المقالة الأولى من : إيقاظُ الوَسنانِ مِن زَلاّتِ اللِّسانِ

29/02/2012

المقالة الأولى من : إيقاظُ الوَسنانِ مِن زَلاّتِ اللِّسانِ
إعــداد:محمّد تبركان

جَزى اللّهُ خيرًا مَن تَأمَّلَ تَأليفي * وقابَلَ بالإغضاءِ نَحوي وتَصريفي
فما ليَ شيءٌ غيرَ أنّي اختصرتُهُ * ونَقْلُ كلامِ النّاسِ فَنُّ تَعْسيفي

الحمدُ للّه ربّ العالمين،والصّلاة والسّلام على سيّد الأوّلين والآخرين،نبيّنا محمّد بن عبد اللّه،وعلى آله الطّاهرين،وصحابته الأكرمين، وعلى التّابعين لهم بإحسان إلى يوم الدّين.
وبعد،فهذه جملة من الأخطاء الشّائعة،والأغلاط الذائعة المتعلِّقة باللّغة العربيّة رسمًا ولفظًا،والّتي لم ينج من مَعَرّة الوقوع فيها بعض الخواص بَلْهَ العوامّ؛فكان هذا التّقييدُ،راجيًا من اللّه تعالى التّوفيق والسّداد.
وقد وَسَمته ب(إِيقاظُ الوَسْنانِ مِن زَلاَّت اللِّسان) سِرتُ فيه على عَجَل،ولا غَرْوَ في ذلك؛فقد خلق اللّه عزّوجلّ الإنسان كذلك، وقسمتُ مباحثه إلى مجموعات،كلّ مجموعة ضمّنتُها عشرًا من الألفاظ.
فإن وُفّقت لما إليه قصدت فذلك من فضل اللّه عليّ،فله الحمد من قبل،ومن بعد،وإن كانت الأخرى؛فإنّي بالقصور مُعترِف،والكمال عَزيز.
المجموعة الأولى،وتشتمل على:
1- المَأْتَم .
2- مَطَرتْهُم السّماءُ لا أمطرَتْهُم .
3- دَبَر الصّلاة لا دُبُرها .
4- الخُبُث – الخُبْث .
5- الذَّنُوب .
6- كافَّة .
7- أُمَّاتُ الكُتُب لا أُمَّهات .
8- جَلَّدَ جَزُورَه لا سَلَخَه .
9- سائرُ النّاس.
10- الأَنانِيَة .
.............................................................
1- المَأْتَمُ:المأتمُ عند العرب النِّساءُ يجتمعن في الخير والشّرِّ،وعند العامّة:المصيبةُ،يقولون:كنّا في مَأْتَمِ فلانٍ،والصّوابُ:كنّا في مَناحَةِ فلانٍ.
هذا ما قرّره الرّازي في مختار الصّحاح (ص4 ع2)،وغيرُه من أعلام اللّغة،وأئمّة العربيّة،وهذا جردٌ لبعض تَقريراتهم – رحمهم اللّه تعالى -:قال ابن قُتيبة في أدب الكاتب (ص20):(ومِن ذلك [ما يضعه النّاس في غير موضعه] المأتَمُ،يذهب النّاسُ إلى أنّه المصيبة، ويقولون:كنّا في مَأْتَمٍ.وليس كذلك؛إنّما المَأْتمُ النّساءُ يجتمعن في الخير والشرّ، والجمع مَآتِم.والصّوابُ أن يقولوا:كنّا في مَناحة؛وإنّما قيل لها مَناحَةٌ من النّوائح؛لِتَقابُلِهنّ عند البُكاءِ).
وجاء في:خير الكلام في التَّقَصِّي عن أغلاط العوام (ص49):(قال الحريري:يَتوهّم أكثر الخاصّة أنّ المأتمَ مَجْمَعُ المَناحَة،وهي عند العرب النّساء يجتمعن في الخير والشرّ،وفي القاموس [المحيط]:المَأْتَمُ كلّ مجتمع في حُزنٍ أو فَرحٍ،أو خاصٌّ بالنّساء،أو بالشَّوابّ.وفي الصّحاح: وعند العامّة:المصيبة ...).
