الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : زائرنا الكريم مرحبا بك بين إخوانك في منتديات تبسة الإسلامية ، بعد التسجيل ستجد رسالة تأكيد التسجيل في بريدكم ، نرجوا لكم قضاء وقت مفيد ومريح في هذا الفضاء التربوي العلمي .


آخر المواضيع
الموضوع
تاريخ ارسال المشاركة
بواسطة
مرحبا بكم أيها الأحباب من جديد ..
من بريد المنتدى ذات يوم ...
كتاب الانتصار للنبي المختار ﷺ (يصور لأول مرة) المؤلف: د.سليمان بن صفية الجزائري
رحم الله الشيخ علي الحلبي ..
بشرى صدور موقع جديد للشيخ أبو يزيد المدني (سليم بن صفية)
حذروا من صناعة المعاقين في بيوتكم
‏الرفقة الدافئة
يا طالب العلم البشرية كلها بحاجة إليك.
قصة قصيرة جملية
حكمة وعبرة ✍
الخميس 29 ديسمبر 2022 - 11:57
الخميس 29 ديسمبر 2022 - 9:20
الإثنين 28 ديسمبر 2020 - 15:30
الخميس 3 ديسمبر 2020 - 18:36
الأربعاء 22 يناير 2020 - 18:36
الجمعة 21 ديسمبر 2018 - 20:08
الخميس 20 ديسمبر 2018 - 12:28
الإثنين 17 ديسمبر 2018 - 13:30
الخميس 6 ديسمبر 2018 - 21:09
الإثنين 3 ديسمبر 2018 - 20:11











شاطر
 

 المنهج القويم في معاملة الحكام بقلم الشيخ أبو عبد المعز - حفظه الله -

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
منصف القبائلي

منصف القبائلي

عدد الرسائل :
121

تاريخ التسجيل :
05/04/2009


المنهج القويم في معاملة الحكام  بقلم الشيخ أبو عبد المعز - حفظه الله - Empty
مُساهمةموضوع: المنهج القويم في معاملة الحكام بقلم الشيخ أبو عبد المعز - حفظه الله -   المنهج القويم في معاملة الحكام  بقلم الشيخ أبو عبد المعز - حفظه الله - I_icon_minitimeالجمعة 9 أبريل 2010 - 22:30


إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضّلل فلا هادي له، وأشهد أنّ لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، وصلى الله على محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فاعلم أنّ العلماء أجمعوا على وجوب طاعة الحاكم المتغلِّب، وأنّ طاعته خير من الخروج عليه، لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء، ولِمَا في الخروج عليه من شقّ عصا المسلمين وإراقة دمائهم وذهاب أموالهم، فإذا استتبّ له الأمر، وتمّ له التمكين، وإن لم يستجمع شروط الإمامة صحّت إمامته ووجبت بيعته وطاعته في المعروف، وحرمت منازعته ومعصيته، فأحكامه نافذة، ولا يجوز الخروج عليه قولاً واحداً، وقد حكى إجماع ذلك الحافظ ابن حجر في "الفتح"(١- "فتح الباري" لابن حجر (١٣/٧)) والنووي في "شرح مسلم"(٢- "شرح مسلم" للنووي (١١/٢٢٩)) والشيخ محمّد ابن عبد الوهّاب في "الدرر السنية"(٣- "الدرر السنية في الأجوبة النجدية"(٧/٢٣٩))، فمن خرج عن طاعة الحاكم الذي وقع الاجتماع عليه، فارق الجماعة الذين اتّفقوا على طاعة الإمام الذي انتظم به شملهم، واجتمعت به كلمتهم، وحاطهم عن عدوّهم، فمات ميتة جاهلية، فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مّنْ كّرِهَ مِنْ أميرهِ شَيْئاً فليَصْبر، فإنَّهُ مَنْ خَرَجَ عَن السُلْطَانِ شِبْراً مَاتَ مَيْتَة جَاهِلِيَّة)(٤- أخرجه البخاري (١٣/٥) في "الفتن" باب قول النبي صلى الله عليه وسلم (سترون من بعدي أموراً تنكرونها) وفي "الأحكام" باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية؛ ومسلم (١٢/٢٣٩) في "الإمارة" باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن)، وفي لفظ: (مَنْ رَأى مِنْ أميرهِ شَيْئاً يَكْرَهُهُ فلْيَصْبرْ عَلَيهِ، فإنَّهُ مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَة شِبْراً فَمَاتَ، إلاَّ مَاتَ مَيْتة جَاهِلية)(٥- المصدران السابقان)، ذلك لأنّ أهل الجاهلية لم يكن لهم إمام يجمعهم على دين، ويتألّفهم على رأي واحد -كما ذكر الخطّابي- بل كانوا طوائف شتّى وفرقاً مختلفين، آراؤهم متناقضة، وأديانهم متباينة، الأمر الذي دعا كثيراً منهم إلى عبادة الأصنام، وطاعة الأزلام، رأياً فاسداً، اعتقدوه في أنّ عندها خيراً، وأنّها تملك لهم نفعاً أو تدفع عنهم ضرًّا(٦- انظر "العزلة" للخطاّبي (٥٧)).
