الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : زائرنا الكريم مرحبا بك بين إخوانك في منتديات تبسة الإسلامية ، بعد التسجيل ستجد رسالة تأكيد التسجيل في بريدكم ، نرجوا لكم قضاء وقت مفيد ومريح في هذا الفضاء التربوي العلمي .


آخر المواضيع
الموضوع
تاريخ ارسال المشاركة
بواسطة
مرحبا بكم أيها الأحباب من جديد ..
من بريد المنتدى ذات يوم ...
كتاب الانتصار للنبي المختار ﷺ (يصور لأول مرة) المؤلف: د.سليمان بن صفية الجزائري
رحم الله الشيخ علي الحلبي ..
بشرى صدور موقع جديد للشيخ أبو يزيد المدني (سليم بن صفية)
حذروا من صناعة المعاقين في بيوتكم
‏الرفقة الدافئة
يا طالب العلم البشرية كلها بحاجة إليك.
قصة قصيرة جملية
حكمة وعبرة ✍
الخميس 29 ديسمبر 2022 - 11:57
الخميس 29 ديسمبر 2022 - 9:20
الإثنين 28 ديسمبر 2020 - 15:30
الخميس 3 ديسمبر 2020 - 18:36
الأربعاء 22 يناير 2020 - 18:36
الجمعة 21 ديسمبر 2018 - 20:08
الخميس 20 ديسمبر 2018 - 12:28
الإثنين 17 ديسمبر 2018 - 13:30
الخميس 6 ديسمبر 2018 - 21:09
الإثنين 3 ديسمبر 2018 - 20:11











شاطر
 

 أثر عبادة الحجِّ والعمرة في وقاية النفس وتطهيرها من الذنوب-عموم ومستثنيات-

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
سمير زمال

سمير زمال

عدد الرسائل :
6494

العمر :
34

تاريخ التسجيل :
07/04/2008


أثر عبادة الحجِّ والعمرة في وقاية النفس وتطهيرها من الذنوب-عموم ومستثنيات- Empty
مُساهمةموضوع: أثر عبادة الحجِّ والعمرة في وقاية النفس وتطهيرها من الذنوب-عموم ومستثنيات-   أثر عبادة الحجِّ والعمرة في وقاية النفس وتطهيرها من الذنوب-عموم ومستثنيات- I_icon_minitimeالثلاثاء 30 أكتوبر 2012 - 12:45

بقلم :د محمد على فركوس

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فمِنْ رحمة الله تعالى بعباده أن شرع لهم من العبادات ما يقيهم ويصونهم شرَّ الوقوع في المعاصي والذنوب وما يعالجهم بها ويطهِّرهم إذا وقعوا فيها، فالصلاة تقي صاحبَها من الفحشاء والمنكر، ومن الجزع عند الضرَّاء والمصائب، ومن الشُّحِّ عند السرَّاء والإنعام، ونحو ذلك ممَّا بيَّنه اللهُ تعالى في قوله: ?إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ? [العنكبوت: 45]، وقال تعالى: ?إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا. إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا. وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا. إِلاَّ الْمُصَلِّينَ. الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ. وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ. لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ? [المعارج: 19-25]، فالموصوفون بها إذا مسَّهم الخيرُ شكروا اللهَ وأنفقوا ممَّا خوَّلهم، وإذا مسَّهم الشرُّ صبروا واحتسبوا.

كما أنَّ الصلاة يمحو اللهُ بها الخطايا ويطهِّر بها من الذنوب، وقد صحَّ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا مَا تَقُولُ ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ؟» قَالُوا: «لاَ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ»، قَالَ: «فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ يَمْحُو اللهُ بِهِنَّ الخَطَايَا»(1)، وقال صلَّى الله عليه وسلَّم -أيضًا-: «الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ وَالجُمُعَةُ إِلَى الجُمُعَةِ كَفَّارَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا اجْتُنِبَتِ الكَبَائِرُ»(2)، وقال -أيضًا-: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمانًا واحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»(3)، وقال صلَّى الله عليه وسلَّم -أيضًا-: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»(4).

