نلاحظ عند قراءة كتب تراجم المتقدمين أن المؤلفين يذكرون فيها (تاريخ الوفاة) و لا يذكرون عادة (تاريخ الميلاد)... و تعليل ذلك أن هؤلاء العظماء المترجم لهم يولدون ولادة معتادة كغيرهم من الناس، و لا توجد دواع للاجتهاد في ضبط تواريخ ميلادهم، بخلاف وفاتهم فإنهم يموتون و هم مشهورون معروفون عند الناس، فتتوجه العناية إلى ضبط تواريخ وفياتهم... و هذا هو تفسير (الاختلاف الكبير) بين علماء المسلمين في تحديد تاريخ ميلاد نبينا محمد صلى الله عليه و سلم، حيث ولد ولادة معتادة بحيث لم يتمكن المؤرخون من تحديد يوم ميلاده صلى الله عليه و سلم على وجه الدقة...

فقد اختلف العلماء في (عام ميلاده صلى الله عليه و سلم):

(1)ـ فقيل: ولد (عام الفيل)...

(2)ـ و قيل: ولد (بعده بـ 10 سنين)...

(3)ـ و قيل: ولد (بعده بـ 15 سنة)...

(4)ـ و قيل: ولد (بعده بـ 23 سنة)...

(5)ـ و قيل: ولد (بعده بـ 30 سنة)...

(6)ـ و قيل: ولد (بعده بـ 40 سنة)...

و (المشهور) الذي عليه جمهور العلماء هو القول الأول، أي أنه ولد في نفس العام الذي حاول فيه أبرهة الأشرم هدم الكعبة... و من أدلتهم على ذلك: حديث قيس بن مخرمة قال: (ولدت أنا و رسول الله صلى الله عليه و سلم عام الفيل، كنا لدين)، رواه البيهقي...

ثم اختلف جمهور العلماء في (المدة الزمنية بين ميلاده صلى الله عليه و سلم و حادثة الفيل):

(1)ـ فقيل: ولد (بعدها بشهر)... 

(2)ـ و قيل: ولد (بعدها بأربعين يوما)... 

(3)ـ و قيل: ولد (بعدها بخمسين يوما)...

(4)ـ و قيل: ولد (بعدها بخمس و خمسين يوما)...

و (المشهور) هو القول الثالث كما قال ابن كثير، و لم أجد دليلا صريحا عليه... 

ثم اختلف العلماء في (شهر ميلاده صلى الله عليه و سلم):

(1)ـ فقيل: ولد في شهر (ربيع الأول)... 

(2)ـ و قيل: ولد في شهر (رمضان)...

و (المشهور) هو القول الأول، و هو قول الجمهور، و أما القول الثاني فهو (غريب جدا) كما قال ابن كثير...

ثم اختلف العلماء في (يوم ميلاده صلى الله عليه و سلم):

(1)ـ فقيل: ولد يوم (2 ربيع الأول)...

(2)ـ و قيل: ولد يوم (8 ربيع الأول)...

(3)ـ و قيل: ولد يوم (9 ربيع الأول)...

(4)ـ و قيل: ولد يوم (10 ربيع الأول)...

(5)ـ و قيل: ولد يوم (12 ربيع الأول)...

(6)ـ و قيل: ولد يوم (17 ربيع الأول)...

(7)ـ و قيل: ولد يوم (18 ربيع الأول)... 

(8)ـ و قيل: ولد يوم (22 ربيع الأول)...

و (المشهور) هو القول الخامس، و لم أجد دليلا صريحا عليه و لا على غيره...

ثم اتفق علماء أهل السنة على أن النبي صلى الله عليه و سلم (ولد يوم الاثنين)... و من أدلتهم على ذلك: حديث أبي قتادة (أن أعرابيا قال: يا رسول الله، ما تقول في صوم يوم الاثنين؟ فقال: (ذلك يوم ولدت فيه، و أنزل علي فيه)، رواه مسلم... 

و أما قول بعض الشيعة أنه ولد: يوم الجمعة، فهو (بعيد جدا)...

و الحمد لله أنه لا يرتبط بيوم ميلاده صلى الله عليه و سلم (عيد) من الأعياد و لا (عبادة) من العبادات و لا (حكم) من الأحكام الشرعية، إلا ما ثبت من (استحباب صيام يوم الاثنين)... 

و هو ـ و الحمد لله ـ مضبوط و منقول بالسند الصحيح و الدليل الصريح... 

ثم هو ـ و الحمد لله ـ عبادة مشروعة ثابتة عن النبي صلى الله عليه و سلم... 

ثم هو ـ و الحمد لله ـ متجدد في كل أسبوع و ليس فقط مرة واحدة في السنة... 

أم أن الناس يريدون (الأكل) و لا يريدون (الصيام)؟ أو أنهم يريدون (المعصية) و لا يريدون (الطاعة)؟ أو أنهم يريدون الانسياق وراء (الأهواء) و لا يريدون الانصياع لـ(الأدلة)؟ أو أنهم يريدون (تقليد) الآباء و لا يريدون (اتباع) النبي صلى الله عليه و سلم؟ أو أنهم يريدون (إرضاء الأولاد و الزوجات) و لا يريدون (إرضاء الله تعالى)؟...

كتبه: أبو عثمان محي الدين بن عبد الخالق قشاشة