الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : زائرنا الكريم مرحبا بك بين إخوانك في منتديات تبسة الإسلامية ، بعد التسجيل ستجد رسالة تأكيد التسجيل في بريدكم ، نرجوا لكم قضاء وقت مفيد ومريح في هذا الفضاء التربوي العلمي .


آخر المواضيع
الموضوع
تاريخ ارسال المشاركة
بواسطة
مرحبا بكم أيها الأحباب من جديد ..
من بريد المنتدى ذات يوم ...
كتاب الانتصار للنبي المختار ﷺ (يصور لأول مرة) المؤلف: د.سليمان بن صفية الجزائري
رحم الله الشيخ علي الحلبي ..
بشرى صدور موقع جديد للشيخ أبو يزيد المدني (سليم بن صفية)
حذروا من صناعة المعاقين في بيوتكم
‏الرفقة الدافئة
يا طالب العلم البشرية كلها بحاجة إليك.
قصة قصيرة جملية
حكمة وعبرة ✍
الخميس 29 ديسمبر 2022 - 11:57
الخميس 29 ديسمبر 2022 - 9:20
الإثنين 28 ديسمبر 2020 - 15:30
الخميس 3 ديسمبر 2020 - 18:36
الأربعاء 22 يناير 2020 - 18:36
الجمعة 21 ديسمبر 2018 - 20:08
الخميس 20 ديسمبر 2018 - 12:28
الإثنين 17 ديسمبر 2018 - 13:30
الخميس 6 ديسمبر 2018 - 21:09
الإثنين 3 ديسمبر 2018 - 20:11











شاطر
 

  منهج السلف في معاملة أهل البدع . بقلم الشيخ سليم بن صفية الجزائري - حفظه الله -

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
محب الجزائر

محب الجزائر

عدد الرسائل :
428

تاريخ التسجيل :
05/06/2009


 منهج السلف في معاملة أهل البدع . بقلم الشيخ سليم بن صفية الجزائري - حفظه الله -  Empty
مُساهمةموضوع: منهج السلف في معاملة أهل البدع . بقلم الشيخ سليم بن صفية الجزائري - حفظه الله -     منهج السلف في معاملة أهل البدع . بقلم الشيخ سليم بن صفية الجزائري - حفظه الله -  I_icon_minitimeالجمعة 27 أغسطس 2010 - 3:17



منهج السلف في دعوة أهل البدع
بقلم الشيخ سليم بن صفية الجزائري

المطلب الأول: المقصود بالمبتدعة.


- المبتدعة: اسم فاعل من: بَدَعَ, يَبْدَعُ, بَدْعاً, وابْتِدَعاً.
- والبدعة: اسم هيئة من الابتداع, ولها في اللّغة معنيان:
الشيء المخترع على غير مثال سابق؛ كقوله تعالى: (مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنْ الرُّسُلِ)([43]) أي: لم أكن أوّل الرسل.
التعب والكلل؛ مثال: أبدعت الإبل (أي: تعبت)([44]).
- البدعة اصطلاحاً:
تعدّدت تعريفات البدعة وتنوّعت، لاختلاف أنظار العلماء في مفهومها ومدلولها.
فمنهم من وسّع مدلولها، حتّى أطلقها على كلّ مستحدثٍ من الأشياء، ومنهم من ضيّق ما تدلّ عليه، فتقلّص بذلك ما يندرج تحتها من الأحكام.
ومن أجمع هذه التعاريف, تعريف الشاطبي رحمه الله؛ حيث قال: "البدعة طريقة في الدّين مخترعة، تضاهي الشّرعيّة، يقصد بالسّلوك عليها المبالغة في التّعبّد لله سبحانه"([45]).
المقصود بالمبتدع:
لا يجوز الحكم على مسلم بأنه مبتدع، إلا إذا جاء، أو اتّبع بدعة تخالف الكتاب والسنة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "والبدعة التي يعد بها الرجل من أهل الأهواء ما اشتهر عند أهل العلم بالسنة مخالفتها للكتاب والسنة كبدعة الخروج، والروافض، والقدرية، والمرجئة، فإنّ عبد الله بن المبارك، ويوسف بن أسباط وغيرهما قالوا: "أصول الاثنتين والسبعين فرقة هي أربع: الخوارج، والروافض، والقدرية، والمرجئة"([46]).
والمقصود: مناصحة المبتدع - المتلبّس ببدع غير مكفِّرة- فيما وقع فيه من انحراف علمي وتعبّدي, وإلاّ فإنّ المبتدع قد يكون متلبساً بالمعصية أيضاً؛ فالمقصود ها هنا نصيحة المبتدع فيما ابتدعه.

المطلب الثاني: السمات العامة للمبتدعة

إنّ للمبتدعة سماتٌ بها يعرفون وبها يتميّزون, وهي سمات مشتركة بين كافة أهل البدع على اختلاف مللهم ونحلهم, وحريٌّ بالداعية أن يدرك هذه السمات وأن يقف عندها وقفة تأمَّل؛ فإنّ معرفة أسباب الداء هي أول طريق للاستشفاء.
ومن أبرز هذه السمات, ما يلي:
1- الجهل بالحقّ:
من أعظم صفات المبتدعة الجهل بالدين, وبأصوله ومصادره, ومقاصده.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله -في بيان صفات المبتدعة, والتحذير منها-:

وتعرّ من ثوبين من يلبسهما ** يلقى الردى بمذمة وهوان
ثوب من الجهل المركب فوقه ** ثوب التعصب بئست الثوبان