ففي حديث ابن عبّاس رضي الله عنهما المتقدّم، دليل على ترك الخروج على السلطان و لو جار، فإنّ المفارق للجماعة مفارقة الألفة وزوال العصمة والخروج عن كنف الطاعة والأمان، لا يسأل عنه لعظيم هلكته، وقد أمر الشرع بلزوم الجماعة ونهى عن التفرّق -وإن وقع من ولاّة الأمور الظلم والحيف- بقوله تعالى : ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾(آل عمران ١٠٣)، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "منهاج السنة": «وقدّ فسّر (حبله) بـكتابه، وبدينه، وبالإسلام، وبالإخلاص، وبأمره، وبعهده، وبطاعته، وبالجماعة، وهذه كلّها منقولة عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وكلّها صحيحة، فإنّ القرآن يأمر بدين الإسلام، وذلك هو عهده وأمره وطاعته، والاعتصام به جميعاً إنّما يكون في الجماعة، ودين الإسلام حقيقته الإخلاص لله»(٧- "منهاج السنة النبوية" لابن تيمية (٥/١٣٤)).
ولقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾(النسـاء ٥٩)، و(أولو الأمر) هم الأمراء والولاة، لصحّة الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمر بطاعة الأئمّة والولاة فيما كان طاعة وللمسلمين مصلحة(٨- "تفسير الطبري" (٥/١٥٠))، منها قوله صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما (يَكُونُ بَعْدي أئِمّةٌ لا يَهْتدُونَ بهُدَايَ، ولاَ يَسْتَنّونَ بسُنَّتِي، وسَيَقُومُ فيهمْ رجَالٌ قُلُوبُهمْ قُلُوبُ الشَّيَاطين في جُثْمَانِ إنْس -قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: تَسْمَعُ وتُطيعُ الأمِيرَ، وإنّ ضَرَبَ ظَهْرَكَ وأخَذ مَالَكَ، فاسْمَعْ وأطِعْ)(٩- أخرجه مسلم (١٢/٢٣٨) "كتاب الإمارة" باب و جوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن). والطاعة لهم في المنشط والمكره، والعسر واليسر، مشروطة بغير معصية الله تعالى لدلالة حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (عَلى المَرْءِ المُسْلِمَ السَمْعُ والطَاعَة، فِيمَا أحَبَ وكَرهَ، إلا أنْ يُؤمَرَ بمَعْصِيَة، فِإنْ أمِرَِ بمَعْصِيَة، فلا سَمْعَ ولا طَاعَة)(١٠- أخرجه البخاري (١٣/١٢١) في "الأحكام" باب السمع والطاعة للإمام، وفي "الجهاد" باب السمع والطاعة للإمام؛ ومسلم (١٢/٢٢٦) في "الإمارة" باب وجوب طاعة الأمراء من غير معصية)، ولحديث علي بن أني طالب رضي الله عنه أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم قال: (لاَ طَاعَة في مَعْصِيَة اللهِ، إنَّمَا الطَّاعَةُ في المَعْرُوفِ)(١١- أخرجه البخاري (١٣/١٢٢) في "خبر الواحد" باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق، وفي "المغازي" باب سرية عبد الله بن حذافة السهمي وعلقمة بن مجزز وفي "الأحكام" باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية؛ ومسلم (١٢/٢٢٦) في "الإمارة" باب وجوب طاعة الأمراء من غير معصية).
