الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : زائرنا الكريم مرحبا بك بين إخوانك في منتديات تبسة الإسلامية ، بعد التسجيل ستجد رسالة تأكيد التسجيل في بريدكم ، نرجوا لكم قضاء وقت مفيد ومريح في هذا الفضاء التربوي العلمي .


آخر المواضيع
الموضوع
تاريخ ارسال المشاركة
بواسطة
مرحبا بكم أيها الأحباب من جديد ..
من بريد المنتدى ذات يوم ...
كتاب الانتصار للنبي المختار ﷺ (يصور لأول مرة) المؤلف: د.سليمان بن صفية الجزائري
رحم الله الشيخ علي الحلبي ..
بشرى صدور موقع جديد للشيخ أبو يزيد المدني (سليم بن صفية)
حذروا من صناعة المعاقين في بيوتكم
‏الرفقة الدافئة
يا طالب العلم البشرية كلها بحاجة إليك.
قصة قصيرة جملية
حكمة وعبرة ✍
الخميس 29 ديسمبر 2022 - 11:57
الخميس 29 ديسمبر 2022 - 9:20
الإثنين 28 ديسمبر 2020 - 15:30
الخميس 3 ديسمبر 2020 - 18:36
الأربعاء 22 يناير 2020 - 18:36
الجمعة 21 ديسمبر 2018 - 20:08
الخميس 20 ديسمبر 2018 - 12:28
الإثنين 17 ديسمبر 2018 - 13:30
الخميس 6 ديسمبر 2018 - 21:09
الإثنين 3 ديسمبر 2018 - 20:11











شاطر
 

 موقف الأئمة والدعاة عند حلول الفتن والشبهات/ الشيخ عبد الحكيم ناصري الجزائري

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
حمزة الجزائري

حمزة الجزائري

عدد الرسائل :
240

تاريخ التسجيل :
02/04/2009


موقف الأئمة والدعاة عند حلول الفتن والشبهات/ الشيخ عبد الحكيم ناصري الجزائري Empty
مُساهمةموضوع: موقف الأئمة والدعاة عند حلول الفتن والشبهات/ الشيخ عبد الحكيم ناصري الجزائري   موقف الأئمة والدعاة عند حلول الفتن والشبهات/ الشيخ عبد الحكيم ناصري الجزائري I_icon_minitimeالثلاثاء 20 مارس 2012 - 13:08

بسم الله الرحمن الرحيم

موقف الأئمة والدعاة
عند حلول الفتن والشبهات


الشيخ عبد الحكيم ناصري

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
اللهم إني أسألك قولاً موشحاً بالصواب, وعلماً محاطاً بالسداد, وعملاً موصولاً بالرشاد, وحالاً دائرةً مع الحق, ولو خالفت هوى الخلق.


أما بعد:_ فإن المتبصرَ في تاريخ الأمة الإسلامية يرى أنهامرت بأزمات كثيرة، وفترات عسيرة, وتعرضت لفتن حالقة, كسرت شوكتَها, وأوهنت جسدَها, وفرَّقت جمعَها, وحدث في الناس الخلل, وتفرقت بهم السبل, وراجت المذاهب المنحرفة, حتى تداعت عليها الأمم, و أخذت أقطارها تنقص من أطرافها, و لو لا رحمة الله ولطفه, لفقدت الأمة دينها وهويتها, ولاندرست معالم الشريعة.


وكان من رحمته بهذه الأمة, أن قيَّض لها من يحفظ عليها دينها, من العلماء والفقهاء والمحدثين, الذين أغاروا على كل تخريبٍ فكريٍّ أو عقديٍّ, وحاربوا الفتنَ بنوعيها: الشبهات و الشهوات, كما أنهم وضعوا الضوابط ورسموا القواعد الحامية للأفكار والعقائد حتى لا يلتبس الحق بالباطل, وحتى لا يضطرب حبل المسلمين.


وهذه الضوابط والقواعد ليست نتاجَ عقولهم, وحصائدَ أفكارهم, وليست مجرد تخمينات قد تتأثر ببيئتهم ومحيطهم, وإنما هي ضوابط استقرؤوها من نصوص القرآن والسنة, والقواعد العامة للشريعة.


