الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : زائرنا الكريم مرحبا بك بين إخوانك في منتديات تبسة الإسلامية ، بعد التسجيل ستجد رسالة تأكيد التسجيل في بريدكم ، نرجوا لكم قضاء وقت مفيد ومريح في هذا الفضاء التربوي العلمي .


آخر المواضيع
الموضوع
تاريخ ارسال المشاركة
بواسطة
مرحبا بكم أيها الأحباب من جديد ..
من بريد المنتدى ذات يوم ...
كتاب الانتصار للنبي المختار ﷺ (يصور لأول مرة) المؤلف: د.سليمان بن صفية الجزائري
رحم الله الشيخ علي الحلبي ..
بشرى صدور موقع جديد للشيخ أبو يزيد المدني (سليم بن صفية)
حذروا من صناعة المعاقين في بيوتكم
‏الرفقة الدافئة
يا طالب العلم البشرية كلها بحاجة إليك.
قصة قصيرة جملية
حكمة وعبرة ✍
الخميس 29 ديسمبر 2022 - 11:57
الخميس 29 ديسمبر 2022 - 9:20
الإثنين 28 ديسمبر 2020 - 15:30
الخميس 3 ديسمبر 2020 - 18:36
الأربعاء 22 يناير 2020 - 18:36
الجمعة 21 ديسمبر 2018 - 20:08
الخميس 20 ديسمبر 2018 - 12:28
الإثنين 17 ديسمبر 2018 - 13:30
الخميس 6 ديسمبر 2018 - 21:09
الإثنين 3 ديسمبر 2018 - 20:11











شاطر
 

 الخلاف عند علماء التجويد والقراءات

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أم الحسين

أم الحسين

عدد الرسائل :
4090

تاريخ التسجيل :
18/03/2009


الخلاف عند علماء التجويد والقراءات Empty
مُساهمةموضوع: الخلاف عند علماء التجويد والقراءات بقلم الشيخ محمد يحي الشريف الجزائري - حفظه الله -   الخلاف عند علماء التجويد والقراءات I_icon_minitimeالثلاثاء 13 أبريل 2010 - 10:08

[size=21]الخلاف عند علماء التجويد والقراءات

إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله وبعد

إنّ ما نشاهده اليوم من الخلاف في بعض مسائل التجويد والقراءات يجعلنا نقف وقفة تأمّلٍ وتفكّرٍ في معرفة سبب الخلاف مع أنّ الإسناد في قراءة القرءان يصدر من سراج واحد وهو الوحي مع العلم أنّ أسانيد القراءات القرءانية تلتقي كلها بإمام الفنّ محمد ابن الجزري صاحب كتاب النشر في القراءات العشر حيث أنّ كلّ قراءة أو رواية أو طريق لم يرد في كتاب النشر لا يُقرأُ به اليوم ولو كان صحيحاً لانقطاع سنده وهذا بغضّ النظر عن الأسانيد التي تلتقي ببعض المشايخ المتأخرين ومع هذا فإنّ الخلاف موجود بين المشايخ المعاصرين في بعض المسائل التي لم يرد الخلاف فيها عند المتقدّمين ولم ينقل الخلاف فيها محقق الفنّ ابن الجزري ، وهذا الخلاف وللأسف سبّب نوع من التعصّب والتباغض والفرقة لتمسّك كلّ طرف بسنده مستدلاً بالمشافهة والتلقي الذي يعدّ مصدراً أساسياً في مسائل التجويد والقراءات.

يمكن تقسيم الخلاف في مسائل التجويد والقراءات إلى نوعين : فالأوّل هو الخلاف المعتبر والثاني هو الخلاف الغير المعتبر.

فالخلاف المعتبر هو الذي ورد الخلاف فيه عند القدامى نصاً وأداءً وهو على خمسة أقسام :

القسم الأوّل : ما تواترت فيه جميع الأوجه نصاً وأداءاً في المسألة المختلف فيها كمسألة الإخفاء في الميم الساكنة عند الباء فقد ذهب جمهور المغاربة إلى الإخفاء وذهب جمهور العراقيين إلى الإظهار والوجهان صحيحان مقروء بهما. ومسألة زيادة المدّ في البدل لورش عن نافع حيث تواتر القصر والتوسط والطول عن ورش. وهذا النوع من الخلاف لا يجوز فيه إلغاء وجه من الأوجه المتواترة الواردة في المسألة ، لذلك لم يلتفت العلماء إلى ما ذهب إليه ابن غلبون في منعه زيادة المدّ في البدل لورش لتواتر ذلك عند جمهور أهل الأداء.

القسم الثاني : وهو كون الخلاف دائرٌ بين راجح ومرجوح ففي هذه الحالة يُعمَلُ بالراجح لتواتره نصاً وأداءً ويُلغى المرجوح لعدم تواتره وشهرته بسبب انفراد بعض أهل الأداء بذلك الوجه مخالفين غيرهم ، حيث لا يمكن أن يكون المرجوح متواتراً ولا أن يكون الراجح مما انفرد به بعض أهل الأداء ، كبعض من انفرد بتفخيم الراء في { مِرْفَقا } لمن كسر الميم وكذلك من انفرد بترقيق راء { مريم } و{ قرية } مما كان منصوصاً إلاّ أنّ الترقيق لم يكن مشهوراً في هاتين الكلمتين. وهذا يدلّ على أنّ المنصوص قد لا يكون متواترا ومستفاضاً إذ العبرة بالنصّ الذي يكون مضمونه مشهوراً ومتواتراً أو صحيحاً متلقىً بالقبول عند أهل الأداء وهو شرط ابن الجزري الذي ألزم به نفسه في كتاب النشر فقال رحمه الله تعالى " ..فكان من الواجب عليّ التعريف بصحيح القراءات ، والتوقيف على المقبول من منقول مشهور الرويات ، فعمدتّ على أثبتِ ما وصل إليّ من قراءاتهم ، وأوثق ما صحّ لديّ من رواياتهم ، من الأئمّة العشرة قراء الأمصار والمقتدى بهم في سالف الأعصار.." النشر 1/ص45.


القسم الثالث : الخلاف في المسائل التي يدخل فيها الاجتهاد مما لا يخالف المنصوص والمتلقى أداءً وهو على ضربين : الأوّل : الخلاف في تقديم وجه على غيره من الأوجه المتواترة كالخلاف في تقديم الإشمام في { تأمنّا } فقد قدّم الشاطبي الإخفاء أي الاختلاس وقدّم ابن الجزري الإشمام. وسبب هذا الخلاف يرجع إلى عدّة أسباب :

أولا : إذا كان الوجهان متواترين فيقدّم الأقيس في الأداء ومثاله الميم الساكنة عند الباء فقد تواتر الإدغام والإظهار جميعاً إلاّ أنّ الإخفاء مقدّم بسبب اتفاق أهل الأداء على إخفاء الميم المنقلبة عن النون في نحو { من بعد } ، إذن فقدّم إخفاء الميم لأنّه الأقوى قيساً.

ثانياً : يقدّم أحدهما على الآخر إذا كان المقدّم أكثر شهرة من غيره والشهرة تعرف بجمع أقوال المتقدّمين والنظرفيها فإذا كان الأغلب يأخذ بأحد الوجهين قدّم على الآخر ومثاله في نحو { يشاء إلى } لمن لم يحقق الهمزة الثانية جاز له فيها الإبدال والتسهيل وقدِّم الإبدال لشهرته كما قال الشاطبي ( وعن أكثر القراء تبدل واوها).

ثالثا : يقدّم أحدهما على الآخر اعتداداً بالأصل إذ الأصل أقوى من العارض ومثال ذلك الابتداء بهمزة الوصل في حالة النقل لورش نحو { الاَنعام } ، { الاعراف } حيث اختلف أهل الأداء في ذلك فمن ابتدا بهمزة الوصل اعتدّ بالأصل وهو سكون اللام وسكون اللام يستلزم وجود همزة الوصل عند الابتداء ومن اعتدّ بالعارض أي بحركة اللام للنقل لم يبدأ بهمزة الوصل لانتفاء السبب الذي من أجله وُجِدت همزة الوصل وذلك عند تحرّك اللام. لأجل ذلك قال الإمام الشاطبيّ رحمه الله تعالى :
وتبدا بهمز الوصل في النقل كلّه .....وإن كنت معتداً بعارضه فلا
والوجهان صحيحان إلاّ أنّ الابتداء بهمزة الوصل مقدّم لقوّة الاعتداد بالأصل وهو سكون اللام المستلزم لوجود همزة الوصل. لذا قال الشيخ القاضي في النظم الجامع :
والبدأ في النقل بهمز الوصل.....أفضل الاستناده للأصل.
وكذالك تقديم التغليظ في اللام لورش عن نافع في الوقف على نحو { فلمّا فصلَ } و { بطلَ } حيث جاز الوقف بالتغليظ والترقيق فالتغليظ باعتبار أصل حركة اللام وهو الفتح المستلزم للتغليظ والترقيق باعتبار السكون العارض المستلزم للترقيق لأنّ من شروط تغليظ اللام لورش هو الفتح ، فقدّم التغليظ اعتداداً بالأصل وهو الفتح المستلزم للتغليظ.

رابعاً : يقدّم أحدهما على الآخر اعتداداً بالعارض وسبب ذلك هو شهرة الوجه عند أهل الأداء إذ العبرة في انتشار الوجه واستفاضته ومثال ذلك ميم الجمع لقالون عن نافع ، فورد عنه الإسكان والصلة ، وقدّم العلماء الإسكان لشهرته قراءة ولغة ، فأمّا القراءة فلم ترد إلاّ عن قالون بخلف عنه والمكي وأبي جعفر ، وأمّا لغة فهو الوجه الذي فشا عند العرب كما ذكر غير واحد من العلماء. فالشاهد أنّ وجه الإسكان مقدّم مع أنّه عارض لميم الجمع في الوقف إذ الأصل فيها هو الصلة فيقال للمفرد عليك وللمثنى عليكما وللجمع عليكموا ومع ذلك فقد قدم العارض لشهرته. وكذلك المد العارض للسكون فقد قدّم العلماء التوسط على القصر مع أنّ القصر هو الأصل اعتداداً بالحركة الأصلية والمد هو العارض اعتداداً بالسكون العارض للوقف وهكذا.

خامساً : يقدّم أحدهما على الآخر إذا اشتهر الوجه عند القراء العشرة والأولوية الترتيب المعروف فأولهم نافع ثمّ ابن كثير ثمّ البصري ثمّ الشامي ثمّ أهل الكوفة وأولهم عاصم ثمّ حمزة ثمّ الكسائي وقد جعل مكي القيسي قراءة عاصم بعد نافع والمكي إلاّ أنّ المشهور ما جنح إليه الشاطبي ومن تبعه كابن الجزري وغيره. ومثال ذلك مسألة التقاء الهمزتين المفتوحتين من كلمة لهشام الذي له التحقيق والتسهيل مع إدخال ألف الفصل بين الهمزتين ، فقدّم وجه التسهيل على وجه التحقيق لأنّ التسهيل في الهمزتين هو مذهب أهل الحجاز وقراءة أهل الحجاز تقدّم على غيرهم قال العلامة المارغني رحمه الله تعالى نقلاً عن جدّه الشيخ محمد بن يالوشة شيخ الإقراء في وقته بجامع الزيتونة " ... ومّما يرجّح تقديم التسهيل له أيضاً أنّه قراءة أهل المدينة ومكة والبصرة ولا جرم أنّ قراءتهم تقدّم على قراءة أهل الكوفة أداءً وجمعاً حسبما يرشد لذلك صنيع الإمام الشاطبيّ تبعاً لصاحب التيسير وصنيع الحافظ ابن الجزري وصاحب غيث النفع رضي الله عنهم وأرضاهم فإنّهم قدّموا أهل (سما) – وهو رمز لنافع والمكي والبصري – في الذكر والرتبة على الكوفيين وإنّما وسّطوا الشامي بينهما مع أنّه أحقّ بالتقديم من البصري إذ مرتبة الشام تلي مرتبة الحرمين الشريفين وذلك لما قلناه من تقديم أهل التسهيل على أهل التحقيق وحيث أنّ الشامي شاركهما ناسب ذكره وسطاً بينهما لأنّه من رواية ابن ذكوان وافق أهل التحقيق ومن رواية هشام وافق أهل التحقيق تارة وهو الأكثر وأهل التسهيل والتحقيق تارة أخرى فيجمع بين اللغتين فيقرأ له بهما ومقتضاه أي يقدّم له التحقيق ولكن قدّم له التسهيل لما قررناه تبعاً لجدّنا وبذلك قرأنا على شيخنا الوالد عن الجدّ رضوان الله عليهما وبه أقرئ متّبعاً للأثر ومتمسّكاً بسندنا الأغر والحقّ أحقّ أن يتبع والله تعالى أعلم وقولنا قدّموا أهل( سما) في الذكر والرتبة... ألخ أي على ذلك بنوا تقديم القراءات والروايات بعضها على بعض جمعاً فإذا اجتمعوا كلاً أو بعضاً في كلمة واحدة من الآية المروية جمعاً قدّم صاحب الرتبة وأوّلهم قالون لكونه مدنياً عن مدني ...." انتهى كلامه رحمه الله تعالى ( هامش نجوم الطوالع للعلامة المارغني ص74). أقول : مع أنّ وجه التحقيق هو المشهور عن ابن عامر إلاّ أنّ وجه التسهيل قدّم لهشام لكونه مذهب قرّاء الحرمين والبصرة وقراءتهم مقدّمة على قراءة أهل الكوفة.
وكذلك مسألة زيادة المدّ في البدل فقد روى أكثر أهل الأداء الزيادة في مدّ البدل لورش من طريق الأزرق ومع ذلك فقدّ قدّم القصر لأنّه كلّ القراء أخذوا بالقصر ما عدا ورش ، فالشهرة في هذه الحالة هي شهرة الوجه بالنسبة لجميع القراءات المتواترة ولا تختصّ برواية أو قراءة.





.أمّا الضرب الثاني : الخلاف في المسائل الاجتهادية التي حكمها الاستحباب كالخلاف في مسألة الإشارة بالروم والإشمام في ميم الجمع وهاء الكناية إذ الإشارة في حدّ ذاتها بُنيت على استحباب أهل الأداء.

القسم الرابع : وهو ما كان الخلاف فيه لفظيّ لا يترتّب عنه تغيير في النطق ولا يصادم نصاً من النصوص المعتبرة كمسألة الغنّة في نحو { من مال } هل هي غنة المدغم أم غنة المدغم فيه ومسألة مراتب القلقلة ومراتب الغنة وغير ذلك.

القسم الخامس : وهو ما يتعلّق بالتحريرات وإن كان الخلاف فيه ظهر بعد ابن الجزري إلاّ أنّه من الخلاف المعتبر لاعتماده على المنصوص سواء كان النصّ من ظاهر كلام النشر أو كان من أصول النشر. وعلم التحريرات يتمثّل في مقارنة ظاهر كلام كتاب النشر لابن الجزري بأصوله وهي الكتب التي اعتمد عليها المؤلف عليه رحمة الله تعالى في تأليفه لكتاب النشر زيادة على ذلك أنّه تلقى القراءات بمضمون تلك الكتب فجمع بين الرواية والدراية. والذي قام به المحققون من بعده هو المقارنة بين مضمون كتاب النشر بمضمون أصول النشر فوقع الخلاف بين المحررين في منهجية التحقيق ، فمنهم من اعتمد على ظاهر النشر وهو العلامة المنصوري وأتباعه ومنهم من اعتمد على الأصول كالعلامة الأزميري ومن تبعه كالمتولي والضباع وغيرهم ،وهذا الخلاف لا يخرج عن صحة القراءات الواردة في النشر لتواترها في الجملة وإنّما هو خلاف في تحديد الأوجه المترتبة عن كلّ طريق منعاً للتركيب والخلط بين الطرق.

ومن تأمّل هذه الأنواع يجد أنّ الخلاف لا يخرج عن ما نصّه أهل الأداء ولا عما تلقوه عن مشايخهم ، والدليل على ذلك أنّ كتاب النشر يحتوي على جميع هذه الأقسام ومن تعامل مع كتاب النشر معاملة خاصّة يجد أنّ مؤلفه رحمه الله تعالى ينسب كلّ وجه إلى مصدر من المصادر أو إلى قول من أقوال أهل الأداء الذين سبقوه ، ولذلك نقل أسماء الكتب التي روى منها القراءات مع ذكر سنده إلى صاحب الكتاب ، فكأنّما يريد توثيق ما تلقاه عن مشايخه بالكتب والنصوص ، وكان باستطاعته إن يذكر الإسناد مستغنياً عن ذكر الكتب كما كان يفعل القدامى.


النوع الثاني : وهو الخلاف الغير المعتبر. والسبب في كونه غير معتبر هو عدم ورود الخلاف فيه نصاً عند أئمّة القراءة فهو خلاف نشأ عن اجتهادٍ وتحوّل ذلك الاجتهاد إلى المشافهة لأنّه يُطبّق على القراءة ثمّ يتلقّى الخلف ذلك الوجه مشافهة من الشيخ بعد ما كان اجتهاداً محضاً فينشأ الخلاف في التطبيق إلى مذاهب مختلفة وكلّ من الأطراف يستدلّ بالمشافهة التي تعتبر أصل هذا العلم.
فمسألة الفرجة في إخفاء الميم الساكنة والإقلاب بُنيت على أساس اجتهادٍ محض ثمّ صارت بعد سنوات من المتلقى بالسند المتصل إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام. ومسألة مراتب التفخيم التي نشأ عنها الخلاف في التطبيق فيختلف النطق بحسب الخلاف الناشئ عن الاجتهاد ، فمن اعتبر أنّ مرتبة السكون مرتبة مستقلة ينطق بالحرف الساكن بطريقة معيّنة ومن اعتبر أنّ مرتبة الساكن تتبع حركة ماقبلها في المنزلة ، ينطقها بكيفية أخرى ، وكذلك مسألة كيفية النطق بالقلقلة هل صوتها يكون ساكناً سكوناً خالصاً أم يكون مائلا إلى حركة ما قبله أم إلى الفتح مطلقاً فتغيّر النطق على نحو اختلاف الأقوال.

وهذه المسائل وغيرها لم يختلف فيها القدامى وإنما ظهر الخلاف فيها عند المتأخرين بسبب الخوض فيما لم يخض فيه القدامى ، ومن اطلع على أقوالهم يجد الحلّ بلا ريب دون اللجوء إلى الاجتهاد ، ومن اعتمد على أقوال المعاصرين دون أقوال القدامى فإنّه يبقى متخبطاً في هذا الخلاف ويشغل نفسه بذلك ويضيع الوقت الكثير.

وعلى ما سبق فلا بدّ أن نرجع إلى أقوال القدامى في جميع المسائل قبل اللجوء إلى الاجتهاد لعلنا نجد ما يفصل في المسألة فيتلقى الناس ذلك بالقبول بإذن الله فيزول الخلاف ، إذ واجبنا جميعاً توقير هذه النصوص وإذا وقّرناها حقّ التوقير فإننا سنرجع إليها لتفصل بين المختلف فيه وخاصّة عند نقل أقوال الأئمّة المشهورين الذين شهدت لهم الجماهير بالإمامة في علم القراءة كمكي القيسي وأبي عمرو الداني وأبي العلاء الهمذاني وغيرهم ، بخلاف المشافهة فإنّها اليوم لا يمكن أن تفصل بين المختلف فيه لوجود الخلاف في ذاتها من جهة وانعدام أمثال هؤلاء الأئمّة الذين ذكرناهم. ولا يُعقل أن نلجأ إلى الاجتهاد دون اطلاع على أقوال العلماء فيُجانب الصواب وينشأ الخلاف المسبب للفرقة بين أهل الأداء. والقياس في القراءة مذموم ولا يجوز إلا بشروط سنذكرها في بابها إن شاء الله تعالى. وبالمناسبة أريد أن أنبّه على أنّه قبل الخوض في دراسة النصوص وأقوال القدامى لا بدّ من المشافهة والتلقي من أفواه المشايخ مع التمكن في علم التجويد والقراءات جمعاً بين الرواية والدراية ومن اعتمد على المشافهة فقط فإنّه قد يقع في الخطأ دون أن يشعر ، ومن اعتمد على النصّ دون المشافهة فإنّ ذلك لا ينفعه لأنّه علم بدون عمل وهو أسوأ الأصناف والقراءة سنة متبعة والمتابعة تكون بالمشافهة والنص لأنّ النص يعبّر عن مشافهة القدامى لمشايخهم.


[size=21]أهمية النصوص في إثبات صحة النطق أو صحة الوجه المقروء به.


[size=21]الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد

لا شكّ أنّ السلف أعلم وأدرى من الخلف ، ولمّا طال الزمن قلّ العلم والضبط ونقصت الهمم واختلط نطق العرب بنطق العجم ، فتفطّن العلماء لذلك فدوّنوا كلّ ما يتعلّق بالقرءان من رسم وضبط ونطق وقراءات وكذا الحديث وعلوم العربية وغير ذلك ثمّ قعدوا القواعد في علوم الحديث والفقه واللغة وعلوم القرءان لأنّهم لولم يفعلوا ذلك لذهب العلم كلّه. فعلوم الحديث وضعت لصيانة الحديث النبوي ، وعلوم اللغة وضعت صيانة للنطق العربيّ الفصيح وهذا يقال في الفقه وعلوم القرءان وغير ذلك. إذن فكلّما طال الزمان يقلّ العلم وكلّما قلّ العلم كثر الخلاف وكلّما كثر الخلاف كثرت الحاجة إلى التدوين وجمع العلم على شكل نصوص ثمّ ضبط هذه النصوص بضوابط وقواعد تسير عليها الأجيال الآتية.
لا يمكن اليوم لفقيه أن يتعامل مع النصوص الشرعية دون الاعتماد على القواعد الأصولية والقواعد الفقهية وأقوال الأئمة كأصحاب المذاهب وغيرهم ولايمكن لأيّ رجل أن يحكم على صحة حديث و ضعفه إلاّ بدراسة قواعد مصطلح الحديث وقواعد الجرح والتعديل والمعرفة التامة بأحوال الرواة وأقوال المتقدمين في الراوي أو الحديث نفسه ، ولا يمكن اليوم لأيّ مقرئ بارع أن يستغني عن قواعد علم التجويد وأصول القراءات وأقوال المتقدمين الذين نقلوا لنا هذا العلم ولا يستطيع أن يستحضر القراءات وقواعدها وأصولها إلاّ بحفظ المتون ودراستها. إذن فالاستغناء عن النص كان في وقت صلاح الألسنة وبلوع العلم أقصى مراتبه بخلاف اليوم فلا يمكن الاستغناء عن القواعد والنصوص إذ هي التراث الوحيد الذي يعبّر عن الكيفية الصحيحة التي قرأ بها أئمّتنا.
هل يمكننا اليوم أن نثبت صحة الوجه لغة بشعر من أشعار المتأخرين ؟ بل توقف ذلك في حوالي سنة 150 للهجرة عند دخول الأعاجم للإسلام وانتشار اللحن ، وما نسمعه اليوم من الفصاحة والبلاغة إلا بسبب ما دوّنه أئمّة اللغة كسيبويه وغيره رحمه الله تعالى.