وعبادةُ الزكاة وقايةٌ من الشُّحِّ والبخل تنقل صاحبَها إلى زمرة الكرماء، وتزكِّي أخلاقَه كما في آية المعارج السابقة وتشرح صدْرَه، وتجعل صاحبَها من المستحقِّين لرحمة الله، قال تعالى: ?وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ? [التوبة: 71]، وتقيه -أيضًا- من أسباب ضيق الرزق ومنْعِ القَطْر، ففي الحديث: «لَمْ يَمْنَعْ قَوْمٌ زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلاَّ مُنِعُوا القَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلاَ البَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا»(5)، وهي -من جهةٍ أخرى- تطهِّر الذنوبَ والخطايا لمن وقع فيها، وفي حديث معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «..وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ المَاءُ النَّارَ»(6). وزكاةُ الفطر تطهِّر مَنْ وَجَبتْ عليه بعد شهر الصوم من اللغو والرفث، فعن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم زَكَاةَ الفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ»(7) .

وكذلك عبادةُ الصوم فإنها تقي المؤمنَ من المعاصي وتصرفه عن الشهوات، وتسدُّ عنه منافذَ السُّوء والشرِّ، وتمنعه من الوقوع في المخالفة لقوله تعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ? [البقرة: 183]، فالصومُ موجِبٌ لتقوى الله في القلوب وإضعافِ الجوارح عن الشهوات وإماتتِها، إذْ كلَّما يقلُّ الأكلُ تضعف الشهوةُ، وتقلُّ -على إثرها- المعاصي والذنوب، قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ»(8)، فهو علاجٌ واقٍ بالطبِّ النبويِّ لمنْ خشي الوقوعَ في مهلكات شهوات البطن والفرْج وغيرهما، ودِرْعٌ منيعٌ من النار، قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «الصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَحِصْنٌ حَصِينٌ مِنَ النَّارِ»(9)، وقد جاء التعبير النبويِّ عن وقاية صوم رمضان من الشرور والآثام بفتح سبل الخير وإغلاق سبل الشرِّ والغواية، فقال صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ»(10)، كما تُخَلِّصُ عبادةُ الصوم صاحبَها من الذنوب بتكفيرها عليه وحصولِ المغفرة له، ويدلُّ عليه قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «...وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ»(11)، وقولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»(12).

هذا، ولا تخرج عبادة الحجِّ والعمرة عن سائر العبادات في الوقاية مِنْ شرِّ الوقوع في المعاصي وتطهير النفس منها وقايةً وعلاجًا -كما سيأتي في مضمون الكلمة-، غيرَ أنَّ الأمر الذي يدعو إلى تجلية القول فيه هو أنَّ مَحْوَ أثر المعصية من النفس بعد الوقوع فيها بالعمل الصالح أو بالعبادات السالفة البيان بخاصَّةٍ الحجّ والعمرة، هل يتحقَّقُ بهما التطهيرُ الجزئيُّ، أي: لصغائر الذنوب فقط أم الأمرُ يعدو إلى كبائر الذنوب فيحصل بهما التطهير الكلِّيُّ؟

فتقريرُ القضيَّة وبيانُ متعلّقاتها تتجلَّى على الوجه التالي:

لا خلافَ بين العلماء في أنَّ صغائر الذنوب تُكفَّر بعبادة الحجِّ ويحصل بها الغفرانُ(13)، غيرَ أنَّ العلماء يختلفون في تكفير كبائر الذنوب بالحجِّ، وما عليه أهلُ التحقيق أنَّ الحجَّ مكفِّرٌ للذنوب جميعًا صغيرِها وكبيرها، لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم في فضل الحجِّ المبرور من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «مَنْ حَجَّ للهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ»(14)، فالحديث دلَّ -بظاهره- على أنَّ مَن استوفى أحكامَ الحجِّ، ووقعتْ أعمالُه على وَفْقِ مطلب الشرع، ولم يُخالطْه شيءٌ من الإثم والفسوق رجع نقيًّا من ذنوبه كيومَ ولدتْهُ أمُّه، ويؤكِّد هذا المعنى حديثُ عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: لَمَّا جَعَلَ اللهُ الإِسْلاَمَ في قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم فَقُلْتُ: «ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعْكَ»، فَبَسَطَ يَمِينَهُ، قَالَ: «فَقَبَضْتُ يَدِي»، قَالَ: «مَالَكَ يَا عَمْرُو!؟»، قَالَ: قُلْتُ: «أَرَدتُ أَنْ أَشْتَرِطَ»، قَالَ: «تَشْتَرِطُ بِمَاذَا؟»، قُلْتُ: «أَنْ يُغْفَرَ لِي»، قَالَ: «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الإِسْلاَمَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا؟ وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟»(15)، والحديثُ يفيد «عِظَمَ موقع الإسلام والهجرة والحجِّ، وأنَّ كلَّ واحدٍ منها يهدم ما كان قبله من المعاصي»(16) من غيرِ تفريقٍ بين صغائرها وكبائرها، قال ابن حَجَرٍ -رحمه الله- في تعليقه على حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «فإنَّ ظاهره غفرانُ الصغائر والكبائر والتبعات»(17).

قلت: فإنَّ عموم ظاهره غيرُ مقصودٍ مطلقًا، وإنما يتناول الصغائرَ والكبائر من حقوق الله تعالى المتعلِّقة باجتناب ركوب المحارم كالزنا والسرقة وشربِ الخمر والقذف والكذب ونحو ذلك، أمَّا حقوقُ الله التي تُشْغَلُ بها ذمَّةُ المكلَّف كالكفَّارات والنذور وقضاء الصلاة والصوم؛ فإنها تبقى قائمةً ولا تبرأُ ذمَّتُه منها، ولا تسقط بحالٍ إلاَّ بعد القيام بها أداءً أو قضاءً على وَفْقِ المطلوب شَرْعًا، أو في حالة عدم القدرة على امتثال الأمر بها أو العجزِ عن أدائها.

ويُستثنى -أيضًا- من العموم السابق ما يتعلَّقُ بحقوق العباد من التبعات الجنائية والمالية وغيرهما، فإنَّ الحجَّ لا يكفِّرها، وإنما يتوقَّفُ الإبراءُ منها على إرضاء أصحابها بالتسديد أو التنازل أو العفو، سواءً حصل في الدنيا أو في الآخرة على ما صحَّ في حديث «المفلس» الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «أَتَدْرُونَ مَا المُفْلِسُ؟» قالوا: «المُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ»، فقال: «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ»(18)، قال ابن تيمية -رحمه الله- في معرِضِ بيان حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه: «فعُلم أنه عنى بذلك أنه يهدم الآثامَ والذنوب التي سأل عَمْرٌو مغفرتَها، ولم يَجْرِ للحدود ذِكْرٌ، وهي لا تسقطُ بهذه الأشياء بالاتِّفاق»(19)، وقال الملا القاري: «وأمَّا حقوقُ العباد فلا تسقط بالحجِّ والهجرة إجماعًا»(20)، وقال المباركفوري في شرحه لحديث عمرو بن العاص رضي الله عنه: «أي: يهدم من الخطايا المتعلِّقة بحقِّ الله لا التبعات، وتُكفَّرُ الكبائرُ التي بين العبد ومولاه، لا المظالم بين العباد وحقوقُ الآدميين، قيل: وعليه الإجماع، وإنما حملوا الحديث في الحجِّ والهجرة على ما عدا حقوقَ العباد والمظالِمَ لَمَّا عرفُوا ذلك من أصول الدين، فردُّوا المجمل إلى المفصَّل، وعليه اتِّفاقُ الشارحين»(21).

قلت: والحديث -أيضًا- إنما يتناول كلَّ ما يدخل تحت المشيئة، ويُستثنى الشرك لأنه لا تنفع الأعمالُ الصالحة مع وجوده والتلبُّس به، لقوله تعالى ?إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ? [النساء: 48]، وسيأتي المزيد في بيانه.

