وصايا ذهبية من أقوال خير البرية
أعنِّي على نفسك بكثرة السجود
الحمد لله رب العلمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد
مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة من أمنية كل مسلم حب الله ورسوله ، غير أن الأمنية إذا لم يتبعها عمل صالح لله تعالى ، فلن ينفع صاحبه كثيرا إلا أن يتغمده الله برحمته ، ولمرافقتي النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة أسباب كثيرة وهذا الذي سنذكره أحد هذه الأسباب .
عن رَبِيعَةُ بْنُ كَعْبٍ الأَسْلَمِي رضي الله عنه قَالَ : كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي : « سَلْ ». فَقُلْتُ أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ : أَوَ غَيْرَ ذَلِكَ، قُلْتُ هُوَ ذَاكَ، قَالَ : فَأَعِنِّى عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ ))
ومثل هذا الحديث حديث ثوبان رضي الله عنه عندما سأل النبي صلّى الله عليه وسلّم عن عمل يدخله الله به الجنة، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «عليك بكثرة السجود، فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحَطَّ عنك بها خطيئة»
ترجمة الراوي :
ربيعة بن كعب بن مالك، أبو فراس الأسلمي، صحب النبي صلّى الله عليه وسلّم قديماً، ولازمه حضراً وسفراً، وخدمه، وكان من أهل الصُّفَّة، وبقي في خدمة النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى أن قُبض، ثم خرج من المدينة، فنزل في بلاد أَسْلَمَ على بريد منها، ومات سنة ثلاث وستين، وليس له في الكتب الخمسة إلا هذا الحديث ، وأما البخاري فلم يخرج له شيئاً .

شرح الحديث :
هذا هو جواب النبي صلى الله عليه وسلم لمن سأله أن يكون رفيقا له في الجنة ، وما أعظم أن يكون المؤمن رفيقه في الجنة ويشرب من حوضه شربة لا يظمأ بعده أبدا ، وهذه وصيته لكل من يريد ذلك ، فما علينا إلا أن نجِدَّ ونعمل ، لأن ذلك لا يكفي فيه التمني ، بل يحتاج منا العمل الجاد والمتواصل ، لأنَّ الجنة سلعة غالية ، والشيء الغالي لابد له من ثمن يقدمه المرء ويدفعه مهما كان قدر هذا الثمن وفي الحديث :
ولهذا قال له : " أعني على نفسك " وهو دليل على أن الإنسان لا يستطيع أن ينال فضل الآخرة إلا بالجهد والكبت لنفسه عن فضول الشهوات والمنهيات ، كما في قوله تعالى : { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى } ، ولذا لا يستطيع المرء أن ينال الجنة ولا أن ينال أعظم درجاتها ، وأعلى منازلها إلا إذا كان مالكاً لنفسه الأمارة بالسوء .
وأما قوله : بكثرة السجود : أي صلاة النوافل ، وعبَّر بالسجود لأن السجود غاية التواضع والعبودية لله تعالى وفيه تمكين أعز أعضاء الإنسان وأعلاها وهو وجهه من التراب الذي يداس ويمتهن .
ولأنَّ العبد أقرب ما يكون إلى الله وهو ساجد وهو موافق لقول الله تعالى " واسجد واقترب "
قوله : "أسألك مرافقتك في الجنة " إنها أمنية كل مسلم ، لكنها لا تتأتى بدون عمل ولا محبة لله ورسوله ، ولا بدون متابعة للنبي صلى الله عليه وسلم إنما حيازة ذلك تتطلب الإخلاص والمتابعة ، كما تحتاج للعمل الجاد والمتواصل .
وللمناوي كلمة جميلة في هذا السياق حيث يقول : وفيه أن مرافقة المصطفى صلى الله عليه و سلم في الجنة من الدرجات العالية التي لا مطمع في الوصول إليها إلا بحضور الزلفى عند الله في الدنيا بكثرة السجود انظر أيها المتأمل في هذه الشريطة وارتباط القرينتين لتقف على سر دقيق فإن من أراد مرافقة الرسول صلى الله عليه و سلم لا يناله إلا بالقرب من الله ومن رام قرب الله لم ينله إلا بقرب حبيبه { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } أوقع متابعة الرسول صلى الله عليه و سلم بين المحبتين وذلك أن محبة العبد منوطة بمتابعته ومحبة الله العبد متوقفة على متابعة رسوله صلى الله عليه و سلم .