وأمّا المشافهة فلا يمكن الاعتماد عليها فيما يقع الخلاف فيه إذ جميع الأطراف يستدلّ بها على صحة الوجه الذي يأخذ به ، والحقّ لا يتعدّد إلاّ إذا كان الخلاف ثابتاً عند القدامى فيكون الأخذ بالوجهين على التخيير إن تواترا جميعاً مع تقديم أحد الوجهين إمّا شهرة أو قياساً أو ترجيح أحد الوجهين إن كان المرجوح لم يبلغ حدّ القبول المعتبر عند الأئمّة. وأمّا الخلاف الذي لم يرد عند القدامى فيلزم من ذلك أنّ أحد الوجهين مردود لعدم ثبوته نصاً ، فحينئذ لا بدّ من الرجوع إلى نصوص الأئمّة للفصل بين الوجهين فنأخذ بما هو مؤيّد بالنصّ.

وهل يمكننا أن نقطع بأنّ ما نسمعة اليوم من التلاوات للقرءان الكريم هي مطابقة لقراءة النبيّ صلى الله عليه وسلم وقراءة الصحابة والأئمّة من بعدهم خاصّة فيما يخالف نصوص الأئمّة القدامى ؟ ما هو الهدف من السند إذن ؟ ما هو السبب الذي حمل القدامى على التدوين ؟ لا شك أنّ الجواب هو قراءة القرءان كما أنزل. وهل عندما نستغني نحن عن نصوص القدامى سنصل إلى هذا الهدف ؟ المسألة ليست مسألة تطوّر اللغات وتطوّر بعض الحروف كما يقول علماء الأصوات فالمسألة هي مسألة المتابعة إذ القراءة سنة يأخذها الآخر عن الأوّل ، فالآخر مقيّد بالأوّل لا يخرج عنه لأنّه متّبع له. فمخالفة النصوص هو خروج الآخر عن الأوّل وهو ضدّ المتابعة إذ المتابعة تستلزم موافقة المتبوع وليس هناك وسيلة أخرى تُثبت موافقة المتبوع إلاّ بموافقة نصوصه التي تركها للخلف ، وأسانيد الخلف تنصبّ على الأئمّة الأوائل الذين نقلوا لنا هذا العلم وهم الأولى بالاتباع لأنّهم أدرى وأقرب سنداً إلى النبيّ عليه الصلاة والسلام من المتأخرين.
وكلنا يعلم أنّ البحث في مسألة معيّنة في أيّ علم من العلوم الشرعية يرتكز على جمع النصوص الواردة في الباب وهذه النصوص إمّا أن تكون آيات أو أحاديث مرفوعة أو موقوفة أو مقطوعة بالإضافة إلى أقوال الأئمة الذين عرفوا بالإمامة في ذلك العلم.
ولاشك أنّ الذي يجتهد في المسألة دون أن يجمع النصوص والأقوال الواردة في الباب فإنّه سيجانب الصواب. ولا نصّ في علم القراءة إلاّ فيما نقله الأئمّة عن مشايخهم بالسند ، ولأجل هذا فلا بدّ للمجتهد المتأهّل أن يجمع النصوص الواردة في الباب ثمّ يقارن مضمون تلك النصوص بما هو مقروء به اليوم فما وافق النصّ فهو مقطوع به وما خالف النصّ فإنّه يخرج من دائرة القطع إلى دائرة الظنّ والقرءان لا يثبت إلاّ بالقطع ، فيطرح ما يفيد الظنّ ويتمسّك بما يفيد القطع فيكون بذلك جامعاً بين الرواية والدراية ، فالرواية هو المشافهة من المشايخ الثقات والدراية هو العلم بما نصّ عليه الأئمّة عليهم رحمة الله وبالتالي فقد جمع بين خيرين عظيمين وهما التلقي من المشايخ وموافقة الأسلاف في آن واحد. ولا شك أنّ نصوص الأئمّة تفيد القطع فيما تواتر عندهم وتلقوه بالقبول لأنّ نصوصهم تعبّر عن الكيفية الصحيحة التي تلقوها عن مشايخهم ، بل لا يصح أن نقول بتعارض المشافهة بالنص لأنّ النص منبعه مشافهة الأئمّة لمشايخهم فكأنّما نقارن مشافهة المتقدمين بمشافهة المتأخرين وشتان بين المنزلتين.
وقد يقول القائل علم القراءة ليس كالعلوم الأخرى لأنّه لا يؤخذ إلاّ بالمشافهة. أقول لو كانت المشافهة تكفي للحفاظ على النطق الصحيح فما الذي حمل المتقدمين على التدوين ؟
قال الإمام بن سوار ت497 في كتابه المستنير في باب ماجاء في اتباع السنة في القراءة " : - وقد صنف أشياخنا رضي الله عنهم كتباً في اختلاف القراءة العشرة في الحروف ، عارية من الآثار والسنن مما تدعو الحاجة إليها وما روى في ذلك عن النبيّ صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين. فأحببت أن أجمع كتاباً أذكر فيه ما قرأت به على شيوخي الذين أدركتهم من القراءات تلاوة دون ما سمعت " ثمّ قال : " ........إذ كان لا يعلم ذلك إلاّ بمعرفة علم العربية ، ومعرفة مخارج الحروف ، ليصحّ إدغام المتقارب فيما قاربه ، وما يجوز إدغامه مما لا يجوز. فهذا مما لا يجب أن يسع القارئ جهله وإن قلّ. فإنّه يجمع بذلك أموراً :
منها : الدخول في بركة دعوة النبيّ صلى الله عليه وسلم لقوله : رحم الله امرأً أصلح من لسانه.
ومنها : الاقتداء بالسلف الصالحين والأئمّة المتقدّمين في قولهم أعربوا الكلام لتعربوا القرءان.
ومنها السلامة من الأمور الشنيعة والعيب الفظيع لقولهم : إنّ اللحن غمراً كغمر اللحم.
ومنها : مفارقة العامة المذمومين عند الخاصّة. ومنها المهارة في تلاوة القرءان رغبة فيما ضمنه النبيّ عليه الصلاة والسلام بها من رفيع الدرجة وعلوّ المنزلة بقوله : - الماهر بالقرءان مع السفرة الكرام البررة ..... ، ومنها الأمن من فاحش اللحن في الكلام...."
ثمّ قال : وقد تصدّر في المساجد في زماننا هذا قوم قد خالطهم الكبر ، وداخلهم العجب. منهم من يزعم أن لقيَ الشيوخ وقرأ عليهم ، ومنهم من يفتخر بغير ذلك فيقول : ما قرأت على أحد منذ حفظت القرءان ، آخر يقول لي اليوم ثلاثون سنة أقرئ ، لا يعرف ألف الوصل من ألف القطع ، ولا حرف مدّ من حرف قصر ولا يميّز بين – أرسلنا ، وأسلنا ، وألنّا – يتنطع بالرذالة ويفخر بالجهالة ، قد رضي لنفسه بأدون منزلة." انتهى كلامه رحمه الله تعالى.

وقد اشتكى أبو عمرو الداني قلة المهرة من أهل الأداء في وقته فقال في مقدمة كتابه التحديد " أمّا بعد فقد حداني ما رأيته من إهمال قرّاء عصرنا ومقرئي دهرنا تجويد التلاوة وتحقيق القراءة ......" التحديد ص66. وقال القرطبي(ت461) في كتابه الموضح " ولمّا رأيت من قرأة هذا الزمان وكثيراً من منتهيهم قد أغفلوا اصطلاح ألفاظهم من شوائب اللحن الخفي وأهملوا تصفيتها من كدره وتخليصها من درنه....." الموضح ص54.
وقال ابن الجزري : " وإني لما رأيت الهمم قد قصرت ، ومعالم هذا العلم الشريف قد دثرت ، وخلت من أئمة الآفاق ، وأقويت من موفق يوقف على صحيح الاختلاف والاتفاق ، وترك لذلك أكثر القراءات المشهورة ، ونسي غالب الروايات الصحيحة المذكورة ، حتى كاد الناس لم يثبتوا قرءاناً إلا ما في الشاطبية والتيسير ، وكان من الواجب عليّ التعريف بصحيح القرءات ......" النشر 1/54

وعلى ما سبق من هذه الأقوال يمكن أن نقول ما يلي :

أوّلاً : إنّ المشافهة قد اعترتها شيء من النقص بالإهمال والغفلة في وقت هؤلاء الجهابذة.
ثانياً : تدارك العلماء هذا النقص بالتدوين والتأليف.
ثالثاً : صيانة المشافهة بالتدوين والتأليف فكانت هذه التآليف سببا لصيانة القرءان والقراءات من اللحن والخطأ واندثار الكثير من القراءات.
رابعاً : التأليف والتدوين قد عوّض النقص الذي اعترى القراءة في ذلك الزمان.

لا يمكننا أن نتصوّر بقاء التلاوة الصحيحة للقرءان الكريم و القراءات العشر بالكيفية الصحيحة بمجرّد المشافهة دون الاعتماد على النصوص وهذا ما فعله ابن الجزري في كتابه النشر حيث قام بحصر المصادر التي اعتمد عليها وقام بعزو كل وجه وطريق إلى مصدره ولم يكتف بالسند والمشافهة ، فكأنّما أراد أن يثبت صحة تلك الأوجه وأن يوثّق ما تلقاه عن مشايخه بتلك النصوص. فكان النص ملازماً للتلقي لا ينفك عنه ،وكيف ينفك عنه إذا كان النص مصدره التلقي. فإن وقع تعارض بين النص والتلقي فإنّ الخطأ يكون في التلقي بلا ريب لأنّ النصّ لا يتغيّر بخلاف التلقي فإنّه قد يتغيّر لما سبق من أقوال الأئمة.
وعلى ما سبق أقول : إن كانت المشافهة قد اعترتها شيء من النقص والإهمال في وقت الداني ومكي القيسي والقرطبي وغيرهم ألاّ يكون ذلك في زماننا من باب أولي ؟ إن كانت هذه النصوص سبباً في صيانة القرءان من اللحن في ذلك الوقت ألا يكون ذلك في وقتنا من باب أولي ؟ إن كان في ذلك الزمان أئمّة مثل الداني والقيسي والقرطبي ومع ذلك دوّن هذا العلم ليكون عمدة للمتأخرين ألا يكون الاعتماد على هذه النصوص في وقتنا هذا من باب أولي مع انعدام إمثال هؤلاء ؟
ولأجل ذلك لا يمكن الاعتماد على المشافهة لوحدها للحكم على صحة وجه من الأوجه إلاّ إذا كان موافقاً للنصّ لما سبق من البيان قال المرعشي رحمه الله تعالى " وتجويد القرءان قد يحصّله الطالب بمشافهة الشيخ الموجود بدون معرفة مسائل هذا العلم ، بل المشافهة هي العمدة في تحصيله ، لكنّ بذلك العلم يسهل الأخذ بالمشافهة ، ويزيد به المهارة ويُصانُ به المأخوذ عن طريان الشكّ والتحريف كما صرّح به في الرعاية." جهد المقل ص110.

وللأسف فإنّ الكثير مشايخ الإقراء في هذا الزمان يعتمدون على المشافهة ولو كان على حساب النصّ والدليل فتراهم يجيبون بالتلقي في كلّ سؤال يُطرح عليهم فصارت المشافهة سقفاً يختبأ وراءه الجميع. قال مكيّ القيسي في الرعاية " القرآء يتفاضلون في العلم بالتجويد : فمنهم من يعلمُه رواية وقياساً وتمييزاً فذلك الحاذق الفطن. ومنهم من يعرفه سماعاً وتقليداً ، فذلك الوهن الضعيف. لا يلبثُ أن يشكّ ويدخله التحريف والتصحيف إذ لم يبن على أصل ولا نقل عن فهم. فنقل القرءان فطنة ودرايةً أحسن منه سماعاً وروايةً. فالرواية لها نقلها ، والدراية لها ضبطها وعلمها. فإذا اجتمع للمقرئ النقل والفطنة والدراية وجبت له الإمامة وصحّت عليه القراءة. ( الرعاية ص90).
قال أبو عمرو الداني :" وقرّاء القرءان متفاضلون في العلم بالتجويد والمعرفة بالتحقيق ، فمنهم من يعلم ذلك قياساً وتمييزاً ، وهو الحاذق النبيه ، ومنهم من يعلمُهُ سماعاً وتقليداً ، وهو الغبيّ الفهيه ، والعلم فطنةً ودرايةً آكذ منه سماعاً وروايةً. وللدراية ضبطها وعلمها ، وللرواية نقلها وتعلّمها ، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم." التحديد ص67.
أقول : وهذا يدلّ على أفضلية علم الدراية وهو العلم بنصوص أهل الأداء على علم الرواية وهو المشافهة من المشايخ وذلك عند قولهم رحمهم الله " فنقل القرءان فطنةً ودراية أحسن منه سماعاً ورواية ".

قال المرعشي رحمه الله تعالى "....لكن لما طالت سلسلة الأداء تخلل أشياء من التحريفات في أداء أكثر شيوخ الأداء ، والشيخ الماهرالجامع بين الرواية والدراية المتفطن لدقائق الخلل في المخارج والصفات أعزّ من الكبريت الأحمر ، فوجب علينا أن لا نعتمد على أداء شيوخنا كلّ الاعتماد ، بل نتأمّل فيما أودعه العلماء في كتبهم من بيان مسائل هذا الفنّ ، ونفيس ما سمعناه من الشيوخ على ما أودع في الكتب ، فما وافق فهو الحقّ ، وما خالفه فالحقّ ما في الكتب " انظر بيان جهد المقلّ.

والاعتماد على المشافهة المجردة تؤدي إلى أمور سلبية والتي تتمثل عموماً فيما يلي :

أوّلاً : التقليد الذي يجعل التلميذ لا يخرج عن ما تلقاه عن شيخه ولو كان مجانباً للصواب.
ثانياً : عدم القدرة على التمييز بين الوجه الصحيح من غيره.
ثالثاً : اندثار أهل التحقيق الذين يرجعون إلى النصوص لتنقيح المقروء به ، فلا نجد اليوم أمثال الشيخ الضباع والمتولي والمرعشي وغيرهم بل القلة التي عرفت بالتحقيق يخشى أن تندثر إن لم نستدرك ذلك.
رابعاً : غياب مرجعية يرجع إليها عند النزاع فيكثر الخلاف ويؤخذ بالاجتهاد فيما لا تدع إليه الحاجة ويصير من السند المتصل فتتغيّر المشافهة من زمن إلى زمن.
خامساً : تصدّر للإقراء من لا درية له بما يقرئ فيزداد الطين بلّة فينتشر الخطأ والغلط عند الجازين فتتدهور المشافهة من جيل إلى جيل وفي الأخير يقال أننا نقرأ القرءان كما أنزل وهم يبتعدون عن ذلك كلّما مرّت الأزمان.


المراد بالنصّ عند أهل الأداء ووجوب إعماله وعدم إهماله



إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد ألاّ إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وبعد.

الخلاف الذي نشاهده اليوم في علم التجويد والقراءات والذي نشأ عن التمسّك المجرّد بالمشافهة والاجتهاد فيما لا تدعو إليه الحاجة وإهمال النصوص المعتبرة واستعمال بعض الاصطلاحات التي ليست في محلّها ترتّب عن ذلك اختلاف واضطراب في المناهج ، وسببب وجود ثغرات وفراغ في مجال تقعيد القواعد والضوابط في التعامل مع المسائل الخلافية. وهذا الذي حملني أن اخطُوَ خطوة في هذا الاتجاه عسى الله أن يقيّض لذلك علماء يأخذون بزمام هذه المسائل المهمّة. وتعلمون جميعاً أنّ الخطوات الأولى لكلّ مشروع له عثرات وزلاّت ولكنّي لا أخشاها ما دمت أستفيد من ردود مشايخنا الكرام في هذا الوضوع الذي أراه في غاية الأهمّية .

لذلك فإنّي سأحاول بحول الله تعالى أن أبيّن في من خلال هذه الأسطراليسيرة المراد من لفظ النصّ عند أهل الأداء مستعيناً بمعناه اللغوي وما اصطلح عليه أهل الأصول ثمّ التعريج على معناه الذي أراده أهل الأداء بتتبع أقوالهم فيما أطلقوا عليه لفظ النصّ وبذلك يمكننا تحديد معناه وضبطه ، وبيان المعتبر منه وإبراز أهمّية العمل بمقتضاه وعدم أهماله. فأقول وبالله التوفيق :

قال الجوهري في كتابه الصحاح : ) 3/889) " النص : السير الشديد حتى يستخرج أقصى ما عندها ، قال ولهذا قيل نصصت الشيء رفعته ومنه منصة العروس. ونصصت الحديث إلى فلان أي رفعته إليه ، ونصصت الرجل إدا استقصيت مسألته عن الشيء حتى تستخرج ما عنده."

قال الجرجاني في كتاب التعريفات ص241 : " النص ما زاد وضوحاً على الظاهر لمعنىً في المتكلم وهو سوق الكلام لأجل ذلك المعنى ، فإذا قيل أحسنوا إلى فلان الذي يفرح بفرحتي ويغتم بغمي كان نصاً في بيان محبته. النص ما لا يحتمل إلاً معنىً واحداً ، وقيل ما لا يحتمل التأويل."

قال بن قدامى المقدسي : " و ما يفيد بنفسه من غير احتمال كقوله { تلك عشرة كاملة } وقيل هو الصريح في معناه. وحكمه أن يصار إليه ولا يعدل عنه إلاّ بنسخ. وقد يطلق اسم النص على الظاهر ولا مانع منه فإنّ النص في اللغة بمعنى الظهور كقولك نصت الظبية رأسها إذا رفعته ، وقال امرؤ القيس :

وجيد كجيد الريم ليس بفاحش........إذا هي نصته ولا بمعطل

ومنه سميت منصة العروس للكرسي الذي تجلس عليه لظهورها عليه ، إلاّ أنّ الأقرب تحديد النص بما ذكرناه أوّلاً دفعاً للترادف والاشتراك عن الألفاظ فإنّه على خلاف الأصل ، وقد يطلق النص على مالا يتطرق إليه احتمال يعضده دليل ، فإن تطرق إليه احتمال لا دليل عليه فلا يخرجه عن كونه نصاً. " انتهى كلامه رحمه الله تعالى من كتابه روضة الناظر.

ومن خلال تتبع السياق في العبارات التي استعمل فيها ابن الجزري لفظ النصّ وجدتّ أنّ هذا اللفظ يدل على كلّ كلام صريح منقول عن أحد الأئمة المعتبرين الذين اعتمد عليهم في نقل القرءان وقراءاته. فالكلام الصريح هو الذي يفيد معنىً بنفسه من غير احتمال ، حيث إنّه لا يمكن الاستدلال بقول لإثبات صحة الوجه أوصحة الهيئة المقروء بها بشيء يحتمل عدة معاني ، ولأنّ الدليل إذا احتمل معناه أكثر من وجه قد يبطل الاستدلال به ويفقد قطعيّتة ، و يكون الأخذ بأحد الأوجه المحتملة له على سبيل الظنّ وليس على سبيل القطع ، والقرءان لا يثبت إلاّ بما يفيد القطع واليقين.
مثال ذلك ما ذكره ابن الجزري في إثبات صحة وصل الاستعاذة بالبسملة فقال رحمه الله تعالى : " قال ابن شيطا : اعلم أنني قرأت على جميع شيوخنا في كلّ القراءات عن جميع الأئمّة الفاصلين بالتسمية بين السورتين والتاركين لها عند ابتداء القراءة عليهم بالاستعاذة موصولة بالتسمية مجهوراً بهما سواء كان المبدوء به أوّل سورة أو بعض سورة .قال - أي ابن شيطا - ولا علمت أحداً منهم قرأ على شيوخه إلاّ كذلك. اتنهى كلام ابن شيطا. قال ابن الجزري معلّقا ً على كلام ابن شيطا رحمه الله تعالى : وهو نصّ في وصل الاستعاذة بالبسملة كما سيأتي " انتهى كلام ابن الجزري النشر 1/264.
والمثال الثاني وهو متعلّق بقرءانية البسملة في الفاتحة. قال ابن الجزري : رداً على السخاوي عليه رحمة الله تعالى : " وقوله - أي السخاوي - إنّ قالون ومن تابعه من قراء المدينة لا يعتقدونها آية من الفاتحة ففيه نظر إذ قد صحّ نصاً أنّ إسحاق بن محمد المسيّبي أوثق أصحاب نافع وأجلهم قال سألت نافعاً عن قراءة بسم الله الرحمن الرحيم فأمرني بها وقال أشهد أنّها آية من السبع المثاني وأنّ الله أنزلها ، روى ذلك أبو عمرو الداني بإسناد صحيح ......." النشر 1/271.

فالشاهد من المثالين أنّ الكلام المنقول صريح في معناه لا يحتمل والناقلين له من الأئمة المعتبرين.