لذلك كان إحسان الظنّ بولاة الأمر مُتَحَتِّماً، ومن لوازم طاعتهم: متابعتهم في الصوم والفطر والتضحية، فيصوم بصيامهم في رمضان، ويفطر بفطرهم في شوّال، ويضحّي بتضحيتهم في عيد الأضحى، ومن لوازم طاعتهم -أيضًا- عدمُ إهانتهم، وتركُ سَبِّهم أو لعنِهم، والامتناعُ عن التشهير بعيوبهم، سواء في الكتب والمصنَّفات والمجلاّت، أو في الدروس والخطب، أو بين العامّة، كما ينبغي تجنب كل ما يسيء إليهم من قريب أو من بعيد، ذلك أن علّة المنع: تفادي الفوضى وتركِ السمع والطاعة في المعروف والخوضِ فيما يضرّ نتيجةَ سبّهم وإهانتهم، الأمرُ الذي يفتح باب التأليب عليهم، ويجرّ ذلك من الفساد ولا يعود على الناس إلاّ بالشّر المستطير، ولهذا جعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم (لَعْنُ المُؤْمٍن كَقَتْلِهِ)(١٢- أخرجه البخاري (١٠/٤٦٥) في "الأدب" باب ما ينهى من السباب واللّعن من حديث ثابت بن الضحّاك رضي الله عنه)، و (سِبَابُهُ فُسُوقٌ، وَقتَالُهُ كُفْرٌ)(١٣- أخرجه البخاري (١/١١٠) في "الإيمان" باب خوف المؤمن أن يحبط عمله وهو لا يشعر، وفي "الأدب" (١٠/٤٦٤) باب ما ينهى من السباب و اللّعن؛ ومسلم في "الإيمان" (٢/٥٤) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه)، وبيّن خُلُق المؤمن بأنَّه (لَيْسَ المُؤمِنُ بالطَّعَّانِ ولا اللعَّان، ولا الفَاحِش، ولا البَذِيءِ)(١٤- أخرجه الترمذي (٤/٣٥٠) في "البرّ والصلة" باب ما جاء في اللعنة؛ وصححه الحاكم (١/١٢) والألباني في الصحيحة (٣٢٠) وفي "صحيح الترمذي" (٣/١٧٠)؛ وقوى إسناده الأرناؤوط في "شرح السنة" (١٣/١٣٤))، ولا شكّ أنّ الاتّصاف بهذا الخلق الذميم مع ولاة الأمور والأئمّة من علامات الخوارج، وقد جاء على لسان رجل منهم قوله للنّبيّ صلى الله عليه وسلم "اِعْدِل"(١٥- أخرجه ابن ماجه (١/٦١) في "المقدّمة" باب في ذكر الخوارج من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. والحديث صحّحه الألباني في "صحيح بن ماجه" رقم (١٤٢)، وفي "صحيح الأدب المفرد" (٥٩٩/٧٧٤)، وفي "ظلال الجنّة" رقم (٩٤٣))، وقال آخر منهم لعثمان رضي الله عنه عندما دخل عليه ليقتله "يا نَعْثَل"(١٦- ذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" (٧/٢٢٨) وقال رجاله رجال عباد بن زاهر وهو ثقة وقال ابن الأثير في "النهاية" (٥/٨٠) : كان أعداء عثمان رضي الله عنه يسمّونه نعثلا تشبيها برجل من مصر، كان طويل اللّحية اسمه نعثل، وقيل : النعثل الشيخ الأحمق وذكَرُ الضباع) وإنّما أمرنا أن ندعو لهم بالصلاح، ونعينهم عليه، ولم نُؤمَر أن ندعو عليهم، وإنْ وقع منهم الجور والظلم، كما يفعله فينا من لم يتّضح له مذهب السلف في معاملة ولاة الأمور، ذلك لأنّ ظلمهم وجورهم على أنفسهم، أمّا صلاحهم فلأنفسهم وللأمّة كلّها، العباد والبلاد، وقد جاء عن بعض علماء السلف قوله : «إذا رأيتَ الرجل يدعو على السلطان؛ فاعلم أنّه صاحب هوى، وإذا سمعت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح؛ فاعلم أنه صاحب سنّة -إن شاء الله-»(١٧- "شرح السنّة" للبربهاري (٦٠)).
هذا، وإذا أُمِرْنَا بأن ندعو لهم؛ أُمِرْنَا -أيضاً- بنصيحتهم -حال الاستطاعة والإمكان- من غير تعنيف، ولا بأسلوب الفجاجة والغلظة وبكلمات السوء والمنكر، وإنّما يكون نصحهم مبنيّا على الوعظ والتخويف، تذكيراً لهم بالله تعالى، وتحذيراً لهم من الآخرة، وترغيباً لهم في الصالحات، فإنّ مناصحة أئمّة المسلمين منافية للغلّ والغشّ، كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الترمذي وغيره من حديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً (ثلاَثٌ لاَ يَغلُّ عَلَيْهِنَّ قلْبُ المُؤمِن: إخْلاصُ العَمَل، والنَصيحَةُ لِوَليِّ الأمْرِ -وفي لَفْظِ: طاعَةُ ذوي الأمْر-، ولُزومُ الجماعَة، فإنَّ دَعْوَتُهُمْ تُحيطُ منْ وَرائهِمْ)(١٨- هذا جزء من حديث أخرجه الترمذي (٥/٣٤) في "العلم" باب في الحثّ على تبليغ السماع . قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وروى هذا الأصل بضعة وعشرون صحابيًّا وهو معدود من المتواتر كما بيّنه الكتاني في "نظم المتناثر"(٢٤-٢٥)(انظر "سلسلة الأحاديث الصحيحة "للألباني رقم ٤٠٤)).
وقد شرح الإمام ابن القيّم في "مفتاح دار السعادة" هذا النصّ شرحاً دقيقاً قيّماً بقوله : «إنّ قوله (ثلاَثٌ لاَ يَغلُّ عَلَيْهِنَّ قلْبُ مسلم ...) أي لا يحمل الغلّ ولا يبقى فيه مع هذه الثلاث، فإنّها تنفي الغلّ والغشّ ومفسداتِ القلب وسَخَائِمَه (والسخيمة الحقد والضغينة).
