( لقد تم فصل هذا الفصل من المشاركة الأصلية حتى تعم الفائدة - المشرف - وفق الله الشيخ لكل خير )


أشكر الجميع على المباركة والتهنئة ونسأل الله أن يرزقنا الإخلاص والقبول, ونزولاً عند رغبة الإخوة الأفاضل فأضع بين أيديهم, المقدمة, فهرس الموضوعات لهذا الكتاب, وللمعلومية أن ترقيم الصفحات هنا مخالف للمطبوع
المقدمة

إنّ من سنن الله الثابتة وحكمه البالغة, أن خلق الطباع مائلة إلى حب الشهوات المردية, والبطالة المؤذية, كما قال تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ﴾( ) وقال عز وجل: ﴿وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً﴾( ). فلما خلقت النفوس على هذه الحال, افتقرت إلى مقوّم, ومثقف, ومحذّر يردّها إلى الحق, وإلى الغاية التي خلقت لأجلها, وهي عبادة الواحد الأحد, قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ﴾( ).
فالطباع في ضرب المثل كالماء يجري بطبعه, فإذا رُدَّ بسَكْر وقف عن جريانه ثم أخذ يعمل في فتح طريق, فكما ينبغي أن يتعاهد ذلك السَكْر بالإحكام فكذلك ينبغي أن تتعاهد الطباع بالزواجر, ولا ينبغي أن يطول أمد التعاهد, فإن عمل الماء في باطن السكر دائم وإن خفي, وكذلك الطباع في ميلها إلى ما يؤذيها ( ).
ولهذا بعث الأنبياء عليه السلام بالترغيب والترهيب, والوعظ والزجر, وأنزلت عليهم الكتب للتثقيف والتأديب, فما زلوا مبشرين ومنذرين, وبلسان الوعظ في أقوامهم سائرين, وبسياط الزجر لما فسد من طباعهم مقوّمين, قال تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً﴾( ) وقال على لسان رسله: ﴿أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ﴾( ).
فبالوعظ خاطب الأنبياء عليهم السلام أطغى الطغاة وأكفر الكفرة, وبالوعظ خاطبوا الجهال والعصاة, وبالوعظ خاطبوا الأتقياء والبررة, فالوعظ كان لسان دعوتهم, وأجلّ وسائل بلاغهم.
وهكذا كان حال نبيناز فلم يزل واعظاً ومذكّراًً, ومرشداً ومقوّماً, كما قال تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً﴾, فكانت أقواله وخطبه تذكيراً ووعظاً, وتنبيهاً وزجراً, لا يؤخر البيان عن وقت الحاجة, ولا يرضى أن يرى في الناس خللاً واعوجاجاً.
وعلى مثل ذلك سار السلف الصالح رحمهم الله, فكانوا أنصح الناس للناس, وأنفع الناس للناس, وكان توجيه الناس ووعظهم, جلّ شغلهم, في حِلّهم وتِرحالهم, فاشتغلوا بالوعظ خطابة وتأليفاً, رسائل ووصايا, وبرز منهم نجوم زاهرة تصدّوا لوعظ الناس وتذكيرهم, فصاروا بذلك أمناء الشرع ونور سراجه, ومصابيح علومه ونور سياجه, كانوا قائمين على إرشاد العقول, وتهذيب النفوس, وتثقيف الأذهان, وتنوير المدارك وتصحيح المعتقدات, وإبانة سر العبادات, وإماطة ما غشي الأفهام القاصرة من غياهب الجهالة, وتراث الضلالة.
وبرز منهم طائفة, برعوا في الوعظ, وانتفع بهم الخلق, وسارت مواعظهم في الآفاق, ولقد عدّ منهم الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء أكثر من ثلاثمائة عَلَم, ممن لقب بالواعظ.
وقد نهج السلف الصالح -رحمهم الله- في وعظمهم, منهجاً قويماً, يجمع السلامة والاتباع, ونبذ الزيغ والابتداع, فكانوا لا يعظون الناس إلا بصحيح المنقول, وبما فيه صلاح للقلوب والعقول, مقتفين في ذلك منهج الرسول ز, لا يزيدون في شرع الله ولا ينقصون, مستعملين في ذلك وسائل عديدة وأساليب متنوعة, توصل إلى الغرض والمأمول, مع صدق القول وإخلاص الطوية, وتطابق الأقوال والفعال.
