مالا يقدر عليه كثير من الناس ( الإنصاف من نفسك )

27/03/2011

ما لا يقدر عليه كثير من الناس

الإنصاف من النفس

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد
من تأمل أحوال السلف وأخلاقهم وشدة تمسكهم بآداب القرآن والسنة تيقن أن قرنهم هو خير القرون ، وزمنهم هو خير الأزمنة ، فقد كانوا صورة مشرقة للإسلام ، إذا رأيتهم فكأنما رأيت نصوص القرآن والسنة في صورة إنسان ، وهذا ما يريده الإسلام من أتباعه ومحبيه .
ومن هذه الأخلاق والخصال ، خصلة الإنصاف من النفس وهي من خصال الإيمان كما روى البخاري في صحيحه ( بَاب إِفْشَاءُ السَّلَامِ مِنْ الْإِسْلَامِ ) : وَقَالَ عَمَّارٌ : ثَلَاثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الْإِيمَانَ الْإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ وَبَذْلُ السَّلَامِ لِلْعَالَمِ وَالْإِنْفَاقُ مِنْ الْإِقْتَارِ .
قال الإمام مالك رحمه الله: ما في زماننا شيءٌ أقلّ من الإنصاف. قال القرطبي رحمه الله معلِّقًا على كلام مالك: هذا في زمن مالك، فكيف في زماننا اليوم الذي عمّ فيه الفساد وكثُر فيه الطُغام؟! أي : أوغاد الناس.
اعلم أخي المسلم أنَّ قليل الإنصاف مذمومٌ على ألسُن الناس، مكروهٌ سماعُ اسمه في الآذان، بغيضةٌ رؤيتُه بالأعين، تُتَّقى مجالستُه، وتُدرَأ مجاورته، لحمه منهوشٌ في نوادي الناس، وعِرضه مفريٌّ كلّما طرأ ذكرُه بينهم، لا يداني الناسُ اسمَه ولا رسمَه، ودّوا لو أنَّ بينهم وبينه أمدًا بعيدًا، والناسُ شهودُ الله في أرضه، فمن ترك الإنصافَ وأحبَّ الانفراد وآثرَ النفسَ على كلّ شيءٍ حتى على الحقّ فليكبِّر عليه أربعًا لوفاةِ قيمةِ الإنصافِ في نفسِه، وإنّنا لو دقَّقنا النظر في أجمعِ أسباب عدمِ الإنصاف بين الناس لوجَدنا الحسدَ أُسّها ولبها، إذ لا يتأتّى الإنصاف من حاسد، كما أنه لا يتأتّى الجور والظلم من محبٍّ للغير.
والحسد بحدِّ ذاته داءٌ منصف كما قال الأصمعيّ رحمه الله؛ لأنه يفعل بالحاسدِ كما يفعل بالمحسود، بل هو كرجع الصّدَى لما تنطق به، فإن نطقتَ بالإنصاف ردّ عليك رجعُ الصدى بالإنصاف، وإن نطقتَ بعدم الإنصافِ ردّ عليك رجعُ الصدى بعدم الإنصاف، والجزاء من جنس العمل1 .
كمَـا تديـنُ صَاحِبي تُـدان إنَّ جزاءَ إحسانِنَا الإحسـانُ
إذَا مَا رُمْتَ إِنْصَافًا تُسَرُّ لأجْلِه فكُنْ مثلَمَا ترجُو مِنَ الإنصَاف
حقيقة الإنصاف من النفس
لابن القيم كلام نفيس في بيان حقيقة الإنصاف من النفس فيقول : إِنّ الْإِنْصَافَ يُوجِبُ عَلَيْهِ أَدَاءَ حُقُوقِ اللّهِ كَامِلَةً مُوَفّرَةً وَأَدَاءِ حُقُوقِ النّاسِ كَذَلِكَ وَأَنْ لَا يُطَالِبَهُمْ بِمَا لَيْسَ لَهُ وَلَا يُحَمّلَهُمْ فَوْقَ وُسْعِهِمْ وَيُعَامِلَهُمْ بِمَا يُحِبّ أَنْ يُعَامِلُوهُ بِهِ وَيُعْفِيَهُمْ مِمّا يُحِبّ أَنْ يُعْفُوهُ مِنْهُ وَيَحْكُمَ لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ بِمَا يَحْكُمُ بِهِ لِنَفْسِهِ وَعَلَيْهَا ، وَيَدْخُلُ فِي هَذَا إنْصَافُهُ نَفْسَهُ مِنْ نَفْسِهِ فَلَا يَدّعِي لَهَا مَا لَيْسَ لَهَا ، وَلَا يُخْبِثُهَا بِتَدْنِيسِهِ لَهَا ، وَتَصْغِيرِهِ إيّاهَا ، وَتَحْقِيرِهَا بِمَعَاصِي اللّهِ وَيُنَمّيهَا وَيُكَبّرُهَا وَيَرْفَعُهَا بِطَاعَةِ اللّه وَتَوْحِيدِهِ وَحُبّهِ وَخَوْفِهِ وَرَجَائِهِ وَالتّوَكّلِ عَلَيْهِ وَالْإِنَابَةِ إلَيْهِ وَإِيثَارِ مَرْضَاتِهِ وَمُحَابّهِ عَلَى مُرَاضِي الْخَلْقِ وَمُحَابّهِمْ وَلَا يَكُونُ بِهَا مَعَ الْخَلْقِ وَلَا مَعَ اللّهِ بَلْ يَعْزِلُهَا مِنْ الْبَيْنِ كَمَا عَزَلَهَا اللّهُ وَيَكُونُ بِاَللّهِ لَا بِنَفْسِهِ فِي حُبّهِ وَبُغْضِهِ وَعَطَائِهِ وَمَنْعِهِ وَكَلَامِهِ وَسُكُوتِهِ وَمَدْخَلِهِ وَمَخْرَجِهِ فَيُنْجِي نَفْسَهُ مِنْ الْبَيْنِ وَلَا يَرَى لَهَا مَكَانَةً يَعْمَلُ عَلَيْهَا ، فَيَكُونُ مِمّنْ ذَمّهُمْ اللّهُ بِقَوْلِهِ { اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ } [ الْأَنْعَامُ 135 ]2
1 جزء من خطبة للشيخ شريم حفظه الله
2 نقلا من زاد المعاد (2/371)