فالمخلص لله إخلاصُه يمنع غلّ قلبه، ويخرجُه ويزيلُه جملة، لأنّه قد انصرفت دواعي قلبه وإرادته إلى مرضاة ربّه، فلم يَبقَ فيه موضعٌ للغلّ والغشّ، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾(يوسف ٢٤)، فلمّا أخلص لربّه صرف عنه دواعي السوء والفحشاء، فانصرف عنه السوءُ والفحشاءُ، ولهذا لمّا علم إبليس أن لا سبيل له على أهل الإخلاص استثناهم من شَرطَته التي اشترطها للغواية والإهلاك، فقال: ﴿فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴾(ص ٨٢-٨٣)، قال تعالى ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾(الحجر ٤٢)، فالإخلاص هو سبيل الخلاص، والإسلام هو مركب السلامة، والإيمان خاتَم الأمان.
وقوله: (وَمُناصَحَةُ أئمَّةُ المُسلِمينَ) وهذا - أيضاً - منافٍ للغلّ والغشِّ، فإنّ النصيحة لا تجامع الغلّ، إذّ هي ضدّه، فمن نصح الأئمّة والأمّة فقد برئ من الغلّ.
وقوله: (و لُزومُ جَماعَتِهِمْ) هذا -أيضا- ممّا يُطَهِّرُ القلب من الغلّ والغش ، فإن صاحبه للزومه جماعة المسلمين يحبّ لهم ما يحبّ لنفسه، ويكره لهم ما يكره لها، ويسوؤه ما يسوؤهم ، ويسرّه ما يسرّهم.
وهذا بخلاف من انحاز عنهم واشتغل بالطعن عليهم والعيب والذمّ لهم، كفعل الرافضة والخوارج والمعتزلة وغيرهم، فإنّ قلوبهم ممتلئة غلا وغشّا، ولهذا تجد الرافضة أبعدَ الناس من الإخلاص، وأغشَّهم للأئمة والأمّة ، وأشدَّهم بعدا عن جماعة المسلمين .
فهؤلاء أشدّ الناس غلاّ وغشّا بشهادة رسول الله صلى اله عليه وسلم والأمّةِ عليهم، وشهادتِهم على أنفسهم بذلك، فإنهم لا يكونون قطّ إلاّ أعوانّا وظهرا على أهل الإسلام، فأي عدوٍ قام للمسلمين كانوا أعوان ذلك العدو وبطانته.
وهذا أمر قد شاهدته الأمة منهم ، ومن لم يشاهد فقد سمع منه ما يصمّ الآذان ، ويشجي القلوب.
وقوله: (فإنّ دَعْوَتَهُمْ تُحيطُ مِنْ وَرَائِهمْ) هذا من أحسن الكلام وأوجزه ، و أفخمه معنى، شبّه دعوة المسلمين بالسور والسياج المحيط بهم ، المانع من دخول عدوهم عليهم، فتلك الدعوة التي هي دعوة الإسلام وهم داخلونها ، لمّا كانت سورا وسياجا عليهم أخبر أنّ من لزم جماعة المسلمين أحاطت به تلك الدعوة التي هي دعوة الإسلام كما أحاطت بهم ، فالدعوة تجمع شمل الأمة وتلمّ شعثها وتحيط بهم، فمن دخل في جماعتها أحاطت به وشملته»اﻫ
(١٩- "مفتاح دار السعادة" لابن القيّم (١/٢٧٧-٢٧٨)).
وعليه، فإنّ مذكورات الحديث الثلاث – يعني : إخلاص العمل، ومناصحة أولي الأمر ، ولزوم جماعة المسلمين – تجمع أصول الدين وقواعده، وتجمع الحقوق التي لله ولعباده ، وتنتظم بها مصالح الدنيا والآخرة على ما أوضح شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- بقوله: «وبيان ذلك أنّ الحقوق قسمان: حقّ لله، وحقّ لعباده :
· فحقّ الله أن نعبده ولا نشرك به شيئا...
· وحقوق العباد قسمان : خاص وعامّ:
- أمّا الخاصّ فمثل برّ كلّ إنسان والديه ، وحقّ زوجته ، وجاره، فهذه من فروع الدين ، لأنّ المكلف قد يخلو عن وجوبها عليه، ولأنّ مصلحتها خاصة فردية .
- وأمّا الحقوق العامّة فالناس نوعان: رعاة ورعيّة ، فحقوق الرعاة : مناصحتهم ، وحقوق الرعية لزوم جماعتهم ، فإنّ مصلحتهم لا تتمّ إلاّ باجتماعهم وهم لا يجتمعون على ضلالة، بل مصلحة دينهم ودنياهم في اجتماعهم واعتصامهم بحبل الله جميعا. فهذه الخصال تجمع أصول الدين»اﻫ
(٢٠- "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (١/١٨-١٩)).