ولا شك أنَّ المسلمَ اليوم أحوج ما يكون إلى معرفة تلك الضوابط, لأننا اليوم في معترك فتن عظيمة, فتن كقطع الليل المظلم, فقد ظهرت آراءٌ جديدةٌ, وبرزت طوائفُ وجماعاتٌ متناقضةٌ في غاياتها ووسائلها, متباينةٌ في توجُّهَاتها, كلما ظهرت جماعة لعنت أختها, وهم يبذلون أقصى غاياتهم لتلويث أفكار المسلمين, وإفساد عقائدهم وعقولهم, وهذا ما يوجب على علماء الأمة ودعاتها الغيورين, حمايةَ وصيانةَ العقل المسلم من تلك الأفكار المسمومة, والعقائد المذمومة, ولا عاصم منها إلا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, وغرس المنهج السليم في كيفية التعامل مع الفتن عند حلولها.


والحديث عن الفتن وما ورد فيها من آيات وأحاديث, أخذ جانباً من عناية المحدِّثين, فقلَّما يخلو كتابٌ من كتب السنة من كتاب أو باب "الفتن", فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ بالله كثيرا من الفتن, وكان يحذِّر منها, ولهذا لما ذكر البخاري _رحمه الله_ كتاب الفتن ابتدأه بقوله (كتاب الفتن: باب ما جاء في قول الله تعالى{ وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }[ الأنفال/25] وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذر من الفتن).


لأن الفتنَ إذا حلَّت لا تصيب الظالمَ وحدَه, بل تصيب الجميع, الصالح والطالح, ولذلك يجب علينا أن نحذرها قبل وقوعها, وأن نجتنب كل ما يقرب منها, لأن الفتن كلَّها لا خير فيها, فهي لا تأتي بخير أبداً, فهي تحرق الدين, وتحرق العقل, وتحرق كل خير, إذا لم نحسن التعامل مع ما يستجدُّ من الأحوال وما يظهر من الفتن على وفق مراد الله ورسوله, فقد تسوء الأمور, وتكون النتائج وخيمة.

والعلماء _رحمهم الله_ لهم منهج في التعامل مع الفتن, لأنَّ فقهَ التعامل مع الفتن لا يعقله إلا من جمع بين القوة العلميَّة والقوة العمليَّة, وقد أشار ابن القيم_رحمه الله_إلى هذا بقوله: " فمن الناس من يكون له القوة العلمية الكاشفة عن الطريق ومنازلها وأعلامها وعوارضها ومعاثرها وتكون هذه القوة أغلبَ القوَّتين عليه ويكون ضعيفاً في القوة العملية يبصر الحقائق ولا يعمل بموجبها ويرى المتالف والمخاوف والمعاطب ولا يتوقاها فهو فقيه ما لم يحضر العمل وإذا حضر العمل شارك الجهال في التخلُّف وفارقهم في العلم وهذا هو الغالب على أكثر النفوس المشتغلة بالعلم والمعصوم من عصمه الله ولا قوة إلا بالله " دار الهجرتين (ص172).


ثم قال " ومن الناس من تكون له القوة العملية الإرادية وتكون أغلب القوتين عليه، وتقتضي هذه القوة السير والسلوك والزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة والجد والتشمير في العمل، ويكون أعمى البصر عند ورود الشبهات في العقائد والانحرافات في الأعمال والأقوال والمقامات كما كان الأول ضعيفَ العقل عند ورود الشهوات، فداء هذا من جهله وداء الأول من فساد إرادته وضعف عقله، وهذا حال أكثر أرباب الفقر والتصوف السالكين على غير طريق العلم.


ومن كانت له هاتان القوَّتان استقام له سيره إلى الله ورجي له النفوذ، وقوي على رد القواطع والموانع بحول الله وقوته.
فإذا كان السير ضعيفًا، والهمة ضعيفة، والعلم بالطريق ضعيفًا فإنه جهدُ البلاء ودَرْكُ الشقاء وشماتةُ الأعداء"المرجع السابق باختصار.