قال الشيخ محمد خليل هراس رحمه الله -في شرح هذين البيتين-: "ثم أمره أن يتجرد من ثوبين طالما أوردا من لبسهما ورد الردى، سقياه كأس المذلة والهوان، وهذان الثوبان هما ثوب الجهل المركب وفوقه ثوب التعصب، وما اجتمع هذان الثوبان على أحد إلا أدخلاه في لجج الباطل ومتاهات الضلال وزينا له سوء عمله وقبح اعتقاده فرآه حسناً.
والمراد بالجهل المركب: أن يعتقد الإنسان خلاف الحق مع اعتقاده أنه على الحق، فهو جاهل بالحق، ولا يدري أنه جاهل به، وهذا أشنع من الجهل البسيط الذي هو: عدم العلم بالحق ، بمعنى خلو الذهن عنه"([47]).
فضعف العلم وقلّة الفقه في الدين من أعظم سمات المبتدعة, وفي ذلك يقول الإمام الشاطبي رحمه الله: "البدع لا تقع من راسخ في العلم, وإنما تقع ممن لم يبلغ مبلغ أهل الشريعة المتصرفين في أدلتها"([48]).
والجهل بمقاصد الشريعة من سمات أهل الأهواء, ومن أعظم أسباب وقوعهم في الآراء الفاسدة, والأحكام الشاذّة.
يقول الإمام الشاطبي عند حديثه عن أسباب البدع: "هذه الأسباب الثلاثة راجعة في التحصيل إلى وجه واحد: وهو الجهل بمقاصد الشريعة, والتخرص على معانيها بالظن من غير تثبت, أو الأخذ فيها بالنظر الأول, ولا يكون ذلك من راسخ في العلم"([49]).
والمبتدعة قد جهلوا كمال الشريعة وتحقيقها للمصالح ودرئها للمفاسد على أكمل وجه وأتمّه؛ فاستدركوا على الشّرع، وكذبوا على رسول الله ز.
ومن ضروب جهلهم أيضاً: جهلهم بأصل السنّة النبوية ودورها في التشريع, وجهلهم أيضاً بصحيح السنّة من غيره؛ مما أدى إلى اختلاط الأمور عليهم.
2- التعصّب: أهل البدع مغالون في التعصّب للأشخاص بلا علم ولا عدل, ومُغالون في التعصّب في المسائل التي يسوغ فيها الاجتهاد مع البغي والعدوان على المخالف لهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فمن جعل شخصاً من الأشخاص غير رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحبه ووافقه كان من أهل السنة والجماعة, ومن خالفه كان من أهل البدعة والفرقة كما يوجد ذلك في الطوائف من اتباع أئمة الكلام في الدين, وغير ذلك؛ كان من أهل البدع, والضَّلال والتفرّق"([50]).
وهذا التعصّب يحمل المبتدعة على ردّ الحقّ, واستنكاف قبوله, وإنْ لاح لهم, وتبينوا صدقه, واستيقنوا أنهم مبطلون؛ فالتعصّب يعمي صاحبه ويصمّه.
3- الغلو في الدين: الغلو هو مجاوزة الحد بأن يزاد في حمد الشيء, أو ذمه على ما يستحق, ونحو ذلك"([51]).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله -في وصف المبتدعة-: "...وكثيراً ما يبتلى من أهل السماع بشعبة من حال النصارى من الغلو في الدين, واتِّباع أهواء قوم قد ضلوا من قبل؛ وإن كان فيهم من فيه فضل وصلاح. فهم فيما ابتدعوه من ذلك ضالون عن سبيل الله, يحسبون أن هذه البدعة تهديهم إلى محبة الله, وإنها لتصدهم عن سبيل الله"([52]).
والغلو من أعظم المداخل التي يدخل الشيطان بها إلى قلوب المبتدعة, فيقودها إلى مجاوزة المشروع من العبادة والمعاملة.
قال ابن القيم رحمه الله: "وما أمر الله بأمر إلاَّ وللشيطان فيه نزغتان: إما إلى تفريط وإضاعة, وإما إلى إفراط وغلو؛ ودين الله وسط بين الجافي عنه, والغالي فيه.
كالوادي بين جبلين, والهدى بين ضلالتين, والوسط بين طرفين ذميمين؛ فكما أن الجافي عن الأمر مضيع له, فالغالي فيه مضيع له هذا بتقصيره عن الحد, وهذا بتجاوزه الحد"([53]).
4- اتِّباع الهوى:
وهو من أبرز صفات المبتدعة؛ ومن أعظم أسباب الضلالة؛ كما قال تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ)([54]).
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: "أي: مهما استحسن من شيء ورآه حسناً في هوى نفسه كان دينه ومذهبه"([55]).
ويطلق الهوى على ميل النّفس وانحرافها نحو الشّيء، ثمّ غلب استعماله في الميل المذموم والانحراف السيّئ؛ ونسبت البدع إلى الأهواء، "وسمّي أصحابها بأهل الأهواء، لأنّهم اتّبعوا أهواءهم, فلم يأخذوا الأدلّة مأخذ الافتقار إليها, والتّعويل عليها، بل قدّموا أهواءهم, واعتمدوا على آرائهم، ثمّ جعلوا الأدلّة الشّرعيّة منظوراً فيها من وراء ذلك"([56]).
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن لزوم اتِّباع الهوى لأهل البدع, وأنه لا ينفك عنهم بحال.
فعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة, وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين؛ ثنتان وسبعون في النار, وواحدة في الجنة وهي: الجماعة, وإنه سيخرج من أمتي أقوام تجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكَلَبُ بصاحبه لا يبقى منه عرق, ولا مفصل إلا دخله»([57]).
قال ابن الأثير رحمه الله: "أي: يَتواقَعُون في الأهواء الفاسدة, ويَتَدَاعَوْن فيها تَشْبِيها بِجَرْي الفَرس. والكَلَبُ بالتحريك: داء معروف يعْرض للكَلْب فَمن عَضَّه قَتَله"([58]).
5- اتباع المتشابه:
الانحرافات البدعية إنما تكون في الغالب من باب الشبهات التي يشربها قلب المبتدع, والشبهة داء عظيم يصيب القلوب فيطفئ فيها نور اليقين, إذ "القلوب ضعيفة, والشُبَه خطافة"([59]).
وقد أخبر الله تعالى عن اتِّصاف أهل البدع بذلك فقال: (فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ)([60]).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية (فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ) قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم»([61]).