لذلك كان الخروج عن الأئمّة -وإن جاروا- مُحدَثاً ومنكراً، قد نطقت الأحاديث بوجوب لزوم جماعة المسلمين وإمامهم، فإنّ الخروج عنهُم والافتيات عليهم معصية ومشاقّة لله ورسوله، ومخالفة لما عليه أهل السنّة والجماعة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في "مجموع فتاويه" «وأما أهل العلم والدين والفضل فلا يرخّصون لأحد فيما نهى الله عنه من معصية ولاة الأمور، وغشهم، والخروج عليهم بوجه من الوجوه، كما قد عرف من عادات أهل السنّة والدّين قديماً وحديثاً، ومن سيرة غيرهم»
(٢١- المصدر السابق (٣٥/١٢)).
هذا، والطريق الأسلم والمنهج الأوفق الذي يحقّق به معنى التغيير يكمن في السير بالدعوة إلى الله على منهاج النبوة بتصحيح العقيدة وتصفيتها من كلّ الشوائب العالقة بها والمنافية لعقيدة أهل الحقّ وترسيخها بتربية الأنفس والأهل على هذا الدين والدعوة للعمل بأحكامه بالأسلوب الذي أمرنا به تعالى أن ندعو به في قوله عزّ وجلّ: ﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ (النحل ١٢٥)، ذلك لأنّ اللّين في الأسلوب، والموعظة الحسنة في مجال الدعوة والتعليم والإعلام والنصح(٢٢- هذا الأسلوب إنّما يُتوَخَّى في المجال الدعوي والتعليمي والإعلامي، أو في إطار النصيحة، أمّا من ظهرت بدعته، واستقرّت، وقامت دعوته عليها، ونافح عنها؛ فالمعروف من مذهب السلف أنّه يجب زجره بهجره، والتحذير منه حتم لازم) من أهمّ أسباب حصول انتفاع العوام بدعوة الدعاة وتعليمهم وإرشادهم، بخلاف التغليظ في القول، والزجر في الأسلوب، والتبكيت في الدعوة والتعليم، فلا نتائج وافرة ومفيدة من ورائه مرجوّة، قال تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ﴾ (آل عمران ١٥٩)، وقال تعالى: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ (طه ٤٤)، كما أنّ المطلوب الاتّصاف بأخلاق هذا الدين والتحلّي بآدابه عملاً بقوله تعالى: ﴿وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ﴾ (آل عمران ٧٩)، وبقوله تعالى: ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ (العصر ٣)، وبقوله عزّ وجلّ: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ (المائدة ٢)، فإنّ تكريس هذه الدعوة سلوكاً ومنهجاً يؤدّي - بطريق أو بآخر- إلى تحقيق تغيير ما بالأنفس على نحو ما يوافق الشرع ليحصل مع المطلوب ما وعد به الله تعالى في قوله: ﴿
إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ(الرعد ١١)، هذا الأمر الذي كان عليه سبيل الدعوة أيّام الرسالة، قال تعالى: ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ﴾ (البقرة ١٢٩).
ومن هنا يُدرَك أنّ طريق الدعوة إلى الله إنّما يكون بالحكمة والموعظة الحسنة والصبر على مشاقّها دون عجلة مورطة في الفساد والإفساد، التي مآلها الحرمان على ما تقرّر في القواعد أنّ من تعجّل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه(٢٣- انظر هذه القاعدة في "الأشباه والنظائر" لابن الوكيل (١/٣٥٠). "المنثور" للزركشي (٢/٢٩٧). "الأشباه والنظائر" للسيوطي (١٥٢). "إيضاح المسالك" للونشريسي (٣١٥). "قواعد ابن رجب" (٢٣٠). "الأشباه والنظائر" لابن السبكي (١/١٧٠))، فيحتاج الأمر إلى ثبات وتضحية واستقامة، وأمل بالله ويقين قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾ (السجدة ٢٤)، فالإمامة في الدين إنّما تنال بالصبر واليقين، فإنّ تحمّل الأمانة بالوجه المطلوب شرعاً نصرةٌ لدين الله، مع الثقة الكاملة بأنّ نصر الله آت لمن نصر دينه يقيناً على الوجه الذي أمر به الشرع، قال تعالى: ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ (محمد ٧)، وقال تعالى: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ﴾ (الحجّ ٤٠)، كما أنّه يؤّدي إلى تمكين الدين المرتضى لعباده الصالحين، كما وعد المولى عزّ وجلّ على غاية العزّة، قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾(المنافقون ٨)، وقال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ﴾(النور ٥٥).