وفي المُغرب في ترتيب المعرب (1 /25):(المأتم عند العرب النّساء يجتمعن في فرح أو حزن،والجمع: المَآتِم،وعند العامّة:المصيبة،والنِّياحَة، يقال:كنّا في مَأْتَمِ بني فلانٍ.قال ابنُ الأنباري:هذا غلطٌ؛وإنّما الصّوابُ:في مَناحَة بني فلان،وأُنشد لأبي عطاء السِّندي في الحزن :
عَشِيَّةَ قامَ النّائِحاتُ وشُقِّقَتْ * جُيوبٌ بأيدي مَأْتَمٍ وخُدودُ
ولابنِ مُقبلٍ في الفَرح:
ومَأْتَمٍ كالدُّمى حُورٍ مَدامِعُها * لم تَيْأَسِ العَيْشَ أَبْكارًا ولا عُونا
وفي التّوقيف على مُهِمّات التّعاريف (1 /631-632):(المَأْتَمُ مَفْعَلٌ مِن الأَتْمِ،اجتماعُ النّساء في فرحٍ أو حُزنٍ على اقترانِ حَدَثٍ بزمانٍ قبلَ زَمانِك).
وفي فقه اللّغة للثّعالبي (ص190):([فصل في تفصيل أمكنة للنّاس مختلفة] ... المَأْتَمُ مكانُ اجتماعِ النّساء)،كذا بإطلاقٍ من غير تَقييد،وعلى الاستعمال الصّحيح ورد في كامل المبرّد (1 / 533) قال: (وحُدِّثتُ عن سعد بن مصعب بن الزّبير اتُّهم بامرأة في ليلة مَناحَة أو عُرس ...).
وبعدَ هذا البيان،فليس مع الّذين خَصُّوا استعمال لفظ (المَأْتَم) في الحُزن إلاّ غلبة الاستعمال،وتلك حجّةٌ قاصرةٌ،لا تقوى على تغيير سَنن العرب في الكلام؛ولعلّ هذا الّذي يُفسِّرُ سكوت المعجم الوسيط (ص4)!، وخلُص العدناني في معجم الأخطاء الشّائعة (ص21) إلى القول:(... وأنا أُوثِر استعمالَه في الحزن)،قال هذا،بعد قوله:(والصّوابُ أن يُطلقَ على النّساء يجتمعن في الخير والشّر)!!،وأمّا عَصرِيُّه نسيم نصر فقد قال في أخطاء ألفناها (ص150):(... ولكن يبقى القول:" كنّا في مَناحةٍ على فلانٍ "،أقرب إلى الصّواب من القول:كنّا في مَأْتَمٍ على فلانٍ ...).
ولك أن تراجع:
1- تاج العروس (8 /179).
2- النّهاية في غريب الحديث والأثر (1 /21، 4 /288).
3- لسان العرب (12 /3-4).
4- أساس البلاغة (ص2).
5- القاموس المحيط (1 /1388).
6- تصحيح التّصحيف وتحرير والتّحريف (ص459 رقم 1501).
7- نصوص في فقه اللّغة العربيّة (1 /360) و (2 /227-230).
ـــــ
للفائدة :
شرح لفظة ( الوَسْنان )
الوَسْنان بمعنى النَّعْسان،وزنًا ومعنًى، قاله في لسان العرب(1) ،فقد جاء فيه (13 /449 وسن):(قال الله تعالى:" لا تأْخذه سِنَةٌ ولا نومٌ،أَي لا يأْخذه نُعاسٌ،ولا نومٌ،وتأْويلُه:أَنّه لا يَغْفُل عن تدبير أَمر الخلق،تعالى وتَقَدَّسَ. والسِّنَةُ النُّعَاسُ من غير نومٍ،ورجلٌ وَسْنانُ ونَعْسانُ بمعنى واحدٍ،والسِّنَةُ نُعاسٌ يبدأُ في الرّأْس،فإِذا صار إِلى القلب فهو نومٌ،وفي الحديث:" وتُوقِظ الوَسْنانَ "،أَي النّائمَ الّذي ليس بمُسْتَغْرِقٍ في نومه،والوَسَنُ:أَوّل النّوم ...[قال] ابن سِيده:السِّنَةُ والوَسْنَةُ والوَسَنُ ثَقْلَةُ النّوم،وقيل:النُّعاس،وهو أَوّل النّوم. ... ووَسِنَ فلانٌ إِذا أَخذته سِنَةُ النُّعاس ... وامرأَة وَسْنَى ووَسْنانةٌ فاترة الطَّرْفِ،شبّهت بالمرأَة الوَسْنَى من النّوم،وقال [عديّ] ابن الرِّقاعِ(2) :