التقرب إلى الله بالنوافل توجب محبة الله للعبد :
جاءت الشريعة الإسلامية بفرائض وأركان يجب الالتزام بها طاعة لله تعالى وامتثالا لأمره ، والناس في أدائها مختلفون بين من يؤديها على وجهها الصحيح والكامل مستوفيا لشروطها وأركانها وواجباتها ، وبين من يُقصِّر ويُخِل ببعض ذلك ، ولأجل ذلك شُرِعت النوافل لتجبر ذلك النقص وتكمله ، ولهذا جاء في السنة أنه حين يحاسب المرء على الفرائض يقول الله انظروا هل لعبدي من نوافل ، وذلك في كل عبادة من العبادات .
ففي الصلاة وهي من أعظم العبادات جاءت النوافل ومنها السنن الرواتب تكمل ذلك النقص وتجبره ، و تجعل الإنسان أكثر قربا من ربه بكثرتها والمحافظة عليها كما في الحديث القدسي : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ )) الحديث وما أعظمه من حديث لو كان للمرء قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .
ففي هذا الحديث بيان أن :
_ أداء الفرائض هو أحب الأعمال إلى الله تعالى ، وذلك لما فيها من إظهار عظمة الربوبية ، وذل العبودية
- النافلة إنما تقبل إذا أديت الفريضة ، لأنها لا تسمى نافلة إلا إذا قضيت الفريضة .
_ متى أدام العبد التقرب بالنوافل أفضى ذلك به إلى أن يحبه الله عز و جل .
السنن الرواتب وفضلها :
عَنِ ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: حَفِظْتُ مِنَ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم عَشْرَ رَكَعَاتٍ: رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ المَغْرِبِ فِي بَيْتِهِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ فِي بَيْتِهِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ، مُتَّفَقٌ عَلَيْه ِ.
وعند البخاري : (( وكان لا يصلي الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين )) ولفظ مسلم : (( وبعد الجمعة سجدتين، فأما المغرب والعشاء والجمعة فصليت مع النبي صلّى الله عليه وسلّم في بيته ))
دلالة الحديث :
يفيد حديث ابن عمر على مشروعية التنفل بهذه الرواتب ، وهي عشرة ركعات ، وكان يصلي سنة الفجر والمغرب والعشاء في بيته ، كما كان يصلي بعد الجمعة في بيته ركعتين .
وفي بعض الروايات كما في حديث عائشة أنه كان يصلي السنة القبلية للظهر والبعدية في بيته :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ:سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنْ صَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ التَّطَوُّعِ فَقَالَتْ : (( كَانَ يُصَلِّى قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا فِي بَيْتِي ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُصَلِّى بِالنَّاسِ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى بَيْتِي فَيُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ يُصَلِّى بِالنَّاسِ الْمَغْرِبَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى بَيْتِي فَيُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ يُصَلِّى بِهِمُ الْعِشَاءَ ثُمَّ يَدْخُلُ بَيْتِي فَيُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ يُصَلِّى مِنَ اللَّيْلِ تِسْعَ رَكَعَاتٍ فِيهِنَّ الْوِتْرُ وَكَانَ يُصَلِّى لَيْلاً طَوِيلاً قَائِمًا وَلَيْلاً طَوِيلاً جَالِسًا فَإِذَا قَرَأَ وَهُوَ قَائِمٌ رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قَائِمٌ وَإِذَا قَرَأَ وَهُوَ قَاعِدٌ رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قَاعِدٌ وَكَانَ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُصَلِّى بِالنَّاسِ صَلاَةَ الْفَجْرِ )) .
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنهما: (( أَنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كَانَ لاَ يَدَعُ أَرْبَعاً قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ )) .
ورواية عائشة رضي الله عنها هذه تفيد أن الرواتب اثنتا عشرة ركعة، ويؤيد ذلك حديث أُمَّ حَبِيبَةَ رضي الله عنها قالت : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (( مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ ، قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ : فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ))
ما ورد في صلاة النافلة في البيوت :
وردت بعض الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها الحث على أداء عموم النوافل وبعض الرواتب في البيت ، وأن لا يكون البيت كالمقبرة ، وذلك لأنَّ المقبرة لا صلاة فيها ولا تجوز فيها الصلاة .
_ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلَاتِكُمْ وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا ))
_ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (( إِذَا قَضَى أَحَدُكُمُ الصَّلاَةَ فِي مَسْجِدِهِ فَلْيَجْعَلْ لِبَيْتِهِ نَصِيبًا مِنْ صَلاَتِهِ فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ فِي بَيْتِهِ مِنْ صَلاَتِهِ خَيْرًا )) .
_ عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( عَلَيْكُمْ بِالصَّلاَةِ فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ خَيْرَ صَلاَةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلاَّ الصَّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ )) .