فلا بدَّ لكل مَنِ انْتَسَبَ إلى العلم أو الفكر أو الدعوة أَنْ يكون جامعاً بين القوتين, لأن الموازنة بين المصالح والمفاسد لا تتحقق إلا باجتماع القوة العلمية والقوة العملية, فليست المسألةُ خاضعةً للأهواء والرغبات و التوجهات الحزبية والطائفية, لأن هذه المؤثرات تُغَيِّرُ مراسيمَ الشريعة, وتُلْغي أصولَ العقيدة بدعوى مصالح متوهمة مصادمة لنصوص الشرع كما هو في زماننا.
وعليه فإن مراعاة الضوابط والقواعد الشرعية هي التي تعصم من الوقوع في الفتن, وتعصم من الانسياق وراء ما لم نعلم عاقبته الحميدة, أو ما لم نعلم ما يؤول إليه ذلك الأمر من مصلحة أو مفسدة.


كما أن تلك الضوابط تعصم تصور المسلم من الخطأ, ومن الوقوع فيما يخالف الشرع.
كما أنها تُسْلم المسلم من الإثم والخطيئة, لأن تحكيمَ العواطف أو العقول دون مراعاة الضوابط الشرعية والأصول العامة, قد يوقع صاحبه في الإثم, لأن العقل في زمن الفتنة يتأثر بالعاطفة, والعاطفة حُبْلَى بفنونٍ من الجنون.


قال ابن تيمية_رحمه الله_ في "منهاج السنة النبوية "(4/343): " والفتنة إذا وقعت عجز العقلاء فيها عن دفع السفهاء, وهذا شأن الفتن, كما قال تعالى (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) وإذا وقعت الفتنة لم يسلم من التلوث بها إلا من عصمه الله ".

الضوابط الشرعية:

الضابط الأول:
التحلي بالحلم والتأني والرفق عند حلول الفتن, وعدم التجاسر.
1/ أما الحلم: فقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لأشَجِّ عبدِ القيس: " إنَّ فيك لخصلتين يحبُّهما الله ورسوله: الحلم والأناة", فبالحلم نتمكَّن من رؤية الأمور على حقيقتها, وجاء في صحيح مسلم أنَّ المستورِدَ القرشيَّ قال _ وكان عنده عمرو بن العاص رضي الله عنه _: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول« تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ النَّاسِ ». فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو( أَبْصِرْ مَا تَقُولُ). قَالَ: أَقُولُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ (لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ إِنَّ فِيهِمْ لَخِصَالاً أَرْبَعًا إِنَّهُمْ لأَحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ وَأَسْرَعُهُمْ إِفَاقَةً بَعْدَ مُصِيبَةٍ وَأَوْشَكُهُمْ كَرَّةً بَعْدَ فَرَّةٍ وَخَيْرُهُمْ لِمِسْكِينٍ وَيَتِيمٍ وَضَعِيفٍ وَخَامِسَةٌ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ ظُلْمِ الْمُلُوكِ).

قال العلماء: هذا الكلام من عمرو بن العاص ليس ثناءً على الكفار, ولكن ليبيِّن للمسلمين أنَّ بقاءَ الروم وكونهم أكثر الناس إلى أن تقوم الساعة, راجع لهذه الأسباب, فهم أحلم الناس عند حدوث الفتن, وعندهم من الحلم ما يجعلهم ينظرون إلى الأمور ويعالجونها بروية.

2/ التأني: وعدم الاستعجال في إصدار الأحكام, وفي اتخاذ المواقف, وقد ورد( أن التأنِّي من الرحمان والعجلةَ من الشيطان), وتقدم في حديث أشج عبد القيس مدح التأني, وقال الله تعالى {وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً} [ الإسراء/11]

وقد أحسنَ من قال:

قَدْ يُدْرِكُ المُتَأَنِّي بَعْضَ حَاجَتِهِ....وَقَدْ يَكُونُ مَعَ المُسْتَعِجِلِ الزَّلَلُ.

وعن مطرِّف بن الشِّخِّير: " أتَى على الناس زمان خيرهم في دينهم المتسارع, وسيأتي على الناس زمان خيرهم في دينهم المتأني" (حلية الأولياء 2/209).
والعَجِل تصحبه الندامة، وتعتزله السلامة، وكانت العرب تُكَنِّي العجلةَ أمَّ الندامات, كما في روضة العقلاء (ص216).