وَسْنانُ أَقْصَدَهُ النُّعَاسُ فَرنَّقَتْ * في عَيْنهِ سِنَةٌ وليس بنائِمِ
ففرّق بين السِّنَةِ والنّومِ،كما ترى.ووَسِنَ الرّجلُ يَوْسَنُ وَسَناً،وسِنَةً،إِذا نامَ نومةً خفيفةً فهو وَسِنٌ ).
وجاء في المغرب في ترتيب المعرب (5 /492 الْيَاءُ مَعَ الْقَافِ):( "ي ق ظ ":الْيَقَظَةُ بِفَتْحَتَيْنِ لَا غَيْرُ،خِلَافُ النَّوْمِ،وَأَيْقَظَ الْوَسْنَانَ،نَبَّهَهُ) .قال ذو الرّمّة(3): تَرمي بهِ القَفْرَ بعدَ القَفْرِ ناجيةٌ ** هَوْجاءُ راكبُها وَسْنانُ مسمومُ
وقال أيضا(4) : حذاراً على وَسْنانَ يَصرَعُهُ الكَرى ** بِكُلِّ مَقِيلٍ عَنْ ضِعَافٍ فَوَاتِرِ
وقال ابن المعتزّ(5) : والرِّيحُ تَجْذِبُ أطرافَ الرِّداءِ كما ... أَفْضى الشَّفيقُ إلى تَنبيهِ وَسْنانِ
وقال عروة بن أُذينَة(6): وَسْنان خَرَّ مِن النُّعاسِ كأنّما ** أُسْقِيَ المدامةَ لا يَرُدُّ فِضالَها
وفي صحيح أبي داود (7) (5 /74 رقم 1200/ 315- باب رفع الصّوت بالقراءة في صلاة اللّيل):(عن أبي قتادة [رضي اللّه عنه]:أنّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج ليلةً؛ فإذا هو بأبي بكر رضي الله عنه يصلِّي يخفض من صوته.قال:ومرَّ بعمر بن الخطّاب وهو يصلي رافعاً صوته.قال:فلمّا اجتمعا عند النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" يا أبا بكر!،مَرَرْتُ بك وأنت تصلِّي تخفِضُ صوتَكَ؟! ".قال:قد أسْمَعْتُ من ناجيتُ يا رسول الله!.قال:وقال لعمرَ:" مَرَرْتُ بك وأنت تصلّي رافعاً صوتك ؟! ".قال: فقال:يا رسول الله!،أُوقِظُ الوَسْنَانَ،وأطرُدُ الشّيطانَ!،فقال النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" يا أبا بكر!،ارفع من صوتك شيئاً ".وقال لعمر:" اخفض من صوتك شيئاً ".
قلت[الألبانيّ]:إسناده صحيحٌ على شرط مسلم،وكذا قال الحاكم،ووافقه الذهبيّ،وصحّحه ابن حِبّان أيضا) .
الهوامش:
1 - وذكر نحوه في تاج العروس (36 /255 فصل الواو - و س ن) .
2 - ديوانه (122 المقطوعة 9 رقم 9) . – طبع المجمع العلمي العراقي 1407 – 1987 - .
3 - ديوانه (ص258 رقم 49 / قصيدة:هل تدنيك من خرقاء ناجيةٌ) . - عن دار الكتب العلميّة – بيروت،ط/الأولى 1415 – 1995 -
4 - ديوانه (ص132 رقم 18/ قصيدة:ما زلت أطوي النَّفس) .
5 - ديوانه (ص68 الباب الأوّل / البيت 10 . مطبعة:الإقبال - بيروت) .
6 - شعر عروة بن أُذينَة (ص156 المقطوعة 5 رقم 47) .
7 - صحيح بن خزيمة (2 /189 - 190 رقم 1161)،وهو في صفة صلاة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم للألبانيّ (ص108 مكتبة المعارف) .