أمّا نزع اليد عن الطاعة بالخروج عنهم إذا لم نر كفراً بواحاً عندنا فيه من الله برهان، مع لزوم الأخذ بعين الاعتبار قاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فإنّه فضلاً عن كونه يخالف النصوص الشرعية الكثيرة الآمرة بالطاعة وعدم نزع اليد عنهم وإن جاروا، والآمرة -أيضاً- بتغيير ما بالأنفس، فإنّه يجر هذا العمل مفاسد شتى، وهي أعظم ممّا يحصل من جور ولاة الأمر وظلمهم على ما هو ظاهر للعيان، كما أنّ هذا الطريق - من جهة ثالثة - ينعكس سلباً على سير الدعوة إلى الله تعالى، معطل لسبيلها، ويزيد على الأمّة هموماً أخرى وفتناً وشروراً ومصائب تهدم شوكتها وتضعف قوتها وتخدم أعداءها، والتاريخ يشهد على هذه الفتن قديماً وحديثاً "والسعيد من وعظ بغيره"، كل ذلك يرجع إمّا إلى الغلو والإفراط، أو إلى التقصير والتفريط، كما أفصح عنه ابن القيم -رحمه الله- بقوله: «إنّ الحق واسطة بين الإفراط والتفريط، وبين الجافي عنه والغالي فيه، كالوادي بين جبلين، والهدى بين ضلالتين، والوسط بين طرفين ذميمين، فكما أن الجافي والمقصر عن الأمر مضيع له، فالغالي فيه مضيع له، فهذا بتقصيره عن الحدّ، وهذا بتجاوزه الحد«ّ(٢٤- "مدارج السالكين" لابن القيم (٢/٤٩٦)).
وليس معنى عدم نزع اليد عن طاعتهم إقرارَهم على الباطل والرضا عنهم بما هم فيه من المنكر، فالباطل يبقى مذموماً، والمنكر يبقى على صفته بغضّ النظر عن فاعله محكوماً كان أم حاكماً، لا نرضى عن الأفعال المستقبحة شرعاً ولا نحبّها، كما نبغض الصنائع المستبشعة، ذلك لأنّ الرضا بالفعل كالفعل إثابة وعقاباً، وإن تجرّد عن العمل والقصد، ويدلّ عليه قوله تعالى في شأن اليهود: ﴿وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ (آل عمران ١٨١)، أي: ونكتب قتلهم الأنبياء بغير حقّ، أي: رضاهم بالقتل، والمراد قتل أسلافهم الأنبياء، لكن لمَّا رضوا بذلك صحت الإضافة إليهم، وحسّن رجل عند الإمام الشعبي قتل عثمان بن عفّان رضي الله عنه فقال الإمام الشعبي "شَرِكتَ في دمه"(٢٥- انظر تفسير القرطبي (٤/٢٩٤))، فجعل الرضا بالقتل قتلاً.
وليس ذلك إلاّ لأنّ الرضا بالمعصية معصية، ويؤيّد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (إذا عُمِلَتْ الخَطِيئَةُ فِي الأرْضِ كَانَ مَنْ شَهدَهَا فكَرهَهَا، وَقالَ مَرَةً: فنكِرَهَا، كَمَنْ غاَبَ عَنْهَا وَمَنْ غاَبَ عَنْهَا فرَضِيَهَا كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا)(٢٦- أخرجه أبو داود (٤/٥١٥) في "الملاحم" باب الأمر والنهي من حديث العرس بن عميرة الكندي رضي الله عنه، وحسّنه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (٣/٣٨).وفي المشكاة (٥١٤١))، وهذا يدلّ على أنّ الراضي بالفعل كالفاعل وإنّ لم يُردْهُ أو يعمله.
وعليه، فإنّ النصح آكد في وجوب عودة المفارق للجماعة إلى رحاب الجماعة، باستئناف الحياة العادية وترك ما كان عليه من الفساد والإفساد، فإنّ ذلك من أوجب الواجبات وأسمى المهمّات، وإفساد الدين أقوى وأعظم من إفساد النفس.
علمًا أنّ البقاء على ما هم عليه يفضي إلى مفاسد أخرى نخشى عواقبها، منها خشية التراجع عن التوبة والعودة إلى القتال، وذلك مخالف لقواعد الدين وأصول الشريعة كما تقدّم، ومن المخاوف -أيضاً- اغترار بعض الناس ممّن تأذّى ولم يصبر على الأذى الالتحاق بهم، ففي الحديث (مَنْ دَعَا إلى ضَلاَلة كانَ عَلَيْهِ مَنَ الإثْمِ مِثْلَ آثامِ مَنْ تبعَهُ لا يَنْقُصُ ذلِكَ مِنْ آثامِهِمْ شَيْئا)(٢٧- جزء من حديث أخرجه مسلم (١٦/٢٢٧) في "العلم" باب من سنّ سنّة حسنة أو سيئّة؛ وأبو داود (٥/١٥) في "السنّة" باب لزوم السنّة ؛والترمذي (٥/٤٣) في "العلم" باب فيمن دعا إلى هدى؛ وابن ماجه (١/٧٥) في "المقدّمة" باب من سنّ سنّة حسنة، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه)، ومن المخاوف الحاصلة -حقاًّ-: انتقالهم من أهل البغي إلى محاربين، ذلك لأنّ شأن أهل البغي تجمع فيهم صفة الخروج عن طاعة الحاكم ويرومون خلعه وتنحيته عن منصب الإمامة لتأويل سائغ مع ما هم فيه من منعة وشوكة وقوّة يحتاج الحاكم إلى ردّهم للطاعة إعداد رجال ومال وقتال، فأهل البغي هم مسلمون مخالفون لإمام الجماعة، ودليله قوله تعالى: ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا(الحجرات ٩)، فقد اتّفق العلماء على أنّ الفئة الباغية لا تخرج عن الإسلام ببغيها، لأنّ القرآن وصفها بالإيمان مع مقاتلتها للطائفة العـادلة، وحكمُها أنْ لا ضمان على البغاة فيما أتلفوه خلال القتال والحرب من نفس أومال فلا يقتل مُدْبِرُهُمْ، ولا يُجْهَزُ على جريحهم، ولا تُُغْنَمُ أموالهم ولا تُسْبَى نساؤهم وذراريهم، وأنّ من قتل منهم غُسِّلَ وكفّن وصلّي عليه.