فوائد الصلاة النافلة في البيت :
ـ تمام الخشوع والإخلاص والبعد عن الرياء.
ـ أن فعلها في المنزل يخرج البيت عن كونه كالمقبرة.
ـ امتثال أمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم الذي حثنا على صلاة النافلة في البيت.
ـ أن يكون الإنسان قدوة لأهل بيته ، فيقتدي به الصبيان ويرونه يُصلي فيُصلّون معه .
ما يتحقق به كثرة السجود :
1_ صلاة الليل :
من الصلوات التي تعين المرء على تحقيق هذه الوصية أعني على نفسك بكثرة السجود ، صلاة الليل وما أدراك ما صلاة الليل ، وهي من أفضل الصلوات بعد المكتوبة كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح .
_ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (( أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ وَأَفْضَلُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلاَةُ اللَّيْلِ )) .
وفي لفظ آخر عنه قال : (( قَالَ سُئِلَ أَيُّ الصَّلاَةِ أَفْضَلُ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ وَأَيُّ الصِّيَامِ أَفْضَلُ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ فَقَالَ : (( أَفْضَلُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ الصَّلاَةُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ صِيَامُ شَهْرِ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ ))
وهذان الحديثان فيهما دلالة على فضل صلاة الليل وأنها أفضل الصلاة بعد الفريضة ، والمراد بذلك التطوع المطلق ، أي أن صلاة الليل أفضل من التطوع المطلق بالنهار ، واختلفوا أيهما أفضل صلاة الليل أم السنن الرواتب .

فضائل قيام الليل :
قيام الليل له فضل عظيم وثواب جزيل وأصحابه من ذوي الدرجات العلى إذ لا يقوم الليل إلا من رزقه الله الإخلاص والإيمان وحب القرب من مولاه جعلني الله وإياكم منهم بفضله ومنه وكرمه .
يا أيها الراكد كم ترقد ... ..قم يا حبيبي قد دنا الموعد
وخذ من الليل ولو ساعة ... تحظى إذا ما هجع الرقد
من نام حتى ينقضي ليله ... لم يبلغ المنزل لو يجهـــــــــد
1ـ أن الله مدح أهله .
قال تعالى { تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً }
قال الإمام السعدي رحمه الله : أي: ترتفع جنوبهم، وتنزعج عن مضاجعها اللذيذة، إلى ما هو ألذ عندهم منه وأحب إليهم، وهو الصلاة في الليل، ومناجاة اللّه تعالى.
{ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ } أي: في جلب مصالحهم الدينية والدنيوية، ودفع مضارهما. { خَوْفًا وَطَمَعًا } أي: جامعين بين الوصفين، خوفًا أن ترد أعمالهم، وطمعًا في قبولها، خوفًا من عذاب اللّه، وطمعًا في ثوابه.اهـ
وقال ابن المبارك :
إذا ما الليل أظلم كابدوه ... .فيسفر عنهم وهم ركوع
أطار الخوف نومهم فقاموا ... وأهل الأمن فى الدنيا هجوع
2ـ أنه أفضل الصلاة بعد الفريضة كما تقدم في الحديث .
3ـ أنه من علامات المتقين .
قال تعالى : {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}
4ـ أنه من أسباب دخول الجنة :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ رضي الله عنه قَالَ : (( لَمَّا أَنْ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ ، وَانْجَفَلَ النَّاسُ قِبَلَهُ فَقَالُوا : قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لأَنْظُرَ إِلَى وَجْهِهِ ، فَلَمَّا أَنْ رَأَيْتُ وَجْهَهُ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ ، فَكَانَ أَوَّلُ شَيءٍ سَمِعْتُ مِنْهُ أَنْ قَالَ :« يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَطْعِمُوا الطَّعَامَ ، وَأَفْشُوا السَّلاَمَ ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلاَمٍ ))
5ـ قيام الليل شرف المؤمن :
عن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((أتانى جبريل فقال لى يا محمدُ عِشْ ما شئتَ فإنك مَيِّت وأحببْ من شئت فإنك مُفَارِقُه واعمل ما شئتَ فإنك مُجْزَى به واعلم أن شرفَ المؤمن قيامُه بالليل وعِزُّه استغناؤه عن الناس ))
6ـ لهم غرف في الجنة يرى ظاهرها من باطنها :
عن أبي مَالِكٍ الأَشْعَرِيُّ رضي الله عنه ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : (( إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يَرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا , وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا ، أَعَدَّهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ )) .