ولهذا تتابعت نصائح الحكماء على التريث خصوصاً في الأمور المهمة, قال المتنبي:
الرأيُ قبلَ شجاعةِ الشجعانِ هو أولٌ وهي المحلُّ الثاني
فإذا هما اجتمعا لنفس مرَّةٍ بلغت من العلياء كل مكانِ

3/ الرفق: ومجانبة الغلظة والعنف في الدعوة أو النقد أو الإصلاح, لأنَّ الرفقَ ولينَ الكلام يتألف النفوس الناشزة, ويقربها من الرشد, ويتأكد هذا الأدب في الأوقات العصيبة, وقد امتنَّ الله عز وجل على نبينا محمد فقال {وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [ آل عمران/159]وقد كانت سيرته حافلةً بهذا الخلق الكريم, كما كان يأمر به, فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ما كان الرفق في شيء إلا زانه, ولا نُزِعَ من شيء إلا شانه) رواه مسلم (2594), وقال: ( إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف, وما لا يعطي على غيره) رواه مسلم (2593).
وكان يقال: "مَنْ لاَنَتْ كلمتُه وجبت محبَّتُه" , البيان والتبيين للجاحظ (2/174).
فالرفق مطلوب في كل شيء, ولا سيما عند حلول الفتن, ويكون الرفق في القول والفعل, ويكون في الأفكار, وفي المواقف, وفي الأمور كلها.


الضابط الثاني: عدم الحكم على شيء من الفتن إلا بعد تصوُّرها تصوُّراً تاماًّ, لأن الحكمَ على الشيء فرعُ تصوُّرِه- وهذا خاص بأهل العلم أو من يقوم مقامَهم- لأن الأحكامَ الشرعيةَ تُبْنَى على التصورات الصحيحة, وإلا كان الحكمُ خطأً.
وهذا التصور يحصل بالطرق المعروفة عند أهل العلم وهي: أن يحصل بنقل العدول الثقاة من المسلمين, فلا يصح الاعتماد على كافر في نقله أو تحليله للوقائع أو تقريره, وإذا كان خبر المسلم الفاسق لا يقبل إلا في الاستفتاء فمن باب أولى خبر الكافر, فانتبه لهذا, فقد رأينا من يعتمد على أخبار الكفار, وتقاريرهم وتحليلاتهم, ثم يصدر أحكاماً لا يلبث أن يتراجع عنها, لأن تصوره حصل بغير الطرق المعتبرة شرعاً.


الضابط الثالث:
التحلِّي بالعَدْلِ والإنصَاف.
وهذا ضابطٌ عَزَّ مَنْ يتَّصفُ به, وهوقاعدة مهمة من قواعد الدين, فبالعدل تنتظم مصالح العباد, وبه يأمن الناس على دمائهم وأموالهم وأعراضهم, وبه قامت السماوات والأرض, قال تعالى{ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ } [ الحديد/25]وقال {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } [ المائدة/8] وقال { وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى } [ الأنعام/152]وإذا لم يراع هذا الضابط دخل الهوى إلى القلب, ولذلك لا بد من عرض الأمور الحسنة والأمور السيئة على الذهن عَرْضاً واحداً متجرِّداً دون جنوحٍ إلى أحدهما حتى تكون النتيجةُ صحيحةً, لأنها حكم شرعي, وقَصْرُ النَّظر على جانب واحد تقصير يفضي إلى فساد التصور وبالتالي خطأ الحكم والنتيجة.

قال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور : " والعدل مما تواطأت على حسنه الشرائع الإلهية، والعقول الحكيمة، وتمدَّح بادعاء القيام به عظماءُ الأمم، وسجلوا تمدُّحهم على نقوش الهياكل من كلدانية، ومصرية، وهندية.
وحسن العدل بمعزل عن هوى يغلب عليها في قضية خاصة، أو في مبدأ خاص تنتفع فيه بما يخالف العدل بدافع إحدى القوتين: الشاهية والغاضبة " أصول النظام الاجتماعي في الإسلام (ص186).