المطلب الثالث: حُكْمُ مناصحة المبتدعة.

إنّ حكم مناصحة أهل البدع والأهواء مبنيٌ على مسألتين:
الأولى: وقوع توبة المبتدع.
والثانية: حكم هجر المبتدع.

فمن رأى أنّه لا توبة لمبتدع؛ وأنّ الأصل في حقه الهجران: لم ير جدوى من دعوة المبتدع ومناصحته, ومن رأى أنّ التوبة ممكنة من المبتدع, وأنّ هجر المبتدع ليس على إطلاقه: قال بمشروعية ودعوة المبتدع ومناصحته.
وفيما يلي تفصيلٌ لهذين المسألتين؛ مقروناً بأدلّة كلٍّ منهما:

المسألة الأولى: وقوع توبة المبتدع.

اختلف العلماء في إمكانية وقوع توبة المبتدع, وصحتها على قولين:

القول الأول: أنّ التوبة محجوبة عن كلّ صاحب بدعة.

واستدلّ أصحاب هذا القول بأدلة من الكتاب, والسنّة, وأقوال السلف رحمهم الله.
- فمن الكتاب؛ قوله تعالى: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)([62]).
وقوله تعالى: (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضاً)([63]).
فدلّت هذه الآيات على عدم توفيق أهل البدع للتوبة من بدعهم, والرجوع إلى دين الله القويم, وصراطه المستقيم, حيث اشتملت الآيات على بعض أسباب الخذلان, من الزيغ, ومرض القلوب, وهي من أخصّ صفات المبتدعة([64]).
- ومن السنّة: ما صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية أنس بن مالك س أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله حجب التوبة عن كلّ صاحب بدعة حتى يدع بدعته»([65]).
والحديث دال على عدم توبة المبتدع, والحيال بينه وبين التوبة, وحجبه عنها.
- ومن الآثار المروية عن السلف رحمهم الله في حجب التوبة عن المبتدع:
ما جاء عن الحسن البصري رحمه الله أنّ قال: "أبى الله تبارك وتعالى أن يأذن لصاحب هوى بتوبة"([66]).
وعن سفيان الثوري رحمه الله أنّه قال: "البدعة أَحَبُّ إلى إبليس من المعصية, والمعصية يُتَابُ منها, والبدعة لا يُتَابُ منها"([67]).
- ويعلِّلُ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حجب التوبة عن المبتدع؛ فيقول: "ومعنى قولهم: (إن البدعة لا يُتَابُ منها): أن المبتدع الذي يتخذ ديناً لم يشرعه الله, ولا رسوله صلى الله عليه وسلم قد زُيِّنَ له سوء عمله فرآه حسناً؛ فهو لا يتوب ما دام يراه حسناً, لأن أوّل التوبة العلم بأن فعله سيء ليتوب منه, أو بأنه ترك حسناً مأموراً به أمر إيجاب, أو استحباب ليتوب ويفعله؛ فما دام يرى فعله حسناً, وهو سيء فى نفس الأمر فإنه لا يتوب"([68]).
- وبناءً على ذلك يؤكّد الإمام الشاطبي رحمه الله عدم انتفاع المبتدع بالمواعظ والزواجر, فيقول: "فكذلك صاحب الهوى إذا دخل قلبه, وأشرب حبه, لا تعمل فيه الموعظة, ولا يقبل البرهان, ولا يكترث بمن خالفه"([69]).

القول الثاني: أنّ التوبة ممكنة من المبتدع.

ومن جملة ما احتج به أصحاب هذا القول:
- أنّ التوبة تقع من المبتدع, وإن كان وقوعها نادرٌ؛ والواقع خير شاهد على ذلك, فقد تاب أقوام من بدعهم, ورجعوا إلى السنّة, وثبتوا على ذلك.
- وحملوا النصوص الواردة في حجب التوبة عن المبتدع على الغالب, لا على الاستغراق؛ وفي ذلك يقول الإمام الشاطبي رحمه الله: "وهذا النفي -أي: نفي التوبة عن المبتدع- يقتضي العموم بإطلاق, ولكنه قد يُحْمَل على العموم العادي؛ إذ لا يبعد أن يتوب عما رأى, ويرجع إلى الحق؛ كما نقل عن عبد الله بن الحسن العنبري, وما نقلوه في مناظرة ابن عباس رضي الله عنهما الحرورية الخارجين على علي رضي الله عنه, وفي مناظرة عمر بن عبد العزيز لبعضهم ولكن الغالب في الواقع الإصرار"([70]).

المسألة الثانية: حكم هجر المبتدع.

اختلف العلماء في حكم هجر المبتدع على قولين, وهما:
القول الأول: وجوب هجر المبتدع مطلقاً.
واستدلوا على وجوب هجر المبتدع بأدلة, منها:
- قوله تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ)([71]).
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "دخل في هذه الآية كل محدث في الدين, وكل مبتدع إلى يوم القيامة"([72]).
- واستدلوا أيضاً بهجر النبي صلى الله عليه وسلم للثلاثة الذين خلِّفوا في غزوة تبوك([73]), وقالوا: "إنّ فيه دليل على أنّ هجران أهل البدع على التأبيد"([74]).
القول الثاني: أنّ هجر المبتدع ليس على إطلاقه([75]), فمتى عُلِمَ أنّ في مجالسة أهل الأهواء والبدع مصلحة شرعية راجحة -تؤدي إلى رجوعهم عن بدعتهم- شُرِعت مجالستهم.
والراجح:
- أنّ التوبة ممكن وقوعها من المبتدع, لشهود الواقع بذلك.
وعلى التسليم بحجب التوبة عن المبتدع مطلقاً, فإن الوعظ والنصيحة تأتي ها هنا إعذاراً لله تعالى, وقياماً بواجب النصح, والأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر؛ كما قال تعالى: (وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)([76]).
ووجهه: أنّ النصيحة غير مشروطة بالقبول؛ بل تشرع وتجب حتى مع غلبة الظن في ردّها وعدم قبولها, أو عدم انتفاع المنصوح بها؛ لأنّها واجبة بإيجاب الله تعالى للنصح والتذكير([77]).
- كما أنّ هجر المبتدع ليس على إطلاقه, لأنّ حكم الهجر يدور مع وجود المصلحة الشرعية وانعدامها؛ ومن أعظم المصالح هداية المبتدع, وردِّه إلى الصراط المستقيم.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "وهجران أهل البدع واجب لقوله تعالى: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ)([78]), ولأن النبي صلى الله عليه وسلم هجر كعب بن مالك وصاحبيه حين تخلَّفوا عن غزوة تبوك, لكن إن كان في مجالستهم مصلحة لتبيين الحق لهم, وتحذيرهم من البدعة فلا بأس بذلك, وربما يكون ذلك مطلوباً لقوله تعالى: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)([79])" ([80]).
والخلاصة:
أنّه تشرع ودعوة المبتدع ومناصحته, لما تقدّم تقريره.
ويضاف إلى ذلك: أنّ المبتدع داخل في عموم حديث: «الدين النصيحة»؛ ووجهه: أنّ الحديث عام لكافة المسلمين سنيّهم ومبتدعهم, ما دامت البدعة غير مكفّرة.
والمبتدع أيضاً داخل في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب س: «لأن يهدى بك رجل واحد خير لك من حمر النعم»([81]).

