تمهيد
إنَّ من أعظم ما ابتليت به أمة الإسلام في هذا الزمان قضية التشبه ومنها التشبه بالكفار من النصارى وغيرهم ، وهذا لا شك أنه هدم لقضية الولاء والبراء وطمس للهوية الإسلامية في نفوس هذه الأجيال التي تناست أن لديها ثوابت عقدية وقواعد شرعية وضوابط ربانية تضبط ما يؤخذ من الأمم الأخرى ويُقبل، وما يحذر منه ويعرض عنه ويُهمل.
حكم التشبه بالكفار
يحرم التشبه بالكفار فيما هو من خصائصهم ومن عاداتهم وعباداتهم وسمتهم وأخلاقهم؛ كحلق اللحى،وإطالة الشوارب،والتحدث بلغتهم إلا عند الحاجة،وفي هيئة اللباس والأكل والشرب وغير ذلك .
الأدلة على تحريم التشبه من القرآن والسنة :
دليل القرآن :
قال تعالى : { كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } التوبة /69
وهذه الآية من أقوى الآيات في التخويف من سلوك سبيل الكافرين، والتحذير من التشـبه بهم، فقد جمع الله تبارك وتعالى فيها بين وصف المنافقين بالتشـبه بهم في جانب الاعتقاد الفاسد والأهواء الباطلة وبين وصفهم بالاستمتاع بالنصيب الحرام من الشهوات .
دليل السنة :
ــ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :(( مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ ))[url=#_ftn1][/url][1].
قال شيخ الإسلام : الحديث يقتضي تحريم التشبه بعلة كونه تشبها، والتشبه يعم من فعل الشيء لأجل أنهم فعلوه وهو نادر ومن تبع غيره في فعل لغرض له في ذلك إذا كان أصل الفعل مأخوذا عن ذلك الغير، فأما من فعل الشيء واتفق أن الغير فعله أيضا ولم يأخذه أحدهما عن صاحبه، ففي كون هذا تشبها نظر لكن قد ينهى عن هذا لئلا يكون ذريعة إلى التشبه، ولما فيه من المخالفة .[url=#_ftn2][/url][2]
وذلك لأنَّ من فَعَل فِعل الكفار من الأمور المباحة، قد يؤول به الأمر إلى استحسانه والتعلق به
الحكمة من تحريم التشبه بالكفار : الواجب على المسلم التسليم للأوامر مطلقا، ومن الحِكم في تحريم التشبه بالكفار ما يلي :
الحكمة الأولى : أن يتميز المسلم عن الكافر بشخصيته الإسلامية المستمدة من وحي الكتاب والسنة.
الحكمة الثانية : تحقيق معنى البراءة من الكفار،وذلك بمخالفتهم في عقيدتهم وعبادتهم ومظاهرهم ، فالمؤمن وليه المؤمن مثله لا الكافر،قال تعالى : (( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )) التوبة / 71
الحكمة الثالثة : قطع الطريق المفضية إلى محبة هؤلاء الكفار، وما يتبع ذلك من استحسان ما هم عليه، وذلك لا شك أنه ينافي الإيمان، حيث إن موالاة المشركين أمر محرم، والله عز وجل يقول: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} المجادلة /22
التشبه بالكفار قسمان[url=#_ftn3][/url][3] :
يمكن أن نقسم التشبه بغير المسلمين إلى قسمين لا ثالث لهما :
1ـ تشبه محرم : وهو فعل ما هو من خصائص دين الكفار مع العلم بذلك ، ولم يرد في شرعنا، فهذا محرّم ، وقد يكون من الكبائر .
2ـ تشبه جائز : وهو فعل شيء ليس مأخوذاً عن الكفار في الأصل ، لكن عموم الناس يفعلونه ويكون من أمور الدنيا ، ولا يجوز فعل هذا الشيء إلا بشروط :
- أن لا يكون هذا من تقاليدهم وشعارهم الذي يتميزون به .
- أن لا يكون ذلك الأمر من شرعهم ، ويثبت أنه من شرعهم بنقل موثوق به ، مثل أن يخبرنا الله تعالى في كتابه أو على لسان رسوله أو بنقل متواتر مثل سجدة التحية الجائزة في الأمم السابقة .
- أن لا يكون في شرعنا بيان خاص لذلك ، فأما إذا كان فيه بيان خاص بالموافقة أو المخالفة استغنى عن ذلك بما جاء في شرعنا .
- أن لا تؤدي هذه الموافقة إلى مخالفة أمر من أمور الشريعة .