يقول الإمام أحمد -واصفاً سلامة منهج السلف, وعظم أثرهم في الناس-:
"الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم, يدعون من ضل إلى الهدى, ويصبرون منهم على الأذى, يحيون بكتاب الله الموتى, ويبصرون بنور الله أهل العمى, فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه, وكم من ضال تائه قد هدوه, فما أحسن أثرهم على الناس, وأقبح أثر الناس عليهم, ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين, وانتحال المبطلين, وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة, وأطلقوا عقال الفتنة..."( ).
ومن أجل هذا كان لوعظ السلف أثرٌ عجيبٌ في النفوس, ووقعٌ كبيرٌ على القلوب, وذلك لسلامة سريرتهم, وصدق مقصدهم, وسلامة منهجهم.
روى عبد الله بن أحمد بن حنبل قال أخبرت عن ابن السماك قال: قال ذر لأبيه عمر ابن ذر: "ما بال المتكلمين يتكلمون فلا يبكي أحد فإذا تكلمت يا أبت سمعت البكاء
من ها هنا وها هنا, فقال يا بني, ليست النائحة المستأجرة كالنائحة الثكلى"( ).
وسُئِل حمدون بن أحمد بن عمارة: "ما بال كلام السلف أنفع من كلامنا؟ فقال: لأنهم تكلموا لعزّ الإسلام, ونجاة النفوس, ورضى الرحمن. ونحن نتكلّم لعزّ النفس, وطلب الدنيا, وقبول الخلق"( ).
وممّا تقدّم نُدرِك عِِظَم أهمية دراسة سيرة السلف الصالح وتتبّع أقوالهم, وخاصة في مجال الدعوة إلى الله, كالنصح والوعظ والإرشاد والتعليم, ففيها فائدة عظيمة ومنفعة جليلة.
فقد ترك السلف الصالح لهذه الأمة ميراثاً زاخراً بالعلم والحكمة, ومتى نهل الداعية من هذا المعين كان في مأمن من الزيغ والضلال بإذن الله عز وجل, فالسلف رحمهم الله إنّما تمثّلوا القرآن والسنة بين أيديهم فكانت دعوتهم وأقوالهم نبراساً يُهتَدى به.
ولهذا فإنّ البعد عن منهج السلف في الدعوة والإرشاد, جعل بعض الدعوات اليوم تتهافت في طريق الدعوة دون أن تصل إلى بغيتها, بل قد تسيء من حيث تظنّ أنها تحُسِن, في وقت نجد الأمة فيه تتخبط في ظلمات من الجهل والبعد عن رب العالمين إلا من رحم الله, وفي عصر طغت فيه الماديات واستحوذت فيه الشهوات على عقول الناس وأفئدتهم, فأصبح وعظ الدعاة فيهم غير مجدٍ, وإلى الله المشتكى.
ولربما يدّعي كثير من هؤلاء الوعّاظ -إذا ما عيب عليه أسلوبه, ونُصِح بضرورة تأصيل دعوته- أنّه مقتف لمنهج الكتاب والسنة ومُتَّّبع لهدي السلف, ولكن إذا ما وضعت دعواه على ميزان النقد تعرّت هذه الدعوى.
فلَزِم على كل داعية حصيف يرجو الخير لأمته, الرجوع إلى هدي السلف وسمتهم, ليقتدي بهم في دعوته.

مبارك لك شيخنا ولنا بهذا الكتاب

وفيكم بارك الله
ونسأل الله أن يدخر لنا أجره يوم نلقاه

عبد الحق آل أحمد كتب:

أن يتكرم بتنزيل الكتاب كاملا مصوار .

صبرا اخي الحبيب فمازال الأمر مبكرا فالكتاب بمرحلة التسويق ...فمن الكتب من ضى عليها عقود لكن مالكي حقوقها لايضعونها في النت فمابالك بالكتاب ومازال حتى الجزائر لم يصلها - بلد المؤلِف .... إبتسامة.

أبشر الاخوة الكرام أن الكتاب قد وصل قبل ايام للجزائر عن طريق مكتبة القدس بالصنوبر البحري في الجزائر العاصمة طبعة دار المنهاج بالرياض

العنوان التجاري: 02 شارع عمر عيدروسي – الصنوبر البحري – مقابل مسجد القدس الذي يخطب فيه الشيخ لزهر سنيقرة -