الخطبة الأولى

أيها المسلمون:إن الحديث اليوم عن مصيبة عظمى وداهية كبرى ورزية تدمى إنها مصيبة الربا هذه الظاهرة التي قد عمت وطمت وأعمت وأصمت .هذه الظاهرة التي جاء تحريمها في جميع الشرائع السماوية والشعائر الدينية قال الله تعالى في حق اليهود:" فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا "ولقد جاءت نصوص القرآن المجيد ،بوعيد شديد على أكلة الربا، بشتى أنواع العذاب وألوان الوعيد،وفي ذلك ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ،اسمعوا قول الله تعالى" ا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ "فقد أخبر سبحانه أنهم ليسوا بمؤمنين إلا أن يتقوا الله ويذروا ما بقي من الربا، ليسوا بمؤمنين ولو أعلنوا أنهم مؤمنون، فإنه لا إيمان بغير طاعة ،ولا إسلام بغير انقياد .ومنها قوله تعالى" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ "ومنها أن الله سبحانه ،هدد آكل الربا بمحاربته بنفسه منه جل سلطانه، فقال سبحانه "فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ " فمن الذي يستطيع أن يحارب الله ورسوله،من الذي بإمكانه محاربتُه جلا سلطانه، فوالله إنها لداهية عظمى،وطامة كبرى أن يحاربك جلا شانه.ومنها قوله تعالى:(الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) وذلك أن الناس إذا بعثوا من قبورهم خرجوا مسرعين إلى المحشر كما قال تعالى "يوم يخرجون من الأجداث سراعا"إلا آكل الربا فانه يقوم ويسقط كحالة المصروع الذي يقوم ويسقط بسبب الصرع .لأن آكلوا الربا في الدنيا تكبر بطونهم بسبب تضخم الربا فيها ،فكلما قاموا سقطوا لثقل بطونهم وكلما هموا بالإسراع مع الناس تعثروا وتأخروا ،وذالك عقوبة وفضيحة لهم. وأخبر سبحانه أن أكلة الربا يقومون يوم القيامة من قبورهم مجانين أو في هيئة المجانين يُصرعون ويُخنقون، وكفى بذلك تنبيها على سوء حالهم يوم المعاد، وفضيحة لهم بين العباد على رؤوس الأشهاد. وأخبر سبحانه أن آكل الربا ممحوق البركة:"يَمْحَقُ اللَّهُ الْرّبَوا وَيُرْبِى الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ "،وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ قَالَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ..."وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه لما أسري به إلى السماء أتى ليلةً على قوم بطونهم كالبيوت فيها الحيات أي الأفاعي تُرى من خارج بطونهم فقلت من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء أكلة الربا "عياذا بالله ،و لَعَنَ صلى الله عليه وسلم "آكل الرِّبَا وَمُوَكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ"هُمْ سَوَاءٌ"كل أولئك ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم.أيها المسلمون:ومع هذا الوعيد الشديد لمن أكل الربا ،فإن كثيراً من المسلمين لا يبالون في جمع المال ،من أي طريق جاء أو من سبيل أتى ،لا يهمهم إلا تضخيم الثروة وتكديس الأموال والتي سوف يجدون عاقبة الخسران فيها في الدنيا والآخرة وصدق عليه الصلاة والسلام:(ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ من المال، أمن الحلال أم الحرام)إن كثيرين من الناس اليوم استبدلوا الربا بالبيع ،وجعلوه تحت صورته و ستارِه ، يخادعون الله كما يخادعون الصبيان ،يسمونها زوراً وبهتاناً فائدة أو قهوة،وأي فائدة في مال حرام يحرق أمعاءك ويقطع أحشاء بطنك .أيها المسلمون: اعلموا أنكم اليوم في زمان ومكان قد فشا فيهما الربا، وأكَلَه كثير من الناس إيثاراً للحياة الدنيا على الآخرة، فتعامل به،وأكَلَه كثير ممن ينتسب إلى الإسلام، وهم يعلمون أنه كسب حرام، فأي عاقل ناصح لنفسه يرضى أن تحقق فيه دعوة النبي عليه باللعن والطرد؟!وأي عاقل ناصح يرضى لنفسه أن يسبح في أنهار من الدماء يوم اللقاء ،كما صح عن سيد الأنام أنه رأى آكل الربا "يسبح في نهر من دم كلما أرادَ الخروج والنجاة منه رُمِيَ في فمه بحجر فأُبعد". فالربا عباد الله محرم قليلُه وكثيرُه، مع المسلم أو مع غير المسلم، لأنه ظلم واقتطاع مال بغير حق،ولا يقول قائل أن الضرورات تبيح المحظورات فالله جل وعلا إذ حرم الربا فإنه ليس ضرورياً للعباد"وما كان ربك نسيا" فهناك المكاسب الحميدة والأرزاقُ الطيبة التي فيها الخير الكثير والبركة ،بما يغني عن الربا لو عقل المسلمون ذلك،فمن ترك شيئا لله عوضه، فيا ويحهم إن لم يتوبوا يوم يعرضون على الله لا تخفى منهم خافية، فيسألون عما ارتكبوه في هذه الدنيا الفانية،كما قال تعالى" فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ".أقول ما تسمعون..

