اللحظة الحاسمة ..
على قدر ما يظن الإنسان أنه قد بلغ درجة من إستقلالية الفكر ودقة التحقيق وسلامة المنهج وقوة المنطق وسعة الإطلاع وعمق التجربة بما يسمح له بالإطمئنان على موضوعية أحكامه وتناسق أفكاره ومصداقية نتائجه بقدر ما تدهشه وتستهويه تلك الأغوار المجهولة في فكر (الآخر) وطريقته في التلقي ومنهجه في الإستدلال فالوصول إلى نتائج متناقضة إعتمادا على تصورات مختلفة ومفاهيم متباعدة ومناهج متغايرة هو أمر معقول وطريق مقبول تكفي في معالجته بيان مقدار المصداقية التي تتمتع بها المعطيات التي يعتمدها كلّ طرف ومحاولة رسم حدود العلاقة بين المصطلحات ودلالاتها لتقييم مدى التقاطع أو المفارقة في الأفكار بين (الأنا) و(الآخر) فالدلالات المختلفة التي تصنعها المصطلحات المتناقضة ترسم تصورات ذهنية متغايرة تقود بالضرورة إلى مفاهيم وبالتالي أحكاما غير متوافقة ..
ولهذا كان لتحيد دلالات المصطلحات أثره العميق في تقريب وجهات النظر وفتح الطريق أمام عملية التواصل وبالتالي التوصل إلى نتائج منسجمة ومعايير العلمية وشروط النجاح ..
وتبقى عملية الإقرار بما يملكه الآخر من حقائق وما توصل إليه من أحكام أمرا ذاتيا محضا يعتمد على مدى الإنصاف والصدق والإلتزام بأسس وأصول البحث العلمي النزيه ..
أحيانا ..
لا تكفي عملية معارضة حجج الخصوم ونقضها أو تفكيك مناهجهم ونقدها للوصول إلى نتائج مرضية تخدم الهدف من الجدل والمباحثة
بل يجب مراعاة السياقات الزمنية والموضوعية التي يجري في إطارها هذا الحوار فلا نسعى لسحب إعتراف علني بقدر ما نسعى لتحقيق نقلة فكرية للآخر وإقرار ضمني منه بقوة المنطق وسلامة المنهج وإنسجام النموذج ..
وهو الأمر الذي قد يؤدي في الختام إلى تبني الفكرة والإعتراف بمصداقيتها .. ولا يهمّ حينها على يد من تحقق هذا الإنجاز وبأي ثمن بقدر ما يهم تألّق الفكرة وعمق أثرها ..
الرئيسية 
الخميس 29 ديسمبر 2022 - 11:57
موضوع: اللحظة الحاسمة .. 
الخميس 19 أبريل 2012 - 13:21