أمّا مسألة احتمال النصّ أكثر من وجه ، فلا بدّ له من دليل يؤيّد ذلك الاحتمال لقول ابن قدامة المقدسي : " فإن تطرق إليه احتمال لا دليل عليه فلا يخرجه عن كونه نصاً ". مثال ذلك ما يعتقده بعض إخواننا الكرام من أن لفظ " الانطباق الشفتين أو إطباقهما " مثلاً قد يكون بمعنى الانفراج لقول الشاطبيّ عليه رحمة الله تعالى : " والاشمام إطباق الشفاه ". لأنّ الإشمام لا يكون إلاّ بانفراح الشفتين ، وهذا الحتمال فيه نظر لعدة أوجه :
أوّلاً : لعلّ الإمام الشاطبيّ استعمل هذا اللفظ مجازاً ومراعاة للجوانب العروضية ليستقيم وزن البيت.
ثانياً : لقد تتبّعت لفظ الانطباق والإطباق في اللغة وفي اصطلاح أهل الأداء فما وجدتها تحتمل الانفراج لا من قريب ولا من بعيد ومن ذلك صفة الإطباق التي يستحيل أن تكون بمعنى الانفراج لأنّ الانفراج يؤدّي إلى صفة الانفتاح ، إذ ليس من المعقول أن يحتمل اللفظ ضده.
ثالثاً : الميم والباء تخرجان بانطباق الشفتين والمراد من ذلك واضح كوضوح الشمس. أيمكن أن نقول أنّ معنى الانطباق هنا قد يحتمل الانفراج ؟ هذا مستحيل لأنّه لا يمكن النطق بالحرفين بانفراج الشفتين. إذن فهذا الاحتمال ضعيف لعدم وجود دليل يؤيّده.


الفرق بين الوجه الوارد نصاً والوارد أداءً :

كثيراً ما يقرن ابن الجزري عليه رحمة الله عبارة النص بعبارة الأداء فيقول مثلاً وهو الوارد نصاً وأداءً ، وهو الأصل الذي اعتمد عليه في كتابه النشر فقد جمع فيه أصح ما وصل إليه من القراءات نصاً وأداءً فقال رحمه الله تعالى بعد أن ذكر مصادر النشر : " فهذا ما حضرني من الكتب التي رويتُ منها هذه القراءات من الروايات والطرق بالنصّ والأداء ..."- النشر 1/98.
والفرق بين العبارتين أنّ لفظ الأداء يطلق على كلّ ما ثبت بالمشافهة عن المشايخ بالسند المتصل ، وإنّ لفظ النص يشمل قسمين :
الأوّل : ما ثبت بالرواية إلى قائله بالسند كما يفعل ابن مجاهد وابن غلبون والداني في جامع البيان وغيرهم في إثبات وجه لأحد القراء العشرة أو أحد رواتهم أو من كان دونهم في الطبقة ، ولنقتصر على مثال واحد وهو قول أبي عمرو الداني في جامع البيان في باب زيادة التمكين لحروف المدّ واللين فقال رحمه الله تعالى " فحدثنا فارس بن أحمد حدثنا عبد الباقي بن الحسن ، قال مذهب ابن مجاهد في قراءة أبي عمرو : أن يكون المدّ كله وسطاً في المتصل والمنفصل."

الثاني : أن يكون النص ثابت في الكتب المعتبرة ، منقول في المصادر المعتمدة حتّى وإن كان منبعه اجتهادٌ وقياس محض فإنّه يصير من المنصوص ما دام قد نقله الأئمّة في كتبهم بل حتى إن كان مضمونه وجه ضعيف فإنّه لا يخرج من كونه نصّاً ، فمثال ذلك ما ذكره ابن الجزري عن بعض من قال بترقيق الألف بعد الحروف المفخمة فقال عليه رحمة الله : " وأمّا نص بعض المتأخرين على ترقيقها بعد الحروف المفخمة فهو شيء وهم ولم يسبقه إليه أحد " النشر 1/215. الشاهد أنّ ابن الجزري أطلق على ذلك القول بأنّه نصّ مع أنّه قول محدث لم يسبق إليه أحد وهو مجرّد اجتهاد. ومن الأمثلة الضمّ في كلمة { ضعف } عند حفص رحمه الله تعالى حيث صرح بأنّه لم يقرأ بذلك عن عاصم مع ثبوت ذلك الوجه عنه عن عاصم أداءً ونُقل في المصادر التي نقلت روايته ، ولا يزال القراء المسندون لرواية حفص عن عاصم يأخذون بوجه الضم. وكذلك وجه السكت بين الأنفال وبراءة حيث لم يرد نصّ في ذلك مع ثبوته في النشر ، قال ابن الجزري : " فأمّا السكت بينهما فقد قرأت به لجماعتهم وليس هو منصوصاً. وحكى أبو عليّ البغدادي صاحب الروضة عن أبي الحسن الحمامي أنّه كان يأخذ بسكتة بينهما لحمزة وحده ، فقال : وكان حمزة وخلف والأعمش يصلون السورة بالسورة إلاّ ما ذكره الحمامي عن حمزة أنّه سكت بين الأنفال والتوبة وعليه أعوّل انتهى. وإذا أخذ بوجه السكت عن حمزة فالأخذ به عن غيره أحرى." انتهى كلام صاحب النشر 1/269. أقول : الأخذ بوجه السكت بين الأنفال وبراءة لجميع القراء قياس على مذهب حمزة حيث مذهبه الوصل بين السورتين فإن ورد عنه السكت بينهما فيكون لغيره - أي للساكتين والفاصلين - من باب أولى. وكذلك وصل السورة بأوّلها كمن يكرر سورة الإخلاص ، فإنّ الوصل يستلزم الإتيان بالبسملة قياساً ، قال ابن الجزري : " فلم أجد فيه نصّاً والذي يظهر البسملة قطعاً ، فإنّ السورة والحالة هذه مبتدأة كما لو وصلت الناس بالفاتحة. " انتهى النشر 1/270. ومسألة السكت على هاء { ماليه هلك} حيث إنّ الإظهار متواتر عند أهل الأداء إلاّ أنّه لا يمكن الإتيان به لثقله في النطق لأنّ الهاء مخرجها بعيد من أقصى الحلق والحرف كلّما بعُد مخرجه عن الفم كلما صعب وهذا إذا كان منفرداً عن نظيره ، فما بالك إن كان متصلاً به كما في مثالنا ؟ فهذه المشقة في النطق حملت العلماء على الأخذ بالقياس والاجتهاد درءاً لهذه المشقة فأوجبوا وجه السكت على الإظهار في { ماليه هلك } ، فتلقاه أهل الأداء بالقبول ونقلوه في كتبهم وقرءوا وأقرءوا به ، فأصبح هذا الوجه من الثابت نصاً وأداءاً ، فثبوته نصاً لانتشاره في المصادر وثبوته أداءً أي ناتج عن إقراؤهم بهذا الوجه بعد أن تلقّوه بالقبول.

فنخلص مما سبق أنّ النصّ يشمل كلّ ما نُقله الأئمّة عن القراء أو رواتهم أو دونهم بالسند المتصل إليهم وكذا كلّ ما نُقلَ في المصادر المعتبرة حتّى ولو كان منبعه قياس واجتهاد بغضّ النظر في كون مضمونه معتبراً متلقًىً بالقبول أم ضعيف لا يُعملُ به.


هل يثبت الوجه أداءً من غير نص ؟
الجواب : عندما نرجع إلى ما حوت عليه مصادر أهل الأداء نجد أنّ كلّ ما ثبت بالمشافهة عن المشايخ إلاّ وله نصّ يؤيّده وهذا الذي حمل إمام الفنّ ابن الجزري على نقل أسماء المصادر في النشر وعزو كلّ وجه إلى ناقله إلاّ في بعض المسائل التي اجتهد فيها رحمه الله تعالى مما لا نصّ فيه فإنّ ذلك يُعدّ نصاً بالنسبة لنا ، ويستثنى من ذلك بعض المسائل التي ما ستطاع العلماء ضبطها جيّداً كمقدار زمن الغنة ومقدار زمن السكت وغير ذلك ممّا لا يضبط إلاّ بالمشافهة.

وهل يثبت الوجه نصاً من غير أن يكون ثابتاً أداءً. ؟
الجواب : لا يثبت النصّ إلاّ إذا كان ثابتاً بالمشافهة عن المشايخ لأنّ سبب وجود النصّ هو الحفاظ على أداء النطق الصحيح للكلمات القرءانية والقراءات الثابتة. ولا يمكن المحافظة على شيء معدوم لا وجود له. ويستثنى من ذلك ما كان الخلاف فيه لفظيّ لا يترتّب عليه تغيير في الصوت فتتعدد النصوص اللفظية مع عدم تعدد الوجه أداءً ، ففي لفظ { من مال } اختلف العلماء في الغنة هل هي غنة الميم فيكون الإدغام تاماً أم هي غنة النون فيكون الإدغام ناقصاً ، فالنصوص انقسمت على نحو انقسام الخلاف اللفظيّ إلاّ أنّه لا يترتب على هذا الخلاف خلاف في أداء الهيئة.
ويمكن إدخال في هذا القسم ما تواتر في زمن من الأزمنة ثمّ انقطع سنده كالطرق التي توفّرت فيها الشروط الثلاثة ولم يجعلها ابن الجزري ضمن طرق النشر ، فالنصّ موجود إلاّ أنّه لا يُقرأ بمضمونه لانقطاع سنده ، وكذلك مسألة إظهار الميم الساكنة عند الباء حيث ذكر في النشر والطيبة والمقدمة إلاّ أنّ هذا الوجه لا يُقرأ به لاكتفاء أهل الأداء المتأخرين بوجه الإخفاء لقوّته قياساً ، وتخفيفاً لكثرة وقوعه في القرءان إذ لو قرئ بالوجهين في جميع المواضع لشقّ ذلك عليهم.

أمّا الوجه الذي لم يثبت نصاً ولا أداءً فلا اعتبار له بأيّ حال كإدغام للام في النون في نحو جعلنا وأنزلنا ، قال ابن الجزري : " ولم يرد نصّ ولا أداء وذلك نحو جعلنا وأنزلنا ، وظللنا ، وفضلنا وقال نعم." النشر 1/231.

ضابط التفريق بين النصوص المعتبرة والنصوص الغير المعتبرة.

الذي حملني على التفكير في هذا الموضوع منذ أكثر من عشر سنوات ، هو مجالستي بأحد المشايخ الكبار في المدينة النبوية بغرض الاستفادة منه وذلك بطرحي عليه بعض الأسئلة ، فكانت من ضمن تلك الأسئلة : هل يوجد دليل على تفخيم الغنة وترقيق راء {ونذر} فأجابني حفظه الله تعالى بأبيات من نظم لآلئ البيان لشيخه العلامة السمنودي المعاصر حفظه الله تعالى فوقع شئ في نفسي واستنكرت ذلك الاستدلال وقلت في نفسي وهل يستدل بأقوال المعاصرين في إثبات صحة الوجه ؟ إن اعترض المحققون على قول الإمام الشاطبيّ رحمه الله تعالى حين قال " وبعضهم يؤاخذكم " أي أنّ بعض الرّواة عن ورش مَدَّ البدل في{ يُؤاخذ } وهذا وَهْمٌ منه رحمه الله تعالى حيث نقل ابن الجزري الإجماع على قصره حيث قال " ...فإنّ رواة المدّ مجمعون على استثناء يواخذ فلا خلاف في قصره "(النشر 1/340). وقال الداني في الإيجاز " أجمع أهل الأداء على ترك زيادة التمكين للألف في قوله (لايواخذكم الله ، ولا تواخذنا ، ولو يواخذ الله ) حيث وقع وكأنّ ذلك عندهم من واخذت غير مهموز "اهـ (انظر النجوم الطوالع ص56) ، وإنكار ابن غلبون زيادة المدّ في البدل لورش لم يكن معتبراً عند أهل الأداء لمخالفته لما رووه وتلقوه رواية عن مشايخهم ، وتجويز السخاوي الابتداء بالبسملة في أوّل براءة قياساً ، وكذا من انفرد بترقيق الألف بعد حروف الاستعلاء ،وترقيق راء {مريم} و { قرية } ، وغير ذلك.
الشاهد من هذه الأمثلة أنّ أقوال هؤلاء الجهابذة لم تكن معتبرة عند ابن الجزري وعند من سبقه من المحققين لكونها خالفت المشهور وما استفاض من الأقوال لأنّ القراءة لا تثبت إلاّ إذا كانت مشهورة متلقاة بالقبول. فلا اعتبار إلاّ بما اشتهر ووافق نصوص الأئمّة ، فلا ينظر في القائل من هو ولكن يُنظر في قوله هل هو مؤيّد بنصّ معتبر أم لا. ؟

فالحاصل ممّا سبق أنّ المعتبر من النصوص هو ما كان مضمونه متلقى بالقبول مشهوراً عند العلماء بعضّ النظر عن القائل ولو كان من كبار الأئمّة. ويؤيد ذلك شرط ابن الجزري في كتابه النشر وهو ثبوت القراءة عن العدل الضابط عن مثله مع شهرة القراءة ، فلا يكفي أن يكون النص منقولاً عن أحد هؤلاء الجهابدة بل المعتبر هو ما كان مضمون نصّهم مشهوراً متلقىً بالقبول ، ويؤكد ذلك وجود طرق في جامع البيان للداني والتذكرة لابن غلبون وغيرهما التي ما أدخلها ابن الجزري ضمن طرق نشره لأنها لم توافق شرطه أو لم تبلع حد الشهرة المعتبر عنده مع أن أصحاب تلك النصوص من كبار أئمة هذا الفن.

ما هو الضابط في اشتهار الوجه وتلقيه بالقبول أو تواتره.

قد يقول القائل ، هناك بعض الأوجه التي تلقاها المتأخرون بالقبول ونصّوا عليها في كتبهم خلافاً للقدامى ، فهل انتشار تلك الأوجه عندهم يكسب لها حجيّة معتبرة ؟

للجواب على السؤال لا بدّ من تفصيل فأقول وبالله التوفيق :
قراءة القرءان سنّة متّبعة يأخذها الآخر عن الأوّل فالمتابعة تكون بالمشافهة وبموافقة نصوص الأئمّة الذين نقلوا لنا القرءان عضاً طرياً كما أنزل ، ولا يمكن التثبّت من صحة الوجه أداءاً إلاّ بالنصّ الؤيّد له ، لوقوع الاضطراب والخلاف في بعض المسائل الأدائية التي لا يمكن الفصل فيها إلاّ بالنصّ. إذن فاتباع الأئمة يكون بموافقة نصوصهم ، لأنّ مخالفة أقوالهم لا يتناسب مع المتابعة. فإن كان كذلك فكيف يمكن للمتأخرين مخالفة القدامى ؟ هل هناك حاجة أو ضرورة في ذلك ؟ ونحن نعلم جميعاً أنّ القياس في القراءة لا يكون إلاّ في حالة غموض وجه الأداء أو عدم وجود النصّ. ولا يجنح إليه إلاّ ضرورة كما سنبيّنه في بابه إن شاء الله تعالى. أقول : فهل هناك ضرورة في مخالفة النصوص التي دوّنت من القرن الثالث إلى عصر ابن الجزري ، لم يكفي جميع ما دُوّن في هذه الفترة حتّى يسعنا أن نأخذ بالقياس والرأي ؟ ويزداد الأمر خطورة إذا كان ذلك الرأي يخالف صريح النصوص بل يخالف ما ثبت أداءً بلا منازع في طبقة من الطبقات.

وعلى هذا الأساس فإنّ الشهرة لا تتغي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أم الحسين

أم الحسين

عدد الرسائل :
4090

تاريخ التسجيل :
18/03/2009


الخلاف عند علماء التجويد والقراءات Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخلاف عند علماء التجويد والقراءات   الخلاف عند علماء التجويد والقراءات I_icon_minitimeالثلاثاء 13 أبريل 2010 - 10:46

أسباب القياس وشروطه عند أهل الأداء



[size=21]أسباب القياس وشروطه عند أهل الأداء

الجزء الأول

إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا ، من يهده الله فلا هادي له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله ، وبعد

فهذه مبادرة منّي على الخوض في شروط القياس وأسبابه عند أهل الأداء ، وهي مسألة مهمّة لم أجد فيما اطلعت عليه من أفردها في بحث مستقلّ سوى الإشارة إليه من بعد ، فهي مجرّد تجربة ومبادرة تفتح باب النقاش والحوار عسى الله أن يجعل في ذلك النفع.


مقدمة :
القياس هو المصدر الرابع من مصادر التشريع أي بعد الكتاب والسنة والإجماع ، وهو الذي اتفق عليه جماهير المسلمين على الأخذ به واعتبروه مصدراً أساسياً مع المصادر الثلاثة الأولى ، وهو ذو أهمّيّة خاصّة ، لأنّ النصوص محدودة ،والوقائع ليست كذلك ، ولا يمكن أن يحيط المحدود بغير المحدود ، فتظهر ضرورة القياس في التشريع ، وقد يسدّ هذا المصدر باباً كبيراً في بيان الأحكام ، وبه تتمّ صلاحية الشريعة لخلودها وصلاحها لكلّ زمان ومكان ، وإنّ هذه النصوص المحكمة والقواعد العامّة والأصول الثابتة دلّت على الأخذ بالقياس وبذلك يكون دليلاً على حكم الله تعالى. وأمّا في علم التجويد والقراءات فإنّ للقياس أهميّة عظيمة كذلك إلاّ أنّ مجاله يقلّ بالنسبة للأحكام الشرعية إذ الأصل في قراءة القرءان المتابعة ولا يتأتّى ذلك إلاّ بالمشافهة من المشايخ الموثوق بهم والمتصلي سندهم بالنبيّ عليه الصلاة والسلام ولا يُجنح إليه إلاّ في المسائل التي لم يرد فيها نصّ أو غموض الوجه أداءً مما يضطر فيه أهل الأداء إلى الأخذ به للحاجة إذا لم يكن هناك سبيل سوى ذلك ، وهذه المسائل قليلة ومحدودة مقارنة مع الثابت بالنصّ والأداء ، وهذا يختلف تماماً مع الأحكام الفقهية التي تتّسع بحسب مستجدّات العصر والتطوّرات البشرية والعلمية والاقتصادية وغير ذلك والتي لا بدّ لها من إطار يحدّد مشروعية الحكم بالاجتهاد والقياس. مثال ذلك وجه الإظهار في {ماليه هلك } ، فإنّه الثابت عند الجمهور لعروض هاء السكت في الكلمة ولكن هل نستطيع أن نقرأ بالإظهار من غير سكت ؟ لا يمكن لثقل الهاء بسبب خفائها وبُعد مخرجها وخاصّة إذا التقت بمثلها كما في المثال ، وعلى هذا الأساس أجاز العلماء السكت عند الإظهار لأنّه لا يتمّ إلاّ به وليس ثمّة حلّ سوى ذلك. كما أنّ أهل الأداء استعملوا القياس لتقوية بعض الأوجه الثابتة بالنصّ والأداء فقدّموا وجه القصر في البدل لورش قياساً على ما ثبت عند غيره من القراء وما كان متفشياً في لغة العرب مع أنّ معظم الرواة عن ورش من طريق الأزرق رووا تمكين المدّ فيه ، فقُدم القصر قياساً ، ولذلك يعبّرون عن ذلك بقولهم " وهو الأقوى قياساً "، أو وهو "الأقيس أداءً " أو " وهو القياس ". كما أجاز أهل الأداء القياس مطلقاً في المسائل التي يكون خلاف فيها لفظيّ ولا يترتّب عليه تغيير في الصوت القرءاني كعدد مخارج الحروف والصفات والخلاف في الاصطلاحات والألفاظ وفي بعض المسائل النظرية كاختلافهم في الغنة عند إدغام النون في الميم في نحو {من مال} هل هي عنّة الميم أم هي غنّة النون ، وهذا النوع من القياس لا يضرّ لعدم ترتّب عليه تغيير في أداء الحروف والكلمات لذا كان المجال في هذا النوع من قياس أوسع من غيره ولا علاقة به بالضوابط والنطاق المحدود.

ويجدر بنا أن نذكّر أنّ مصادر علم التجويد والقراءات تختلف عن مصادر الشريعة العامّة لأنّ القراءة لا تثبت إلاّ بالمشافهة عن المشايخ ، وما نُقل عنهم بالنصّ من الأقوال المفسّرة لذلك التلقّي حيث لم يثبت في القرءان ولا في السنّة كيفيّة النطق بالحروف وما ينشأ عنها حال التركيب وكذا اختلاف القراءات والروايات. وبعد دخول الأعاجم في الإسلام اختلطت ألسنة العرب بالعجم وضعفت الهمم وكثر اللحن ، فتفطّن أهل العلم لذلك فقاموا بتدوين علم التجويد والقراءات على وفق ما تلقّوا عن مشايخهم بالسند فبيّنوا اللحن الجليّ والخفيّ وبيّنوا مخارج الحروف والصفات وما ينشأ عنها لتحصين تلاوة القرءان الكريم من اللحن ، وجمعوا ما وصلهم من القراءات والروايات والأوجه وبيّنوا الصحيح منها وما استفاض وتواتر عندهم وبيّنوا الشاذ منها وممّا انفرد به بعض الرواة ، فصارت هذه النصوص مصدراً أساسياً للمتأخرين لأنّها تعبّر عن الكيفيّة الصحيحة التي قرأ بها أئمّة هذا الفنّ فكانت سراجاً ومعياراً وميزاناً تقوّم به ما قد يعتري التلقّى من السهو والوهم عبر القرون المتأخّرة ، لذا كانت هذه النصوص أصلاً يعتمد عليه الفرع عند القياس.

والقياس حجة وهو من الأدلّة الشرعية المعتبرة لإجماع الصحابة رضي الله عنهم على ذلك كقياسهم خلافة أبي بكر على الإمامة في الصلاة ، وقياس عمر رضي الله عنه في مسألة المشركة ، وقياس علي حدّ شارب الخمر على حدّ القاذف حيث قال : إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى ، فعليه حدّ المفتري وغير ذلك مما لا يُحصى ، وهذا يدلّ على أنّهم قد استدلّوا بالقياس وعملوا بما ينتج عنه بدون أن ينكر عليهم أحد فكان إجماعاً سكوتياً منهم على حجّيّته. والمجمع عليه بين الصحابة حجّة يجب العمل به. وهذا يدخل في مضمون قوله تعالى { فاعتبروا يا أولي الأبصار}.

