هو العربي التبسي (بتسكين الراء) بن بلقاسم بن مبارك بن فرحات من بلدة " ايسطح" النموشية [1] التي تقع في الجنوب الغربي من مدينة " تبسة " في عمالة قسنطينة .
ولد العربي التبسي عام 1895 في عائلة فلاحية فقيرة ، و كان والده الى جانب عمله في الزراعة ، يتولى تحفيظ اولاد القرية القرآن الكريم في كتّابه ، و ذلك بالطريقة التعليمية البدائية الشائعة في الوسط العربي ، و قد تتلمذ العربي على والده الذي توفي تاركا ابنه في السنة الثامنة من عمره . فاستمر العربي في حفظ القرآن حتى بلغ الثانية عشرة من عمره ، انتقل بعدها الى زاوية " خنقة سيدي ناجي الرحمانية " في الجنوب الغربي لجبال النمامشة ، و هناك أمضى ثلاث سنوات حفظ خلالها القرآن الكريم [2]
و بما انه كان راغبا في متابعة تحصيله العلمي فقد أوفده أهله الى الزاوية التي سبق والده ان تلقى العلم فيها و هي زاوية " الشيخ مصطفى بن عزوز " في مدينة "نفطة" بجنوب غرب تونس ، و كان قد بلغ الخامسة عشرة من عمره ، و هناك شرع في دراسة العلوم الشرعية و العربية ، و أكب على مكتبة الزاوية يطالع ما فيها من كتب [3] . و كان كلما توسع في المعرفة
ازداد رغبة في التحصيل فالتحق بجامع الزيتونة ليستكمل دراسته العالية .
الجدير بالذكر ان التعليم و الإقامة و الطعام في الزوايا هو مجاني يصرف من دخل الأملاك الموقوفة للزاوية ، و من تبرع المحسنين . أما في جامع الزيتونة فقد كان فقراء الطلبة يجدون المأوى في الدور العديدة التي أوقفها المحسنون لسكني الطلبة الغرباء .
و تسمى هذه الدور "مدارس" نظرا لمذاكرة الطلاب فيها . [4] و قد أوى العربي إلى احدى غرف هذه المدارس بنما تكفل عمه الانفاق على طعامه و مصاريفه الأخرى المتقشفة .
نال العربي في تونس شهادة " الأهلية " و استعد لنيل شهادة " التحصيل" و لكنه فضل الانتقال الى القاهرة عام 1920 تدفعه رغبة جامحة في نفسه لتلقي العلم من منهله في جامع الأزهر ، جامع محمد عبده و تلاميذه .
و في القاهرة كان يعيش على ما يقتات به من أوقاف رواق المغاربة في الوقت الذي كان يتابع فيه دراسته العالية في الأزهر حتى وصل درجة " العالمية "
و يبدو انه تأثر بالجو الفكري و السياسي الذي كان يسود مصر في العشرينات ، حيث كانت ثمار النهضة تؤتي أكلها ، و كانت الحركة الوطنية في عز انتفاضتها ، فصمم على العودة إلى الجزائر لمشاركة رجال الإصلاح هناك جهادهم ، و كان مطلعا على نشاطاتهم ، فغادر القاهرة بعد ان امضى سبع سنوات فيها ينهل العلم من جامعها ، و من مكاتبها الغنيّة [5]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] نسبة الى قبيلة النمامشة الأمازيغية الكبيرة
[2] دبوز – اعلام الإصلاح – ج1 – ص 50
[3] نفس المصدر – ص ، 56 .
[4] نفس المصدر – ص ، 59 – 60
[5]نفس المصدر – ص ، 75

نقلته لكم أختكم عفا الله عنها من كتاب :جمعيّة العُلماء المسلمين الجزائريّين
و أثرها الإصلاحي في الجزائر
إعداد الدكتور أحمد الخطيب
ص 167 – 168
بتصرف في أرقام الهوامش

جــ - وفاتـــه :

قال الشيخ العربي في خطاب له أمام ادارة جمعية العلماء عام 1952 :
" انه لا يمكن ارضاء الاسلام و الوطن ، و ارضاء الزوج و الابناء في وقت واحد ، انه لا يمكن لانسان أن يؤدي واجبه التام الا بالتضحية " [10]

و بالفعل قد اختار الشيخ العربي التضحية عندما آثر البقاء الى جانب الشعب محاضرا خطيبا ، واعظا ، حاضا على الجهاد ، و قد نُقل عنه في هذه الظروف احد جاسائه قوله :"لو كنت في صحتي و شبابي مازدت يوم واحدا في المدينة ، ارسع الى الجبل فأحمل السلاح ، فأقاتل مع المجاهدين " [11]

و عندما لا حظت الحكومة الفرنسية مدى هيمنة المعنوية التي يتمتع بها الشيخ في صفوف المواطنين ، حاولت التأثير عليه بطرق شتى لتفصله و جماعته عن حركة الثورة التي كانت تقودها جبهة التحرير الوطني ، فأرسلت اليه تباعا مندوبين عنها محاولين دفعه الى التفاوض السياسي لانهاء الحرب ، فكان رده عليهم حازما :"اذا ارادت فرنسا ايقاف الحرب فلتفاوض جبهة التحرير الوطني ، أما العربي التبسي و غيره فليس لهم أن يتكلموا باسم الشعب و ثورته ، و لا يستطيعون ايقاف ثورة الأمة كلها "[12]

و كان موقفه الوطني هذا دافعا لخطفه من منزله بتاريخ 17 أفريل 1957 على يد " الجيس السري" الذي شكله غلاة الكولون ،واقتادته إلى مصير مجهول لم يُعلم إلى يوم الناس هذا.

ــــــــــــــــــــ
[10]جريدة البصائر عدد 204 ، تاريخ 20 اكتوبر 1952 .
[11]انظر دبوز - أعلام الاصلاح - ج2 - ص ،69
[12] نفس المصدر - ص ، 70 - 71




نقلته لكم أختكم عفا الله عنها من كتاب :
جمعيّة العُلماء المسلمين الجزائريّين
و أثرها الإصلاحي في الجزائر
إعداد الدكتور أحمد الخطيب
ص 171 – 172بتصرف يسير