وبالمقابل، فإنّ الطائفة المقاتلة مع الإمام لا يضمنون -في قتالهم- ما يتلفونه من نفس أو مال ولا ما يصيبونه منهم من جراحات، قال الإمام الزهري(٢٨- هو أبو بكر محمّد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري القرشي المدني، نزيل الشام، أحد التابعين الأعلام المشهورين بالإمامة والجلالة، كان حافظ زمانه، عالما في الدين والسياسة، انتهت إليه رئاسة العلم في وقته، له روايات كثيرة توفي سنة ١٢٤هـ / ٧٤١م. انظر ترجمته في المصادر المثبتة على هامش "مفتاح الوصول" للتلمساني بتحقيقي ٣٢٥) "كانت الفتنة العظمى بين الناس وأصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون، وفيهم البدريّون، فأجمعوا على أن لا يقام حدّ على رجل من أهل البغي بسبب جنايته في قتاله لأهل العدل، كما لا يضمن ما أتلفه من مال لهم" لأنّ البغاة طائفة مُمتنعة بتأويل سائغ، فلم يَضْمَن ما أتلفت على الأخرى، كما لا يضمن أهل العدل، لأنّ تضمين أهل البغي يفضي إلى تنفيرهم عن الرجوع إلى الطاعة، فلا يشرع، كتضمين أهل الحرب(٢٩- انظر "المغني" لابن قدامة (٨/١١٣))، وعلى هذا انعقد إجماع الصحابة كما دلّ عليه كلام الإمام الزهري، والإجماع حجّة واجبة الأخذ بموجبها.
أمّا إذا اختلّت صفات أهل البغي كأن تضعف قوّتهم، ويتفرّق جمعهم، أو انتفى تأويلهم، أو بقي عندهم تأويل فاسد، فإنّهم مؤاخذون بما يفعلونه، ويضمنون ما يتلفونه من نفس ومال، لأنّ المنعة والشوكة بتجمّعهم، فإذا انعدمت انعدمت الوَلاية، ويبقى مجرّد تأويل فاسد لا يعتدّ به، كالخروج من أجل الدنيا أو للحصول على الرئاسة ومنازعة أولي الأمر أو لعصبيّته ، فهذا الخروج يعتبر محاربة ، ويكون للمحاربين حكم آخر يخالف حكم الباغين(٣٠- انظر "مغني المحتاج" للشربيني (٤/١٢٤) وحاشية الدسوقي (4/300))، في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ (المائدة ٣٣-٣٤).
فدلّ هذا على سقوط الحدّ عن التائبين منهم قبل القدرة عليهم -أي: قبل القبض عليهم- من هذه العقوبة، ذلك لأنّ هذا الحدّ ثبت حقّا لله تعالى، فيسقط بتوبتهم قبل القدرة عليهم لا بعدها، غير أنّ حقوق الآدميّين لا تسقط على المحاربين، كالقصاص وضمان الأموال إلاّ إذا عفا عنهم أصحاب الحقّ، وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم ، بخلاف أهل البغي فإنّهم لا يضمنون ما أتلفوه من مال أو نفس على ما تقدم.
فهذا موقف أهل السنة والجماعة يقابلون جور السلطان بالصبر والاحتساب ، ولا يقْدِمون على شيء من المنهيات من حمل السلاح أو إثارة فتنة أو نزع يد عن الطاعة ، تحكيما للنصوص والآثار لئلاّ تتخطفهم الشبه ويستزلّهم الشيطان، بل يعزون ما حلّ بهم من جور إلى فساد أعمالهم، والجزاء من جنس العمل(٣١- هي قاعدة مطّردة شهد لها القرآن والسنّة في مواضع كثيرة منها قوله تعالى (وجَزاءُ سَيئَة سَيئَةٍ مِثْلِها)(الشورى ٤٠) وقوله تعالى (فمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فاعْتَدُوا عَلَيْهِ بمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ)(البقرة ١٩٤) وقوله تعالى (وإنْ عُوقِبْتُمْ فعاقِبوا بمِثْل ما عوقِبْتُمْ بهْ)(النحل ١٢٦) وقوله تعالى (جَزاءً وِفاقا)(النبأ ٢٦) أي وفق أعمالهم. أنظر "إعلام الموقعين" لابن القيم (١/١٩٦))، قال تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ﴾ (الشورى ٣٠).