والقياس في اللغة : التقدير ، مثل قس الثوب بالذراع أي عرّفت مقداره ، وقستُ القُذّة بالقذّة أي سوّيت بينهما في المقدار ، والقياس من قاس يقيس ، وقاس يقوس ويتعدّى بالباء وبعلى ، فيقال قاسه على الشيء ، وقاسه بالشيء ويكثر في الأصول تعدّيه بعلى. – الوجيز في أصول الفقه للزحيلي ص237.

أما القياس اصطلاحاً فقال الشيخ العلامة عبد الحميد ابن باديس رحمه الله تعالى : " هو إلحاق فرع مجهول الحكم بأصل معلوم الحكم في ذلك الحكم لوصف جامع بينهما ، يكون هو سبب الحكم الثابت بالأصل مع انتفاء الفارق بين الأصل والفرع بإلحاق النبيذ بالخمر في التحريم للإسكار الجامع ما بينهما الذي هو علّة تحريمه " الفتح المأمون في شرح مبادئ الأصول تحقيق وشرح فضيلة الشيخ محمد علي فركوس حفظه الله تعالى ص81 و 82.

فمن خلال هذا التعريف يمكن استخراج أركان القياس وهي :

الأوّل : الأصل : وهو محلّ الحكم المشبّه به كالخمر فإنّه أصلٌ للنبيذ ، وقد عبّر عنه العلامة ابن باديس رحمه الله تعالى بالأصل المعلوم.
الثاني : الفرع : وهو المحلّ الذي لم يُنصّ على حكمه كالنبيذ فإنّه فرعٌ والخمر أصلٌ ، لأنّ الجميع مسكّر. وهو الذي عبّر عنه بالفرع المجهول.
الثالث : العلّة : وهو الوصف المعرّف للحكم ، وهو المعبّر عنه بالوصف الذي يجمع بين الأصل والفرع أي السبب.
الرابع : حكم الأصل : وهو الحكم الشرعيّ الذي ورد به النصّ من كتاب أو سنّة أو إجماع ، ويراد إثبات مثله في الفرع كحرمة الخمر ، فيُثبت هذا الحكم في النبيذ لاتفاقهما في العلّة وهو التسكير. وهو المراد بانتفاء الفارق بين الأصل والفرع بإلحاق الفرع بالأصل في التحريم.

وإذا أردنا أن نطبّق أركان القياس الأربعة على مسألة من مسائل التجويد أوالقراءات كالأوجه الثلاثة للمدّ العارض للإدغام قياساً على المدّ العارض للسكون مثلاً.
فالأصل : وهو المشبّه به المد العارض للسكون لثبوت الأوجه الثلاثة فيه نصاً وهي القصر والتوسّط والطول.
وأمّا الفرع : فهو المدّ العارض للإدغام من رواية السوسي عن أبي عمرو نحو { قيل لهم } ،{ حيث شئتما } ، { قال ربّك}.
والعلّة : هي عروض السكون إلاّ أنّه يكون وقفاً بالنسبة للمدّ العارض للسكون ، ويكون وصلاً بالنسبة للمدّ العارض للإدغام لأنّ الإدغام في نحو { قيل لهم } لا يكون إلاّ في الوصل.
والحكم : هو جواز الأوجه الثلاثة في المدّ العارض للإدغام قياساً على العارض للسكون اعتداداً بالعارض وعدمه. قال ابن الجزري عليه رحمة الله تعالى :"ويجوز فيه ثلاثة أوجه – أي المد العارض للإدغام – وهي المد و التوسط والقصر كجوازها في الوقف إذ كان حكم المسكّن للإدغام كامسكّن للوقف كما تقدّم " النشر 1/298.


تنبيهات :
أوّلاً : التنصيص على العلة يوجب الإلحاق عن طريق القياس لا عن طريق اللفظ وبناءً على ذلك فإنّ تحريم النبيذ قد ثبت عن طريق القياس لا عن طريق اللفظ والنصّ ، ففرق بين ما ثبت عن طريق القياس وما ثبت عن طريق اللفظ ، حيث أنّ ما ثبت عن طريق القياس أضعف مما ثبت عن طريق اللفظ وأنّ الحكم الثابت عن طريق اللفظ يُنسخ ويَنسخ. وهذا يدلّ على أنّ التصّ مقدّم على القياس ، لأنّ القياس لا يكون إلاّ فرعاً ، والفرع هو المحلّ الذي لم ينصّ على حكمه كالنبيذ بالنسبة للأصل وهو الخمر ، ولا يمكن أن يقدّم الفرع الناتج عن الأصل على أصله ، لذا تعذّر نسخ النص و الإجماع بالقياس ، ولذلك لا يمكن نسخ أو طرح جميع النصوص التي تُثبت مثلاً انطباق الشفتين في إخفاء الميم وإقلاب النون ميماً عند الباء على أساس اجتهاد محض قد يحتمل الخطأ والصواب في مقابل النصوص الصرييحة والتلقّي المجمع عليه في انطباق الشفتين .

ثانياً : يجوز القياس على أصل ثابت بالإجماع قياساً على النصّ وهو مذهب الجمهور. ولذلك قال ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى : أمّا إذا كان - أي القياس - على إجماع انعقد أو عن أصل يُعتمد فيصير إليه عند عدم النصّ وغموض وجه الأداء فإنّه مما يسوّغ قبوله ولا يجوز ردّه لا سيما فيما تدعو إليه الضرورة وتمسّ الحاجة مما يقوي وجه الترجيح ويعيّن على قوّة التصحيح".أقول : وهذا الذي فعله رحمه الله تعالى في تقديم وجه إخفاء الميم الساكنة على وجه الإظهار قياساً بإجماع أهل الأداء على إخفاء الميم بعد الإقلاب نحو {من بعد}.

ثالثاً : لا يجوز القياس على أصل ثابت بالقياس. وهذا الذي قام به بعض أهل الأداء المعاصرين حيث أثبتوا وجه الترقيق في الراء الواقعة قبل ياء محذوفة في نحو : {ولم أدر} و { فلا تمار} ، و { وله الجوار} قياساً على { ونذر} ، وكلمة {ونذر} قيست بدورها على الكلمات الثلاث وهي : { أن أسر} ، {فأسر} ، {إذا يسر} المذكورة في كتاب النشر لابن الجزريّ عليه رحمة الله.

رابعاً : يشترط في الفرع أن يكون خالياً عن نص أو إجماع ينافي حكم القياس فإن وُجد نصّ أو إجماع ينافي الحكم الذي وجد عن طريق القياس ، فلا يصحّ القياس لأنّه لا قياس مع نصّ أو إجماع. وهذا كثير ما يقع فيه بعض أهل الأداء المعاصرين وهو التسرّع في الاجتهاد والقياس بدون استقراء جميع النصوص ،
مع عدم وجود ضرورة وحاجّة ماسّة إلى الأخذ بالقياس كما سنبيّنه إن شاء الله تعالى.



خامساً : القياس يفيد الظنّ وليس القطع ، لأنّه ناتج عن اجتهاد يحتمل الخطأ والصواب ، وإنّ الحكم الثابت بالقياس هو حكم شرعيّ دينيّ لأنّه مأمورُ به في قوله تعالى : { فاعتبروا يا أولي الأبصار } ، وهو طريق لمعرفة الأحكام الشرعية وطريق حلّ قيود الكثير من المسائل التي قد لا يجد لها أهل الأداء حلولاً إلاّ بالقياس ، وبالتالي يكون مصدراً شرعياً معتبراً يجب العمل به لا سيما فيما تلقاّه أهل الأداء بالقبول. فلا يُعقل إعمال القياس الذي يفيد الظن مقابل إهمال النصوص أو الإجماع الذي يفيد القطع واليقين.

موقف أهل الأداء اتجاه القياس :
قال ابن الجزري رحمه الله : " وبقي قسم مردود أيضاً وهو ما وافق العربية والرسم ولم ينقل البتة فهذا ردّه أحقّ ومنعه أشدّ ومرتكبه مرتكب لعظيم من الكبائر ، وقد ذُكر جواز ذلك عن أبي بكر محمد بن الحسن بن مقسم البغدادي المقرئ النحوي وكان بعد الثلثمائة قال الإمام أبو طاهر بن أبي هاشم في كتابه البيان وقد نبغ نابغ في عصرنا فزعم أنّ كلّ من صحّ عنده وجه في العربية بحرف من القرءان يوافق المصحف فقراءته جائزة في الصلاة وغيرها فابتدع بدعة ضلّ بها عن قصد السبيل قلت – أي ابن الجزري- وقد عقد له بسبب ذلك مجلس ببغداد حضره الفقهاء والقرّاء وأجمعوا على منعه وأوقف للضرب فتاب ورجع وكُتب عليه محضر كما ذكر الحافظ أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد وأشرنا إليه في الطبقات ومن ثمّ امتنعت القراءة بالقياس المطلق وهو الذي ليس له أصل في القراءة يرجع إليه ولا ركن وثيق في الأداء يعتمد عليه كما روينا عن عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت رضي الله عنهما من الصحابة وعن ابن المنكدر وعروة بن الزبير وعمر بن عبد العزيز وعامر الشعبي من التابعين أنّهم قالوا " القراءة سنّة يأخذها الآخر عن الأوّل فاقرؤا كما عُلمتموه ولذلك كان كثير من أئمّة القراءة كنافع وأبي عمرو يقول لولا أنه ليس لي أن أقرأ إلاّ بما قرأت لقرأت حرف كذا كذا وحرف كذا كذا ، أمّا إذا كان على إجماع انعقد أو عن أصل يُعتمد فيصير إليه عند عدم النصّ وغموض وجه الأداء فإنّه مما يسوّغ قبوله ولا يجوز ردّه لا سيما فيما تدعو إليه الضرورة وتمسّ الحاجة مما يقوي وجه الترجيح ويعيّن على قوّة التصحيح بل قد لا يسمّى ما كان كذلك قياساً على الوجه الاصطلاحي إذ هو نسبةُ جزئيٍ إلى كلّيٍ كمثل ما اختير في تخفيف بعض الهمزات لأهل الأداء وفي إثبات البسملة وعدمها لبعض القرّاء ونقل { كتابيه اني } وإدغام { ماليه هلك } قياساً عليه وكذلك قياس ( قال رجلان ، وقال رجل ) على ( قال رب ) في الإدغام كما ذكره الداني وغيره ونحو ذلك مما لا يخالف نصاً ولا يردّ إجماعاً ولا أصلاً مع أنّه قليلٌ جداً كما ستراه مبيّناً بعدُ إن شاء الله تعالى وإلى ذلك أشار مكّي ابن أبي طالب رحمه الله في آخر كتابه التبصرة حيث قال في جميع ما ذكرناه في هذا الكتاب ينقسم إلى ثلاثة أقسام : قسم قرأت به ونقلته وهو منصوص في الكتب موجود ، وقسم قرأت به وأخذته لفظاً أو سماعاً وهو غير موجودٍ في الكتب وقسمٌ لم أقرأ به ولا وجدتّه في الكتب لكن قسته على ما قرأت به إذ لا يمكن فيه إلاّ ذلك عند عدم الرواية في النقل والنصّ وهو الأقل.......".انتهى كلامه رحمه الله النشر 1/18.

قال الشيخ البناء في كتابه إتحاف فضلاء البشر : " وفي النشر إذا قرئ بإظهار الغنّة من النون الساكنة والتنوين في اللام والراء عند أبي عمرو فينبغي قياساً إظهارها من النون المتحرّكة فيهما نحو نؤمن لك ، زيّن للذين ، تأذن ربك إذ النون من ذلك تسكن للإدغام قال – أي ابن الجزري – وبعدم الغنّة قرأت عن أبي عمرو في الساكن المتحرّك وبه آخذ.....قال – أي ابن الجزري – في الأصل بعد نقله ما ذكر لكن القراءة سنّة متبعة فإن صحّ نقلاً اتبع. " انتهي كلام صاحب الإتحاف ( اتحاف فضلاء البشر ص34 طبعة دار الندوة بيروت ). قال العلامة الضباع رحمه الله معلّقاً على كلام البناء على الهامش " لا ينبغي أن يلتفت إلى هذا القياس لمصادمته للرواية الصحيحة الواردة على الأصل إذ النون من نحو لن نؤمن لك وتأذن ربك متحرّكة في الأصل وسكونها عارض للإدغام. والأصل أن لا يعتدّ بالعارض. ولما فيه من القياس ما لا يروى على ما رُوي. والقراءة سنة متبعة يأخذها الآخر عن الأوّل . والقياس إنّما يصار إليه عند عدم النصّ وغموض وجه الأداء. وهذا لا غموض فيه........" اتنهى كلام الشيخ الضباع رحمه الله. نفس المصدر على الهامش ص33.


من خلال ما ذكره ابن الجزري والضباع رحمهما الله تعالى يمكن أن نستخرج من كلامهما ما يلي:

أوّلاً : قد أنكر علماء القرن الثالث على أبي بكر محمد بن الحسن بن مقسم البغدادي المقرئ النحوي لاستعماله القياس في قراءة القرءان وقد عقد له بسبب ذلك مجلس ببغداد حضره الفقهاء والقرّاء وأجمعوا على منعه وأوقف للضرب فتاب ورجع وكُتب عليه محضر ومن ثمّ امتنعت القراءة بالقياس. أقول إن كان القياس قد منع في ذلك الوقت وهو وقت العلم النقد وكثرة أهل الأداء ، فمنعه اليوم يكون من باب أولى.

ثانياً : القياس يصارُ إليه على أساسِ اجماعٍ انعقد أو على أصلٍ يُعتمد إليه عند عدم النصّ وغموض وجه الأداء. إذاً فمفهوم المخالفة يدلّ على أنّه إذا لم يكن القياس على أساسِِ اجماعٍ انعقد أو أصل يُعتمد عليه عند عدم النص وغموض وجه الأداء فإنّه مردود حيث لا يمكن تقديم القياس على النص أو على وجه واردٍ أداءاً. فلذلك قال العلامة الضباع : " لا ينبغي أن يلتفت إلى هذا القياس لمصادمته للرواية الصحيحة الواردة على الأصل..." ولأجل هذا قال مكّي القيسي رحمه الله :" وقسمٌ لم أقرأ به ولا وجدتّه في الكتب لكن قسته على ما قرأت به إذ لا يمكن فيه إلاّ ذلك عند عدم الرواية في النقل والنصّ وهو الأقل......."

ثالثاً : القياس لا يُجنح إليه إلاّ ضرورة بحيث ليس هناك حلّ آخر سوى ذلك قال مكّي في كلامه السابق " ...لكن قسته على ا قرأت به إذ لا يمكن فيه إلاّ ذلك " ومثاله إظهارهاء { ماليه هلك } حيث أنّ الإظهار واردٌ ولكنه صعب لخفاء الهاء وبُعد مخرجها وتزداد المشقّة إذا تكررت كما في المثال ، لذا أجاز العلماء ضرورة السكت عند الإظهار وكذا قياسها على { كتابيه اني } لمن قرأ بالنقل لأنّ الهاء في { ماليه } و{كتابيه} هي هاء السكت فمن حقق الهاء في { كتابيه انّي } أظهرها في { ماليه هلك } ومن قرأ بالنقل في { كتابيه انّي } أدغم في { ماليه هلك } ومن تأمّل في قياس المأخوذ به في هتين الكلمتين يجد أنّه لم يخالف نصاً ولا أداءاً حيث أنّ الإدغام والإظهار في { ماليه هلك } ثابت نصاً وأداءاً وكذا النقل وعدمه في { كتابه انّي } وإنّما القياس تمثّل في السكت عند إدغام { ماليه هلك } والعلاقة بين { ماليه } و{ كتابيه } التي تتمثلّ في لزوم الإظهار مع عدم النقل والإدغام مع النقل.


رابعاً : كلّ ما ذكرناه يدلّ أنّ القدامى كانوا لا يأخذون بالقياس إلاّ ضرورة عند عدم النص وغموض وجه الأداء فكانوا يحتاطون لذلك أشدّ الاحتياط لأجل ذلك وضعوا حدوداً لا يحوز تعدّيها لأيّ سبب بخلاف ما نشاهده اليوم من الخلاف في المسائل التي منشؤها ومنبعها اجتهاد وقياس محض وتزداد الخطورة أنّها تقدّم على النصوص والمشافهة المسندة.

خامساً : مسائل القياس الواردة ِ عند القدامى قليلةٌ جداً كما قال ابن الجزري رحمه الله "... ونحو ذلك مما لا يخالف نصاً ولا يردّ إجماعاً ولا أصلاً مع أنّه قليلٌ جداً كما ستراه مبيّناً بعدُ إن شاء الله تعالى..." وقول مكّي القيسي رحمه الله " وقسمٌ لم أقرأ به ولا وجدتّه في الكتب لكن قسته على ما قرأت به إذ لا يمكن فيه إلاّ ذلك عند عدم الرواية في النقل والنصّ وهو الأقل.......".انتهى كلامه رحمه الله النشر 1/18. أقول إن كانت المسائل القياسية قليلة ومحدودة عند القدامى فلا يجوز اليوم أن نأخذ بالقياس إلاّ الذي أُخذَ به عند أئمة هذا الفنّ المعتبرين وتلقّوه بالقبول

أسباب الأخذ بالقياس :
قال ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى : " أمّا إذا كان - أي القياس - على إجماع انعقد أو عن أصل يُعتمد فيصير إليه عند عدم النصّ وغموض وجه الأداء فإنّه مما يسوّغ قبوله ولا يجوز ردّه لا سيما فيما تدعو إليه الضرورة وتمسّ الحاجة مما يقوي وجه الترجيح ويعيّن على قوّة التصحيح" النشر 1/17.
من خلال كلام ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى يمكن أن نستخرج الأسباب التي حملت القدامى على الأخذ بالقياس وهي :

أوّلاً : عدم وجود نصّ : والنصّ هو ما نُقل بالإسناد عن الأئمّة عليهم رحمة الله تعالى لإثبات حكم أو وجه من الأوجه الأدائية وهذا ما نجده في الكثير من مصادر التجويد والقراءات كجامع البيان للداني وغيره حيث ينقلون النصوص بالإسناد إلى القراء أو إلى رواتهم أو إلى من دونهم من أئمّة أهل الأداء كابن مجاهد وغيره. مثاله : قال الداني في جامع البيان ص288 : "وروى أبو بكر الوليّ عن أحمد بن حميد عن عمرو ، وعن الأشناني عن عبيد عن حفص بالإظهار - أي { يلهث ذلك }- ، وحدثني عبد الله بن محمد ، قال : حدثني حدثني عبيد الله بن أحمد البغدادي ، قال أنا أبو الحسين بن بويان ، قال : حدثنا الحسن بن علي الهذيل ، قال حدثنا أبو عون عن الحلواني عن قالون { يلهث ذلك } مظهر".
إنّ أهل الأداء كانوا يستدلّول على كلّ ما تلقوه عن مشايخهم بنصّ معتبر ينبني عليه ذلك التلقي ، ومن اطلع على كتاب جامع البيان للداني والنشر لابن الجزري وغيرها من الكتب الغير المختصرة ، يدرك ذلك إدراكاً جلياً ، وهذا الذي حمل الداني وغيره على نقل النصوص بالأسانيد ، وحمل ابن الجزريّ على نقل المصادر التي روى منها القراءات ، وحمل أهل الأداء على استعمال القياس فيما لا نصّ فيه لأنّ القراءة عندهم لا بدّ أن تنبني على أصول معتبرة تقاس عليها بقية الأوجه التي لم تثبت بالنصّ ، وذلك لوجود الكثير من الأوجه الأدائية التي تفتقر إلى نصّ ، لذا فرّق أهل الأداء بين الثابت بالنصّ والثابت بالأداء ، مثال ذلك مسألة إثبات حرف المدّ وعدمه قبل الهمزة الساقطة في نحو { السماء أن نقع } لمن أسقط الهمزة الأولى ، قال أبو عمرو الداني في جامع البيان " ولا أعلم أحداً من الرواة نصّ عليها بمدّ ولا بقصر غيره ، وإنّما يتلقى الوجهان فيهما من أهل الأداء تلقياً " جامع البيان ص225،. أقول : إذن فكلّ ما ثبت بالأداء المجرّد عن النصّ احتاج إلى تأصيل وتقعيد ليكون تحت أصل وثيق ينبني عليه ذلك التلقّي كجواز القصر والمدّ قبل الهمزة الساقطة كما في المثال الفارط نحو {السمآ أن } لمن أسقط الهمزة الأولى مع تقديم وجه القصر لذهاب أثر الهمز ، وجواز المدّ والقصر قبل الهمز المغيّر بالتسهيل لمن سهّل الأولى في نحو {هؤلاء إن } مع تقديم وجه المد لبقاء أثر الهمز ، وهكذا.
فنخلص مما سبق أنّ إعمال القياس عند عدم النص يكون في حالتين : الأولى عند انعدام الوجه أداءً أو غموضه ، ففي هذه الحالة يُجنح إلى القياس عند الضرورة كالسكت عند إظهار الهاء في {ماليه هلك } لتعذّر الإظهار من غير سكت. الثانية : ثبوت الوجه أداءً ، فيُقوى الوجه قياساً بجعله تحت أصل معتبر يقوم مقام النصّ كما سيأتي في الأمثلة ، وهذا الصنف لا يتوقّف على وجود ضرورة.