صلاة الضحى :
ومن الصلوات التي يتحقق بها كثرة السجود صلاة الضحى ، وهي من الصلوات التي أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم أبا هريرة رضي الله كما في الصحيح :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: (( أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلاَثٍ لاَ أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ: صَوْمِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلاَةِ الضُّحَى، وَنَوْمٍ عَلَى وِتْرٍ))
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ : (( أَوْصَانِي حَبِيبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثٍ لَنْ أَدَعَهُنَّ مَا عِشْتُ : بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ، وَصَلَاةِ الضُّحَى ، وَبِأَنْ لَا أَنَامَ حَتَّى أُوتِرَ ))
تضمن هذان الحديثان وصيته بصلاة الضحى وأقل ما يجزي به ركعتان خفيتان .
قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ لَعَلَّهُ ذَكَرَ الْأَقَلَّ الَّذِي يُوجَدُ التَّأْكِيدُ بِفِعْلِهِ وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ صَلَاةِ الضُّحَى وَأَنَّ أَقَلَّهَا رَكْعَتَانِ وَعَدَمُ مُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فِعْلِهَا لَا يُنَافِي اسْتِحْبَابَهَا لِأَنَّهُ حَاصِلٌ بِدَلَالَةِ الْقَوْلِ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْحُكْمِ أَنْ تَتَضَافَرَ عَلَيْهِ أَدِلَّةُ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ لَكِنْ مَا وَاظَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فِعْلِهِ مُرَجَّحٌ على مَا لَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهِ .اهـ
وقال القرطبي رحمه الله : " وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأبي الدرداء وأبي هريرة رضي الله عنهما : تدل على فضيلة الضحى ، وكثرة ثوابه وتأكده ، ولذلك حافظا عليه ، ولم يتركاه
والذي يدل على أن أقلها ركعتان ما رواه مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: (( يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى ))
فضائل صﻼة الضحى: من فضائلها:
1- أنها صﻼة اﻷوابين، وأنه ﻻ يحافظ عليها إﻻ أواب.
عَنِ الْقَاسِمِ الشَّيْبَانِيِّ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ، رَأَى قَوْمًا يُصَلُّونَ مِنَ الضُّحَى، فَقَالَ: أَمَا لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ الصَّلَاةَ فِي غَيْرِ هَذِهِ السَّاعَةِ أَفْضَلُ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ حِينَ تَرْمَضُ الْفِصَالُ))
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( لَا يُحَافِظُ عَلَى صَلَاةِ الضُّحَى إِلَّا أَوَّابٌ )) قَالَ: « وَهِيَ صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ »
ومعنى أواب: قال النووي : المطيع، وقيل الراجع إلى الطاعة
2- أن من صلى الضحى أربعا أكفاه ﷲ همَّ حوائجه:
عَنْ نُعَيْمِ بْنِ هَمَّارٍ الْغَطَفَانِيِّ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: (( يَا ابْنَ آدَمَ، صَلِّ لِي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ أَكْفِكَ آخِرَهُ ))
3_ من خرج إلى المسجد لصلاة الضحى فله أجر كأجر المعتمر :
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (( مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مُتَطَهِّرًا إِلَى صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْحَاجِّ الْمُحْرِمِ، وَمَنْ خَرَجَ إِلَى تَسْبِيحِ الضُّحَى لَا يَنْصِبُهُ إِلَّا إِيَّاهُ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْمُعْتَمِرِ، وَصَلَاةٌ عَلَى أَثَرِ صَلَاةٍ لَا لَغْوَ بَيْنَهُمَا كِتَابٌ فِي عِلِّيِّينَ ))
وقت صلاة الضحى :
أفضل وقت صلاة الضحى حين ترمض الفصال، وذلك لحديث زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( صﻼة اﻷوابين حين ترمض الفصال)) تقدم تخريجه
قال النووي رحمه الله : صلاة الأوابين حين ترمض الفصال هو بفتح التاء والميم يقال رمض يرمض كعلم يعلم والرمضاء الرمل الذي اشتدت حرارته بالشمس أي حين يحترق أخفاف الفصال وهي الصغار من أولاد الإبل جمع فصيل من شدة حر الرمل والأواب المطيع وقيل الراجع إلى الطاعة وفيه فضيلة الصلاة هذا الوقت قال أصحابنا هو أفضل وقت صلاة الضحى وإن كانت تجوز من طلوع الشمس إلى الزوال قوله صلى الله عليه وسلم .