هذا، وقد ذهب جمهور العلماء إلى اختصاص المكفِّرات بالصغائر من الذنوب دون الكبائر، وبه قال ابن عبد البرِّ(22) وابن العربي(23) والنووي، وقال: «هو مذهبُ أهل السنَّة وأنَّ الكبائر إنما تكفِّرها التوبةُ ورحمةُ اللهِ وفضلُه»(24)، ونقل الملا القاري في معرِض شرحه لحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: «رَجَعَ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» الإجماعَ على ذلك، فقال: «اعلمْ أنَّ ظاهِرَ الحديث يفيد غُفرانَ الصغائر والكبائر السابقة، لكنَّ الإجماع أنَّ المكفِّراتِ مختصَّةٌ بالصغائر من السيِّئات التي لا تكون متعلِّقةً بحقوق العباد من التبعات، فإنه يتوقَّف على إرضائهم، مع أنَّ ما عدا الشركَ تحتَ المشيئة»(25).

قلت: ودعوى الإجماع تحتاج إلى إثباتٍ وهو متعذِّرٌ، والحامل على تخصيصه بالصغائر دون الكبائر هو قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ، وَالجُمُعَةُ إِلَى الجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتُنِبَتِ الكَبَائِرُ»(26)(27)، ويمكن دفعُ التعارض بحمل مقتضى قوله: «إِذَا اجْتُنِبَتِ الكَبَائِرُ» على معنى أنه لا اجتنابَ للكبائر إلاَّ بفعل الفرائض من الصلوات والجمعة ورمضان، فمَن لم يفعلها لم يكن مجتنبًا للكبائر، لأنَّ تَرْكَها من الكبائر، فوقف تكفيرُ الذُّنوب صغيرِها وكبيرها على فعلها(28)،كما توقَّف تكفيرُ الذنوب في الحجِّ على ترك الرفث والفسوق.

هذا، ولا تختلف العمرة عن الحجِّ في تطهير النفس من الخطايا والمعاصي، فإنَّ من أدَّى العمرةَ مخلصًا لله تعالى يريد وجْهَه الكريم على الوجه المَرضيِّ شرعًا، خاليًا من الرفث والفسوق؛ فإنه ينال بها جزاءَ الحجِّ من غفران الذنوب، وحطِّ الخطايا، ونفيِ الفقر، وجزاءِ الجنَّة، وقد صحَّ في النصوص الحديثية ما يفيد عمومَ حصول الجزاء للحجِّ والعمرة في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ أَتَى هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ»(29)، وهو يشمَل الحجَّ والعمرة، وقد أخرجه الدارقطني بلفظ: «مَنْ حَجَّ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ يَرْجِعُ كَهَيْئَةِ يَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ»(30)، والحديث -وإن ضعَّف الحافظ ابن حجرٍ رحمه الله إسنادَه-(31) فقد صحَّ عنه صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: «العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الجَنَّةُ»(32)، وقال -أيضًا-: «تَابِعُوا بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ المَبْرُورَةِ ثَوَابٌ دُونَ الجَنَّةِ»(33).

وفي معرض الإشادة بخصائص البلد الحرام قال ابن القيِّم -رحمه الله-: «وجعلَ قصْدَه مكفِّرًا لِما سلف من الذنوب، ماحيًا للأوزار حاطًّا للخطايا»، واستدلَّ له بالأحاديث السالفة البيان ثمَّ قال: «فلو لم يكن البلدُ الأمينُ خيرَ بلاده وأحبَّها إليه ومختارَه من بلاده؛ لَما جعل عَرَصاتِها مناسكَ لعباده فَرَضَ عليهم قصْدَها، وجعل ذلك مِنْ آكَدِ فروض الإسلام، وأَقسم به في كتابه العزيز في موضعين منه فقال تعالى: ?وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ? [التين: 3]، وقال تعالى: ?لاَ أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ? [البلد: 1]، وليس على وجه الأرض موضعٌ يُشْرَعُ تقبيلُهُ واستلامه، وتُحَطُّ الأوْزارُ والخطايا فيه غير الحَجَر الأسود والركن اليماني، وثبت عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّ الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاةٍ..»(34).