الضابط الرابع: التروي في إبداء الرأي, والتأني في اتخاذ المواقف.
قال أحد الحكماء: " إن لابتداء الكلام فتنةً تروق وجدَّةً تعجب؛ فإذا سكنت القريحة، وعدل التأمل، وصفت النفس_ فليعدِ النظر، وليكن فرحُه بإحسانه مساوياً لغمِّه بإساءته " زهر الآداب للحصري(1/154).
وفي زمن الفتنة قد نترك أموراً نستحسنها في زمن العافية, فليس كل ما يعلم يقال في الفتنة, وليس من الحكمة أن يبديَ الإنسان رأيه في كل ما يعلم, لأن السلامة في الدين لا تتحقق إلا بالسلامة من الفتن, "ومن سكتَ سَلِمَ", ولهذا سكت أبو هريرة في زمن الفتنة وقال: " حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعائين, أما أحدهما فبثثته, وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا الحلقوم" رواه البخاري.
فأبو هريرة-رضي الله عنه- كتم أحاديث الفتن, والأحاديث التي وردت في بني أمية, وما شابه ذلك, ولم يقل: إن رواية الحديث حق, وكتمانها كتمان للعلم...لم يقل هذا, لأن روايتها في ذلك الوقت قد يثير الفتنة ويحدث الفرقة, والمصلحة في كتمانها, ولأنها ليست أحاديث أحكام.

وقال البخاري في "صحيحه": " باب: من ترك الاختيار مخافة أن يقصر الناس عن فهمه فيقعوا في أشد منه" وذكر تحته حديث النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: (لولا حدثان قومك بالكفر لهدمت الكعبة ولبنيتها على قواعد إبراهيم, ولجعلت لها بابين).
قال الحافظ ابن حجر: " المراد بالاختيار في عبارته المستحب, وفيه: اجتناب وَلِيِّ الأمر ما يتسرَّع الناس إلى إنكاره, وما يخشى منه تولُّد الضرر عليهم في دين أو دنيا, وتألف قلوبهم بما لا يترك فيه أمر واجب, وفيه تقديم الأهم فالأهم من دفع المفسدة وجلب المصلحة, وأنهما إذا تعارضتا بدئ بدفع المفسدة, وأن المفسدة إذا أمن وقوعها عاد استحباب عمل المصلحة" الفتح (3/448).
وهذا ما يعرف بقاعدة الموازنة بين المصالح والمفاسد, فمراعاة هذه القواعد يعصم من الفتن.
وورد عن ابن مسعود-رضي الله عنه- أنه قال: " ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة " رواه مسلم في المقدمة (5).

ولهذا أيضا أنكر الحسن البصريُّ على أنس بن مالك-رضي الله عنه- حين حدَّث الحجاجَ بن يوسف بحديث قتل النبي صلى الله عليه وسلم للعرنيين, لأن الحجاج سيتأوَّل به صنيعه وهو الطاغية الظالم, فكان الواجب أن يكتم عنه مثل هذه الأحاديث, لئلا يرى بعقله الفاسد أن هذا الحديث يؤيد أفعاله, وقد ندم أنس على تحديثه الحجاج بهذا الحديث.
وكان الإمام مالك يكره التحديث ببعض الأحاديث الواردة في بعض صفات الله تعالى, خشية أن يفهمها الناس أو يفسرونها بمعان باطلة.



الضابط الخامس:
التثبُّت في الأخبار.
وهذه قاعدة مطردة في جميع ما ينقل من الأخبار, وهو ما يقتضيه المنهج العلمي القائم على قوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } [ الحجرات/6]وقال تعالى { وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً } [ النساء/83]
فليس كل ما يقال أو ينشر أو يذاع نسلِّم به دون نظَرٍ إلى حال ناقل الخبر, فلا بد من التحرِّي والتدقيق, ولو أن المؤرخين ونقلةَ الأخبار اعتمدوا على هذا المنهج القرآني, وعلى منهج المحدثين في دراسة أحوال الرواة, لسلم التاريخ من التحريف والتزييف, ولسلمت الأمة من الفتن التي عصفت بها, لأن أخطر ما يهدِّد أَمْنَ المجتمعات هي الإشاعة الكاذبة, التي حاربها الإسلام, كما هو مبسوط في التفسير والسير عند ذكر حادثة الإفك.