المطلب الرابع: ضوابط وعظ المبتدعة.

الإنكار على المبتدع والردّ عليه, ومناصحته, من أعظم الوسائل التي تُدْحَرُ بها البدعة, وتُحْيَ بها السنّة, ويُذَاذُ بها عن حياض الدين؛ ولكن ينبغي أن تراعى فيه الضوابط الشرعية, والشروط المرعية التي يمكن من خلالها تحقيق المقصد الشرعي: ومن ذلك:
1- أن يكون النصح بإخلاص, ونية صادقة:
في نصرة الحق والتجرد له؛ وقمع البدعة وإخماد نيرانها.
ومن لوازم الإخلاص فيه: أن يحبّ هداية المبتدع, ورجوعه للحق, وأن يحرص على ذلك أشدّ الحرص, وأن يسلك كل المسالك الشرعية الممكنة في تقريب قلب المبتدع لا تنفيره.
وأن يصحب ذلك دعاء الله له أن يهديه؛ خصوصاً إن كان من أهل السنة, أو من غيرهم من المسلمين؛ وقد دعى النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الكفار بالهداية فكيف بالمسلمين الموحدين !!([82]).
2- أن يكون النصح من عالم راسخ القدم في العلم:
يعلم على وجه التفصيل جوانب المسألة المتعلقة بموضوع البدعة من حيث الأدلة الشرعية عليها, وكلام العلماء فيها, ومدى مخالفة المبتدع للحق, ومنشأ الشبهة عنده, وأقوال العلماء في رد هذه الشبهة, والاستفادة من كلامهم في ذلك.
كما ينبغي أن يتسم الداعية بقوة الحجة في تقرير الحق, وإزالة الشبهة, ودقَّة العبارة, بحيث لا يظهر عليه في شيء من ذلك أو يفهم من كلامه غير ما أراد؛ وإلا حصل الضرر العظيم بتصدي من فقد هذه الشروط للوعظ والنصح.
نقل الشاطبي في الاعتصام أنّ رجلاً من أهل السنّة كتب إلى الإمام مالك رحمه الله: "إن بلدنا كثير البدع, وإنه ألف كتاباً في الرد عليهم, فكتب إليه مالك يقول له: إن ظننت ذلك بنفسك خفت أن تزل فتهلك, لا يرد عليهم إلا من كان ضابطاً عارفاً بما يقول لهم, لا يقدرون أن يعرِّجوا عليه, فهذا لا بأس به, وأما غير ذلك فإني أخاف أن يكلمهم فيخطئ فيمضوا على خطئه, أو يظفروا منه بشيء فيطغوا ويزدادوا تمادياً على ذلك"([83]).
3- أن يراعى في النصح تفاوت المبتدعة في درجة البدعة:
ومكانة المخالف في الدين والدنيا؛ ويفرِّق أيضاً بين دعاة البدعة المجاهرين بها, وبين المتسترين, وكذلك التفاوت في الباعث على هذه البدعة أهو الجهل, أم الهوى, أو تأثر بشيخ, أو أهل البلد, أو التأويل, أو غير ذلك من المقاصد الكثيرة للمخالفات الشرعية، فمن لم ينتبه إلى هذه المفارقات ويراعيها عند النصح لربما وقع في شيء من الإفراط أو التفريط الذي يمنع الانتفاع بكلامه أو يقلل النفع به.
4- أن يراعى في الإنكار على المبتدع تحقق المصلحة الشرعية:
فإن ترتب عليه مفسدة راجحة على مفسدة البدعة فلا يشرع الإنكار في هذه الحالة؛ فإنه لا تدرأ مفسدة بما هي أعظم منها.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فلا يجوز دفع الفساد القليل بالفساد الكثير ولا دفع أخف الضررين؛ بتحصيل أعظم الضررين فإن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها, وتعطيل المفاسد, وتقليلها بحسب الإمكان؛ ومطلوبها ترجيح خير الخيرين إذا لم يمكن أن يجتمعا جميعاً, ودفع شر الشرين إذا لم يتفقا جميعا"([84]).
5- أن يراعى في النصح والإنكار أن يكونا على قدر البدعة وانتشارها:
فإن كانت البدعة نشأت في بلد أو مجتمع؛ فلا ينبغي أن يُشَاع الإنكار سواء عن طريق نشر كتاب, أو شريط, أو غيرهما من الوسائل الأخرى في بلد, أو مجتمع لم يسمع بالبدعة؛ لأن في نشر الرد نشر بطريق غير مباشر للبدعة؛ فقد يطلع الناس على الرد فتبقى الشبهة في نفوسهم, ولا تحصل لهم القناعة بالرد.
فترك الناس في سلامة وعافية من سماع الباطل أصلاً؛ خير من سماعهم له ورده بعد ذلك.
وقد كان السلف رحمهم الله يراعون ذلك في ردودهم ونصحهم وتذكيرهم, فكثير من كتبهم في الردود يستدلون فيها للحق في مقابل الباطل من غير ذكر للبدعة, وهذا من فقههم الذي قصر عنه بعض المتأخرين.