الخطبة الثانية

الحمد لله المحمود بكل لسان، المعبود في كل زمان،الموجود في كل زمان ، ولا يشغله شأن عن شأن، جل عن الأشباه والأنداد، وتنزه عن الصاحبة والأولاد، ونفذ حكمه في جميع العباد ،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب الأرباب،وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وعلى آله وصحبه الأمجاد أما بعد:فإن الربا يجر على المجتمعات المصائب التالية:منها اللعنة الإلهية و الطرد من رحمة الله عز وجل، أعلن ذلك الصادق الأمين حينما قال في الحديث الذي نوهنا به سابقا(لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه)فجميعهم مطرودون من رحمة الله والعياذ بالله.ومنها أن آكل الربا ومن يتعامل به وضع لنفسه مكانا في النيران، فقد قال عليه الصلاة والسلام"كل جسد نبت عن السحت فالنار أولى به)ومنها أن كل من أكل الربا أو تعامل به فقد أتى بابا من أعظم أنواع الكبائر، فقد قال صلى الله عليه وسلم:(درهم من ربا يأكله الرجل أشد من ست وثلاثين زَنية) من أكل الربا أو تعامل به فقد حكم على ماله بالمحق والهلاك والدمار ونزع البركة ولا يغرنه إذا كثرت أمواله الربوية"قُل لاَّ يستوي الْخَبِيثُ وَالطَّيّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ "فالله جلا وعلا يمحق الربا ويسحقها ويربي أي يزيد في الصدقات ويضاعفها.ومنها أن صاحب الربا يعاتب بألا تستجاب دعوته،فإن الإنسان ضعيف يحتاج إلى ربه،ولا يجد في كثير من الأحيان إلا الدعاء،فإذا حُرم من الاستجابة فإن هذا ووالله من أشد العقوبات،أن يَرفضُك رب العالمين كما قال عليه الصلاة والسلام"رب رجل أشعث أي الشعر أغبر أي بالتراب يرفع يديه إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟ "أي لا يستجاب له أبدا،وقد قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم:(يا رسول الله،ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة، فقال له عليه الصلاة والسلام:يا سعد أطب مكسبك تجب دعوتك)فاحذر أخي عظم هذا الأمر وهوله.ومن أعظم المصائب التي تحل على المجتمع بشؤم أهل الربا والمتعاملين بها أن يحل بهم العذاب فيؤخذون بالسنين أي بالجفاف وبحبس المطر والغيث كما هو الحال اليوم.كما قال عليه الصلاة والسلام:(ما من قوم يظهر فيهم الربا إلا أخذوا بالسنين أي بالقحط،وما من قوم يظهر فيهم الرشا إلا أخذوا بالرعب)ولكن لولا الأطفال الرضع والبهائم الرتع والشيوخ الركع،ما نزل المطر وما زادت السماء إلا تقشعاً و وما زادت الشمس إلا حرارة ،ولكن ربنا جلا وعلا رحمته أسبق وأعز وأرحم فاللهم اغننا بحلالك عن حرامك. اللهم ارزقنا رزقا حلالاً طيباً مباركاً فيه..