رسالة إلى طبيبة ومعلمة


أم عبد الرحمن سيفوان


-العدد06-


كرّم الإسلام المرأة تكريما عظيماً وأعطاها سائر الحقوق المشروعة لها ولقد سوى بين المرأة والرجل في العبادات والتكاليف وفي الثواب والعقاب فالأصل في الأدلة الشرعية التكليفية التسوية بين الجنسين وعدم التفريق بينهما إلا ما خصه الدليل بجنس الرجل كالإمامة الكبرى والصغرى والجهاد ونحوها من العبادات التي تليق بالرجل وتناسب طبيعته.
وقد رغّب الله المرأة بالقرار في بيتها وحثّ ، قالت عائشة رضي الله عنها: (وما كانت أحدانا تخرج إلا لحاجة) رواه البخاري.
ومن هنا فإن الشارع الحكيم ينظر إلى المرأة حين اختلاطها بالآخرين إلى كونها في الأصل عورة ومحلاً للفتنة،ﭧ ﭨ ﭽ وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((المرأة عورة فإذا خرجت أستشرفها الشيطان)) رواه الترمذي، وقال صلى الله عليه وسلم: ((ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء)) متفق عليه، وقال صلى الله عليه وسلم: (( إنّ الدنيا حلوة حضرة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون فاتقوا الله واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء)) رواه مسلم، والشواهد على هذا الأصل كثيرة جداََ.
وبناء على هذا الأصل فإن الشارع جعل ضوابط وآدابا وأحكاماً للمرأة في تصرفاتها وسلوكياته مع الآخرين عند خروجها من بيتها للحاجة للتطبيب أو التطبب أو تعلم أمور الدين أو تعليمها ونحو ذلك، وذلك درءا للفتنة وتحقيقاً للفضيلة، ومن ذلك:
أنّه نهاها عن الخلوة بالأجنبي قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لا يخلون رجل بامرأة)) متفق عليه.
كما أمرها وبالمقابل نهاها عن التبرج والسفور قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا)) رواه مسلم.
وكذا حرم الشرع مس المرأة الأجنبية ومصافحتها قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أني لا أصافح النساء) رواه النسائي وابن ماجه.
وأمرها بعدم الخضوع بقولها وترقيق فيجب على المرأة المسلمة الامتثال بهذه الأحكام والرضا بها وترك ما
ولو تفكرنا في قمم الأماني ماذا سنرى آمال الناس ترجو أن تحصل عليه؟! لرأينا أنّ الناس تتمنى لو أنها تحصّل جبال السعادة فتختزنها في خزائنها، وما رأينا من أماني الناس شيئًا خارج درب السعادة!! وعندما نتفكر في أعظم هذا الدرب فلن نجده يتجاوز رضا الإله سبحانه وتعالى؟!
ومن أكثر النساء اللواتي يكثر احتكاك النساء بهن الطبيباتُ والمعلماتُ، لذا ارتأيت الوقوف مع كل واحدة منهن بعض الوقفات:
مع طبيبة: .....قد وهب الله الطبيبة نعمة في عملها واختصاصها تصل بها إلى تحصيل السعادة والحياة بها، ما دامت لم تخرج عن حدود دينها... فهذه مريضة قد أعجزها الألم فتشفى بإذن الله على يديها، وهذه مصابة ترجع بسمة قد فقدتها شفتاها وهذه علِيلة تمحى دمعة حزن قد أغرقت خديها.
فالطب له تأثير السحر على الناس جاذبية واحترامًا وتقديرًا، فالطبيبة الملتزمة بشرع ربها هي إذاً في مكانة تيسر لها كل خير... فاستعيني بالله _أختي المسلمة_ واستنشقي معاني هذه الزهور التي أهديها إليكِ.
فأما الزهرة الأولى .. فوصيتي إليكِ ألا تجعلي عملكِ تجارة بلا مبادئ، وتكَسُّباً بلا قِيَم، كما نراه من جلّ طبيبات اليوم؛ إلاّ من رحم ربّي واللواتي لا هم لهن إلا جمع المال _ولا حول ولا قوة إلا بالله_، بل كوني غنية بمبادئكِ ووفياً لِقِيَمكِ، فأنتي الطبيبة الرحيمة حتى لو لم تلقي جزاءً ماديًا يُذكر، وأنتي الطبيبة الرقيقة حتى لو قسا عليكِ آحاد الناس، و أنتي الصبورة والباذلة المعطاءة حتى لو لم يُقَدِّر الناس قيمة عملكِ أو مجهودكِ.
وأما الزهرة الثانية .. فأن تضعي نفسكِ مكان مريضتك، وأن تتصوري حالتها التي هي فيها إذا كنتِ مكانها، وعندها فاسألي نفسكِ: كيف كنتِ تتمنين أن تكون طبيبتك لو كنتِ مكانها؟
وأما الزهرة الثالثة .. فمن المعلوم أن الطبيبة هي مكان سر المريضة، وموضع ثقتها وطمأنينتها فاحذري أن تكشفي عورتها، أو تفضحي سرها، وتذكري أن الله يستر عورتكِ إذا أنتِ سترتِ عورات الناس، ولم تفضحيهم في أسرارهم، ففي الحديث قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((من ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة)) متفق عليه.
وأما الزهرة الرابعة .. فلقد شاهدت عدداً من الطبيبات كأنهن وحوش ضارية قد أعمتهن حب المادة والحرص على الدنيا حتى ذهبت ذممهن وماتت قلوبهن، و شاهدنا كذلك وجوهاً عابسة وابتسامة باردة تزيد المريضة مرضاً، والمبتلية ألَمَاً، فاحذري أن تكونِ منهن، واسألي الله أن يسلمكِ من هذه الصور المحزنة .
مع معلمة:....أما الأخت المربية فمهمتها عظيمة جداً، وعملها من أشرف الأعمال إذا أخلصت لله تعالى فيه وأتقنته، وربت الطلاب التربية الإسلامية الصحيحة، فالمدرس مربى الأجيال وعليه يتوقف صلاح المجتمع وفساده، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم لابن عمه علي رضي الله عنه: ((فو الله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)) متفق عليه، وقال صلى الله عليه وسلم: ((معلم الخير يستغفر له كل شيء ،حتى الحيتان في البحر)) صحيح رواه الطبراني وغيره.
فمن أهملت واجبها، ووجهت طلابها نحو الانحراف، والمبادئ الهدامة، والسلوك السيئ شقي الطلاب، وشقيت المعلمة، وكان الوزر في عنقها، وهي مسؤولة أمام الله تعالى لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته)) متفق عليه.
وليكن إصلاح المعلمة لنفسها قبل كل شيء، فالحسن عند الأولاد ما فعلت، والقبيح عند الطلاب ما تركت، وإن حسن سلوك المعلمة أفضل تربية لهم.
وليكن دوما قدوتنا أزواج النبي _صلى الله عليه وسلم_ والصحابيات الجليلات _رضوان الله عليهن_ وكذا نساء السلف الصالح _رحمهن الله تعالى_، مع أنّ المرء يحب القوم ولما يلحق بهم.وأخيرا فالله أسأل لي ولكن العون والتوفيق والله الموفق لما يحبه ويرضاه، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه ومن اتبع هداه.