فيجتهدون في الاستغفار والتوبة وإصلاح العمل ، ويسألون الله عزّ وجلّ كشف ما بهم من ضرّ، ﴿مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ﴾(النساء ٧٩) .
وأمّا الاستدلال بحديث أبي واقد الليثي "في قصّة النّفر الذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم ذات أنواط كما لهم ذات أنواط"(٣٢- أخرجه الترمذي (٤/٤٧٥) في "الفتن" باب ما جاء لتركبنّ سنن من كان قبلكم؛ وأحمد (٥/٢١٨) من حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه. قال الترمذي : حسن صحيح، وصحّحه الألباني في "صحيح سنن الترمذي"(٢/٤٦٥)؛ وفي "المشكاة" (٥٣٦٩)) على عدم اشتراط أن يكون كلّ المجاهدين عارفين بدينهم وعقيدتهم، فغير ناهض من وجوه:
· الوجه الأول: لا يظهر من هذه القصّة أنّ الصحابة أرادوا عبادة هذه الشجرة من دون الله، ولكن لحداثة عهدهم بالإسلام ظنّوا أنّ اتخاذ شجرة ليعلقوا عليها أسلحتهم وليتبركوا بها لا ينافي التوحيد فلم يكن قصدهم عبادة الشجرة -كما يفعله القبوريون- لذلك بين لهم أنّ طلبهم يضادّ التوحيد ، فهو بمنزلة الشرك الصريح ، وإن خلا طلبهم من صلاة أو صيام أو صدقة.
فالقصة تفيد -إذن- لزوم التعلم ، والتحرّز في السفر والحضر، لئلاّ يقع الموحّد العالم -فضلا عن العامّي- في أنواع الشرك من حيث لا يدري.
· الوجه الثاني: إنّ الحديث يدلّ على أنّ بقية الصحابة الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوته وهم الغالب لم يتعلقوا بهذه العادة الشركية الباطلة، وإن وجد عند نفر منهم على ظنّ أنّ ذلك حسن فلكونهم حدثاء عهد بالكفر، وقريبي عهد بالشرك ولا يخفى أنّ المتنقل من عادات قبيحة أو باطلة اعتاد عليها وتعلق بها قلبه، لا يأمن أن يستصحب بقاياها، ومع ذلك فوجوده في آحادهم لا يضرّ لعدم اتساعه بقيام داعي تصفية ما علق بهم من عادة شركية بسّد الذرائع إليها فضلا عن تعليمهم لدينهم وتربيتهم على التوحيد السليم.
· الوجه الثالث: ولأنّ غزوة حنين إنّما كانت في أخريات غزواته صلى الله عليه وسلم وبالضبط في شوال من سنة ثمان من الهجرة قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بحوالي ثلاث سنوات تقريبا، ومعلوم في فقه السيرة أن أسس المجتمع الإسلامي الرباني الراشد قد اكتملت دعائمه وأقيم بناؤه، ولو وجدت بقايا من عادات باطلة ، فهي آيلة إلى الزهوق والزوال ولا تأثير لها على صلاح القاعدة المؤسسة على تقوى من الله والاعتصام بحبله المتين.
· ومن ناحية أخرى، فالقصة تفيد أنّ أمر الجهاد إنّما يكون مع أولي الأمر من المسلمين، كما هو واضح من ذات القصّة فضلا عن وضوح الراية الشرعية وسابقية التربية الربانية من العدّة الإيمانية والمادية لتحقيق إقامة شرع الله تعالى ﴿حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه﴾ (الأنفال ٣٩).
وأخيرا فإنّ الصبر على ولاة الأمور -وإن جاروا- من عزائم الدين ، ومن وصايا الأئمة الناصحين.
وأسأل الله عزّ وجل أن يثبت الصالح على ما هو عليه، وأن يهدي الضالّ على ما كان عليه وأن يتقبل توبة الفاسق ورجوع الضائع ، وأن يفتح علينا جميعا بالاعتصام بحبله المتين، وأن يقوّينا على طاعته ، ويعيننا على التعاون على البرّ والتقوى، والتواصي بالحقّ والصبر، وسيجعل الله بعد عسرا يسرا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلّى الله على محمّد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

المنهج القويم في معاملة الحكام بقلم الشيخ أبو عبد المعز - حفظه الله -

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
»  منهج السلف في معاملة أهل البدع . بقلم الشيخ سليم بن صفية الجزائري - حفظه الله -
» هكذا عرفت الشيخ العثيمين . بقلم الشيخ الشيخ عبد الخالق ماضي الجزائري - حفظه الله -
» كتب الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله ...
» نصيحة من الشيخ أبو عبد المعز فركوس حفظه الله إلى طلاّب العلم
» شرف تعلم كتاب الله تعالى. بقلم الشيخ عبد الهادي لعقاب - حفظه الله -

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منــــتديات تبسة الإســـــلامية :: العــــــلوم الشرعيـــــة :: العــقيــدة الصحيحة-