ثانياً : غموض الوجه أداءً :
وهو إشكال متعلّق بالأوجه الأدائية التي ما استطاع أهل الأداء أن يجعلوها تحت أصل معتبر، والأصل إمّا أن يكون نصاً أو إجماعاً أو قاعدة مقررة عند أهل الأداء واللغة كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. مثال ذلك : السكت مع الإظهار في { ماليه هلك } حيث لا يمكن إظهار الهاء إلاّ مع السكت لخفائها وبُعدِ مخرجها خاصة إذا تكررت كما في المثال ، والغموض هنا هو تواتر الإظهار مع عدم القدرة على الإتيان به من غير سكت ، وهذا الذي حمل العلماء على تقييد الإظهار بالسكت ضرورة ، وكذلك وجه الروم عند السكت على { شيء } وقفاً ، لحفص من بعض طرق الطيّبة ، إذ لا يمكن أن يُسْكتَ على {شيء} في الوقف إلاّ بالروم ضرورة ، والغموض هنا هو ورود السكت في {شيء} مطلقاً من غير تقييد ، و استحالة الإتيان به وقفاً ، ومن لاحظ كلا المسألتين – أي { ماليه هلك } و { شيء} يجد أنهما لم يرتكزا على نصّ أو إجماع أو قاعدة فهو اجتهاد محض تماماً أُعمل لأجل شدّة الضرورة في بيان الحكم.
قد يقول القائل : ألم يقل ابن الجزريّ أنّ القياس لا بدّ أن ينبني على أصل ؟ الجواب : إن كان في المسألتين أصل اعتُمد عليه فما هو ؟ إذ لو وُجد لزال الغموض ، خلافاً لبعض المسائل التي بُنيت على أصل نحو الابتداء بهمزة الوصل في بلفظ {لْئيكة} في قوله تعالى { وأصحاب لْئيكة } في سورة ص ، حيث لم يرد نص في الابتداء بهمزة الوصل في الكلمة فيما اطلعت عليه لعدم ثبوتها رسماً ، إلاّ أنّ الابتداء بها لازم لتعذّر الابتداء بالساكن ، وهذا الحكم مبنيّ على أصل وثيق وهو التعذّر الابتداء بالساكن وليس هناك حلّ سوى ذلك. فالفرق بين مسألة { ماليه هلك } وبين مسألة { ليكة } أنّ الثانية اعتمدت على أصل خلافاً للأولى وبالتالي فالغموض يكون آكداً في المسألة الأولى ، وإن وجد في الثانية فنسبته قليلة.


ثالثاً : تقوية بعض أوجه الترجيح والإستعانة به على قوّة التصحيح :
وهذا الضرب يختصّ ببعض الأوجه الثابتة أداءً من غير نصّ صريح يُثبت قوّته ، فيعتمد العلماء على القياس تقوية وتصحيحاً له. مثاله : إثبات وجه الإدخال مع تسهيل الثانية للبصري في نحو {أؤنزل } : قال ابن الجزريّ : أمّا أبو عمرو فروى عنه الفصل أبو عمرو الداني في جامع البيان وقوّاه بالقياس وبنصوص الرواة عنه أبي عمرو ، وأبي شعيب وأبي حمدون وأبي خلاد وأبي الفتح الموصلي ومحمد بن شجاع وغيرهم حيث قالوا عن اليزيدي عن أبي عمرو أنّه كان يهمز الاستفهام همزة واحدة ممدودة ، قالوا ولذلك كان يفعل بكلّ همزتين التقتا فيُصيّرهما واحدة ويمدّ أحدهما مثل : { أيذا} ،{ أإله} ، { أينكم} و{ آنتم} وشبهه ، قال الداني فهذا يوجب أن يمدّ إذا دخلت همزة الاستفهام على همزة مضمومة إذا لم يستثنوا ذلك وجعلوا المدّ سائغاً في الاستفهام كلّه وإن لم يدرجوا شيئاً من ذلك في التمثيل فالقياس فيه جار والمدّ فيه مطرد انتهى ، ....وروى القصر عن أبي عمرو جمهور أهل الأداء من العراقيين والمغاربة ، وغيرهم ولم يذكر في التيسير غيره وذكر عنه الوجهين جميعاً أبو العباس المهدوي وأبو الكرم الشهرزوري والشاطبيّ والصفراوي أيضاً. : النشر 1/374. وانظر جامع البيان ص 215.
أقول : من تأمّل في المسألة يجد أنّ أبا عمرو الداني قوّى وجه الإدخال بالقياس لوجود غموض في المسألة إذ ثبت وجه الإدخال من طريق ابن مجاهد عن أبي عمرو من غير نصّ صريح في ذلك ، قال الداني في جامع البيان :" وأحسب ابن مجاهد حكى القصر عن اليزيدي بعد أنّ روى المدّ عن ابن سعدان وعن ابنه عنه من طريق قراءته على أصحابه دون نصّ عنه بذلك ". أقول فالغموض في عدم ورود النصوص الصريحة في إثبات وجه الإدخال عن أبي عمرو مع ثبوته أداءً ، فأراد الداني أن يقوّي الوجه بالقياس بالإضافة إلى ثبوته أداءً. والقياس في هذه المسألة لا يعارض أيّ نص صريح بل يوافق النصوص العامّة التي تثبت الإدخال في كلّ همزتين التقتا في كلمة واحدة. ثمّ أنّه يوافق ما ثبت أداءً عن ابن مجاهد عن أصحابه عن البصري وما رواه الأئمّة كأبي العباس المهدوي وأبي الكرم الشهرزوري والصفراوي وغيره كما ذكر صاحب النشر.
وكذلك قياس أبو عمرو الداني { قال رجلان } و{ وقال رجل } على { قال رب} في الإدغام الكبير.
قال أبو عمرو الداني في كتابه الإدغام الكبير : " واستثنى من ذلك أيضاً أصلاً مطرداً ، وهو ما جاء من لفظ { قال } خاصّة نحو قوله تعالى { قال ربّ } و {قال ربّك } و{ قال ربّنا } ، { وقال ربّكم } ، وشبهه ، وجملته أربعة وأربعون موضعاً ، فأدغم اللام في الراء في ذلك حيث وقع بلا خلاف عنه في الأداء ، نصّ على ذلك ابن اليزيدي ، وأبو شعيب السوسي ، وقياس ذلك عندي { قال رجلان } في المائدة ، و{ وقال رجل } في المؤمن لا غير ، ولا فرق بين ذلك وبينه ، وبالإدغام قرأته طرداً للقياس ، وعلى ذلك أهل الأداء مجمعون "
أقول : قد اعتمد الداني رحمه الله تعالى على ما تلقاه عن شيخه حيث قرأ الموضعين { قال رجلان } و { وقال رجل } بالإدغام حيث قال "وبالإدغام قرأته طرداً للقياس" ثمّ نقل الإجماع في ذلك. إذن فثبوت وجه الإدغام أداءً لا إشكال فيه وإنما استشكل الإمام عدم ورود النصّ عن اليزيدي ، فأراد أن يستدلّ بالقياس مقوّياً له ومعوّضاً الفراغ الذي لم يثبت فيه النصّ. وهذا منهجه في جامع البيان حيث يريد أن يثبت جميع ما تلقاه عن مشايخه بالنصّ ، وفي الكثير من الأحيان لا يجد نصاً فيستدلّ بالقياس تقوية للوجه الذي ثبت عنده وعند غيره من غير نصّ صريج. وقد اطلعت على بعض مصادر النشر فوجدتّ الكثير ممن نقل الإدغام في { قال رجلان } و { وقال رجل } كأبي علي المالكي في كتابه الروضة (1/285) وابن باذش في الإقناع ص91. والإمام القلنسي في كتابه الكفاية الكبرى ص78 ، وغيرهم.

كما يدخل في هذا الضرب تقديم أحد الأوجه على غيره لقوّته قياساًَ مع مساواتها في التواتر والشهرة مثال ذلك تقديم وجه الإخفاء في الميم الساكنة عند الباء نحو { يأمركم بالسوء } قياساً بإجماع أهل الأداء على إخفاء الميم المقلوبه عند الباء نحو { من بعد } قال ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى : " والوجهان صحيحان مأخوذ بهما إلاّ أنّ الإخفاء أولى للإجماع على إخفائها عند القلب " (النشر 1/222). وتقديم الداني رحمه الله تعالى وجه التقليل على الفتح في { أراكهم } لورش قياس على أصله في تقليل ذوات الراء من غبر خلاف. قال الداني بعد أن ذكر وجه الفتح : "وروى آخرون عنه أنّه قرأ الراء وما بعدها بين اللفظين ، وبذلك أقرأني ابن خاقان وابن غلبون عن قراءتهما وهو القياس " (جامع البيان ص312).


رابعاً : وجود ضرورة أو حاجّة ماسّة إلى الأخذ بالقياس : قد يعتبر البعض أنّ هذا السبب شرط من شروط القياس ، وهذا مستبعد لأنّ عبارة ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى لا تدلّ على شرطيّة وجود ضرورة للأخذ بالقياس وذلك عند قوله :" فيصير إليه عند عدم النصّ وغموض وجه الأداء فإنّه مما يسوّغ قبوله ولا يجوز ردّه لا سيما فيما تدعو إليه الضرورة وتمسّ الحاجة " فقال " لا سيما " أي خصوصاً وليس وجوباً. ومن جهة أخرى اعتماد أهل الأداء على القياس في كثير من المسائل التي لا ضرورة فيها كتقديم وجه قياساً من بين الأوجه المتواترة الأخرى ،حيث أطلق الشاطبيّ وغيره الوجهين على كثير من المسائل من غير تقديم أحدهما على الآخر.
فنخلص مما سبق أنّ اشتراط وجود الضرورة في القياس منوط بعدم وجود نصّ وغموض الوجه أداءً كالسكت مع الإظهار في { ماليه هلك }.أما إن كان مضمون القياس مخالف للنصّ والأداء فليس ثمّة حاجة وضرورة إليه. مثاله : الغنّة في الإدغام الكبير من طرق الطيّبة في نحو { نومن لك } قياساً على { هدىً للمتقين } قال ابن الجزري " وبعدم الغنّة قرأت عن أبي عمرو في الساكن المتحرّك وبه آخذ ". أقول : كلام ابن الجزري عليه رحمة الله تعالى يدلّ على بطلان القياس لعدة أسباب :
الأوّل : عدم وجود نصّ على إظهار الغنة في نحو { نومن لك } ، وإنما ثبت في الساكن الأصليّ نحو { هدىً للمتقين } فقط.
الثاني : عدم ثبوته أداءً ، كون ابن الجزري لم يقرأ به مع كثرة المصادر التي نقل منها القراءات.
الثالث : عروض السكون في النون وصلاً لأجل الإدغام ، إذ الأصل تحرّكها بالفتح ، ولا شكّ أنّ الاعتداد بالأصل أولى من الاعتداد بالعارض.
الرابع : عدم وجود ضرورة أو حاجة إلى الأخذ بوجه الغنة في { نومن لك }. ولذلك قال العلامة الضباع : " لا ينبغي أن يلتفت إلى هذا القياس لمصادمته للرواية الصحيحة الواردة على الأصل إذ النون من نحو لن نؤمن لك وتأذن ربك متحرّكة في الأصل وسكونها عارض للإدغام. والأصل أن لا يعتدّ بالعارض. ولما فيه من القياس ما لا يروى على ما رُوي. والقراءة سنة متبعة يأخذها الآخر عن الأوّل . والقياس إنّما يصار إليه عند عدم النصّ وغموض وجه الأداء. وهذا لا غموض فيه........" اتنهى كلام الشيخ الضباع رحمه الله. (هامش كتاب إتحاف فضلاء البشر للبنا ص33).





شروط القياس :

قال ابن الجزري رحمه الله تعالى بعد ذكر توبه أبي بكر محمد بن الحسن بن مقسم البغدادي المقرئ النحوي بعد محاكمته لأجل إعماله للقياس مطلقاً :"ومن ثمّ امتنعت القراءة بالقياس المطلق وهو الذي ليس له أصل في القراءة يرجع إليه ولا ركن وثيق في الأداء يعتمد عليه " وقال رحمه الله تعالى : " أمّا إذا كان -أي القياس - على إجماع انعقد أو عن أصل يُعتمد فيصير إليه عند عدم النصّ وغموض وجه الأداء فإنّه مما يسوّغ قبوله ولا يجوز ردّه لا سيما فيما تدعو إليه الضرورة وتمسّ الحاجة مما يقوي وجه الترجيح ويعيّن على قوّة التصحيح" النشر 1/17.

من خلال ما سبق من كلام إمام الفنّ ابن الجزري عليه رحمة الله تعالى يمكن استخراج شروط القياس وهي :

أوّلاً : وجود أصل معتبر يُعتمد عليه

ثانياً : وجود ركن وثيق في الأداء يُعتمد عليه

ثالثاً : عدم مصادمته لأيّ نصّ من نصوص الأئمّة الذين نقلوا لنا القرءان.

رابعاً : عدم مصادمته للإجماع

خامساً : عدم مخالفته لما ثبت بالأداء عن الأئمّة عليهم رحمة الله تعالى.

شرح هذه الشروط :
الشرط الأول : عدم وجود أصل يُرجع إليه : الأصل هنا يراد به النصّ أو الإجماع أو القواعد المعمول بها عند أهل الأداء وأهل اللغة.
أ - النصّ : قد شرحنا المراد من النصّ عند ذكر أسباب القياس ، والمراد بالسبب هنا قياس الفرع على الأصل أي قياس الحكم المجهول على نصّ معلوم مع اشتراكهما في نفس العلة والسبب ، مثاله قياس { قال رجلان } على { قال رب } لثبوت النصّ في { قال رب } خلافاً ل{ قال رجلان } مع اتفاقهما في العلّة وهو التقاء { قال } بالراء من رواية السوسي التي توجب الإدغام في ذلك ، ولورودهما أداءً وإجماعاً.

ب - إجماع أهل الأداء على حكم معيّن : كإجماعهم على جواز الجمع بين الساكنين وقفاً ، وعلى تمكين المدّ المتصل والمدّ اللازم ، وإبدال الهمزة الثانية وجوباً إذا سكنت في نحو { آمنوا } وعند الابتداء ب{ ايت} مثلاً وغير ذلك. قال ابن الجزريّ : وأمّا – أي القياس - إذا كان على إجماع انعقد أو عن أصل يُعتمد فيصير إليه عند عدم النصّ وغموض وجه الأداء " أقول : وإن فرّق بين الأصل والإجماع إلاّ أنّ الإجماع في حدّ ذاته أصل وثيق يُعتمد عليه ، فالعطف هنا للتوضيح وليس للتفريق والله أعلم. ومثال ذلك إجراء التمكين في حرف المدّ الواقع قبل الهمزة المتطرّفة المبدلة وقفاً عند هشام وهمزة في نحو : {السماء} ، {أغنياء } وشبهه حيث يُبدل حمزة وهشام الهمزة ألفاً في الوقف فيجتمع ألفان : الأصلية والمبدلة من الهمزة ، فالبعض روى القصر بحذف إحدى الألفين تخلّصاً من اجتماعهما ومنهم من روى تمكين المدّ جمعاً بين الساكنين في الوقف قياساً على انعقاد الإجماع على جواز الجمع بين الساكنين في الوقف قال الداني في جامع البيان : "والتمكين أقيس ، لانعقاد الإجماع على جواز الجمع بين الساكنين في الوقف " جامع البيان ص249. وتقديم وجه الإخفاء في الميم الساكنة نحو { يأمركم بالسوء } قياساً على الإجماع الثابت في إخفاء الميم المقلبة من النون نحو { من بعد }.


ج - القواعد المعمول بها عند أهل الأداء وأهل اللغة : كمنع الابتداء بالساكن مطلقاً وإن لم ترسم همزة الوصل وذلك في {وأصحاب لْيكة } حيث لم ترسم همزة الوصل في لفظ { ليكة} إلاّ أنّ الابتداء بها لازم لتعذر الابتداء بالساكن عند البدء بالكلمة. ويقال هذا أيضاً عند الابتداء بكسر لام الأمر في قوله تعالى { ثمّ لْيقضوا } لمن سكنها من القراء لتعذّر الابتداء بالساكن أيضاً ، فكُسرت اللام قياساً إذ ليس هناك حلّ سواه ، ولا يوجد نصّ قديم في الكلمتين أي {ليكة} و {ثمّ لْيقضوا} فيما اطلعت عليه لبعد احتمال الابتداء بهما والعلم عند الله تعالى. ويُدرج أيضاً على سبيل المثال القاعدة المعروفة عند أهل الأداء وأهل اللغة وهو إمالة ألف التأنيث خلافاً لألف التثنية ، فقد اعتمد أهل الأداء على هذا الأصل لوجود حلّ لمشكلة ، وهو الوقف على {كلتا} لأصحاب الإمالة حيث اختلف الأئمة في إمالتها وقفاً ، وهذا اختلاف طبيعيّ لعدم ورود نصوص صريحة في ذلك وسبب ذلك أنّ كلمة {كلتا } وقعت قبل ساكن فلم يحتج العلماء إلى التصريح بإمالتها لأنّها لا تمال وصلاً ، والوقف عليها بعيد الاحتمال لوقوعها في أوّل الآية. والسؤال هو : إذا وقفنا عليها اختباراً فكيف نقف لأصحاب الإمالة ؟ أقول : لا بدّ من جواب للفصل في المسألة بسبب غموضها ووجود حاجّة ماسّة لمعرفة الحكم في الوقف ، فاضطر العلماء إلى استعمال القياس في ذلك ، فمن اعتبرها ألف التأنيث أمالها على وزن (فِعلى) ومن اعتبرها ألف التثنية فتحها ، إذن فالقياس لم ينبني على رأي محض بل كان قائماً على أصل وثيق معتبر بين أهل الأداء وأهل اللغة ، وهو إمالة ألف التأنيث وفتح ألف التثنية ، وقد رُوي عن الكسائي فتحها كما ذكر الداني في جامع البيان وهو مذهب أهل اللغة في الكوفة وهذا الذي جعل ابن الجزري يميل إلى الفتح كما هو واضح في النشر.



الشرط الثاني : وجود ركن وثيق في الأداء يُعتمد عليه : وهذا السبب يتعلّق فيما يبدو بالفرع أي الحكم المجهول وليس بالأصل المعلوم المعتمد عليه في القياس. والمراد من هذا السبب أن يكون الفرع ثابتاً ومعلوماً ومعمولاً به عند أهل الأداء في بعض الأحكام والمسائل. مثال ذلك السكت مع الإظهار في { ماليه هلك } ، فإنّ السكت ثابت ومعلوم ومعمول به بين السورتين ، وعلى الهمزات وعلى المواضع الأربعة التي اختصّ بها حفص. وهو في مقابل الوقف ، والإظهار في { ماليه هلك } لا يكون إلاّ في الوصل وهو متعذّر ، ولا يمكن تعويض الوصل بالوقف الذي ينافيه ، لذا اختار أهل الأداء السكت لأنّه يناسب الوصل وينافي الوقف. وكذلك مسألة السكت على { شيء } في الوقف عند حفص من طرق السكت ، إذ لا يمكن أن يُسْكتَ على { شيء }في الوقف إلاّ بالروم ضرورة ، والروم ثابت ومعروف ومعمول به عند أهل الأداء ، واختيار أهل الأداء لوجه الروم في هذه الحالة يرجع إلى تعذّر الوقف بالسكون مع السكت ، وامتناع الوقف بالحركة ، فاختاروا الروم لجواز الوقف به مع القدرة على السكت في آن واحد.
فنخلص من المثالين أنّ القياس في مسألة { ماليه هلك } و مسألة { شيء } ارتكزا على ركنين وثيقين معروفين معمول بهما عند أهل الأداء وهما السكت في المسألة الأولى ، والروم في الثانية.

الشرط الثالث :عدم مصادمته لأيّ نصّ من نصوص أهل الأداء : لقد سبق من كلام أهل الأداء ، أنّ القياس يُجنح إليه عند عدم النص ، وهذا يُفهم منه أنّ القياس ينتفي بوجود النصّ ، فإن انتفى بذلك فكيف بمن خالف النصّ ؟ ولأجل هذا لا بدّ من استقراء النصوص أوّلاً قبل الخوض في الاجتهاد والقياس ، وهذا خلاف ما فعله بعض العلماء الأجلاء رحمهم الله تعالى في إحداث الفرجة بين الشفتين عند إخفاء الميم والإقلاب قياساً على افتراق طرف اللسان بالحنك الأعلى عند إخفاء النون مع ، أنّ النصوص صرّحت بانطباق الشفتين في الميم المخفاة بل صرّحت بأنّ سبب الإخفاء هو انطباق الشفتين كما ذكر الداني وغيره ، ولأجل ذلك بَطُل القياس في هذه المسألة. وهذا يقال أيضاً في إثبات الغنة في { نومن لك } قياساً على { هدىً للمتقين } من رواية السوسي من بعض طرق الطيبة ، فإنّ النصّ ثبت في النون الساكنة والتنوين فقط ولم يثبت في النون المتحرّكة ، والاعتماد على القياس في هذه المسألة وهم لمصادمته للنصوص المقيّدة بالنون الساكنة فقط.

الشرط الرابع : عدم مصادمته للإجماع :لا شكّ أنّ الإجماع حجة قاطعة يفيد اليقين لأنّ الأمّة لا تجتمع على خطأ أو ضلالة ، ولا شكّ أيضاً أنّ القياس قائم على أساس الاجتهاد ، والاجتهاد قد يحتمل الخطأ والصواب حيث يفيد الظنّ خلافاً للإجماع. فيظهر تفوّق الإجماع على القياس. مثال ذلك مخالفة إمام السخاوي الإجماع في إباحته لوجه البسملة في أوّل براءة من باب التبرّك قياساً : وهو إن كان سبب منع البسملة بين الأنفال وبراءة هو نزولها بالسيف فيكون الابتداء بها للتبرك ، وإن كان السبب أنه لم يُقطع بأنها سورة قائمة بذاتها بل قد تكون تابعة للأنفال , فتكو ن البسملة في أجزاء السور جائزة. قال ابن الجزري في النشر " ...وقال أبو العباس المهدوي : فأما براءة فالقراء مجمعون على ترك الفصل بينها وبين الأنفال بالبسملة ...ثمّ قال : وكذلك أجمعوا على ترك البسملة في أوّلها حال الابتداء بها.. " ثمّ قال : أنّه – أي كلام السخاوي - خرق للإجماع ومخالف للمصحف ولا تصادم النصوص بالأراء " النشر 1/264 و265. أقول : كلام ابن الجزري يدلّ أيضاً على عدم جواز مخالفة النصّ بالقياس والرأي ، وذلك عند قوله " ولا تصادمَ النصوص بالأراء".

