((( حديث عظيم كان له أثر كبير في نفسي وغيّر مجرى حياتي لن أبخل به على أحبّتي )))

أبدا لا تحقرن من المعروف شيئا: هذا الحديث رأيته معلقا على أبواب المساجد في مكة والرياض، وفي الجامعة، وإن لم تخنّي الذاكرة حتى في المستشفى، والشرطة ( المرور )، كلّما قرأته ازددت حبا وتعلقا به، لماذا؛ لأنه جعلني أعيش الحياة لكن بطعم آخر، بلذة والله لا تعدلها لذة في هذا الوجود، لا لذة طعام ولا شارب ولا نكاح ولا أي لذة من اللذات، هذا الحديث أخرجه الطبراني وابن أبي الدنيا وحسنه الألباني رحمة الله على الجميع من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس،،،، و أحب الأعمال إلى الله عز و جل سرور تدخله على مسلم،،، أو تكشف عنه كربة،،،، أو تقضي عنه دينا،،،، أو تطرد عنه جوعا،،،، و لأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهرا،،،، و من كف غضبه ستر الله عورته،،،، و من كظم غيظا و لو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضى يوم القيامة،،،، و من مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام،،،،و إن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل ))

أرعني سمعك وافتح لي قلبك كي نحلق في سماء هذا الحديث العظيم، فلنا مع وقفات كريمات:

* لم يقل صلوات ربي وسلامه عليه: " أحب الناس إلى الله أعلمُهم ولا أقرؤُهم ولا أعبدُهم" ـ مع أنه لا خلاف أن هؤلاء من أحبّ الناس إلى الله ـ لكن قال: أنفهم للناس، لأن هؤلاء يعيشون لغيرهم، هؤلاء نفعهم متعدٍ، ظلّهم وارف وثمارهم يانعه، مثل النخلة كما ورد في صحيح البخاري، فهم اتصفوا بصفة يحبّها الله تبارك وتعالى، بل هي صفة من صفاته كما قال سبحانه { كل يوم هو في شأن }
قال أهل التفسير: يعطي هذا، ويكرم هذا، ويشفي هذا، ويفرج كربة هذا، ويقضي حاجة، ويجيب سؤل هذا.، فيا لها من صفة تدل على كمال أصحابها.

* ثم ماذا قال" وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم"
ما أجمل هذا التعبير:"سرور تدخله على مسلم " مسلم يشهد ألا إله إلا الله وأن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يركع كما تركع ويسجد كما تسجد وتدعوان ربا واحدا، يكون كئيبا حزينا مهموما مغموما، وأنت تكون السبب في إدخال السرور عليه، فتنقلب دموع الحزن والهمّ والغمّ إلى ابتسامة مشرقة تظهر قسماتها على وجهه، وتمسحها أنت بيمينك من على خده، الله أكبر، فكيف لو أن هذه الابتسامة تعدت لتشمل زوجته وأولاده، كيف لو كانت لأيتام وأرامل وثكالى، فيكف لو كانت لمن فقد أهله وذويه. ثم ضرب نماذج من الأعمال التي تدخل السرور على المسلمين فقال صلوات ربي وسلامه: " تكشف عنه كربة،،،، أو تقضي عنه دينا،،،، أو تطرد عنه جوعا".
الله أكبر إذا كان صلى الله عليه وسلم قال كما في الصحيحين في البهائم: « في كل كبد رطبة أجر » فكيف بما لو كان صاحب هذه الكبد الرطبة آدميا، فكيف بما لو كان مسلما يشهد ألا إله إلا الله؟!!!

* ثم بيّن صلى الله عليه وسلم فضل من يسعى في قضاء حوائج الخلق، فقال: «،،، و لأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهرا،،، »
وحتى أقف أنا وأنت أخي الكريم وأختي الكريمة على حقيقة معنى هذا الشطر من الحديث، ونتذوق حلاوة طعمه أقول: تأمّل من المتكلّم؟ هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما المسجد الذي جعل صلى الله عليه وسلم السعي في قضاء حاجة الأخ لأخيه أفضل من الاعتكاف فيه شهرا، إنه مسجد المدينة، المسجد النبوي، الذي الصلاة فيه بألف صلاة فيما عداه، ما عدا مسجد مكة.
الله أكبر سعيه صلى الله عليه وسلم في قضاء حوائج الإخوان أفضل عنده من أن يعتكف هو صلى الله عليه وسلم في مسجده شهرا كاملا، أي فضل هذا وأي أجر هذا.

* ثم رجع صلى الله عليه وسلم إلى مكارم الأخلاق، فالدين المعاملة، فقال: « و من كفّ غضبه ستر الله عورته،،،، و من كظم غيظا و لو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضا يوم القيامة ».
ومعنى هذا الحديث: أنه لم يسلم لنفسه هواها، ولم ينجر وراء إملاءات النفس الأمارة بالسوء، وهو في حالة قوة يقدر على الانتقام، فهو عفا وصفح لا عن عجز وضعف، بل عن قوة وقدرة كما عيسى عليه السلام لله تبارك وتعالى: { إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }، فالعفو إذا كان عن عزّة وقوة هنا يكون قد بلغ مراتب الكمال.


* وبعد أن ذكر صلى الله عليه وسلم فضل من سعى مع أخيه في قضاء حاجته، رجع مرة أخرى ليؤكد على هذا الخلق السامي والعمل الفاضل، لكن هذه المرة فيمن مشى مع أخيه في حاجته حتى تيسرت له وقضيت لأخيه، فقال: «،،، و من مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام،،،،»
قال أهل العلم: أي مِن على الصراط يوم القيامة، نسأل الله من فضله.

* ثم ختم هذا الحديث بذكر آفة عظيمة خطيرة لا يكاد يسلم منها أحد إلا من عصمه الله، وهو أن يُتْبِعَ أحدُنا الحسنةَ بالسيئة فيفسد عمله ويذهب هباء منثور { وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا }، فقال صلى الله عليه وسلم: «،،، و إن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل »
يفسده بالمنّ والأذى والضجر والصراخ والتعيير وغير ذلك، كما قال تعالى: { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ }، وقد يكون ذلك بسبب الشخص الذي فعل فيه الخير كأن يكون لئيما فيه جفاء يقابل الإحسان بالإساءة، لكن ما دام ما قدمه إنما قدّمه لله فالأصل أن لا ينساق وراء ما تمليه عليه نفسه، وهذا محك ومزلق لا يسلم منه إلا الكبار والله، وقليل ما هم.
نسأل بمنه وكرمه باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى أن يجعلنا من أحب الناس إليه، وأن يرزقنا عيشة السعداء وميتة الشهداء ومرافقة الأنبياء والنصر على الأعداء، إنه قريب سميع مجيب الدعاء
و الله أعلم وصلى الله على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم.

وكتب محبكم دوما وليس يوما:
أبو وائل حسّان بن حسين آل شعبان
مكة المكرمة الجمعة 25 ربيع الأول 1433هـ