يتبع إن شاء الله تعالى / محمد تبركان

07/04/2008

أولا أحييكم بتحية الإسلام : فالسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته
و مرحبا بكم وأهلا وسهلا ضيفا كريما عزيزا بين إخوانك .
ثانيا :لقد إطلعت قبل مدّة على مؤلف يحوي نفس عنوان مشاركتكم هذه , فهل أنتم صاحبه ؟

19/05/2009

مرحبا بالأستاذ الفاضل الذي أنار بنشره هذا الموضوع صفحة المنتدى واضاء به مشاعل العلم

بارك الله فيك

عندي سؤال

لماذا نقول أمات الكتب ولا نقول أمهات
وما المعنى المراد بها

نحن نقول رضي الله عن أمهات المؤمنين

ولا نقول رضي الله عن أمات المؤمنين ، يعني أن هناك فرق فأين هو

مشكور سلفا

29/02/2012

السلام عليكم
إلى الفاضل سمير الجزائري
نعم،أنا صاحب المؤلَّف الذي أشرت إليه كنت نشرت بعضه قديما في مجلة منابر الهدى،ومقالة واحدة في مجلة الإصلاح،وطبع الكتاب الأوّل باسم (إيقاظ الوسنان من زلات اللّسان) عن دار الإمام مالك .
كما أخبر الفاضلة سليلة الغرباء بأنّ العرب لم تضع كلمتين مختلفتين في المبنى إلاّ وكان بينهما تباين في المعنى ولو في نطاق ضيّق كما في (القعود والجلوس)؛وعليه فيوجد حتما تباين في المعنى بين كلمة (أمّهات) التي وضعتها العرب للعقلاء،وبين كلمة (أُمّات) الّتي وضعتها العرب لغير العقلاء .ذا هو الغالب في الاستعمال العربي الفصيح .
ولمزيد بيان لك أن تراجعي : كتاب إيقاظ الوسنان (ص16 رقم 7).
والسلام عليكم .
محمد تبركان

07/04/2008

جميل أن تكون بيننا أستاذنا الفاضل , و الأجمل مشاهدة جديدكم المميز بين الفينة والأخرى , دمتم طيّبين .

19/05/2009

تبركان كتب:: السلام عليكم
كما أخبر الفاضلة سليلة الغرباء بأنّ العرب لم تضع كلمتين مختلفتين في المبنى إلاّ وكان بينهما تباين في المعنى ولو في نطاق ضيّق كما في (القعود والجلوس)؛وعليه فيوجد حتما تباين في المعنى بين كلمة (أمّهات) التي وضعتها العرب للعقلاء،وبين كلمة (أُمّات) الّتي وضعتها العرب لغير العقلاء .ذا هو الغالب في الاستعمال العربي الفصيح .
ولمزيد بيان لك أن تراجعي : كتاب إيقاظ الوسنان (ص16 رقم 7).
والسلام عليكم .
محمد تبركان

شكرا جزيل الشكر وبارك الله فيك أستاذنا الفاضل وجعل ما تنفع به في ميزان حسناتك

على هذا أمهات هي جمع أم

وأمات هي أيضا جمع أم

أمهات للعاقل وهنا نعني به المرأة

وأمات لغير العاقل ونعني به الجمادات مثلا

فهل تطلق أمات على الحيوانات أكرمك الله ؟

29/02/2012

السلام عليكم
وبعد،فقد سبق الجواب؛إذا علمت أن الحيوانات مما لا يعقل .قال ذو الرمّة كما في لسان العرب (10 / 409 حتك) :
لنا ولكم يا مَيُّ أمستْ نِعاجُها ... يُماشينَ أُمّاتِ الرِّئالِ الحَواتِكِ
وقال الرّاعي كما في ديوانه (ص 240 دار صادر)
كانتْ نجائبُ مُنذِرٍ ومُحَرِّقٍ ... أُمَّاتُهُنَّ وطَرْقُهُنَّ فَحيلا
وشكرا .

19/05/2009

شكرا جزيلا أستاذنا وبارك الله فيك على زيادة التوضيح للتوكيد

09/07/2008

مقالة رائعة, نافعة و قيمة.

في المتابعة بإذن الله فواصل وصلك الله بالجنان.

07/04/2008

تمّ إضافة فائدة في معنى لفـظ " الوسنان "

بارك الله في الاستاذ محمد

» المقالة التّاسعة من : إيقاظُ الوَسنانِ مِن زَلاّتِ اللِّسانِ
» المقالة الثانية من : إيقاظُ الوَسنانِ مِن زَلاّتِ اللِّسانِ
» المقالة الثالثة من : إيقاظُ الوَسنانِ مِن زَلاّتِ اللِّسانِ
» المقالة الثالثة عشرة من : إيقاظُ الوَسنانِ مِن زَلاّتِ اللِّسانِ
» المقالة الخامسة عشرة من : إيقاظُ الوَسنانِ مِن زَلاّتِ اللِّسانِ

المقالة الأولى من : إيقاظُ الوَسنانِ مِن زَلاّتِ اللِّسانِ

المقالة الأولى من : إيقاظُ الوَسنانِ مِن زَلاّتِ اللِّسانِ

مواضيع مماثلة

مواضيع مماثلة