كما أنَّ نصوص الشرع العامَّةَ تقضي بانتفاء التفريق -مِنْ حيثُ هَدْمُ الذنوب والآثام، وحصولُ الأجر والثواب- بين حجَّة الإسلام وحجَّة التطوُّع، كما لم تُمَيِّزْ بين حجَّة المرْء عن نفسه أصالةً أو بالنيابة عنْ غيره، فإنها أعمالٌ معدودةٌ من الصالحات، وفعلُها من الخيرات، والسيِّئاتُ تُغْفَرُ بها مُطلقًا إلاَّ ما أُورد من اسْتثناءٍ، غيرَ أنَّ الذنب العظيم قد يحتاج إلى حسنةٍ عظيمةٍ لتكفيرها، وذلك لعموم قوله تعالى: ?إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ? [هود: 114]، وقولِه تعالى: ?وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى. جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى? [طه: 75-76].

وألفاظ الحديث كقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ» أوْ «تَابِعُوا بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ»، وألفاظُ الأحاديث الأخرى: «الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ، وَالجُمُعَةُ إِلَى الجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ..» تؤكِّد أنَّ هدْمَ الذنوب ليس قاصرًا على حجَّة الإسلام ولا على تأديتها بالأصالة، بل فضْلُ الله ورحمته أوسع من هذا، بل تشمَل صحَّةَ حجِّ المرتدِّ عن دينه إذا تاب واستقام على أصحِّ قولَيِ العلماء ولا يلزمه القضاءُ بعد توبته، وهو مذهب الشافعية(35) والحنابلة(36)، خلافًا لمن يرى أنَّ حَجَّه باطلٌ وتلزمُه الإعادةُ بعد توبته وهو مذهب الحنفية(37) والمالكية(38)، وسبب اختلافهم يرجع إلى اختلافهم في أثر الردَّة في فساد العمل، فإنَّ الحنفية والمالكية يرون أنَّ مجرَّد الردَّة يوجب إحباطَ العمل وفسادَه، ويحتجُّون بقوله تعالى: ?وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ?[المائدة: 5]، وقولِه تعالى: ?وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ? [الأنعام: 88]، والحبوط: هو الفساد، ومعنى هذا أنَّ عمله يبطل بالردَّة وتلزمه الإعادةُ إن تاب.

أمَّا على وَفْقِ المذهب الراجح، فإنَّ الوفاة على الردَّة شرطٌ في حبوط العمل لقوله تعالى: ?وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ? [البقرة: 217]، فإن تاب ورجع إلى الإسلام فلا إعادة عليه، ويصحُّ عملُه السابق مجرَّدًا عن الثواب حملاً للمطلق على المقيَّد.

وينبغي أنْ يُعْلَمَ أنَّ دخول الكافر في الإسلام الذي امتنَّ الله به على عباده المسلمين يهدم كلَّ سيِّئةٍ قبله لقوله تعالى: ?قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ? [الأنفال: 38]، ولحديث عمرو بن العاص رضي الله عنه المتقدِّم وفيه: «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الإِسْلاَمَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ»، وإنْ بقي على كفره فإنه يُؤاخَذُ بأسوإ أعماله لقوله تعالى: ?فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ? [فصِّلت: 27]، ويُفْسِدُ كفرُه كلَّ حسنةٍ ويُبْطِلُها، ولا تُغني عنه أعمالُه الخيِّرة شيئًا يوم القيامة لقوله تعالى: ?وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا? [الفرقان: 23]، ولقوله تعالى: ?وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ? [النور: 39]، ويُجزَى الكافرُ بعمله الصالح في الدنيا لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً، يُعْطَى بها فِي الدُّنْيَا وَيُجْزَى بها فِي الآخِرَةِ، وَأَمَّا الكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ بِهَا للهِ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الآخِرَةِ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا»(39).

والكافر يتفاوت عذابُه بحسَبِ كِبَرِ السيِّئة وعددها، وليس بالنظر إلى الحسنة؛ لأنها لا تُحْسَبُ عليه من جملة السيِّئات.