- أن لا تكون الموافقة في أعيادهم .
- أن تكون الموافقة بحسب الحاجة المطلوبة ولا تزيد عنها .
أسباب التشبه بالكفار:
1ـ الجهل المطبق بهذا الدين عقيدة وأحكاما : وقع الناس في كثير من الشبهات والشهوات بسبب هذا الجهل بالدين وضعف الإيمان.
2ـ الانبهار بحضارة الغرب :
لقد أدى الانبهار بالغرب إلى هزيمة عقل الأمة والركض وراء هذا الغرب وحضارته،والسير على خطاه،ظنا منهم أن الحضارة الغربية هي كل شيء،حتى بلغ الأمر بالبعض إلى القول بالتشبه بهم وسلوك طريقهم في الجميل والقبيح من أمور حياتهم.
3ـ الاستعمار الصليبي :
لقد استطاع الاستعمار الصليبي أن يحدث شرخا كبيرا في علاقة المسلمين بدينهم في فترة جولته الاستعمارية حول العالم الإسلامي ، فما عجز عن تحقيقه من الناحية العسكرية ، حققه بنسبة كبيرة من الناحية الثقافية والأخلاقية والفكرية.
4ـ الغزو الفكري الفضائيات نموذجا)
لقد استطاع الإعلام المضلل بمختلف أنواعه أن يشكل خطرا كبيرا على الجميع ، ولم ينج منه أحد لا كبير ولا صغير ولا رجل ولا امرأة ، فالكل مستهدف .
5ـ إهمال الوالدين لتربية أولادهم :
يعتبر إهمال الوالدين لتربية أولادهم منذ الصغر على العقيدة الصحيحة خاصة عقيدة الولاء والبراء والدين والأخلاق،و أنَّ الإسلام هو الدين الحق والخير كله في هذا الدين من أهم الأسباب المؤدية إلى وقوع الأولاد في التشبه بالكفار، أو الانحراف الخلقي.
[rtl]6ـ البيئة ورفقاء السوء :
[/rtl]
تعتبر البيئة السيئة والصحبة الفاسدة من أقوى أسباب الانحراف،فالحل هو في تركها والبحث عن البيئة والصحبة الصالحة
7ـ التحدث بغير اللغة العربية والاعتماد على تهميشها تماشيا مع حضارة الغرب :
التأثر بلغة الكفار أيا كانت، أسبابها،ودوافعها التي تضافرت على الوصول بالأمة الإسلامية إلى الانهزام النفسي والانبهار بالحضارة الغربية التي كانت لها آثار سيئة في البعد عن الدين والجهل بلغة القرآن مصدر عزتها وقوتها.
أصناف المنهي عن التشبه بهم :
· عموم الكفار : ويدخل فيهم اليهود والنصارى والمجوس وعموم المشركين ، وتقدم الحديث عن اليهود والنصارى وفارس والروم وكذا المشركين كما في حديث : (( خالفوا المشركين أحفوا الشوارب وأوفوا اللحى ))صحيح مسلم
· الشيطان : عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( لا يأكلن أحدكم بشماله، ولا يشربن بها، فإن الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بها))[url=#_ftn4][4][/url]
· الفساق والفجار : قال القرطبي رحمه الله : لو خُص أهل الفسوق والمجون بلباس منع لبسه لغيرهم، فقد يظن به من لا يعرفه أنه منهم، فيظن به ظن السوء، فيأثم الظان والمظنون فيه بسبب العون عليه .[url=#_ftn5][5][/url]
· النساء بالرجال والرجال بالنساء : يأتي بيانه في صور التشبه
· الحيوانات : جاءت أحاديث كثيرة في ذم التشبه بالحيوانات والنهي عن ذلك، منها:عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( اعتدلوا في السجود، ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب ))[url=#_ftn6][6][/url]
نماذج من التشبه المنهي عنه :
1) التشبه في الأفكار ونظام الحكم[url=#_ftn7][7][/url] : حصل التشبه بالكفار في الأفكار ونظام الحكم مذ أن دخل الاستعمار إلى بلاد المسلمين فترتب على بقائه أن ظهرت بعض الأفكار التي تتعارض مع مبادئ الإسلام ونظامه.
ومن هذه الأفكار والأنظمة :
_ العلمانية : وهي دعوة إلى إقامة الحياة على العلم الوضعي والعقل ، ومراعاة المصلحة بعيدا عن الدين.