ما يعين على الإنصاف من النفس :
يعين على الإنصاف من النفس أمور كثيرة من أهمها على سبيل الإجمال ما يلي :
1ـ الإيمان بالله واليوم الآخر :
وردت أحاديث كثيرة ربط فيها النبي صلى الله عليه وسلم الأعمال الصالحة بالإيمان بالله واليوم الآخر ، كما في الحديث : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ،فلا يقدر على الإنصاف من النفس إلا من كان يؤمن بالله واليوم الآخر حقا وصدقا .
2ـ تطهير القلب من آفة الحسد وحب الذات :
من الأمور التي تدفع الإنسان إلى عدم الإذعان إلى الحق بعد ضعف الإيمان ، الحسد ، والغلو في حب الذات . فالحاسد بعيد عن إنصاف محسوده والنظر إليه بعين العدل، وعادة يكثر الحسد بين المتزاحمين على غرض واحد، وقيل لعبد الله بن المبارك: فلان يتكلم في أبي حنيفة،
فأنشد: حسـدوك أن رأوك فضلك الله بمـا فضلت به النجباء
وفي السنة : (( ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه)) رواه البيهقي في شعب الإيمان، وحسنه الألباني .
ويتولد عن الحسد حب الشهرة والتصدر ، قال الفضيل بن عياض رحمه الله : ما من أحد أحب الرياسة إلا حسد وبغى وتتبع عيوب الناس، وكره أن يذكر أحد بخير .

فمن أراد أن يَطْبَع نفسه على خلُق الإنصاف نَقَّب على علتي الحسد والغلو في حب الذات, فإن وجد لهما في النفس أثراً راوضه بالحكمة والموعظة الحسنة .

