمار، أحب جمع الأخبار، و النوادر من الآثار، وكانوا أربعة رجال، فأجابني الأول منهم فقال، أنا عمر ابن المثنى، أكبر القوم سنا، وأعلى العشيرة شأنا، وهذا أحمد ابن يزيد، شاعر مُجيد، ذو نسب مَجيد وله في الفقه باع طويل مديد، وذاك أبو البشير، حكيم خبير، وعالم نحرير، وزاهد فقير، لا يملك في الدنيا من قطمير، والثالث خير العباد، له حكم جِياد، تكلم عن نفسه فما زاد، على أنه من بغداد، وكان عليه اللثام، قليل الكلام، فقلت فرصة سُنحت، وغُنمة مُنحت، وباب من الخير فتحت، لعل الله جزاني، بحجتي فهداني، لهذا المجلس الرباني، فإني لكم مستفسر و سائل، عن بعض القضايا والمسائل، فأجيبوا بالبرهان والدلائل، فرعوني الإنتباه، وقالوا سل عما تراه، وما تشتهيه وما تهواه، فبدأتهم بالسؤال، عن صفة الرجال، ومعدن الأبطال، وطينة الأبسال، فقال ابن المثنى عمر، الرجل من ذاق الُمرَّ فصبر، وعانى البلايا فاعتبر، يُغدر به وما غَدر، إذا أذنب استغفر، وإذا أُكرم شكر، في كل مَكرُمَةٍ حضر، وعن كل مذلة أدبر، فقلت ومن خير النساء، وصفوة الإماء، فقال أحمد ابن يزيد، قد قالها خير العبيد، من إذا نظرت إليها أسرتك، وإذا أمرتها أطاعتك، تحفظ سرك، وتطيع أمرك، وتصون عرضك، وتخاف غضبك، فيها مستودع أفراحك، وإليها المواساة في أتراحك، فقلت وما قولكم في السعادة و الشقاوة، وما بينهما من الأُلفة و العداوة، فقال أبو البشير، في الأمر تفصيل وتحرير، و تأصيل وتنظير، فإلى أيِّ الدارين تشير؟، فإن كان في الدنيا فالأمر يسير، وإن كان في الأخرى فهذا والله عسير، فالدنيا أمرها مباح، ونيلها سهل متاح، الرزق فيها معلوم، والعمر فيها مهما طال مختوم، فما ضرنا طول الهموم، ولا كدر الغموم، وأمَّا في الأخرى، فإما إلى نعيم مقيم، وإما إلى نار الجحيم، فيا ليت شعري، إلى أيهما ختام أمري؟، وفي أي الدارين منزلي ومستقري؟ وهل ينفعني يومئذ عذري؟َ فلما هممت بالسؤال، وزورت في نفسي المقال، نظرت إلى صاحب اللثام، فرأيته يخفي الإبتسام، فقلت لعل عنده غير هذا الكلام، أو أن حكمه خلاف ما سمعت من الأحكام، فقال يا جامع الأخبار، أرأيت لو جمعت لك المَقول وضربت لك المُثول وسهلت عليك الوصول، فقلت هذا والله المرتجى المأمول، الذي ما عنه عدول، فقال أما الدنيا فدار ابتلاء، وأما الآخرة فدار جزاء، وعظم الجزاء على قدر البلاء، والسعيد من جعل دنياه، سبيلا إلى بلوغ الجنة في أخراه، والشقي من ركن إلى الدنيا، وجد فيها طلبا وسعيا، فعليها يموت وإليها يحن ويحيا، فلا سعادة إلا في دار السعادة، ولا دار سعادة إلا بالتقوى والعبادة، واعلم بأن الرجل، من لهذا فهم وعقل، وخير النساء من أعانت على الدنيا زوجها، وشرهن من أعانت عليه دنياها
فجعل الكل يقول ويعيد، أصبت والله بيت القصيد، وظفرت يا أخي بالرأي السديد، وما على كلامك مزيد، فقلت من أنت يا صاحب اللثام، ولماذا هذا الهروب و الإحجام، فلا وجهك إلينا مكشوف، ولا إسمك عندنا معروف، فبادر بالقيام،وأزال عن الوجه اللثام ، وهو يقول:


أرى الأعمار تطوى بلا مَهَلِ 00000 والقلب مسرور بما مر من أجلِي
كأني تيقنت من ربي بعافــية 00000 أو الجناتُ مَنسابي و مُرتحـلِي
أو اَنَّ الله قد أوحى بمحكمـه 00000 بأنـي غفرت له من غابر الأزلِ
أقــوم الليل لكن بمـعصـية 00000 أصوم الـدهر لكـن عـن العملِ
إلــه أدعوك دعـاء مفتقـر 00000 وقد قلت أدعوني والإجابة لــِي
فاغفر إله لعبد مـا جنت يده 00000 وأنزله في الفردوس خير ما نُزُلِ
ثم انصرف .
[b]

أرى الأعمار تطوى بلا مَهَلِ 00000 والقلب مسرور بما مر من أجلِي
كأني تيقنت من ربي بعافــية 00000 أو الجناتُ مَنسابي و مُرتحـلِي
أو اَنَّ الله قد أوحى بمحكمـه 00000 بأنـي غفرت له من غابر الأزلِ
أقــوم الليل لكن بمـعصـية 00000 أصوم الـدهر لكـن عـن العملِ
إلــه أدعوك دعـاء مفتقـر 00000 وقد قلت أدعوني والإجابة لــِي
فاغفر إله لعبد مـا جنت يده 00000 وأنزله في الفردوس خير ما نُزُلِ
ثم انصرف .

اقتباس :

ماشاء الله اخي

ننتظر المزيد من مقاماتك والله ابدعت

بارك الله فيك مقامة بنصائح وحكم

بارك الله فيك وأحسن إليك ،إن شاء الله يكون المزيد ، من المقامات ومن غيرها ، طلباتكم أوامر
شكرا

أسأل الله العظيم ربالعرش الكريم أن يرزقنا وإياك حجة طيبة مبرورة
بل أساله أن يمتعك بالنظر لوجهه الكريم
جزاك الله خيرا

ماشاء الله نسأل الله أن يبارك فيك وينفع بك.

آمين

السلام عليكم
بارك الله فيك أخي ونفع بك

لله درّك يا أبا أسامة وعن التّكلّف ما أبعدك،يا إبراهيميّ سكيكدة، قد أبدعت وأجدت وأفدت، لك ميزات الكبار حقّا، ولغة الفحول صدقا،سموت في علا الألفاظ، وحلّقت في سماء الغريب-وهوعندك كأنّه مأنوس- ذهبت إلى مقبرة العربيّة، فنبشت أجداثها، وحفرت أرماسها،فأخرجت منها كلمات غررا، وألفاظا دررا،ضاهيت الهمدانيّ والحريريّ في مقاماتهما فأتيت بما لم تستطعه الجهابذة،

لاحول ولا قوة إلا بالله

جزاكم الله خيرا

أحسنت أبا أسامة ,,, زدنا منها و لا تنقطع عنا بوركت