عدد ركعات صلاة الضحى :
ـ ثبت أنه صلى ركعتين كما تقدم في الحديث (وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى )
ـ ثبت أنه صلى أربع ركعات كما في حديث عَائِشَةً رضي الله عنها قَالَتْ : (( كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ، وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اللَّهُ ))
ـ وثبت أنه صلى ثمان ركعات كما في حديث أُمِّ هَانِئٍ رضي الله عنها أَنَّهُ لَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِأَعْلَى مَكَّةَ ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى غُسْلِهِ فَسَتَرَتْ عَلَيْهِ فَاطِمَةُ ، ثُمَّ أَخَذَ ثَوْبَهُ فَالْتَحَفَ بِهِ ، ثُمَّ صَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ سُبْحَةَ الضُّحَى .
تقدم أن أقل ما يجزئ في صلاة الضحى ركعتان ، واختلف في أكثره ، على قولين
قول : إنها محددة ، قيل بثمان ، وقيل باثنتي عشرة ركعة والحديث ضعيف .
وقول آخر : لا حد لها ، واستدلوا لها بحديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي أربع ركعات ويزيد ما شاء الله .رواه مسلم
ولكثرة السجود مواطن أخرى يتحراها المسلم لينال مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة .
جعلني الله وإياكم منهم
نصيحة :
أنصح إخواني المسلمين جميعا ، ومن يقول إنه سلفي أن يحرص على اتباع السنن والمحافظة عليها ،إن كان فعلا يحب أن ينتسب لمنهج السلف ، لأن منهج السلف هو الاتباع لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الأفاضل رضي الله عنهم .

أخوكم أبو هاني / قطر
أخرجه مسلم في الصحيح (489)
انظر الفيض القدير شرح الجامع الصغير (4/334) المكتبة التجارية الكبرى /ط1 1356هـ
أخرجه البخاري (6502)
أخرجه البخاري في كتاب« التهجد»، باب «الركعتين قبل الظهر» (1180) ومسلم في كتاب «صلاة المسافرين»، باب «فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن وبيان عددهن» (729) وهذا لفظ البخاري.
أخرجه أبو داود في السنن ( 1/486) رقم 1253 وأحمد في المسند ( 24065) وصححه الألباني كما في صحيح أبي داود (1251)
أخرجه البخاري في كتاب «التهجد»، باب «الركعتين قبل الظهر» (1182)
أخرجه مسلم (
أخرجه البخاري ( 422) باب كراهية الصلاة في المقابر ، و(1131) باب التطوع في البيوت
أخرجه مسلم ( 778) باب اسْتِحْبَابِ صَلاَةِ النَّافِلَةِ فِي بَيْتِهِ وَجَوَازِهَا فِي الْمَسْجِدِ
جزء من حديث أخرجه مسلم في الصحيح ( 781)
أخرجه مسلم ( 1163) باب فضل صوم محرم
صحيح مسلم ( 1163)
انظر : تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص655) مؤسسة الرسالة
أخرجه ابن ماجه في السنن ( 1334) دار الفكر / تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ، وأحمد في المسند ( 23835)
أخرجه الحاكم (4/360 ، رقم 7921) ، وقال : صحيح الإسناد ، ووافقه الذهبى . والبيهقي فى شعب الإيمان (7/349 ، رقم 10541) عن جابر رضي الله عنه ، وحسنه الألباني كما في صحيح الجامع (73)
أخرجه أحمد (5/343 ، رقم 22956) ، قال الهيثمى (3/192) : رجاله ثقات وابن حبان (2/262 ، رقم 509) ، والطبرانى (3/301 ، رقم 3466) ، قال الهيثمى (2/254) : رجاله ثقات . والبيهقى فى شعب الإيمان (3/404 ، رقم 3892) ، والبيهقي (4/300 ، رقم 8262) .وحسنه الألباني كما في صحيح الجامع (2123)
أخرجه البخاري في الصحيح ( 1178) باب صلاة الضحى في الحضر ومسلم (721)
أخرجه مسلم ( 1183)
انظر فتح الباري لابن حجر ( 3/57) ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي / دار المعرفة
صحيح مسلم (720)
أخرجه مسلم ( 748)
أخرجه ابن خزيمة في صحيحه ( 1224) الناشر : المكتب الإسلامي / تحقيق الأعظمي وحسنه الألباني كما في صحيح الترغيب (676)
أخرجه أحمد 6/286-287، وأبو داود (1289) في الصلاة: باب صلاة الضحى وصححه الألباني كما في إرواء الغليل (2 / 216)
أخرجه أبو داود في السنن ( 558) والبيهقي في السنن الكبرى ( 3/ 89) وهو حديث حسن انظر (صحيح الترغيب)) (318) , وصحيح أبي داود)) (567)
انظر شرح مسلم (6/30) حديث رقم 748 (دار إحياء التراث العربي )
أخرجه مسلم

جزاك الله خيرا