فلا يجوز للمسلم أن يكون بُوقاً يُرَدِّدُ كلَّ ما يسمعه من الأخبار والشائعات, وتقريراً لهذا المبدإ قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع), رواه مسلم في المقدمة (5), فكم من الأخبار اشتهرت وراجت وبلغت الآفاق, حتى إذا أخضعت للتحقيق ظهرت حقيقتها وأنها محض إشاعة, ولكن بعد أن يقع المحظور, ولو استحضر المسلم هذه القاعدة عند كل حادثة لماتت الفتن في مهدها, ومن تأمَّل التاريخَ وأسبابَ حوادثه اعتبَر.



الضابط السادس:
مشاورة أهل العلم والحكمة.
وهذا أيضا ضابط مهم عند حلول الفتن وتغير الأحوال, وقد أمر الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم –وهو الذي يأتيه الوحي من السماء- أمره بمشاورة أصحابه فقال { وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } [ آل عمران/159], وفي الأثر: "وما ندم من استشار", وقال تعالى في وصف المؤمنين{ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } [ الشورى/38], فينبغي للمسلم عامة وللداعية والخطيب وطالب العلم خاصة, أن يشاور أهل العلم والحكمة ممن حنكتهم التجارب, وعركتهم الحياة, قبل أن يُقْدِمَ على أيِّ قولٍ أو فعلٍ, فيستضيء بمصابيح آرائهم, وينظر في مصلحة الأمة, لأن التجاسرَ في الفتنة مذموم.

وقد أحسن من قال:

اقرن برأيك رأي غيرك واستشر *** فالحق لا يخفى على الاثنين
و المرء مرآةٌ تريه وجهه *** و يرى قفاه بجمع مرآتين



الضابط السابع:الحرص على توحيد الكلمة, ورأب الصدع, فالأمة مثخنة بالجراح, ولا يجوز مداواة القروح بالجروح, وإنما الواجب إشاعة المودة والمحبة والإخاء ونبذ التفرق والشقاق, وهذا لا يتحقق إلا بسلامة الصدور, ورعاية الحقوق, والترفُّق في النصيحة, ومحبة الخير للمسلمين, والتماس الأعذار لهم.
وفي "الصحيحين" : (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر), ويقول الله تعالى{ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ ... } [ آل عمران/103]



فهذه ضوابط مهمة ترجع في مجملها إلى وجوب الاعتصام بالقرآن والسنة و ما أجمعت عليه الأمة, فهذا هو الدرع الواقي, والحصن المتين, الذي تنكسر عنده أمواج الفتن.

فإذا وقعت الفتنة فاعتزِلْها, واحذرْ من التلوُّث بها, واستعذ بالله منها, واشتغل بالعبادة, فإن العبادة في الهرج كهجرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما في "صحيح مسلم" (2948), لأن الفتنة كما قال مطرف بن الشخير- وهو من أكابر العلماء والعقلاء والزهاد, ولم ينج من فتنة ابن الأشعث إلا هو ومحمد بن سيرين, كما ذكرذلك الحافظ العجلي وغيره-: " إن الفتنة لا تجيء حين تجيء لتهدي الناس, ولكن لتقارع المؤمن عن دينه....", وهذا عين ما أمرت به السنة من اعتزال الفتن, ففي "الصحيحين" من حديث أبي هريرة مرفوعا : ( ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم, والقائم فيها خير من الماشي, والماشي فيها خير من الساعي, ومن تشرف لها تستشرفه, ومن وجد ملجأ أو معاذا فليعذ به), والأحاديث في هذا كثيرة مشهورة أفردت بالتبويب والتصنيف.
قال ابن الجوزي: " ما رأيت فتنة أعظم من مقاربة الفتنة، وقل أن يقاربها إلا من يقع فيها، ومن حام حول الحمى يوشك أن يرتع فيه " صيد الخاطر (ص350).