وفي وزن أعمال الكفَّار خلافٌ مبنيٌّ على مسألة مخاطبة الكفَّار بفروع الشريعة، والراجح أنهم يُحاسَبون حسابَ تقريرٍ لأنهم ليست لهم حسناتٌ، فيُوقَفُون على أعمالهم وسيِّئاتهم، يُقرَّرون بها، قال تعالى: ?إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ? [ص: 26]، إذ الكافر لا تنفعه حسناته، وإن وُزِنَتْ فإنما تُوزَن قطعًا للحُجَّة، إلاَّ إذا تاب الكافر قبل موته وأسلم لله تعالى، فإنه تنفعه حسناته قبل الإسلام وبعده -فضلاً من الله ورحمةً- قال تعالى: ?إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا? [الفرقان: 70]، وفي حديث حكيم بن حِزامٍ رضي الله عنه أنه سأل النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: «أَيْ رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ أُمُورًا كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الجَاهِلِيَّةِ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ عَتَاقَةٍ أَوْ صِلَةِ رَحِمٍ أَفِيهَا أَجْرٌ؟» فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: «أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ»(40).

هذا، وحقيقٌ بالتنبيه أنَّ المسلم لا ينبغي عليه أن يتهاون في فعل الصغائر والاستمرار عليها، بلْهَ الكبائر اتِّكالاً على ثواب الحجِّ أو العمرة أو أيِّ عملٍ صالحٍ لخطورة ارتكاب الصغائر والإصرار عليها، ويدلُّ عليه حديث سهل بن سعدٍ رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُنُوبِ فَإِنَّمَا مَثَلُ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ كَقَوْمٍ نَزَلُوا فِي بَطْنِ وَادٍ فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ حَتَّى أَنْضَجُوا خُبْزَتَهُمْ، وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُنُوبِ مَتَّى يُؤْخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ»(41)، وحديثُ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «ارْحَمُوا تُرْحَمُوا، وَاغْفِرُوا يَغْفِرِ اللهُ لَكُمْ، وَيْلٌ لأَقْمَاعِ القَوْلِ، وَيْلٌ لِلْمُصِّرِّينَ الَّذِينَ يُصِرُّونَ عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ»(42)، وحديثُ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّ المُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ، فَإِنْ زَادَ زَادَتْ، فَذَلِكَ الرَّانُ الذِي ذَكَرَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ: ?كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ? [المطفِّفين: 14]»(43).

والمعلومُ أنَّ ظاهر الحسنات لا يُغْني عن حقيقة التوبة والاستغفار، وتوهُّمُ ذلك يؤدِّي بطريقٍ أو بآخَرَ إلى فسادٍ من جهة العمل والمعتقَد، حيث يجعل التوهُّمُ المصِرَّ مستخفًّا بذنوبه ومستصغِرًا لها، فيُزكِّي نفْسَه بالاتِّكال على حسناته، ويأْمنُ مكْرَ الله بالإصرار على ذنبه، الأمرُ الذي يجرُّه إلى إسقاط فرض التوبة والاستغفار عن نفسه، وذلك معدودٌ من أعظم الكبائر، وهو من الخطورة بمكانٍ بتركه لتقوى الله تعالى، ولا يخفى أنَّ من الصفات اللازمة للمتَّقين أن لا يُصرُّوا على ذنبهم، وأنْ يتوبوا ويستغفروا، وهو ظاهرٌ من نصوص الشريعة، قال تعالى: ?وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ. وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ. أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ? [آل عمران: 133-136].

وأخيرًا، فإنَّ التجرُّد لمحض الخير والطاعة، والسلامةَ من الآثام وركوبِ المحارم، والعصمةَ من الخطايا ليس شأنَ الآدميِّ الذي هو بطبعه خطَّاءٌ غيرُ معصومٍ، مجبولٌ على الاستعداد للتفكير في الذنوب والوقوع في المعاصي، وغالبًا ما ينتابه الضعف عن مقاومة عوامل الشهوة والغضب التي تُخرجه عن حدود محارم ما رسمه الشرعُ بالتسلُّط عليه واحتوائه، الأمرُ الذي يوقعه في شباك الشيطان وشراكه من المخالفة والعصيان.

