لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله

27/03/2011

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

ورد في الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من غشنا فليس منا والمكر والخداع في النار )[url=#_ftn1][/url][1]

والمكر صفة من صفات المنافقين المناوئين للإسلام والمسلمين و قد أحسن أبو العتاهية حين قال :

ليس دنيا إلا بدين وليـ…ـس الدين إلا مكارم الأخلاق

إنما المكر والخديعة في النار…هما من خصال أهل النفاق

وإذا كان المكر والخداع من خصال وصفات المنافقين ، فيعني هذا أنها ليست من مكارم الأخلاق ، ولا من أخلاق المسلم ، فعن مجاهد قال : المكر والخديعة والخيانة في النار وليس من أخلاق المؤمن المكر ولا الخيانة .وروي مرفوعا ولا يصح .

وليعلم المسلم أن الله تعالى أخبر أنه لا يحيق المكر إلا بأهله ، لأن الجزاء من جنس العمل ، من عمل حسنا لقي حسنا ، ومن عمل سوءا ، لقي سوءا ، وقد وردت آيات كثيرة في هذا الصدد ، تبين أن الماكر يمُكرَ به ، والمُخَادِع ينقلب الخداع عليه وليس شرطا أن يكون ذلك عاجلا ، بل قد يتأخر ذلك لحكمة يعلمها الله ، ولا أدل على أنَّ عاقبة المكر والخداع حاصلة ومتحققة إخبار الرب تبارك وتعالى بذلك في كتابه في غير موضوع ، منها قوله تعالى : {ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله}فاطر /43

أي ما يعود وبال ذلك إلا عليهم أنفسهم دون غيرهم).فهل يتعظ المعاصرون بما حدث للغابرين؟فليسوا هم بأشد ممّن سبقهم مكرا ولا تدبيرا ولا كيدا،فأخذهم الله بذنوبهم وكانت عاقبة أمرهم خسرا،يقول تعالى:''وقد مكر الذين من قبلهم فلله المكر جميعا''،لقد جرّب الأولون فضرُّوا بمكرهم أنفسهم لأنهم أسخطوا ربهم بذلك على أنفسهم حتى أهلكهم ونجى رسله،فهو أحكم تدبيرا و أعظم كيدا .

ثم أخبر تعالى عباده المؤمنين على مدى الدهر ليطمئنهم وينفث في روعهم الثقة به ، بأنه منتقم من الظالمين وجميع الماكرين والمخادعين قائلا : { فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ آلأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَحْوِيلاً }

أي هل ينتظر هؤلاء المجرمون الا ما جرت به سنّة الله في الذين سبقوهم ، وسنّةُ الله في معاملة الأمم لن تتبدل ، ولن تتحول .

قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله مبينا المكر وعاقبة الماكيرن عبر التاريخ الطويل الذي ساير فيه الأنبياء مع أممهم أنواعا من الظلم والمكر .

قوله تعالى: {قد مكر الذين من قبلهم}، ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن الكفار الذين كانوا قبل كفار مكة قد مكروا، وبين ذلك في مواضع أخر؛ كقوله: {وقد مكر الذين من قبلهم فلله المكر جميعا} [الرعد/42]، وقوله: {وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال} [إبراهيم/46].

وبين بعض مكر كفار مكة، بقوله: {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك...} الآية [الأنفال /30].

وذكر بعض مكر اليهود بقوله: {ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين} آل عمران/54.

وبين بعض مكر قوم صالح، بقوله: {ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين} [النمل /50، 51].

وذكر بعض مكر قوم نوح، بقوله: {ومكروا مكرا كبارا وقالوا لا تذرن آلهتكم..} الآية

وبين مكر رؤساء الكفار،في قوله: {بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله...} الآية

أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن ( 2/365)

وقال ابن عاشور رحمه الله : مكَرَ هؤلاء ومكرَ الذين من قبلهم وحل العذاب بالذين من قبلهم فمكر الله بهم وهو يمكر بهؤلاء مكراً عظيماً كما مكر بمن قبلهم .اهـ التحرير و التنوير (7/472)

وقال الإمام السعدي رحمه الله : { وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } برسلهم وبالحق الذي جاءت به الرسل، فلم يغن عنهم مكرهم ولم يصنعوا شيئا فإنهم يحاربون الله ويبارزونه، { فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا } أي: لا يقدر أحد أن يمكر مكرا إلا بإذنه، وتحت قضائه وقدره، فإذا كانوا يمكرون بدينه فإن مكرهم سيعود عليهم بالخيبة والندم، فإن الله { يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ } أي: همومها وإراداتها وأعمالها الظاهرة والباطنة.اهـ تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص420)

نداء اطمئنان :

ليطمئن الضعفاء المظلومون من المؤمنين الذين تعرضوا للظلم والمكر والطغيان أن الله تعالى بالمرصاد ، وأنه سبحانه سينتقم من كل جبار عنيد، إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار ، وأن الله غير غافل عما يعمل الظالمون .قال تعالى : { وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ }

قال الإمام السعدي رحمه الله : هذا وعيد شديد للظالمين، وتسلية للمظلومين، يقول تعالى: { وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ } حيث أمهلهم وأدرَّ عليهم الأرزاق، وتركهم يتقلبون في البلاد آمنين مطمئنين، فليس في هذا ما يدل على حسن حالهم فإن الله يملي للظالم ويمهله ليزداد إثما، حتى إذا أخذه لم يفلته { وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد } والظلم -هاهنا- يشمل الظلم فيما بين العبد وربه وظلمه لعباد الله.اهـ كلامه رحمه الله

تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص427)

[url=#_ftnref1][/url][1] أخرجه ابن حبان في " صحيحه " ( 1107 ) والطبراني في " الصغير " ( ص 153 ) و " الكبير " أيضا كما في " المجمع " ( 4 / 79 ) وأبو نعيم في " الحلية " ( 4 / 188 ) والقضاعي في " مسند الشهاب " ( ق 15 / 2 ) وقال الهيثمي : " ورجاله ثقات وفي عاصم بن بهدلة كلام لسوء حفظه " . قلت : والمتقرر فيه عند أهل العلم أنه حسن الحديث يحتج به لا سيما إذا وافق الثقات . ولهذا قال المنذري في " الترغيب " ( 3 / 22 ) : " إسناده جيد ورواه أبو داود في " مراسيله " عن الحسن مرسلا مختصرا قال : " المكر والخديعة والخيانة في النار " . انظر إرواء الغليل ( 5/164)

كتبه أبو هاني / نصرالدين بلقاسم/ قطر

» لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله

لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله

لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله

مواضيع مماثلة

مواضيع مماثلة