_ الليبرالية : وهو مذهب رأسمالي ينادي بالحرية المطلقة في الميدان الاقتصادي والسياسي وهي والعلمانية وجهان لعملة واحدة غايتها فصل الدين عن الدولة
_ الديمقراطية : وهي من النظم التي وصلت إلى العالم العربي والإسلامي من الغرب وفرضت عليها فرضا ، وتعتبر الديمقراطية أحد صور الشرك الحديثة في الطاعة والانقياد أو في التشريع ، إذ تلغي سيادة الخالق سبحانه ، وحقَّه في التشريع المطلق ، وتجعلها من حقوق المخلوقين .
2) تشبه الشباب والفتيات في مظاهر اللباس والزينة :
3) التشبه بالكفار في الأعياد ( كعيد الميلاد ، أو غيره ) :
جاء في الخبر عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( لتتبعنّ سَنن من كان قبلكم شِبرا بشِبر وذِراعا بذراع، حتى لو دخلوا جُحر ضَب تبعتموهم))، قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟![url=#_ftn8][/url][8]
[rtl]ـ والاحتفال بهذه الأعياد عموما لا تخلو من ثلاثة أمور :
[/rtl]
[rtl]1ـ الإحداث : أي أنه بدعة محدثة
[/rtl]
2ـ التشبه بالكفار : إن الشريعة نهت عن التشبه بالكفار بصفة عامة، ونهت بصفة خاصة عن التشبه بهم في أعيادهم .
3ـ التخصيص : إن الشريعة الإسلامية نهت عن تخصيص شيء من الأزمنة بتعظيم إلا ما خصته ، حياطة للشعائر الإسلامية أن يدخل عليها ما يزاحمها ويضعف أثرها في النفوس
نصائح وتوجيهات للمتشبهين :
1ـ من أراد العزة والرفعة : فليطلبها من الله تعالى ومن هذا الدين قال تعالى : {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً}فاطر /10وقال تعالى : {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً}النساء /139
2ـ الحياة السعيدة والهنيئة : كل إنسان ينشد الحياة الطيبة والسعيدة والهنيئة فمصيب ومخطئ ، وعلى شباب الإسلام أن يعلموا أن الحياة الطيبة إنما هي في التمسك بهذا الدين والانقياد لأوامر الله ورسوله ، قال تعالى :{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}النحل /97
3ـ شخصية المسلم وعزته في حب الله ورسوله : اعلم أخي المسلم أنَّ شخصية المسلم الصادق تتجلى في حبه لله ورسوله،وأن لا يقدم على حبهما أحدا، ومن عرف الله أحبه ومن أحبه أطاعه ، فما أحبه الله ورسوله أحبه المسلم وما أبغضه الله ورسوله أبغضه المسلم وهذا كمال الإيمان
[url=#_ftnref1][1][/url] صحيح : أخرجه أبو داود في السنن ( 4031) دار الفكر / محمد محي الدين عبد الحميد وابن أبى شيبة (33016 )مكتبة الرشد/ تحقيق الحوت والبيهقي في شعب الإيمان (2/75 ، رقم 1199) دار الكتب العلمية/ تحقيق محمد زغلول ، صحيح الجامع (5/270 ح 6025)
[url=#_ftnref2][2][/url] انظر اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم ( ص83) مطبعة السنة المحمدية / تحقيق محمد حامد الفقي
[url=#_ftnref3]
[3][/url]
انظر كتاب السنن والآثار في النهي عن التشبه بالكفار لسهيل حسن ص 58- 59.[url=#_ftnref4]
[4][/url]
أخرجه مسلم (2020) الأشربة/ باب: آداب الطعام والشراب.[url=#_ftnref5]
[5][/url]
نقلا من الموسوعة الكويتية (12/11) وفيض القدير ( 6/104)[url=#_ftnref6]
[6][/url]
أخرجه البخاري في الأذان, باب: لا يفترش ذراعيه في السجود (822)، ومسلم في الصلاة, باب: الاعتدال في السجود (493).[url=#_ftnref7]
[7][/url]
انظر الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة (2/679ـ 1056ـ 1135)[url=#_ftnref8]
[8][/url]
أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء, باب: ما ذكر عن بني إسرائيل (3456)، ومسلم في العلم, باب: اتباع سنن اليهود والنصارى (2669).
الرئيسية 
الخميس 29 ديسمبر 2022 - 11:57
موضوع: ظاهرة التشبه بالكفار أسباب ونصائح 
الأحد 24 مايو 2015 - 8:18