وقد جعل الله له مخرجًا بالتوبة والعمل الصالح، فالتوبةُ علاجٌ لأمراض النفوس وسيِّئات الأعمال، وحاجةُ العبد إليها ضروريةٌ في أوَّل أمره وآخره، إذ هي بداية العبد ونهايته، فلا يفارقها العبدُ السالك ولا يزال فيها إلى الممات، وقد علَّق الله تعالى الفلاحَ بالتوبة فقال عزَّ وجلَّ: ?وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ? [النور: 31]، والعملُ الصالح لا ينافي وجوبَ التوبة في محو أثر الخطايا والذنوب عن النفس بعد وقوعها؛ لأنَّ التوبة تكون بالقلب واللسان والجوارح، والاستكثارُ من الحسنات والعمل الصالح لا يعارضها؛ لأنه ضربٌ من ضروب التوبة، لذلك ينبغي للمؤمن أن يحملَ نفْسَه على نيَّة التوبة عند القيام بالعمل الصالح وإتيانِ الحسنات، وهو ظاهرٌ من قوله تعالى: ?فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ? [المائدة: 39]، وقولِه تعالى: ?إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا? [الفرقان: 70]، وقولِه تعالى: ?إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ? [آل عمران: 89، النور: 5]، وقولِه تعالى: ?إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ? [البقرة]، وقد جاء تأكيدُ الله في محبَّته لعباده المسارعين إليه بالتوبة والعمل الصالح في قوله عزَّ وجلَّ: ?إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ? [البقرة: 222]، وفي قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الخطَّائِينَ التَّوَّابُونَ»(44).

واللهَ نسأل أن يرزقَنا توبةً صادقةً، وإنابةً خالصةً، وعملاً صالحًا، ومغفرةً منه ورضوانًا، إنه سميعٌ قريبٌ مجيبٌ.

وآخرُ دعوانَا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


(1) أخرجه البخاري (528)، ومسلم (667)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(2) أخرجه أحمد (2/ 359)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وأخرجه مسلم (233) بلفظ: «الصَّلاَةُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا لَمْ تُغْشَ الكَبَائِرُ»، وانظر: «السلسلة الصحيحة» للألباني (7/ 955).

(3) أخرجه البخاري (37)، ومسلم (759)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(4) أخرجه البخاري (1901)، ومسلم (760)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(5) أخرجه ابن ماجه (4019)، والطبراني في «المعجم الكبير» (12/ 446)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وحسَّنه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (1/ 216).

(6) أخرجه الترمذي (614) من حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه، ومن حديث معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه أخرجه الترمذي (2616)، وصحَّحه الألباني في «الإرواء» (2/ 138).

(7) أخرجه أبو داود (1609)، وابن ماجه (1827)، من حديث ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما، وحسَّنه الألباني في «الإرواء» (3/ 332).

(8) أخرجه البخاري (5065)، ومسلم (1400)، من حديث ابن مسعودٍ رضي الله عنه.

(9) أخرجه أحمد (2/ 402)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وحسَّنه الهيثمي في «مجمع الزوائد» (3/ 418)، والألباني في «صحيح الترغيب والترهيب» (1/ 237).

(10) أخرجه البخاري (1899)، ومسلم (1079)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(11) أخرجه مسلم (233)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(12) تقدَّم تخريجه، انظر الهامش رقم (3).

(13) انظر: «مرقاة المفاتيح» للملا القاري (5/ 382).

(14) أخرجه البخاري (1521)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(15) أخرجه مسلم (121) من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه.

(16) «شرح مسلم» للنووي (2/ 138).

(17) «فتح الباري» لابن حجر (3/ 383).

(18) أخرجه مسلم (2581) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(19) «الصارم المسلول» لابن تيمية (464).

(20) «مرقاة المفاتيح» للملا القاري (1/ 190).

(21) «مرعاة المفاتيح» للمباركفوري (1/ 98).

(22) «التمهيد» لابن عبد البرِّ (4/ 48).

(23) «المسالك» لابن العربي (4/ 343).

(24) «شرح مسلم» للنووي (3/ 112).

(25) «مرقاة المفاتيح» للملا القاري (5/ 382).

(26) سبق تخريجه، انظر الهامش رقم (11).