الشرط الخامس : عدم مخالفته لما ثبت بالأداء عن الأئمّة عليهم رحمة الله تعالى.المراد بالأداء هو : ما ثبت بالتلقي والمشافهة عن الأئمّة ودوّن في كتبهم ، وأخصّ بالذكر علماء القرن الرابع والخامس والسادس عموماً ، وهي القرون التي جمع فيها ودوّن فيها علم القراءات والتجويد ، وهذه المصادر التي دوّنت في ذلك الوقت تحتوي على :

أوّلاً : ما ثبت بالنصّ عن الأئمّة عليهم رحمة الله تعالى والمراد بالأئمّة قراء الأمصار كنافع وابن كثير وغيرهم أو رواتهم أو من دونهم في الطبقة ، وكبار أهل الأداء المتقدمين على القرن الرابع كابن مجاهد وغيره.

ثانياً : ما ثبت بالأداء والتلقي من المشايخ ودوّن في تلك المصادر، لافتقار النصوص في الكثير ممن أُخذ بالأداء والمشافهة ، فدوّنت لتعويض ما لم يثبت بالنصّ بإثباته في المصادر وتقويتها بالإجماع ، والأصول والقواعد.

ثالثاً : الاعتماد على القياس فيما لا نصّ فيه وعند غموض وجه الأداء.


ويؤيّد ذلك ما قاله مكي القيسي في كتابه التذكرة : " في جميع ما ذكرناه في هذا الكتاب ينقسم إلى ثلاثة أقسام : قسم قرأت به ونقلته وهو منصوص في الكتب موجود ، وقسم قرأت به وأخذته لفظاً أو سماعاً وهو غير موجودٍ في الكتب وقسمٌ لم أقرأ به ولا وجدتّه في الكتب لكن قسته على ما قرأت به إذ لا يمكن فيه إلاّ ذلك عند عدم الرواية في النقل والنصّ وهو الأقل.......".انتهى كلامه رحمه الله النشر 1/18.
أقول : فالقسم الأوّل هو الذي ثبت بالنصّ والأداء جميعاً وهو أقواها والقسم الثاني : هو الذي ثبت بالأداء من غير نصّ ، وهو النوع الذي أردنا بيانه في الشرط الخامس الذي نحن بصدد بيانه .وكلا القسمين يستويان في الحجة إذا وافقا شرط ابن الجزري عليه رحمة الله تعالى "وهو أن يروي تلك القراءة العدل الضابط عن مثله حتّى تنتهي وتكون مع ذلك مشهورة عند أئمّة هذا الشأن الضابطين له غير معدودة عندهم من الغلط أو مما شذّ بها بعضهم." النشر 1/12. وكلاهما يفيدان القطع واليقين فيما أجمع عليه أهل الأداء وتواتر عندهم وتلقوه بالقبول إذ القطع حاصل بذلك كلّه كما قال ذكر ابن الجزريّ في كتابه منجد المقرئين ص91 : " ,وإنما المقروء به عن القراء العشرة على قسمين : متواترٌ ، وصحيح متلقًى بالقبول ، والقطع حاصل بهما.

وعلى ما سبق من التوضيح والبيان ندرك أنّ ما ثبت بالأداء من غير نصّ داخل في المقطوع به إذا وافق الشروط ، ولا يمكن حينئذ تقديم القياس والرأي على ما ثبت عن الشيوخ قراءة وتلاوة لا سيما فيما تواتر عندهم وتلقوه بالقبول. وللأسف فإنّ بعض العلماء يلجئون إلى القياس في بعض المسائل مع ثبوتها عندهم بالتلقي المتفق عليه.


تنبيهات :
التنبيه الأوّل : قد ذكر أهل الأداء أنّ المسائل التي أخذ فيها بالقياس قليلة مقارنة مع الثابت بالنصّ والأداء ، ولكن عند الرجوع إلى أمهات كتب القراءات ككتاب جامع البيان للداني والنشر لابن الجزري نجد أنّهما استعملا لفظ القياس في الكثير من المسائل مما يوهم أنّ معظم هذه المصادر اعتمدت على القياس المحض ، وذلك مخالف للمتابعة لأنّ القراءة سنة متبعة لا اجتهاد فيها كما قال الإمام الشاطبيّ :
وما لقياس في القراءة مدخل ............فدونك ما فيه الرضا متكفّلا

الجواب : من اطلع على كتاب جامع البيان مثلاً مطالعة دقيقة يجد أنّ الداني له اصطلاح خاصّ في استعماله للفظ القياس وقد اعتمد ابن الجزري كثيراً في نشره عليه في تحقيق المسائل والترجيح بين الأوجه وتقديم بعضها على بعض. فكان الداني عليه رحمة الله يستعمل اصطلاح القياس فيما يلي :

أوّلاً : تقديم وجه قياساً من بين الأوجه المتواترة ، كقوله " وهو الأقيس أداءً " ، و " وهو القياس " وغير ذلك ، ولا شكّ أنّ هذا النوع كثير الوجود ويحتاج إلى بيان الأوجه القويّة من غيرها فيما لا يخرج عن ما ثبت بالنصّ والأداء.ً.

ثانياً : تقوية بعض الأوجه الأدائية التي لم يرد فيها نصّ ، فتقوّى تحت أصل أو إجماع أو قاعدة تقوم مقام النصّ ، وهذا النوع نجده في المسائل الثابتة بالأداء من غير نصّ

ثالثاً : إعمال القياس عند عدم النصّ وغموض وجه الأداء فيما تدعوا إليه الضرورة وتمسّ إليه الحاجة ، وهذا الصنف هو الذي وصفه أهل الأداء بإنّه الأقلّ مقارنة مع الثابت بالنصّ والأداء أو بأحدهما ، وهو القسم الثالث الذي ذكره مكي القيسي حين قال " وقسمٌ لم أقرأ به ولا وجدتّه في الكتب لكن قسته على ما قرأت به إذ لا يمكن فيه إلاّ ذلك عند عدم الرواية في النقل والنصّ وهو الأقل.......".
أقول : فالقسم الأول والثاني هو عبارة عن قياس مجازيّ لثبوت الفرع فيه بالنصّ أو بالأداء أو بهما جميعاً لتقوية بعض الأوجه على بعض ، وتقوية الأوجه الثابتة بالأداء من غير نصّ. وفي النوع الثالث هو قياس حقيقيّ لإعماله عند عدم النصّ وغموض الوجه أداءً مما تدعوا إليه الضرزرة.


التنبيه الثاني : من تأمّل في كتب القدامى يجد أنّهم يعتمدون على النصوص اعتماداً كلّياً ، ويعتبرون الوجه الثابت بالأداء عندهم من غير نصّ علّة وإن لم تكن قادحة لعظم الأمانة التي تقتضي نقل القراءات والروايات والأوجه من غير نصّوص ، لأنّها مسؤولية عظيمة بالنسبة لهم إذ يتحمّلون مسؤولية صحّة ما ثبت عندهم أداءً. وهذا الذي حملهم على تقوية ما نقلوه بالأداء من غير نصّ بالقياس وفاءً لتلك الأمانة العظيمة ال
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أم الحسين

أم الحسين

عدد الرسائل :
4090

تاريخ التسجيل :
18/03/2009


الخلاف عند علماء التجويد والقراءات Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخلاف عند علماء التجويد والقراءات   الخلاف عند علماء التجويد والقراءات I_icon_minitimeالثلاثاء 13 أبريل 2010 - 11:13

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد

هذا جزء من نماذج بعض أهل الأداء المعتبرين في استعمالهم للفظ القياس واعتمادهم عليه ليتسنّى لنا فهم منهجهم وطريقتهم في التعامل مع المصادر في إلحاق الفروع بالأصول ، واستخراج الضوابط والقواعد في ذلك ، وهذا العمل يتطلّب جهد عظيم وباع ثقيل واستقراء كبير. وليس مثلي من يقدر على ذلك ، وإنّما هي بداية ومحاولة عسى الله تعالى أن يسخّر أناساً متأهّلين يأخذوذ بزمام هذه المسائل وضبطها إلى أقصى درجة ممكنة ، حيث لا يمكن ضبط جميع المسائل والإحاطة بها لوجود بعض الجزئيات التي لا يمكن إدراجها تحت أصل أو قاعدة لأنها بنيت على اجتهاد أئمة عالمين بوجوه أهل الأداء وعللها دقيقين النظر واسعين الاطلاع في المسائل لهم ملكة وخبرة في تعاملهم مع النصوص والمصادر. فإذا استطعنا أن نضبط على الأقل القواعد العامّة والأصول في ضبط مسائل القياس ففي ذلك خير كثير. أسأل الله تعالى أن يوفّقنا لما فيه الخير.



المسألة الأولى :

إدغام الضاد في الشين للسوسي : قال أبو عمرو الداني في جامع البيان ص 172 : " وأمّا الضاد ، فكان يدغمها في الشين في قوله في النور { لبعض شأنهم } لا غير روى ذلك منصوصاً عن اليزيدي أبو شعيب السوسي ، ولم يروه غيره ، وبذلك قرأت. وبلغني عن ابن مجاهد أنه كان لا يمكن من إدغامها إلاّ حاذقاً ، وقياس ذلك قوله في النحل { والأرض شيئاً } ولا أعلم خلافاً بين أهل الأداء في إظهاره ، ولا فرق بينها إلاّ الجمع بين اللغتين مع الإعلام بأنّ القراءة ليست بالقياس دون الأثر ، فأمّا قوله في عبس { ثمّ شققنا الأرض شقّا } فمظهر بلا خلاف لخفة فتحة الضاد." انتهى كلامه.

أقول : من خلال ما ذكره الداني عليه رحمة الله تعالى يتبيّن ما يلي :

أوّلاً : ثبوت الإدغام وجهاً واحداً في { لبعض شأنهم } عند الداني نصاً عن السوسي عن اليزيدي ، وأداءً حيث قرأ به عن مشايخه ، وهو الذي عليه العمل من طريق الشاطبية كما قال صاحبها عليه رحمة الله " وضاد لبعض شأنهم مدغماً تلا " وهو الذي لم يرو غيره الداني عليه رحمة الله تعالى.

ثانياً : عدم اعتماد الداني على القياس لإثبات وجه الإدغام في { والأرض شيئا } و { الأرض شقا } قياساً على الإدغام الثابت في { لبعض شأنهم } لأنّه لم ثبت عنده بالنصّ والأداء ، ولا يعلم خلافاً بين أهل العلم في ذلك ، وإن كان بعض أهل الأداء قد انفرد بإدغام الضاد في { الأرض شقا } إلاّ أنّه غير معمول به لمخالفته لما عليه الجمهور. قال ابن الجزري : " قد انفرد القاضي أبو العلاء عن ابن حبش عن السوسي بإدغامه. وتابعه الآدمي عن صاحبيه فخالفا سائر الرواة والعمل على ما عليه الجمهور " النشر 1/293. أقول : والسبب في عدم اعتماد الداني على القياس هو : مخالفة القياس للنصّ المرويّ عن اليزيدي ، ومخالفته لما ثبت بالأداء عن الشيوخ وما اشتهر واستفاض عندهم ، والقراءة لا تثبت بالرأي والقياس دون الأثر كما قال الداني : " مع الإعلام بأنّ القراءة ليست بالقياس دون الأثر".

ثالثاً : قد احتج العلماء على عدم ثبوت وجه الإدغام في { والأرض شيئا } و { الأرض شقا } لأجل الجمع بين اللغتين أي بين لغة الإدغام ولغة الإظهار ، و إبقاء صفة التكرير للراء وصعوبة الحفاظ عليها عند الإدغام في { والأرض شيئا } ، ولخفة الفتح بعد السكون في { الأرض شقا } ( انظر النشر 1/293).

رابعاً : قد يقول القائل ما الفرق بينها وبين قياس { قال رجلان } على { قال ربّ } ؟ الجواب هو أنّ قياس { قال رجلان } على { قال ربّ } ثابت بالإجماع والأداء خلافاً لمسألتنا هذه حيث لم يثبت فيها نصّ ولم يُنقل أدائها عن أهل العلم.



المسألة الثانية :

قال ابن الجزريّ رحمه الله تعالى : " واختلف في اختلاسه – أي {يره} – عن يعقوب وابن وردان : فأمّا يعقوب فأطلق الخلاف فيه عن رويس عنه أبو القاسم الهذلي من جميع طرقه وروى هبة الله عن المعدّل عن روح اختلاسها وهو القياس عن يعقوب وروى الجمهور عنه الإشباع. والوجهان صحيحان عنه قرأنا بهما وبهما نأخذ " انتهى كلامه ( النشر 1/311).

أقول : هذا نوع من القياس يُطلق على الوجه الذي يوافق أصول الرواية أو القراءة ، فوجه الاختلاس في {يره} ليعقوف هو الموافق لأصله في هاءات الكناية التي اختلف فيها القراء بين الصلة والإسكان والاختلاس في نحو { يؤده } و { نوله } ، فكان الوجه موافقاً للقياس أي لأصول قراء يعقوب ، وهذه العبارة لا تدلّ على تقديم وجه الاختلاس على الصلة وأنّما تدلّ على موافقته لأصول القراءة فقط ، إذ لم يقدّمه المحقق على وجه الصلة لكون الصلة مذهب الجمهور ، فتساوت الكفتان كفّة الاختلاس لقوّته قياساً ، وكفّة الصلة لثبوته عند الجمهور. وهذا يقرب نوعاً ما قوّة وجه التقليل على الفتح لورش في { أراكهم }. قال الداني بعد أن ذكر وجه الفتح : "وروى آخرون عنه أنّه قرأ الراء وما بعدها بين اللفظين ، وبذلك أقرأني ابن خاقان وابن غلبون عن قراءتهما وهو القياس " (جامع البيان ص312). فيظهر من مراد القياس هنا هو موافقة أصول رواية ورش في تقليل ذوات الراء فيكون وجه التقليل موافقاً للقياس أي للأصول. قال ابن الجزريّ : " واختلف عن الأزرق في (أراكهم) في الأنفال فقطع له بالفتح فيه صاحب العنوان وشيخه عبد الجبار وأبو بكر الأدفوي وبه قرأ الداني على أبي الفتح فارس وقطع بين بين صاحب تلخيص العبارات والتيسير والتذكرة والهداية وقال إنه اختيار ورش ,عن قراءته على نافع بالفتح وكذلك قال مكي إلا أنه قال وبالوجهين قرأت. وقال صاحب الكافي إنه قرأه بالفتح: قال وبين اللفظين اشتهر عنه (قلت) وبه قرأ الداني على ابن خاقان وابن غلبون: وقال في تمهيده وهو الصواب: وقال في جامعه وهو القياس. قال وعلى الفتح عامة أصحاب ابن هلال وأصحاب أبي الحسن النحاس وأطلق له الخلاف أبو القاسم الشاطبي والوجهان صحيحان عن الأزرق والله أعلم." انتهى كلامه عليه رحمة الله تعالى.
أقول : من تأمّل في المثالين يجد أنّ القياس يطلق أيضاً على كلّ ما وافق أصول الرواية أو القراءة ، فيُقوّى الوجه قياساً أي تبعاً للأصول ، وبذلك قَويَ وجه اختلاس هاء الكناية ليعقوب قياساً حتّى صار يساوي وجه الصلة الذي هو مذهب الجمهور ، فتساوا الوجهان في القوّة حيث لم يُقدّم المحقق أحدهما على الآخر. وفي المثال الثاني تساوا الفتح والتقليل في المنزلة لاشتهارهما عند أهل الأداء إلاّ أنّ وجه التقليل تقدّم على وجه الفتح قياساً لموافقته لأصول رواية ورش في تقليل ذوات الراء من غير خلاف ، وإن كان المحقق لم يقدّمه على وجه الفتح إلاّ أنّ غيره قدّمه في الأداء كما فعل العلامة المارغني عليه رحمه الله تعالى في رسالته الأوجه المقدّمة عند القراء.
ومن ذلك زبادة التمكين في مدّ البدل لورش من طريق الأزرق حيث أنّ معظم الرواة رووا ذلك ، ورواة القصر قلّة وهم ابن غلبون ، وابن بليمة في أحد وجهيه. قال ابن الجزريّ : " وذهب إلى القصر فيه أبو الحسن طاهر بن غلبون ورد في تذكرته على من روى المد وأخذ به وغلط أصحابه وبذلك قرأ الداني عليه وذكره أيضاً ابن بليمة في تلخيصه وهو اختيار الشاطبي حسب ما نقله أبو شامة عن أبي الحسن السخاوي عنه...". أقول : في هذه الحالة قدّم وجه القصر في البدل على وجه التمكين فيه مع اشتهاره واستفاضته عند معظم الرواة عن ورش من طريق الأزرق ، إذ تقوية وجه القصر لم تقتصر على تسويته بما هو أشهر منه فحسب بل الأمر تعدّى إلى تقديمه عليه ، وسبب ذلك هو انفراد ورش من طريق الأزرق في زيادة تمكين مدّ البدل خلافاً للطرق الأخرى عنه ، وخلافاً لبقية القراء الذين اقتصروا جميعاً على القصر فيه ، وهو الأشهر عند العرب والأقيس في الأداء تبعاً لأصول ورش في غير طريق الأزرق وتبعاً لأصول بقيّة القراء.
ويجدر أن نذكر في هذا المقام الخلاف الوارد عن هشام في الهمزتين من كلمة نحو { ءأنذرتهم } حيث اختلف أهل الأداء عنه بين التحقيق والتسهيل فقال ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى : "وأما هشام فروى عنه الحلواني من طريق ابن عبدان تسهليها بين بين وهو الذي في التيسير والكافي والعنوان والمجتبى والقاصد والإعلان وتلخيص العبارات وروضة المعدل وكفاية أبي العز من الطريق المذكورة وهو أيضاً عن الحلواني من غير الطريق المذكورة في التبصرة والهادي والهداية والإرشاد والتذكرة لابن غلبون والمستنير والمبهج وغاية أبي العلاء والتجريد من قراءته على عبدالباقي وهو رواية الأخفش عن هشام. وروى الحلواني عنه أيضاً من طريق عبد الله الجمال تحقيقها وهو الذي في تلخيص أبي معشر وروضة أبي علي البغدادي والتجريد وسبعة ابن مجاهد وكذلك روى الداجوني من مشهور طرقه عن أصحابه عن هشام وهي رواية إبراهيم بن عباد عن هشام ..."
أقول : لم يقدّم ابن الجزري ولا الداني في جامعه أيّ وجه في الأداء ، ويظهر من كلام صاحب النشر أنّ وجه التسهيل هو الأشهر لأنّه المنقول في أكثر المصادر وهو الذي اقتصر عليه الداني في التيسير إلاّ أنّ تقديم وجه التسهيل يرجع إلى سبب معتبر اعتمد عليه أهل الأداء وهو تقديم قراءة أهل المدينة ومكة والبصرة على غيرهم ، ومذهبهم في الهمزتين التسهيل لذا كان التسهيل هو الأقيس في الأداء تبعاً لأصول القراءات المقدّمة في الذكر والرتبة تبعاً لصنيع أهل الأداءً. قال العلامة المارغني في توضيحاته وتعليقاته على رسالة العلامة بن يالوشة والمسماة " الأوجه المقدّمة عند القراء : " وجه تقديم التسهيل لهشام على التحقيق في { ءأنذرتهم } مع أنّه – أي ابن عامر – من أهل التحقيق في غالب أحواله هو أنّ التسهيل لمّا كان المقصود منه التخفيف صعوبة الهمز ودفع مشقّته استحقّ التقديم. ومن هنا سمّي تسهيلاً ، وممّا يرجع تقديم التسهيل له أيضاً ، أنّه قراءة أهل المدينة ، ومكة ، والبصرة ، ولا جرم أنّ قراءتهم تقدّم على قراءة أهل الكوفة أداءً وجمعاً حسبما يرشد لذلك صنيع الإمام الشاطبيّ تبعاً لصاحب التيسير وصنيع الحافظ ابن الجزريّ ، وصاحب غيث النفع رضي الله عنهم وأرضاهم ، فإنّهم قدّموا أهل سما في الذكر والرتبة على الكوفيين ، وإنما وسطوا الشامي بينهما مع أنّه أحقّ بالتقديم من البصري ، إذ مرتبة الشام تلي مرتبة الحرمين الشريفين ، وذلك لما قلناه من أحقيّة تقديم أهل التسهيل على أهل التحقيق. وحيث أنّ الشاميّ شاركهما ، ناسب ذكره وسطا بينهما ، لأنّه من رواية ابن ذكوان وافق أهل التحقيق ، ومن رواية هشام وافق أهل التحقيق تارة وأهل التسهيل تارة أخرى ، فيجمع بين اللغتين فيقرأ له بهما. ومقتضاه أن يقدّم له التحقيق ، ولكن قدّم له التسهيل لما قررناه تبعاً لجدّنا ، وبذلك قرأنا على شيخنا الوالد عن الجدّ رضوان الله عليهما ، وبه أقرئ متبعاً للأثر ، ومتمسّكاً بسندنا الأغر ، والحقّ أحقّ أن يتّبع ، والله أعلم " انتهى كلامه عليه رحمة الله.
أقول : هذه المسألة مهمّة للغاية لخصوصيتها ، ويتمثّل ذلك فيما يلي :
أوّلاًُ : الأصل أن يقدّم وجه التحقيق لأنّه يوافق أصول قراءة ابن عامر عموماً ، لثبوته من غير خلاف عن ابن ذكوان وبالخلف عن هشام ، إلاّ أنّ وجه التسهيل كان الأقيس على وجه التحقيق لموافقته أصول قراءة نافع وابن كثير والبصري إذ قرءتهم تقدّم على غيرهم. ومّمّا يُقوّي وجه التسهيل ثبوته في أكثر المصادر عن هشام كما في النشر ، واقتصار الداني عليه في التيسير ، وعدّم تصريح الداني في جامعه وابن الجزريّ في نشره على تقديم وجه التحقيق خلافاً لما قرره العلامة المارغني.

فنخلص مما ورد في المسألة الثانية أنّ تقديم الوجه على غيره يكون بحسب الحالات : فيقدّم الوجه قياساً إذا كان موافقاً لأصول الرواية أو القراءة أو لأصول سائر القراء أو القراء المتقدمين في الذكر والرتبة ، فيقال أنّ التقليل في أراكهم هو الأقيس تبعاً لأصول رواية ورش من غير طريق الأصبهاني ، والاختلاس في هاء الكناية هو الأقيس في أصول قراءة يعقوب ، والتسهيل لهشام وهو الأقيس لموافقته لأصول (سما) وهم نافع ووابن كثير والبصري ، وقصر البدل لورش هو الأقيس تبعاً لأصول سائر القراء. والعلم عند الله تعالى.


