بسم الله الرحمن الرحيم[size=16][size=21]

الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة و السّلام على رسولنا محمد وعلى آله و أصحابه أجمعين .

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
[/size]

ليكن لك خبيئة من عمل صالح

[/size]

الحمد لله الودود الحليم، الرحمن الرحيم الحكيم العليم، إلهي ما أضيق الطريق على من لم تكن دليله، وما أوحشه على من لم تكن أنيسه، والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:


أيها المسلم الحبيب: إنا إلى الله سائرون، وإلى لقائه ذاهبون، وبين يديه - يوم الحشر الأكبر - موقوفون **وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ}1 في ذلك اليوم العصيب **يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ}2 تأمل معي في هذا الحديث النبوي العظيم، عش أحداثه الآن لتبحث لك عن مخرج قبل أن تعيشها واقعاً فتصيح في خوف ورعب وذهول: **أَيْنَ الْمَفَرُّ}3 تخيل هذا الموقف المهول يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما منكم أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم من عمله، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة))4، تلتفت يمنة ويسرة بين يديك.. الكل في ذهول ورعب!! الرجال والنساء والأطفال قد اشتعلت رؤوسهم شيباً، حفاة عراة غرلاً، الرئيس والمرؤوس، الكبير والصغير، الغني والفقير **يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}5 في ذلك اليوم - أخي الحبيب - لا ينفعك أخوك ولا أمك ولا أبوك، ولا من في الأرض جميعاً من ذلك الهول ينجيك!!


ما الحل؟! كيف الخلاص؟


تعال أخي الحبيب، هنا الحل، هنا الخلاص؛ ما دمت في هذه الحياة الدنيا فحاول أن تعمل بهذه الوصية النبوية وستجد فيها الحل والخلاص من هول ذلك اليوم وصعوبته قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من استطاع منكم أن يكون له خبء من عمل صالح فليفعل))6، فالحل إذن هو العمل الصالح الذي تخفيه عن أنظار الخلق، وترفعه إلى رب المخلوقين الذي يعلم السر وأخفى - سبحانه وتعالى - "روى الفلاس عن الخريبي - رحمهم الله - قال: كانوا يستحبون أن يكون للرجل خبيئة من عمل صالح، لا تعلم به زوجته ولا غيرها"7.

نَعَم عمل صالح: مِن صلاة في ظلام الليل، أو صدقة في السر؛ تطفئ غضب الرب، أو تلاوة لكتاب الله، أو مواساة مسكين، أو إغاثة ملهوف، أو صيام لا يعلم به أحد، أو دعاء، أو استغفار، أو ذكر للواحد الغفار، والله لا يضيع أجر المحسنين.

وانظر إلى هذه الصورة الناصعة المشرقة التي تجسد لك المقصود فخذها وتأملها لتحذو إن حذوت على مثالِ صورة مشرقة لهذين الصحابيَيْن الجليلَيْن - رضوان الله عليهما - لتعلم كيف كان أولئك الأفذاذ العبَّاد الزهاد يستعدون لليوم الموعود بمثل هذه الأعمال الصالحة الخفية فـ"عن أبي صالح الغفاري: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان يتعاهد عجوزاً كبيرة عمياء في بعض حواشي المدينة من الليل، فيستقي لها، ويقوم بأمرها، فكان إذا جاء وجد غيره قد سبقه إليها، فأصلح ما أرادت، فجاءها غير مرة كلاً يسبق إليها، فرصده عمر؛ فإذا هو بأبي بكر الصديق الذي يأتيها وهو يومئذ خليفة، فقال عمر: أنت هو لعمري!!"8.

أخي الحبيب: بمثل هذه الأعمال الفذة، والنيات الخالصة، والتنافس الصادق؛ استحق أولئك الرجال أن يقول الله عنهم: **رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ }9 "قال أبو حازم: لا يحسن عبد فيما بينه وبين ربه إلا أحسن الله ما بينه وبين العباد، ولا يعور ما بينه وبين الله إلا أعور الله ما بينه وبين العباد، ولمصانعة وجه واحد أيسر من مصانعة الوجوه كلها.


وهذا داود بن أبي هند يصوم أربعين سنة لا يعلم به أهله، كان له دكان يأخذ طعامه في الصباح فيتصدق به، فإذا جاء الغداء أخذ غداءه فتصدق به، فإذا جاء العشاء تعشى مع أهله!!.


وكان - رحمه الله - يقوم الليل أكثر من عشرين سنة، ولم تعلم به زوجته، فسبحان الله انظر كيف ربّوا أنفسهم على هذا لعمل وإن كان شاقاً، وحملوها على إخفاء الأعمال الصالحة، فهذه زوجته تضاجعه، وينام معها، ومع ذلك يقوم عشرين سنة أو أكثر ولم تعلم به، فأي إخفاء للعمل كهذا! وأي إخلاص كهذا!"10.


أخي الحبيب: قال ابن القيم - رحمه الله -: "للعبد بين يدي الله موقفان، موقف بين يديه في الصلاة، وموقف بين يديه يوم لقائه، فمن قام بحق الموقف الأول هُوِّن عليه الموقف الآخر، ومن استهان بهذا الموقف ولم يوفه حقه شُدِّد عليه ذلك الموقف"
11فهيا أخي اعزم لله من الآن أن يكون لك عمل صالح تخفيه عن أعين الخلق؛ لتلقى به ربك غداً، فيكون لك إلى الجنة هادياً، وعن الجحيم واقياً.


نفعنا الله وإياك بما قلنا، وجمعنا برحمته في دار كرامته، آمين.