وقد هجر الإمامُ أحمد الحارثَ المُحاسبي مع زهده وورعه بسبب تصنيفه كتابا في الرد على المبتدعة، وقال له: ويحك ! ألستَ تحكي بدعتهم أولاً ثم ترد عليهم ؟! ، ألستَ تحمل الناسَ بتصنيفك على مطالعة البدعة والتفكر في تلك الشبهات فيدعوهم ذلك إلى الرأي والبحث"([85]).
وما قيل في التحذير من نشر الرد في بلد لم تنتشر فيه هذه البدعة يقال في التحذير من نشرها في طائفة من الناس لم تعرف تلك البدعة؛ وإن كانت في بلد المخالفة.
فلا ينبغي أن يُسعى في نشر الردود من كتب وأشرطة بين العامة إن لم يعرفوا الخطأ والبدعة, ولم يسمعوا بها؛ فكم فُتـِنَ من العامة ووقعوا في الشك والارتياب في أصل الدين بسبب إطلاعهم على ما لا تدركه عقولهم من كتب الردود مما لا يحصيه إلا الله.
وأهل السنّة والجماعة لا يعاملون المستتر ببدعته كما يعاملون المظهر لها أو الداعي إليها, فالمظهر للبدعة والداعي إليها يجب كفّه وبيان خطره, وأما المستتر ببدعته فينكر عليه سراً ويوعظ وينصح, ويستر عليه([86]).
6- الترفق بالمبتدعة, ومداراتهم:
الرفق مطلوب في المعاملات كلّها حتى مع الكفار الجاحدين, والطغاة المارقين؛ لأنّ الرفق كثيراً ما يفتح القلوب المقفلة, ويسكن الأرواح النافرة.
وينبغي للدعاة أن يفرقوا بين الرفق والمداراة المشروعين, وبين المداهنة والتميّع المذمومين.
فالمداراة مطلوبة, وهي متعلقة باللين في المعاملة, جاء في لسان العرب: "مداراة الناس: ملاينتهم, وحسن صحبتهم, واحتمالهم لئلا ينفروا منك"([87]).
والمداهنة مذمومة, وهي: متعلقة بالدين؛ قال تعالى: (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ)([88]).
قال الحسن البصري رحمه الله في معنى هذه الآية: "ودوا لو تصانعهم في دينك, فيصانعونك في دينهم"([89]).
فالمداري يلين في المعاملة من غير أن يتنازل عن شيء من دينه, والمداهن يتقرب للناس بترك شيء من الدين.
ولكن قد يُلْجَأُ إلى التغليظ على المبتدعة, وهجرهم, وزبرهم, وزجرهم, إذا لم تنجع فيهم الموعظة والنصيحة, وخِيْفَ من انتشار ضررهم, وشيوع بدعتهم, وافتتان الناس بهم.
فالهجر والزجر مشروعان عند غلبة الظن في انزجار المبتدع, ورجوعه.
قال ابن عبد البر رحمه الله: "ولا هجرة إلاّ لمن ترجو تأديبه بها, أو تخاف من شرِّه في بدعة, أو غير ذلك"([90]).
7- إنّ الحكم على الناس في الدنيا يكون بحسب الظاهر:
فإذا أظهر المسلم البدعة, وعلم الداعية ذلك منه إما بالمعاينة والسماع, أو بالشهرة والاستفاضة؛ حَكَمَ عليه بأنّه من أهل البِدع, وَوَكَلَ أَمْرُهُ إلى الله تعالى.
وبالمقابل فإنّ المسلم إذا ظهر منه سلامة الاعتقاد مع العمل بمقتضاه حُكِمَ عليه بأنه من أهل السنّة, وليس للواعظ أن ينقِّب عما في قلوب العباد ليُمحِّص صدقهم من عدمه, لأنّ السرائر أمرها موكول إلى علاّم الغيوب.
وهذا من الأصول العظيمة عند أهل السنّة والجماعة, وقد دلّت عليه نصوصٌ كثيرة:
ففي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: «في قصّة الرجل الذي راجع النبي صلى الله عليه وسلم في الزكاة, وقال له: يا رسول الله ! اتّق الله ! ...أنّ خالد بن الوليد استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في ضرب عنقه, فقال النبي ز: لعلّه أن يكون يصلي؟ فقال خالد: وكم من مصلٍ يقول بلسانه ما ليس في قلبه, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لم أومر أن أنقِّب قلوب الناس ولا أشقَّ بطونهم...»([91]).
قال النووي رحمه الله -في شرح هذا الحديث-: "معناه: أني أُمِرْتُ بالحكم بالظاهر, والله يتولَّى السرائر"([92]).
فالطريق الذي تثبت به الشهادة على الرجل أنّه من أهل البدع هو: المعاينة أو الاستفاضة؛ أما الحكم على الناس بمجرّد الظن والهوى, أو بشيء لم يصدر منهم, هو من باب الوقيعة في أعراض المسلمين, وداخل في الظن السيئ المنهي عنه شرعاً([93]).

المطلب الخامس: مجالات نصح المبتدعة.