3ـ أن تضع نفسك مكان خصمك :
قال الإمام بن حزم رحمه الله : (( من أراد الإنصاف فليتوهم نفسه مكان خصمه , فإنه يلوح له وجه تعسفه ))1
وقال إبراهيم بن جنيد رحمه الله تعالى : (( اتخذ مرآتين ، وانظر في إحداهما عيب نفسك ، وفي الأخرى محاسن الناس ))2 .
1 الأخلاق والسير /80
2 الإمتاع والمؤانسة 1/295

4ـ تخليص النفس من الهوى :
لا يشك عاقل أن اتباع الهوى يضل عن سواء السبيل كما قال تعالى : (فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا)(النساء:135)، وقال تعالى: ( وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ)(ص:26).
وذكر ابن دقيق العيد رحمه الله أن اتباع الهوى سبب من أسباب عدم إنصاف الرجال، والانسياق في نقدهم، وأن هذا المرض في المتأخرين.
آثار عدم الإنصاف من النفس :
إن قلة الإنصاف لها آثار سيئة على نفس صاحبها وعلى تقطيع أواصر الود والألفة بين الأحبة ومن هذه الآثار .
ـ إن قلَّة الإنصاف تُبْعِد ما بين الأقارب أو الأصدقاء, فكم من تَجَافٍ نَشَأَ بين أخوين أو صديقين, إنما نشأ من جحود أحدِهما بَعْضَ ما يتحلى به الآخر من فضل, أو من رَدِّه عليه رأياً أو روايةً وهو يعلم أنه مصيبٌ فيما رأى، أو صادقٌ فيما روى, قال الحكيم العربي:
و لم تزل قِلَّةُ الإنصافِ قاطعةً * بين الرجال وإن كانوا ذوي رَحِمِ

ـ إن قلة الإنصافِ يجُرُّ إلى قطع الصلة وتوتر العلاقة بين الإخوة .
ـ إن قلة الإنصافِ تُسْقط الاحترام من القلوبِ، والإنصافُ يزيد الاحترام في القلوب مكانة؛ ذلك لأن الإنصاف للرجال يدل على صفاء السريرة، ونقائها من أن تكون قد حملت شيئاً من دنس الحسد, أو حام بها الغلوُّ في حب الذات.

كتبه أبو هاني /نصرالدين بلقاسم
20/10/2011م

17/03/2010

الله المستعان ...
جزاكم الله خيراً شيخنا و بارك فيك و زادك من فضله ...

13/07/2009

[b]جزاكــــــم الله خيرا

24/07/2009

[font= Simplified Arabic]أحسن الله إليك وبارك فيك شيخنا الكريم .. موعظة بليغة ومعنى رائق وقيمة راقية تدفع كلّ واحد منّا إلى مراجعة نفسه ومراعاة سلوكه وتعهد أخلاقه فكم من مشكلة كبيرة سببها عدم الإنصاف من النفس والرغبة في الإنتصار لها نسال الله أن يوفقنا للخير ويعيننا عليه فقد مضت الأعمار وتعاظمت الأخطار ونحن ننظر إلى الناس وندعوهم للصلاح مع أنّ أنفسنا التي بين جنبينا قد صارت وحشا مخيفا لا نكاد نجرؤ أن ننظر إليه ![/font]

07/04/2008

بورك فيكم

06/10/2011

جزاك الله كل الخير على هذا الموضوع الجميل وأسأل الله عز وجل أن يجعلنا ممن ينصفون من أنفسهم خاصة وأننا في زمن صعب صرنا لا نكاد نفرق فيه بين الصحيح و الخطأ بين الناس فما بالك و بينك و بين خصم لك و ذلك لبعدنا عن كتاب الله وسنة رسول الله ،أدعوا لنا بالثبات.

» بكاء من لم يقدر على قضاء حوائج الناس
» نصيحة لمن يريد الزواج ولم يقدر عليه
» هل يجوز التوكل على أحد فيما يقدر عليه..؟
» *يشكو كثير من الناس قلة المال
» في ظلال قوله تعالى(الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم..

مالا يقدر عليه كثير من الناس ( الإنصاف من نفسك )

مالا يقدر عليه كثير من الناس ( الإنصاف من نفسك )

مواضيع مماثلة

مواضيع مماثلة