(27) انظر: «المسالك» لابن العربي (4/ 343).

(28) أثار بعضهم إشكالاً في الجمع بين الآية والحديث من ناحية أنَّ الصغائر تُكفَّر باجتناب الكبائر بنصِّ قوله تعالى: ?إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ? [النساء: 31]، فإذا حصل ذلك بالاجتناب فما الذي تكفِّره الصلوات الخمس ونحوها؟

وقد أجيب: بأنَّ مراد الله في الآية السابقة الاجتناب الكلِّي طول العمر من وقت الإيمان والتكليف إلى الموت، وأنَّ الحديث عنى بالاجتنابِ الجزئيَّ، فالتكفير بينهما للذنوب إنما يقع إذا ما اجتُنبت في ذلك اليوم. [انظر: «فتح الباري» لابن حجر (2/ 12)].

(29) أخرجه مسلم (1350) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(30) أخرجه الدارقطني (2/ 284) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(31) «فتح الباري» لابن حجر (3/ 382).

(32) أخرجه البخاري (1773)، ومسلم (1349)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(33) أخرجه الترمذي (810)، والنسائي (2631)، وأحمد (1/ 387)، من حديث عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه، وصحَّحه أحمد شاكر في تحقيقه ل «مسند أحمد» (5/ 244)، وحسَّنه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (3/ 197).

(34) «زاد المعاد» لابن القيِّم (1/ 47).

(35) انظر: «الحاوي» للماوردي (4/ 247)، و«المجموع» للنووي (3/ 5).

(36) انظر: «شرح العمدة» لابن تيمية (1/ 37).

(37) انظر: «المبسوط» للسرخسي (2/ 175).

(38) انظر: «أضواء البيان» للشنقيطي (1/ 329، 3/ 362).

(39) أخرجه مسلم (2808)، من حديث أنس بن مالكٍ رضي الله عنه.

(40) أخرجه البخاري (1436)، ومسلم (123)، من حديث حكيم بن حِزامٍ رضي الله عنه.

(41) أخرجه أحمد (5/ 331) من حديث سهل بن سعدٍ رضي الله عنهما، وصحَّحه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (1/ 744).

(42) أخرجه أحمد (2/ 165) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، وصحَّحه أحمد شاكر في تحقيقه ل «مسند أحمد» (10/ 52)، الألباني في «السلسلة الصحيحة» (1/ 870).

(43) أخرجه الترمذي (3334)، وابن ماجه (4244)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وحسَّنه الألباني في «صحيح الجامع» (1670).

(44) أخرجه الترمذي (2499)، وابن ماجه (4251)، من حديث أنسٍ رضي الله عنه، وحسَّنه الألباني في «صحيح الجامع» (4391).
[right]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://tebessa.alafdal.net
سليلة الغرباء
Admin
سليلة الغرباء

عدد الرسائل :
6335

الموقع :
جنة الفردوس بإذن الله

تاريخ التسجيل :
19/05/2009


أثر عبادة الحجِّ والعمرة في وقاية النفس وتطهيرها من الذنوب-عموم ومستثنيات- Empty
مُساهمةموضوع: رد: أثر عبادة الحجِّ والعمرة في وقاية النفس وتطهيرها من الذنوب-عموم ومستثنيات-   أثر عبادة الحجِّ والعمرة في وقاية النفس وتطهيرها من الذنوب-عموم ومستثنيات- I_icon_minitimeالخميس 1 نوفمبر 2012 - 10:38

جزاكم الله خيرا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

أثر عبادة الحجِّ والعمرة في وقاية النفس وتطهيرها من الذنوب-عموم ومستثنيات-

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» أثر عبادة الحج والعمرة في وقاية النفس وتطهيرها من الذنوب...
» سفر المرأة إلى الحجِّ والعمرة بلا مَحْرَمٍ بقلم صالح الدين رمضة الجزائري * حفظه الله *
» تلاوة القرآن عبادة
» بدع الحج والعمرة والزيارة
» أسئلة وأجوبة في الحج والعمرة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منــــتديات تبسة الإســـــلامية :: حجّ بيت الله الحرام-