البدع كثيرة, والأهواء متعدّدة, وما استحدثت بدعة إلاّ وأُمِيْتَتْ من السنّة مثلها.
ومن واجب الداعية أن ينصح لأمته, ويزيح عنها ظلمات البدع, وينشر فيها أنوار السنّة.
لأجل هذا فإنّ نصح المبتدعة ينصبّ في مجالات ثلاثة: الحث على لزوم السنّة, والتحذير من البدعة, وبيان مضار الابتداع, ودحض شبهات المبتدعة التي يتمسّكون بها.
1- الحث على لزوم السنّة, والتحذير من البدعة:
لقد جاءت النصوص من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة ومَنْ جاء بعدهم من سلف الأمة في الأمر بلزوم السنّة والحثِّ عليه, والترغيب فيه, وفي النهي عن البدع والتحذير منها, وقد بلغ من استفاضة هذه النصوص واشتهارها بين أهل السنّة والجماعة ما يتعذّر معه حصرها, أو الإحاطة بها.
وهذه النصوص والأقوال هي زاد كلّ داعية يروم نصح أهل البدع والأهواء, وهي عُدَّتُهُ في مواجهة هؤلاء المارقين عن سنّة سيد المرسلين, وفيما يلي عرض لبعض هذه النصوص:
فمن القرآن الكريم:
- قوله تعالى -آمراً باتباع صراطه, ومبيناً أنه سبيل النجاة الموصل إليه-: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)([94]).
- ويقول تعالى آمراً بمتابعة رسوله ز: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا)([95]).
ومن السنّة:
-ما رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا خطب: أما بعد: «فإنّ خير الحديث كتاب الله, وخير الهدي هدي محمد, وشر الأمور محدثاتها, وكلّ بدعة ضلالة.. »([96]).
- وعن العرباض بن سارية قال: "وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بعد صلاة الغداة موعظة بليغة, ذرفت منها العيون, ووجلت منها القلوب, فقال رجل: إن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا يا رسول الله ؟ قال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبد حبشي فإنه من يعش منكم يرى اختلافا كثيرا, وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة, فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين, عضوا عليها بالنواجذ"([97]).
أما ما جاء عن السلف رحمهم الله:
من الآثار في الأمر بالسنّة, والترغيب فيها, والتحذير من الابتداع في الدين وذمه وأهله, فهي كثيرة جداً, وهي في حقيقة الأمر مواعظ ونصائح وجهها السلف رحمهم الله لكل مبتدع في الدين, ولكلّ من يُخاف عليه الوقوع في البدعة, ومن هذه الآثار:
- ما جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه أنّه قال:"تعلموا العلم قبل أن يقبض؛ وقبضه أن يذهب أهله؛ ألا وإياكم والتنطع, والتعمق, والبدع, وعليكم بالعتيق"([98]).
- وعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: "عليكم بالسبيل والسنة؛ فإنه ما على الأرض عبدٌ على السبيل والسنة, وذكر الرحمن ففاضت عيناه من خشية الله عز وجل فيعذبه, وما على الأرض عبدٌ على السبيل والسنة وذكره -يعني الرحمن- في نفسه فاقشعر جلده من خشية الله إلاّ كان مثله كمثل شجرة قد يبس ورقها فهي كذلك إذ أصابتها ريح شديدة فتحات عنها ورقها؛ إلاّ حطّ عنه خطاياه كما تحات عن تلك الشجرة ورقها, وإنَّ اقتصاداً في سبيل وسنة, خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنة, فانظروا أن يكون عملكم إن كان اجتهاداً أو اقتصاداً أن يكون ذلك على منهاج الأنبياء وسنتهم"([99]).
- وعن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله: "أنّه كتب إلى بعض عمّاله: أما بعد أوصيك بتقوى الله, والاقتصاد في أمره, واتباع سنة نبيه ز, وترك ما أحدث المحدثون بعد ما جرت به سنته, وكفوا مؤونته؛ فعليك بلزوم السنة فإنها لك بإذن الله عصمة.
ثم اعلم أنه لم يبتدع الناس بدعة إلاّ قد مضى قبلها ما هو دليل عليها, أو عبرة فيها, فإنَّ السنة إنما سنَّها من قد علم ما في خلافها من الخطأ, والزلل, والحمق, والتعمق فارض لنفسك ما رضي به القوم لأنفسهم فإنهم على علم وقفوا, وببصر نافذ كفوا, وهم على كشف الأمور كانوا أقوى, وبفضل ما كانوا فيه أولى"([100]).
2- بيان آثار ومضار الابتداع([101]):
إنّ المبتدع قد يذهل عن مضار الابتداع, ومن واجب الداعية أن يبيّن مخاطر الابتداع في الدين, لأنّ ذلك من أعظم الأمور الرادعة لأهل الأهواء والبدع.
ومضار الابتداع لا تقف عند المبتدع وحده, ولكنها تصيب الدين, والأمة جميعاً.
وهذه الآثار تدور حول محورين, المحور العلمي, والمحور العملي, وفيما يلي بيان لذلك:
أ- الآثار العلمية العقدية:
إن أخطر آثار البدع تتمثل في معارضتها الشريعة في أصولها الكلية, أو في منهج فهم وتطبيق نصوص الشريعة الدالة على هذه الأصول، حتى إذا تأصلت مثل هذه المحدثات واتخذها بعض المنتسبين إلى الإسلام معقداً للولاء والبراء فضلوا بذلك عن جادة الحق، حدث الشرخ بين هذه الجماعة, وبين جماعة الإسلام الأصيلة المتمسكة بسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
ويمكن تلخيص أهم الآثار السيئة للبدع في المجال العلمي العقدي, فيما يلي:
1- الضلال:
فالبدعة والضلال قرينان، فأينما وجدت البدعة وجدت الضلالة، قال تعالى :(وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ)([102]).
قال مجاهد رحمه الله: (وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ): البدع والشبهات"([103]).
2- الخلل المنهجي:
إن من أسوأ ما باءت به الأمة جراء استشراء البدع, ظهور الخلل العميق في منهج فهم نصوص الشريعة وتطبيقها، وهذا قد أدى بدوره إلى تشتت, وتشرذم الأمة؛ كلٌ يسير وفق هواه، وكل يُطَوِّع الدين لغايته ومبتغاه، ولقد وعى حبر هذه الأمة وترجمانها عبد الله بن عباس رضي الله عنهما هذا الداء فعن إبراهيم التيمي قال: "خلا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذات يوم يحدث نفسه، فأرسل إلى ابن عباس فقال: كيف تختلف هذه الأمة ونبيها واحد, وكتابها واحد وقبلتها واحدة ؟ فقال ابن عباس:"يا أمير المؤمنين، إنا أنزل علينا القرآن, فقرأناه, وعلمنا فيم أنزل، وإنه سيكون بعدنا أقوام يقرأون القرآن ولا يعرفون فيم نزل، فيكون لكل قوم فيه رأي، فإذا كان لكل قوم فيه رأي اختلفوا، فإذا اختلفوا اقتتلوا"([104]).
3- خفوت السنة وضياعها:
وهذا أثر خطير من آثار البدع على عقيدة الأمة وعلمها، ذلك أنه لا تظهر بدعة إلا بخفوت سنة، ولا تظهر سنة إلا بذبول بدعة تعارضها.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:"ما يأتي على الناس عام إلا أحدثوا فيه بدعة, وأماتوا سنة, حتى تحيا البدع, وتموت السنن"([105]).