وقال الشيخ أبو الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني:

من قارب الفتنة ثم ادعى الـ *** عصمة قد نافق في أمره
ولا يجيز الشرع أسباب ما *** يورِّط المسلمَ في حظره
فانجُ ودع عنك صداع الهوى *** عساك أن تسلم من شره

واعتزال الفتن لا يمنع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وإسداء النصح لكل مسلم, بل إن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم أسباب الفتن, لأن أصل الفتن: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, والسكوت عن الأمر والنهي, أو القيام بذلك بوجه منهي عنه, فيأمر وينهى إما بلسانه وإما بيده مطلقا من غير فقه ولا حلم ولا صبر ولا نظر فيما يصلح من ذلك وما لا يصلح, وما يقدر عليه وما لا يقدر, وقد ورد في حديث أبي ثعلبة الخشني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (بل ائتمروا بالمعروف, وتناهوا عن المنكر, حتى إذا رأيت شحا مطاعا, وهوى متبعا, ودنيا مؤثرة, وإعجاب كل ذي رأي برأيه, فعليك بنفسك ودع عنك العوام, فإن من ورائكم أيامَ الصبر الصبرُ فيه مثل قبض على الجمر للعامل فيهم مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله) رواه ابن ماجه بسند ضعيف و فقرة أيام الصبر ثابتة.

فهذا هو المنهج السليم المعتدل, الموافق للأثر والنظر, والذي به تتحقق مصالح العباد والبلاد.
فاليقظةَ اليقظةَ عند الأراجيف والشائعات, وإن صدرت ممن ينتسب إلى الإسلام من علماء ودعاة ومتحمسين ومتعجلين, وواجبنا هو توجيه الناس إلى ما فيه صلاحهم في دينهم ودنياهم, وأن لا نتكلم بما يوغر الصدور, ويثير الفتنة, لأنه في زمن الفتنة قد نكتم ما نراه حسنا إذا كان يفضي إلى مفسدة, ووظيفة الداعية أو الخطيب هو المحافظة على تماسك الأمة وحقن دمائها ودعوة الناس إلى الخير, لأن النفوس المشحونة حبلى لا تضع إلا الفتن, و التاريخ يشهد بأن الفتن شر لا خير فيها, فاحذر أن تكون رأسا في الفتنة, أو أن تقول كلمة تشعل بها نار الفتنة.

واحذر من تقليد من لا يركن إلى قوله, إذ لا يصح أن تستجر فئة قليلة من الإعلاميين أوالعوام, الدعاةَ والخطباء وطلبة العلم والجماعات إلى حرب أو فتنة, ولا يليق بالدعاة والخطباء أن يقادوا دون علم وحكمة, بل الواجب عليهم أن يكونوا القدوة الحسنة للناس, وأن يؤثروا في الناس بتوجيههم, لا أن يتأثروا ويخضعوا ويتركوا زمام الأمور بيد العامة والجهال يقودون الأمة إلى ما لم تعلم عاقبته الحميدة.
ونسأل الله أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه, ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه.



كتبه: عبد الحكيم ناصري- الجزائر: 20/06/2011 م.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سمير زمال

سمير زمال

عدد الرسائل :
6494

العمر :
33

تاريخ التسجيل :
07/04/2008


موقف الأئمة والدعاة عند حلول الفتن والشبهات/ الشيخ عبد الحكيم ناصري الجزائري Empty
مُساهمةموضوع: رد: موقف الأئمة والدعاة عند حلول الفتن والشبهات/ الشيخ عبد الحكيم ناصري الجزائري   موقف الأئمة والدعاة عند حلول الفتن والشبهات/ الشيخ عبد الحكيم ناصري الجزائري I_icon_minitimeالخميس 22 مارس 2012 - 13:49

بارك الله فيك أخي حمزة , دائما مميز بجديدكم ونقولاتكم الطيبة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://tebessa.alafdal.net
 

موقف الأئمة والدعاة عند حلول الفتن والشبهات/ الشيخ عبد الحكيم ناصري الجزائري

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» سلسلة التعليق على كتاب ( الدعوة إلى الإصلاح ) : للشيخ عبد الحكيم ناصري الجزائري
» بشرى : الشّيخَ عبد الحكيم ناصري الجزائري - حفظه الله - يشرح الكتب التالية
» وفاة والدة الشيخ الحبيب عبد الحكيم ناصري ،،، رحمها الله تعالى
» أحلى الانتصارات في شهر البطولات والبركات : كتبه الشيخ عبد الحكيم دهاس الجزائري
» موقف المسلم من الفتن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منــــتديات تبسة الإســـــلامية :: الدعوة والدعاة في الجزائر :: الاخبار والمستجدات-