المسألة الثالثة :

قال ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى : "وقد ورد عن خلف عن سليم قال أطول المد عند حمزة المفتوح نحو (تلقاء أصحاب. وجاء أحدهم. ويا أيها)قال والمد الذي دون ذلك (خائفين. والملائكة. يا بني إسرائيل) قال وأقصر المد (أولئك) وليس العمل على ذلك عند أحد من الأئمة بل المأخوذ به عند أئمة الأمصار في سائر الأعصار خلافه إذ النظر يرده والقياس يأباه. والنقل المتواتر يخالفه. ولا فرق بين (أولئك وخائفين) فإن الهمزة فيها بعد الألف مكسورة." انتهى كلامه (1/217).
أقول : قد صرّح المحقق على أنّ التفريق في مراتب المتصل تبعاً لحركة الهمزة الواقعة بعد حرف المدّ مخالف للقياس ، فاستعمل لفظ القياس كناية على المأخوذ به عند أئمّة الأمصار في سائر الأعصار
وهو عدم التفرقة بين الأنواع الثلاثة.


المسألة الرابعة:

القياس البدلّ المغيّر بالتسهيل نحو { ء ءامنتم } في الحكم على البدل المغيّر بالنقل نحو { الاخرة } والمغيّر بالإبدال نحو {هؤلاء آلهة } ، حيث نصّ بعض الأئمّة على إدخال البدل المغيّر بالنقل والمغيّر بالإبدال في حكم البدل المحقق ولم ينصوا على البدل المغيّر بالتسهيل. قال ابن الجزريّ :" وأما صاحب التجريد فإنه نص على المد في المغير بالنقل في آخر باب النقل فقال: وكان ورش إذا نقل حركة الهمز التي بعدها حرف مد إلى الساكن قبلها أبقى المد على حاله قبل النقل انتهى. وقياس ذلك المغير بغير النقل بل هو أحرى والله أعلم. وكذلك الداني في التيسير وفي سائر كتبه لم ينص إلا على المغير بنقل أو بدل فقال سواء كانت محققة أي الهمزة أو ألقى حركتها على ساكن قبلها أو أبدلت. ثم مثل بالنوعين فلم ينص على المسهل بين بين ولا مثل به ولا تعرض البتة إليه فيحتمل أن يكون تركه ذكر هذا النوع لأنه لا يرى زيادة التمكين فيه. إذ لو جازت زيادة تمكينه لكان كالجمع بين أربع ألفات وهي الهمزة المحققة والمسهلة بين بين والألف فلو مدها لكانت كأنها ألفان فيجتمع أربع ألفات. وبهذا علل ترك إدخال الألف بين الهمزتين في ذلك كما سيأتي في موضعه.
فإن قيل لو كان كذلك لذكره مع المستثنيات (فيمكن) أن يجاب بأن ذلك غير لازم لأنه إنما استثني ما هو من جنس ما قدر وذلك أنه لما نص على التمكين بعد الهمزة المحققة والمغيرة بالنقل أو بالبدل خاصة ثم اسنثنى مما بعد الهمزة المحققة فهذا استثناه من الجنس فلو نص على استثناء ما بعد الهمزة المغيرة بين بين لكن استثناء من غير الجنس فلم يلزم ذلك واستثناؤه ما بعد الهمزة المجتلبة للابتداء استثناء من الجنس لأنها حينئذٍ محققة وكذلك من علمناه من صاحب الهداية والكافي والتبصرة وغيرهم لم يمثلوا بشيء من هذا النوع إلا أن إطلاقهم التسهيل قد يرجع إدخال نوع بين بين وإن لم يمثلوا به. والجملة فلا أعلم أحداً من متقدمي أئمتنا نص فيه بشيء. نعم عبارة الشاطبي صريحة بدخوله ولذلك مثل به شراح كلامه وهو الذي صح أداء وبه يؤخذ، على أني لا أمنع إجراء الخلاف في الأنواع الثلاثة عملاً بظواهر عبارات من لم يذكرها، وهو القياس والله أعلم."

أقول : من خلال ما ذكره المحقق في هذه المسألة يمكن اختصار كلامه فيما يلي :

أوّلا : معظم المصادر لم تفرّق بين الهمز المحقق وبين الهمز المغيّر وهذا فيه احتمالان : الأوّل دخول المغيّر ضمن المحقق لأنّ التغيير عارض والعارض لا يُعتدّ به ، الثاني : عدّم مدّه لعدم وجود همز محقق في اللفظ. قال ابن الجزريّ : "والاحتمالان معمول بهما عندهم" النشر 1/342.

ثانياً : نصّ صاحب التجريد على مدّ البدل المغيّر بالنقل ، فيكون مدّ المغيّر بالإبدال والتسهيل من باب أولى لبقاء أثر الهمز فيهما خلافاً للمغيّر بالنقل إذ الهمزة تحذف وتنقل حركته إلى الساكن قبله. وقد نصّ الداني على مدّ البدل المغيّر بالنقل و المغيّر بالإبدال دون المغيّر بالتسهيل. وعلى هذا فيُحتمل أن يكون المغيّر بالتسهيل من المستثنيات. فإن كان كذلك فلماذا لم يذكره في المستثنيات ؟ فأجاب ابن الجزريّ أنّ المستثنى لا بدّ أن يكون من جنس المستثنى منه ، والبدل المغيّر بالتسهيل ليس من جنس البدل المحقّق.

رابعاً : عبارة الشاطبيّ صريحة في إدخال الأنواع الثلاثة – أي البدل المغيّر بالتسهيل والإبدال والنقل – ضمن حكم البدل المحقق لقوله عليه رحمة الله تعالى " وما بعد همز ثابت أو مغير " والتغيير يشمل الأنواع الثلاثة. بالإضافة إلى ثبوت ذلك بالأداء عن الشيوخ كما قال ابن الجزريّ ""والاحتمالان معمول بهما عندهم" النشر 1/342." وقال : "وهو الذي صح أداء وبه يؤخذ " النشر 1/343.

خلاصة المسألة : ليست المشكلة في ثبوت مدّ البدل بأنوعه أداءً ، وإنّما الإشكال هو عدم ثبوت مدّ البدل المغيّر وبالأخصّ المغيّر بالتسهيل نصاً فأراد المحقق إثبات ذلك بالقياس تقوية له ، وهو إن ثبت المدّ في البدل المغيّر بالنقل فيكون في غيره من باب أولى لبقاء أثر الهمز في المغيّر بالتسهيل والإبدال خلافاً للمغيّر بالنقل هذا من جهة ومن جهة أخرى أنّ التغيير عارض والعارض لا يُعتدّ به ، وهذا الذي حمل ابن الجزريّ أن يقول : " وبالجملة فلا أعلم أحداً من متقدمي أئمتنا نص فيه بشيء. نعم عبارة الشاطبي صريحة بدخوله ولذلك مثل به شراح كلامه وهو الذي صح أداء وبه يؤخذ، على أني لا أمنع إجراء الخلاف في الأنواع الثلاثة عملاً بظواهر عبارات من لم يذكرها، وهو القياس والله أعلم.". أقول : فاستعمل لفظ القياس تقوية للبدل المغيّر بالتسهيل لعدم ثبوته نصاً. والعلم عند الله تعالى.


المسألة الخامسة : تمكين ألف الفصل بين الهمزتين من كلمة من قبيل المدّ المتصل :

قال ابن الجزريّ في كتابه النشر : "وقال الأستاذ المحقق أبو محمد عبد الواحد بن محمد بن أبي السداد المالقي في شرح التيسير من باب الهمزتين من كلمة عند قوله وقالون وهشام وأبو عمرو يدخلونها أي الألف قال فعلى هذا يلزم المد بين المحققة واللينة إلا أن مد هشام أطول ومد السوسي أقصر ومد قالون والدوري أوسط وكله من قبيل المد المتصل (قلت) إنما جعل مد السوسي أقصر لأنه يذهب إلى ظاهر كلام التيسير من جعل مراتب المتصل خمسة والدنيا منها لمن قصر المنفصل كما قدمنا وبزيادة المد قرأت من طريق الكافي في ذلك كله والله تعالى أعلم.
وذهب الجمهور إلى عدم الاعتداد بهذه الألف لعرضها ولضعف سببية الهمز عند السكون وهو مذهب العراقيين كافة وجمهور المصريين والشاميين والمغاربة وعامة أهل الأداء وحكى بعضهم الإجماع عن ذلك قال الأستاذ أبو بكر بن مهران فيما حكاه عنه أبو الفخر حامد بن حسنويه الجاجاني في كتابه حلية القراء عند ذكره أقسام المد أما مد الحجز ففي مثل قوله (أآنذرتهم وأؤنبئكم وأإذا) وأشباه ذلك قال وإنما سمي مد الحجز لأنه أدخل بين الهمزتين حاجزاً وذلك أن العرب تستثقل الجمع بين الهمزتين فتدخل بينهما مدة تكون حاجزة بينهما لإحداهما عن الأخرى قال ومقداره ألف تامة بالإجماع لأن الحجز يحصل بهذا القدر ولا حاجة إلى الزيادة انتهى وهو الذي يظهر من جهة النظر لأن المد إنما جيء به زيادة على حرف المد الثابت بياناً له وخوفاً من سقوطه لخفائه واستعانة على النطق بالهمز بعده لصعوبته وإنما جيء بهذه الألف زائدة بين الهمزتين فصلاً بينهما واستعانة على الإتيان بالثانية فزيادتها هنا كزيادة المد في حرف المد ثم فلا يحتاج إلى زيادة أخرى وهذا هو الأولى بالقياس والأداء والله تعالى أعلم. "
أقول : إنّ تمكين ألف الفصل بين الهمزتين من قبيل المدّ المتصل ضعيف أداءً وهذا لا إشكال فيه ، إلاّ أنّ العلماء قد ضعّفوه أيضاً من جهة القياس لعروض حرف المدّ ، ولأنّ العرب جعلوها بين الهمزتين كحاجز حتّى يتمكوا من النطق بالهمزتين لاستثقالهم الجمع بينهما. ونلاحظ في هذه المسألة أنّ العلماء استعانوا بالقياس على تضعيف وجه حتّى يتضح ويتجلّى سقوط الوجه الذي انفرد به البعض. فكما أنّ القياس سيتعان به بتقوية الأوجه الصحيحة أداءً ، فإنّه يُستعان به أيضاً على إسقاط الأوجه الضعيفة في الأداء.


المسألة السادسة : مسألة الفصل بين همزتي (ءأن كان ذا مال) لابن ذكوان.

قال أبو عمروالداني رحمه الله تعالى : "قرأ ابن عامر { أن كان ذا مال } على الاستفهام بهمزة محققة وهمزة مسهلة بعدها ، وهشام يفصل بينهما بألف طرداً لمذهبه في سائر الاستفهام ، وابن ذكوان لا يفصل ، لأن من قوله تحقيق الهمزتين دون فاصل في سائر الاستفهام ، فلما لم يفصل في حال الثقل علم أنّه لا يفصل في حال الخفّة ، لأنّ الفصل بالألف تخفيف ، هذا مع أنّ الأخفش وغيره من أصحابه لم يذكروا ذلك عنه ، فوجب أن يُحمل ذلك على ما يوجبه أصل قوله وقياس مذهبه " جامع البيان ص751.
قال ابن الجزريّ في نشره : " واختلف في ذلك عن ابن ذكوان في هذا الموضع وفي حرف فصلت فنص له على الفصل فيهما أبو محمد مكي وابن شريح وابن سفيان والمهدوي وأبو الطيب بن غلبون وغيرهم وكذلك ذكر الحافظ أبو العلاء عن ابن الأخرم والصوري ورد ذلك الحافظ أبو عمرو الداني في التيسير ليس ذلك بمستقيم من طريق النظر ولا صحيح من جهة القياس وذلك أن ابن ذكوان لما لم يفصل بهذه الألف بين الهمزتين في حال تحقيقهما مع ثقل اجتماعهما علم أن فصله بها بينهما في حال تسهيله إحداهما مع خفة ذلك غير صحيح في مذهبه على أن الأخفش قد قال في كتابه عنه بتحقيق الأولى وتسهيل الثانية ولم يذكر فصلاً في الموضعين فاتضح ما قلناه. قال وهذا من الأشياء اللطيفة التي لا يميزها ولا يعرف حقائقها إلا المطلعون بمذاهب الأئمة المختصون بالفهم الفائق والدراية الكاملة انتهى. وبسط القول في ذلك في جامعه وقال الأستاذ أبو جعفر بن الباذش في الإقناع: فأما ابن ذكوان فقد اختلف الشيوخ في الأخذ له فكان عثمان بن سعيد يعني الداني يأخذ له بغير فصل كابن كثير. قال وكذلك روى لنا أبو القاسم رحمه الله عن الملنجي عن أبي علي البغدادي. وكذلك قال محمد بن إبراهيم أبو عبد الله القيس يعني ابن عيسون الأندلسي صاحب ابن أشته قال وهؤلاء الثلاثة علماء بتأويل نصوص من تقدم حفاظ. وكان أبو محمد مكي بن أبي طالب يأخذ له بالفصل بينهم بألف وعلى ذلك أبو الطيب وأصحابه وهو الذي تعطيه نصوص الأئمة من أهل الأداء ابن مجاهد والنقاش وابن شنبوذ وابن عبد الرزاق وأبي الطيب التائب وأبي طاهر بن أبي هاشم وابن أشته والشذائي وأبي الفضل الخزاعي وأبي الحسن الدارقطني وأبي علي الأهوازي وجماعة كثيرة من متقدم ومتأخر قالوا لهم بهمزة ومده (قلت) وليس نص من يقول بهمزة ومده يعطي الفصل أو يدل عليه. ومن نظر كلام الأئمة متقدمهم ومتأخرهم على أنهم لا يريدون بذلك إلا بين بين ليس إلا. فقول الداني أقرب إلى النص وأصح في القياس." ثمّ قال " وقد نص على ترك الفصل لابن ذكوان غير من ذكرت ممن هو أعرف بدلائل النصوص كابن شيطا وابن سوار وأبي العز وأبي علي المالكي وابن الفحام والصقلي وغيرهم. وقد قرأت له بكل من الوجهين. والأمر في ذلك قريب والله أعلم." النشر 1/368.
أقول : هذا مثال مهمّ يوضّح منهج الأئمّة في تعاملهم بالقياس لتصحيح حكم أو تضعيفه ، ففي هذه المسألة اختلف أهل الأداء على قولين القول الأوّل روى الفصل بين الهمزتين مع تحقيق الأولى وتسهيل الثانية ، وهو الذي ثبت بالأداء عن أبي محمد مكي القيسي وابن شريح وابن سفيان والمهدوي وأبي الطيب بن غلبون وغيرهم ، وهؤلاء وغيرهم قالوا بهمزه ومدّه عن ابن ذكوان ، وهذه العبارة لا تدلّ على الفصل كما ذكر ابن الجزريّ والدليل على ذلك أنّ طاهر ابن غلبون يستعمل كثيراً العبارة "المدّة" كناية عن التسهيل كما فعل في { آلذكرين } وأخواتها ومعلوم أنّه لا فصل في هذه المواضع . وذهب الفريق الثاني إلى عدم الفصل بين الهمزتين لعدم ثبوته بالنصّ الصريح والأداء عندهم مستدلين بما نصّه الأخفش على عدم ذكره لألف الفصل لابن ذكوان ، واعتمادهم على القياس وأصول رواية ابن ذكوان في عدم الفصل بين الهمزتين المحققين فكيف يكون الفصل بين المحقق والمسهّل مع أنّ الفصل بين المحققتين يكون أولى لتحقيق هدف التخفيف ، وما سبب الفصل بين الهمزتين إلاّ لأجل التخفيف والتسهيل. وهذه علّة وجيهة في القياس. وليس هدفنا في هذه المسألة الترجيح لأنّ ابن الجزريّ نفسه ما رجّح قولاً على آخر لأنّ الخلاف في المسألة خلاف معتبرٌ ثابت عند الأئمّة ، وإن أنكر الداني الفصل بين الهمزتين فهو منقول بالأداء أيضاً عن بعض الأئمّة المعتبرين ولأجل ذلك قال ابن الجزريّ في الأخير : " وقد قرأت له – أي لابن ذكوان - بكل من الوجهين. والأمر في ذلك قريب والله أعلم." النشر 1/368.
ويبقى وجه عدم الفصل لابن ذكوان هو المقدّم والأقيس في الأداء لموافقته لأصوله والعلم عند الله تعالى.


المسألة السابعة : حكم الهمزتين في { بالسوء إلا } لقالون والبزيّ :

قال ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى : " أما: بالسوء إلا) فأبدل الهمزة الأولى منهما واواً وأدغم الواو التي قبلها فيها الجمهور من المغاربة وسائر العراقيين عن قالون والبزي وهذا هو المختار رواية مع صحته في القياس. وقال الحافظ أبو عمرو الداني في مفرداته هذا الذي لا يجوز في التسهيل غيره. (قلت) وهذا عجيب منه فإن ذلك لنما يكون إذا كانت الواو زائدة كما سيأتي في باب وقف حمزة وإنما الأصل في تسهيل هذه الهمزة هو النقل لوقوع الواو قبلها أصلية عين الفعل كما سيأتي، قال مكي في التبصرة والأحسن الجاري على الأصول إلغاء الحركة. ثم قال: "ولم يرو عنه" يعني عن قالون (قلت) قد قرأت به عنه وعن البزي من طريق الإقناع وغيره وهو مع قوته قياساً ضعيف رواية، وذكره أبو حيان، وقرأنا به على أصحابه عنه، وسهل الهمزة الأولى منهما بين بين طرداً للباب جماعة من أهل الأداء وذكره مكي أيضاً وهو الوجه الثاني في الشاطبية ولم يذكره صاحب العنوان عنهما كلا من الوجهين ابن بليمة..." النشر 1/283.

أقول : في هذه المسألة يتضح أنّ الوجه ولو كان قوياً في القياس قد يكون ضعيفاً في الأداء والرواية ، ومعلوم عند أهل الأداء أنّ تسهيل الهمزة هو الأقوى قياساً لا سيما عند التقاء الهمزتين من كلمة أو كلمتين لأنّه الأشهر مقارنة مع وجه الإبدال. مثاله ذلك التقاء الهمزتين المفنوحتين من كلمة لورش نحو { ءأنذرتهم } حيث يُقرأ له بتحقيق الهمزة الأولى وتسهيل الثانية بين بين أو إبدالها حرف مدّ مشبع ، فمع قوّة وجه التسهيل قياساً إلاّ أنّه قدّم وجه الإبدال لاشتهاره رواية. قال أبو عمرو الداني في التيسير " اعلم أنهما – أي الهمزتين – إذا اتفقا بالفتح نحو {ءأنذرتهم} و{ءأنتم} و{ءأسجد} وشبهه فإنّ الحرمين وأبا عمرو وهشاماً يسهّلون الثانية منهما وورش يبدلها ألفاً والقياس أن تكون بين بين". أقول : يتضح من هذا النصّ أنّ وجه التسهيل هو الأقوى قياساً إلاّ أنّ وجه الإبدال هو الأشهر رواية وعليه قدّم وجه الإبدال على التسهيل. قال العلامة المارغني في رسالته الأوجه المقدّمة عند القراء : " ووجهه : أنّ الإبدال أقوى من جهة الرواية و أبلغ في تخفيف الهمز من التسهيل. وإنّما وجب المدّ الطويل قي ذلك ليكون النطق بالهمزة معتدلاً وليكون مسوّغاً لاجتماع الساكنين على غير حده ، ومن ثمّ سماه بعضهم "مد العدل " فالمد فيه قائم مقام الحركة قيكون الساكن الأوّل في حكم المتحرّك.....ثمّ إنّ الإبدال مع كونه مأثوراً عن ورش في روايته ، متواتراً في قراءته ، هو منقول عند العرب وفاش في كلامهم ، فمن نازع فيه أو غلّط قارئه فهو مكابر أو جاهر أو فاجر " انتهى كلامه عليه رحمة الله تعالى. أقول وهو ظاهر كلام الشاطبي رحمه الله تعالى ( وقل ألفاً عن أهل مصر تبدلت .....لورش وفي بغداد يُروى مسهلا). فأشار على وجه التسهيل بصيغة المبنيّ للمجهول دلالة على عدم شهرته مقارنة مع وجه الإبدال.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أم الحسين

أم الحسين

عدد الرسائل :
4090

تاريخ التسجيل :
18/03/2009


الخلاف عند علماء التجويد والقراءات Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخلاف عند علماء التجويد والقراءات   الخلاف عند علماء التجويد والقراءات I_icon_minitimeالثلاثاء 13 أبريل 2010 - 11:17

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد

فهذه تتمّة للمسائل :


المسألة الثامنة :

قال ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى في حكم التقاء الهمزتين من كلمتين الأولى مضمومة والثانية مكسورة نحو { يشاء إلى } : " واختلف أئمتنا في كيفية تسهيل القسم الخامس فذهب بعضهم إلى أنها تبدل واواً خالصة مكسورة وهذا مذهب جمهور القراء من أئمة الأمصار قديماً وهو الذي في الإرشاد والكفاية لأبي العز قال الداني في جامعه وهذا مذهب أكثر أهل الأداء قال وكذا حكى أبو طاهر ابن أبي هاشم أنه قرأ على ابن مجاهد قال وكذا حكى أبو بكر الشذائي أنه قرأ على غير ابن مجاهد. قال وبذلك قرأت أنا على أكثر شيوخي. وقال في غيره وبذلك قرأت على عامة شيوخي الفارسي والخاقاني وابن غلبون. وذهب بعضهم إلى أنها تجعل بين بين أي الهمزة والياء وهو مذهب أئمة النحو كالخليل وسيبويه ومذهب جمهور القراء حديثاً وحكاه ابن مجاهد نصاً عن اليزيدي عن أبي عمرو ورواه الشذائي عن ابن مجاهد أيضاً وبه قرأ الداني على شيخه فارس بن أحمد بن محمد قال وأخبرني عبد الباقي ابن الحسن أنه قرأ كذلك عن شيوخه. وقال الداني أنه الأوجه في القياس وإن الأول آثر في النقل (قلت) وبالتسهيل قطع مكي والمهدوي وابن سفيان وصاحب العنوان وأكثر مؤلفي الكتب كصاحب الروضة والمبهج والغايتين والتلخيص ونص على الوجهين في التذكرة والتيسير والكافي والشاطبية وتلخيص العبارات وصاحب التجريد في آخر فاطر وقال إنه قرأ بالتسهيل على الفارسي وعبد الباقي. " النشر 1/388. انظر جامع البيان ص227.
أقول : من خلال ما ذكره ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى في المسألة يتبيّن أنّ التسهيل هو الأقيس في الأداء لأنّه هو المشهور عند العرب وعند القراء في تخفيف الهمز سواء كانت الهمزة مفردة كما في { الآئي } وكما هو مذهب الأصبهاني عن ورش في تسهيل {كأنّ} و{ لأملأن } وغير ذلك ، أو كانت مجتمعة بمثلها سواء من كلمة أو من كلمتين وهو مذهب الخليل ابن أحمد وسيبويه من النحاة لذا كان الأقيس في الأداء. وأمّا من جهة الرواية فإنّ وجه الإبدال هو الأشهر إذ هو مذهب جمهور القراء من أئمّة الأمصار كما قال ابن الجزريّ وبه قرأ الداني على معظم شيوخه. ولذلك قال الشاطبيّ عليه رحمة الله تعالى ( يشاء إلى كالياء أقيس معدلا ..........وعن أكثر القراء تُبدل واوها ). وهذا دليل آخر على أنّ الوجه وإن كان الأقيس في الأداء إلاّ أنّ العبرة بما اشتهر رواية وأداء عند أهل الأداء وهو الذي ينبغي أن يقدّم ولو كان غيره أقيس منه. قال العلامة المارغني : " ووجه تقديم الإبدال هاهنا على التسهيل أنّه الأقوى رواية وعليه جمهور أهل الأداء ، وهو مذهب الأخفش من النحويين. وأمّا التسهيل فهو مذهب إمامي النحو الخليل وتلميذه سيبويه وطائفة من القراء ، وهو الوجه المقيس ، وعبّر عنه في حرز الأماني بالأقيس ، وكونه مقيساً أو أقيس لا يقتضي أولوية تقديمه على الإبدال كما تُوهّم ، لما علمت أنّ الإبدال مذهب الجمهور ، وأنّه الأقوى في الرواية ، ولا ريب أنّ مذهب الجمهور مقدّم على غيره ولو كان الغير أقيس " انتهى كلامه عليه رحمة الله تعالى.(نفس المصدر). وقال أبو عمروالداني : " وأئمة القراء لا تعمل في شيء من حروف القرآن على الأفشى في اللغة والأقيس في العربية بل على الأثبت في الأثر والأصح في النقل والرواية إذا ثبت عنهم لم يردها قياس عربية ولا فشو لغة لأن القراءة سنة متبعة يلزم قبولها والمصير إليها."
أقول : ومن قارن بين هذه المسألة وبين حكم {ءأنذرتهم} لورش يجد تقارباً كبيراً بينهما في الحكم وهو كون التسهيل فيهما هو الأقيس مع اشتهار وجه الإبدال وتقدّمه في الأداء في نحو {ءأنذرتهم} في رواية ورش وفي نحو { يشاء إلى } لمن لم يحقق الهمزتين. والعلم عند الله تعالى.