4- حبوط الإيمان والعمل:
ذلك أن الإيمان عمل، والبدعة سبيل إلى حبوط العمل فهو يستلزم حبوط الإيمان، وهذا غاية الخسران.
ودليل حبوط العمل بالبدعة, قوله تعالى: (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً)([106]).
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»([107]).
وعلى هذا المعنى تضافرت نقول السلف رحمهم الله:
قال الحسن رحمه الله: "ما ازداد صاحب بدعة عبادة, إلاّ ازداد من الله بعداً"([108]).
وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: "لا تجلس مع صاحب بدعة أحبط الله عمله, وأخرج نور الإسلام من قلبه"([109]).
5- مرض القلب وقسوته:
وإذا انتشر مرض القلب بين الناس انتشر في الأمة وفسدت وهلكت، والأصل في هذا قوله تعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ)([110]).
وهذا الزيغ إن هو إلا مرض الشبهات التي يلقيها الشيطان في أفئدة القوم من أتباع الهوى، ولقد قال عبد الله بن المبارك رحمه الله: "صاحب البدعة على وجهه الظلمة وإن ادَّهن كل يوم ثلاثين مرة"([111]).
ب- الآثار العملية الحسية: ومن أبرز هذه الآثار:
1- التفرق والتشرذم والخروج عن الجماعة:
والأصل في هذا ما حذر منه الله تعالى حيث قال: (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ)([112])، قال مجاهد رحمه الله: "(أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً): الأهواء المفترقة"([113]).
وعن عرفجة بن شريح الأشجعي رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنه ستكون هنات وهنات, فمن أراد أن يفرِّق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان»([114]).
فهذا الحديث دالٌ على خطورة هذا الافتراق والتشرذم حتى أباح النبي صلى الله عليه وسلم دم من سعى لتفريق شمل الأمة بما يبثه فيها من بدع وضلالات.
2- استحلال السيف في رقاب المسلمين:
فعن ابن عمر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض»([115]).
فلا يستغرب لمن انتحل البدعة, وخالف السنة أن تكون أولى ثمار بدعته هذه استحلال السيف في رقاب أمة محمد صلى الله عليه وسلم وقد كان، فعن أبي قلابة رحمه الله قال: "ما ابتدع رجل بدعة إلاَّ استحل السيف"([116]).
3- دحض شبهات المبتدعة:
ما ابتدع قومٌ بدعة إلاّ لشبهة وقرت في قلوبهم, وزيّنت لهم سوء عملهم, وتحاملهم على شريعة ربهم؛ وهذه الشبهات هي التي تحول بين المبتدع ورؤية الحق؛ فينبغي لكلّ واعظ يرجو الهداية لمبتدع أن يزيل من قلبه هذه الشبهات أولاً حتى يسهل عليه بعدُ هدايته للحق.
وفيما يلي إلقاء الضوء على بعض هذه الشبهات التي تنتظم تحتها أكثر البدع:
أ- شبهة التعظيم والتنـزيه:
فالخوارج تزعم أنها تعظّم حدود الله, لكنها تنطّعت, وخرجت عن حد الشرع في ذلك.
والرافضة تزعم أنها تعظِّم آل بيت رسول الله لكنها غلت في ذلك, وبالغت.
والجهمية والمعتزلة وأهل الكلام زعموا أنهم ينـزهون الله عن التشبيه, لكنهم غلوا في ذلك ووقعوا في التعطيل والتأويل, وإنكار صفات الله, وأفعاله.
والمشبّهة زعمت أنها فرت من التعطيل, لكنها بالغت في الإثبات.
والذين ابتدعوا بدعة المولد النبوي, يزعمون أنّهم يعظمون الرسول ز, ولكنهم حادوا بذلك عن السبيل.
قال البربهاري رحمه الله: "وإذا سمعت الرجل يقول إنا نحن نعظم الله -إذا سمع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم - فاعلم أنه جهمي يريد أن يرد أثر رسول الله ز, ويدفعه بهذه الكلمة, وهو يزعم أنه يعظم الله وينـزِّهه"([117]).
ب- اعتقاد أهل البدع ما تتوهمه عقولهم:
أهل البدع و الأهواء في خوضهم في أسماء الله وصفاته وأفعاله وسائر أمور الغيب يتوهّمون أموراً في عقولهم وخيالاتهم, ويتصورونها, ثم يبنون على ذلك أحكاماً ويعتقدونها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وأهل البدع إنما دخل عليهم الداخل لأنهم أعرضوا عن هذه الطريق -أي: طريق الأثر- وصاروا يبنون دين الإسلام على مقدمات يظنون صحتها؛ إما في دلالة الألفاظ, وإما فى المعاني المعقولة, ولا يتأملون بيان الله ورسوله صلى الله عليه وسلم, وكل مقدمات تخالف بيان الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فإنها تكون ضلالاً"([118]).
ج- توهم المعارضة بين العقل والشرع:
يزعم الكثير من أهل البدع أنّ بعض نصوص الشرع تتصادم مع المعقول؛ فيردون هذه النصوص لأجل ذلك, مما دفعهم إلى النفي, والتعطيل, والتأويل, وردّ كثير من الأحكام.
قال ابن القيم رحمه الله: "إن الأصل الذي قادهم إلى النفي والتعطيل, واعتقاد المعارضة بين العقل والوحي أصل واحد, هو منشأ ضلال بني آدم, وهو الفرار من تعدد صفات الواحد, وتكثُّر أسمائه الدالة على صفاته, وقيام الأمور المتجددة به"([119]).
د- تقريرهم لقواعد فاسدة, والقول بلوازمها:
أهل الأهواء يقعِّدون ويخترعون قواعد وضعية مظنونة أو وهمية, ثم يقولون بلوازمها, ويعتقدونها, ويزعمون أنّ هذا من قطعيات العقل أو لوازمه([120]).
قال ابن القيم رحمه الله: "والشبهة التي قادت نفاة الجهة([121]) إلى نفيها هي أنهم اعتقدوا أن إثبات الجهة يوجب إثبات المكان, وإثبات المكان يوجب إثبات الجسمية, ونحن نقول إنّ إثبات هذا كلّه غير لازم, فإن الجهة غير المكان"([122]).
هـ- اعتقاد أهل البدع أنّ البدعة قسمان: حسنة, وسيئة:
ويحتجون لذلك بما رواه مسلم في صحيحه من حديث جرير بن عبد الله س أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ سَنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها, وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء, ومَنْ سَنَّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها, ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء»([123]).
واستدلالهم هذا مردودٌ من وجوه كثيرة منها:
- أن أدلة ذم البدع جاءت مطلقة عامة على كثرتها, لم يقع فيها استثناء ألبته, ولم يأت فيها شيء مما يقتضي أن منها ما هو هدى([124]).
- ومنها: أن القول بالبدعة الحسنة يؤدي إلى تحريف الدين وإفساده . إذ كلما جاء قوم زادوا في الدين عبادة, وسموها (بدعة حسنة)([125]).
و- اعتقادهم أنّ الزيادة في صفة العبادة ليست بدعة:
يحتج كثير من أهل البدع والأهواء, إذا أنكر عليهم بعض بدعهم أنّهم متعبِّدون لله تعالى بما شرع, فما دام أصل العمل مشروعاً فلا ضير في الزيادة في وصفه.
وهذا عين الجهل بمفهوم البدعة, وأقسامها, وذاك لأنّ البدعة قسمان:

[u]الأول: البدعة الحقيقية([126]) . والثاني: البدعة الإضافية([127]) .[/
u]
- وبهذا يتبيّن أنّ هجر المبتدعة وندرة وقوع التوبة منهم لا يسوغان ترك مناصحتهم, ولهذا حرص السلف على بذل النصيحة لهؤلاء المبتدعة وذلك بالحث على لزوم السنة, وبيان خطر الابتداع, وكانت نصيحتهم إياهم مصحوبة بإخلاص النيّة, والترفّق, مع مراعاة تفاوت حال المبتدعة, ومكان انتشار البدعة.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
almuraqib al3aam
Admin
almuraqib al3aam

عدد الرسائل :
2088

تاريخ التسجيل :
18/07/2009


 منهج السلف في معاملة أهل البدع . بقلم الشيخ سليم بن صفية الجزائري - حفظه الله -  Empty
مُساهمةموضوع: رد: منهج السلف في معاملة أهل البدع . بقلم الشيخ سليم بن صفية الجزائري - حفظه الله -     منهج السلف في معاملة أهل البدع . بقلم الشيخ سليم بن صفية الجزائري - حفظه الله -  I_icon_minitimeالجمعة 27 أغسطس 2010 - 18:17

جزاك الله خيرا اخي ....تفصيل ماتع وشيق وواضح
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سمير زمال

سمير زمال

عدد الرسائل :
6494

العمر :
33

تاريخ التسجيل :
07/04/2008


 منهج السلف في معاملة أهل البدع . بقلم الشيخ سليم بن صفية الجزائري - حفظه الله -  Empty
مُساهمةموضوع: رد: منهج السلف في معاملة أهل البدع . بقلم الشيخ سليم بن صفية الجزائري - حفظه الله -     منهج السلف في معاملة أهل البدع . بقلم الشيخ سليم بن صفية الجزائري - حفظه الله -  I_icon_minitimeالإثنين 17 ديسمبر 2012 - 23:32

جزاكم الله خيرا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://tebessa.alafdal.net
محب الجزائر

محب الجزائر

عدد الرسائل :
428

تاريخ التسجيل :
05/06/2009


 منهج السلف في معاملة أهل البدع . بقلم الشيخ سليم بن صفية الجزائري - حفظه الله -  Empty
مُساهمةموضوع: رد: منهج السلف في معاملة أهل البدع . بقلم الشيخ سليم بن صفية الجزائري - حفظه الله -     منهج السلف في معاملة أهل البدع . بقلم الشيخ سليم بن صفية الجزائري - حفظه الله -  I_icon_minitimeالأحد 11 يناير 2015 - 23:19

جزاك الله خيرا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

منهج السلف في معاملة أهل البدع . بقلم الشيخ سليم بن صفية الجزائري - حفظه الله -

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» بشرى : صدور كتاب الشيخ أبو يزيد سليم بن صفية الجزائري - حفظه الله - "منهج السلف في الوعظ "
» طلب النساء للعلم و فتنة الإختلاط بقلم الشيخ أبو يزيد سليم بن صفية - حفظه الله -
» مطوية للتحميل" مهلا... أيها المحتفلون بالمولد " للشيخ أبي يزيد سليم بن صفية الجزائري - حفظه الله -
» ثلاث خطب حول " شهر رمضان " .للشيخ أبي يزيد سليم ين صفية الجزائري - حفظه الله -
» المنهج القويم في معاملة الحكام بقلم الشيخ أبو عبد المعز - حفظه الله -

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منــــتديات تبسة الإســـــلامية :: أقسام متنوعة :: بيان المنهج الوسطي-