المسألة التاسعة : حكم النقل في ميم الجمع :

قال ابن الجزريّ في النشر (1/418،419) : " ميم الجمع أما لورش فواضح لأن مذهبه عند الهمزة صلتها بواو فلم تقع الهمزة بعدها في مذهبه إلا بعد حرف مد من أجل الصلة، وأما من طريق الهاشمي عن ابن جماز فإن الهذلي نص على مذهبه عدم الصلة مطلقاً. ومقتضى هذا الإطلاق عدم صلتها عند الهمزة ونص أيضاً على النقل مطلقاً. ومقتضى ذلك النقل إلى ميم الجمع. وهذا من المشكل تحقيقه فإني لا أعلم له نصاً في ميم الجمع بخصوصيتها بشيء فأرجع إليه، والذي أعول عليه في ذلك عدم النقل فيها بخصوصيتها والأخذ فيها بالصلة وحجتي في ذلك أني لما لم أجد له فيها نصاً رجعت إلى أصوله ومذاهب أصحابه ومن اشترك معه على الأخذ بتلك القراءة ووافقه على النقل في الرواية وهو الزبير ابن محمد بن عبد الله بن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العمري أحد الرواة المشهورين عن أبي جعفر من رواية ابن وردان فوجدته يروي النقل نصاً وأداء وخص ميم الجمع بالصلة ليس إلا. وكذلك ورش وغيره من رواة النقل عن نافع كلهم لم يقرأ في ميم الجمع بغير صلة. ووجدت نص من يعتمد عليه من الأئمة صريحاً في عدم جواز النقل في ميم الجمع. فوجب المصير إلى عدم النقل فيها. وحسن المصير إلى الصلة دون عدمها جمعاً بين النص يمنع النقل فيها وبين القياس في الأخذ بالصلة فيها دون الإسكان وذلك أني لما لم أرَ أحد نقل عن أبي جعفر ولا عن نافع الذي هو أحد أصحاب أبي جعفر النقل في غير ميم الجمع وخصصها بالإسكان كما أني لا أعلم أحداً منهم نص على النقل فيها وحمل رواية الراوي على من شاركه في تلك الرواية أو وافقه في أصل تلك القراءة أصل معتمد عليه ولا سيما عند التشكيك والإشكال فقد اعتمده غير واحد من أئمتنا رحمهم الله لما لم يجدوا نصاً يرجعون إليه ومن ثم لم يجز مكي وغيره في (أأعجمي، وأأن كان) لابن ذكوان سوى الفصل بين الهمزتين. قال مكي عند ذكرهما في التبصرة لكن ابن ذكوان لم نجد له أصلاً يقاس عليه فيجب أن يحمل أمره على ما فعله هشام في (أئنكم وأنذرتهم) ونحوه (فيكون) مثل أبي عمرو وقالون وحمله على مذهب الراوي معه على رجل بعينه أولى من حمله على غيره انتهى. وأما مذهب حمزة في الوقف فيأتي في بابه إن شاء الله تعالى. ثمّ رأيت النص على الهاشمي المذكور لأبي الكرم الشهرزوري وأبي منصور بن خيرون بصلة ميم الجمع للهاشمي عند همزة القطع فصح ما قلناه، واتضح ما حاولناه ولله الحمد والمنة. وقفت على ذلك في كتاب كفاية المنتهى، ونهاية المبتدي للقاضي الإمام أي ذر أسعد بن الحسين بن سعد بن علي بن بندار اليزدي صاحب الشهرزوري وابن خيرون المذكورين. وهو من الأئمة المعتمدين، وأهل الأداء المحققين.

أقول : هذه المسألة مهمّة ومفيدة للغاية وهي درس عظيم بالنسبة لنا ، ويتمثّل ذلك في :

أوّلاً : الذي يظهر من خلال ما ذكره ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى أنّه لم يقرأ بالنقل حركة الهمزة إلى ميم الجمع إذ لو قرأ به لذكره كما هي عادته ، وإن قرأ به فيكون ذلك ضعيفاً خارجاً عن شرطه الذي ألزم به نفسه في كتابه النشر وهو أن يكون الوجه المقروء به مروي عن العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه ويكون مع ذلك مشهوراً عند الأئمّة غير معدوداً عندهم من الغلط أو ممّا شذّ به بعضهم ، وهذا يكفي بالنسبة لنا في ردّ وجه النقل في ميم الجمع إلاّ أنّ ابن الجزري لم يكتف بذلك ، فتتبع واستقرأ النصوص لإثبات ضعف الوجه ولو قرأ به القليل من أهل الأداء ، وهذا درس عظيم يبيّن أنّ ثبوت الوجه بالنصّ كان أمراً ضرورياً عند أهل الأداء ، بل كانوا يعتبرون الوجه الخالي من النصّ علّة وإن لم تكن قادحة إلاّ أنهم كانوا يعتمدون على القياس تقوية له كما سبق بيانه. أقول : فأين نحن من هؤلاء ؟ نحن نستدلّ بالمشافهة في كلّ شيء ونعتمد على ما هو معمول به اليوم ولو كان مخالفاً لإجماع القدامى.

ثانياً : لم يعتمد ابن الجزريّ على نصّ الهذلي وهو إطلاقه للنقل من غير أيّ قيد ، والذي مقتضاه النقل في ميم الجمع عندما قال : " فإن الهذلي نص على مذهبه عدم الصلة مطلقاً. ومقتضى هذا الإطلاق عدم صلتها عند الهمزة ونص أيضاً على النقل مطلقاً. ومقتضى ذلك النقل إلى ميم الجمع. وهذا من المشكل تحقيقه فإني لا أعلم له نصاً في ميم الجمع بخصوصيتها بشيء فأرجع إليه، والذي أعول عليه في ذلك عدم النقل فيها ". أقول : والسبب في عدم اعتماده على إطلاق الهذلي هو انفرده بهذا الوجه مع مخالفته للنصوص الصريحة التي صرّحت بامتناع النقل في ميم الجمع ، إذ المقيّد مقدّم على المطلق كما هو مقرّر في علم الأصول ، ولأجل ذلك قال : "وحجتي في ذلك أني لما لم أجد له فيها نصاً رجعت إلى أصوله ومذاهب أصحابه ومن اشترك معه على الأخذ بتلك القراءة ووافقه على النقل في الرواية وهو الزبير ابن محمد بن عبد الله بن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العمري أحد الرواة المشهورين عن أبي جعفر من رواية ابن وردان فوجدته يروي النقل نصاً وأداء وخص ميم الجمع بالصلة ليس إلا. وكذلك ورش وغيره من رواة النقل عن نافع كلهم لم يقرأ في ميم الجمع بغير صلة. ووجدت نص من يعتمد عليه من الأئمة صريحاً في عدم جواز النقل في ميم الجمع. فوجب المصير إلى عدم النقل فيها...." وقال : " ثمّ رأيت النص على الهاشمي المذكور لأبي الكرم الشهرزوري وأبي منصور بن خيرون بصلة ميم الجمع للهاشمي عند همزة القطع فصح ما قلناه، واتضح ما حاولناه ولله الحمد والمنة." نفس مصدر السابق.

ثالثا : عدم وجود أصل يُعتمد عليه لإثبات وجه النقل في ميم الجمع لا سيما عند التشكيك والإشكال وغموض الوجه أداءً. وقد اعتمد مكي القيسي على ما ورد عن هشام لإثبات ألف الفصل مع التسهيل لابن ذكوان في (أأعجمي، وأأن كان) لعدم ورود نصّ صريح في ذلك ، فحمله على مذهب الراوي معه على رجل بعينه أولى من حمله على غيره ، إلاّ أنّ هذا القياس تعقّبه الداني التيسير حيث قال :" ليس ذلك بمستقيم من طريق النظر ولا صحيح من جهة القياس وذلك أن ابن ذكوان لما لم يفصل بهذه الألف بين الهمزتين في حال تحقيقهما مع ثقل اجتماعهما علم أن فصله بها بينهما في حال تسهيله إحداهما مع خفة ذلك غير صحيح في مذهبه على أن الأخفش قد قال في كتابه عنه بتحقيق الأولى وتسهيل الثانية ولم يذكر فصلاً في الموضعين فاتضح ما قلناه ..." انظر النشر (1/366) والتيسير ص157. وقد تقدم الكلام على هذا الخلاف في المسألة السادسة.

رابعا : اعتماد ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى على القياس في تضعيف وجه النقل في ميم الجمع لأبي جعفر قياساً على النصوص التي صرّحت على استثناء ميم الجمع من النقل بصلتها بالواو وعلى رواة النقل الذين نقلوا الصلة في ميم الجمع كما هو مذهب ورش عن نافع.


المسألة العاشرة : السكت لحمزة على حرف المدّ من طرق الطيّبة :
قال ابن الجزريّ في نشره (1/421،422) : " وروى آخرون السكت عن حمزة من الروايتين على حرف المد أيضاً وهم في ذلك على الخلاف في المنفصل والمتصل كما ذكرنا فمنهم من خص بذلك المنفصل وسوى بين حرف المد وغيره مع السكت على لام التعريف و (شيء). وهذا مذهب الحافظ أبي العلاء الهمداني صاحب غاية الاختصار وغيره. وذكره صاحب التجريد من قراءته على عبد الباقي في رواية خلاد. ومنهم من أطلق ذلك في المتصل والمنفصل وهو مذهب أبي بكر الشذائي وبه قرأ سبط الخياط على الشريف أبي الفضل عن الكارزيني عنه وهو في الكامل أيضاً وذهب جماعة إلى ترك السكت عن خلاد مطلقاً. وهو مذهب أبي الفتح فارس بن أحمد وأبي محمد مكي وشيخه أبي الطيب وأبي عبد الله بن شريح وذكره صاحب التيسير من قراءته على أبي الفتح فارس بن أحمد وتبعه على ذلك الشاطبي وغيره. وهو أحد طرق الكامل وهي طريق أبي علي العطار عن أصحابه عن البختري عن جعفر الوزان عن خلاد كما سنذكره في آخر باب الوقف لحمزة. وذهب آخرون إلى عدم السكت مطلقاً عن حمزة من روايتيه. وهو مذهب أبي العباس المهدوي صاحب الهداية وشيخه أبي عبد الله بن سفيان صاحب الهادي وهو الذي لم يذكر أبو بكر بن مهران غيره في غايته سواه. فهذا الذي علمته ورد عن حمزة في ذلك من الطرق المذكورة وبكل ذلك قرأت من طريق من ذكرت. واختياري عنه السكت في غير حرف المد جمعاً بين النص والأداء والقياس، فقد روينا عن خلف وخلاد وغيرهما عن سليم عن حمزة قال إذا مددت الحرف فالمد يجزي من السكت قبل الهمزة قال وكان إذا مد ثم أتى بالهمز بعد المد لا يقف قبل الهمز انتهى. قال الحافظ أبو عمرو الداني وهذا الذي قاله حمزة من أن المد يجزي من السكت معنى حسن لطيف دال على وفور معرفته ونفاذ بصيرته وذلك أن زيادة التمكين لحرف المد مع الهمزة إنما هو بيان لها لخفائها وبعد مخرجها فيقوى به على النطق بها محققة وكذا السكوت على الساكن قبلها إنما هو بيان لها أيضاً. فإذا بينت بزيادة التمكين لحرف المد قبلها لم تحتج أن تبين بالسكت عليه وكفى المد من ذلك وأغنى عنه (قلت) وهذا ظاهر واضح وعليه العمل اليوم والله أعلم.
أقول : إنّ السكت في غير حرف المدّ هو المختار بالنصّ والأداء والقياس لقول ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى : "واختياري عنه السكت في غير حرف المد جمعاً بين النص والأداء والقياس ". فأمّا النصّ فهو ما رواه عن خلف وخلاد وغيرهما عن سليم عن حمزة " قال إذا مددت الحرف فالمد يجزي من السكت قبل الهمزة ، قال وكان إذا مد ثم أتى بالهمز بعد المد لا يقف قبل الهمز " ، وأمّا الأداء فظاهر لوروده من بعض الطرق القليلة خلافاً لمذهب الجمهور ، وأمّا من حيث القياس فإنّ علّة السكت على الساكن الصحيح هو بيان للهمزة لخفائها وبعد مخرجها وهذا يقال أيضاً بالنسبة للسكت على المدّ إذ المدّ علّته تقوية الهمزة كذلك ، فإن حصل المقصود بالمدّ المجرّد عن السكت فليس ثمّة حاجة للسكت على المدّ ، لأنّ المدّ وحده يقوم مقام السكت على الساكن الصحيح ،لذلك قال الداني : فإنّ الساكن قد قويَ بالمدّ ، فأخذ مكان السكت لبيان الهمزة لأجل خفائها وبعد مخرجها الذي فلا تحتاج الهمزة إلى البيان بالسكت. قال أبو عمرو الداني : " وذلك أن زيادة التمكين لحرف المد مع الهمزة إنما هو بيان لها لخفائها وبعد مخرجها فيقوى به على النطق بها محققة وكذا السكوت على الساكن قبلها إنما هو بيان لها أيضاً. فإذا بينت بزيادة التمكين لحرف المد قبلها لم تحتج أن تبين بالسكت عليه وكفى المد من ذلك وأغنى عنه " جامع البيان ص273.


المسألة الحادية عشر : كسر الهاء تبعاً لإبدال الهمزة ياء في الوقف على ( أنبئهم و نبئهم ) لحمزة عند الوقف.

قال ابن الجزريّ في نشره : " (واختلف) أئمتنا في تغيير حركة الهاء مع إبدال الهمزة ياء قبلها في قوله (أنبئهم) في البقرة (ونبئهم) في الحجر فكان بعضهم يروي كسرها لأجل الياء كما كسر لأجلها في نحو (فيهم، ويؤتيهم) فهذا مذهب أبي بكر بن مجاهد وأبي الطيب ابن غلبون وابنه أبي الحسن ومن تبعهم. وكان آخرون يقرؤنها على ضمتها لأن الياء عارضة أو لا توجد إلا في التخفيف فلم يعتدوا بها. وهو اختيار ابن مهران ومكي والمهدوي وابن سفيان والجمهور. وقال أبو الحسن بن غلبون كلا الوجهين حسن. وقال صاحب اليسير وهما صحيحان. وقال في الكافي الضم أحسن (قلت) والضم هو القياس وهو الأصح فقد رواه منصوصاً محمد بن يزيد الرفاعي صاحب سليم. وإذا كان حمزة ضم هاء (عليهم واليهم ولديهم) من أجل أن الياء قبلها مبدلة من ألف فكان الأصل فيها الضم: فضم هذه الهاء أولى وآصل والله أعلم."

أقول : اعلم حفظك الله أنّ الهاء التي تقع قبل ميم الجمع تكسر إذا سبقت بكسر أو بياء نحو (عليهم واليهم ولديهم وبهم وفيهم) وتضمّ فيما عدا ذلك على الأصل ، والدليل على أنّ الأصل فيها هو الضمّ :
أولاً : إذا أُفرِدَتْ ضُمّت نحو (هُم)
ثانياً: يجوز لغةً وقراءةً ضمها في المواضع التي تُكسرُ فيها نحو ( عليهُم و لدَيْهُم وإليهُم) ولا عكس أي لا يجوز كسرها في مواضع الضمّ.
ثالثاً : لكون القراء أجمعوا على ضمها وصلتها بواو إذا وقعت قبل ضمير نحو : أنلزمكموها ، فأسقيناكموه ، فاتخذتموهم.
رابعاً : حالات الضمّ فيها أكثر من حالات الكسر ، فتُضمُّ إذا وقعت بعد فتحٍ نحو (فأخذهُم) ، أو بعد ألف نحو (خلقناهُم) أو بعد ضمّ نحو (فأخذتُهُم) أو بعد واو نحو ( فاتّخذتمُوهم ) وتكسَرُ في حالتين فقط كما سبق وهو وقوعها بعد كسرٍ أو ياء.
أمّا في حالة إبدال الهمزة لحمزة في الوقف على ( أنبئهم و نبئهم ) ، فإنّه يُبدل الهمزة حرف مدّ من جنس حركة ما قبلها ، فيُبدلها ياءً تبعاً للكسر الذي قبلها ، فجاز كسر الهاء تبعاً للياء المبدلة من الهمزة أي {أنبِيهِم} كما هو الحال في {فيهم} وجاز ضمّ الهاء اعتداداً بالأصل ، فكون الضم هو الأصل في الهاء الواقعة قبل ميم الجمع عموماً وبالخصوص في ( أنبئهم و نبئهم ) ، وعروض الياء المبدلة من الهمزة والتي كانت السبب في جواز كسر الهاء تبعاً لها ، وانفراد حمزة بهذا الوجه يجعله وجه كسر الهاء وقفاً في( أنبئهم و نبئهم ) ضعيف من حيث القياس. ومن تمعّن في المسألة يجد أنّ وجه الضمّ هو المقدّم قياساً وأداءً ، فتقديمه قياساً لأجل الاعتداد بالأصل ، وتقديمه أداءً لكونه مذهب الجمهور كما ذكر ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى. والعلم عند الله تعالى.


المسألة الثانية عشر : تسهيل الهمزة الواقعة بعد المدّ المنفصل وقفاً لحمزة :

قال ابن الجزريّ رحمه الله تعالى : " فإن كان ألفاً نحو (بما أنزل، لنا ألا، واستوى إلى) فإن بعض من سهل هذا الهمز بعد الساكن الصحيح بالنقل سهل الهمزة في هذا النوع بين بين وهو مذهب أبي طاهر بن هاشم وأبي بكر بن مقسم وأبي بكر بن مهران وأبي العباس والمطوعي وأبي الفتح بن شيطا وأبي بكر بن مجاهد فيما حكاه عنه مكي وغيره وعليه أكثر العراقيين وهو المعروف من مذهبهم وبه قرأنا من طريقهم وهو مقتضى ما في كفاية أبي العز ولم يذكر الحافظ أبو العلاء غيره وبه قرأ صاحب المبهج على شيخه الشريف عن الكارزيني عن المطوعي، وقال الأستاذ أبو الفتح ابن شيطا والتي تقع أولاً تخفف أيضاً لأنها تصير باتصالها بما قبلها في حكم المتوسطة. وهذا هو القياس الصحيح قال وبه قرأت. قال ابن مهران وعلى هذا يعني تسهيل المبتدأة حالة وصلها بالكلمة قبلها يدل على كلام المتقدمين وبه كان يأخذ أبو بكر بن مقسم ويقول بتركها كيف ما وجد السبيل إليها إلا إذا ابتدأ بها فإنه لا بد له منها ولا يجد السبيل إلى تركها انتهى.وذهب الجمهور من أهل الأداء إلى التحقيق في هذا النوع وفي كل ما وقع الهمز فيه محركاً منفصلاً سواء كان قبله ساكن أو محرك وهو الذي لم يذكر أكثر المؤلفين سواه وهو الأصح رواية وبه قرأ أبو طاهر بن سوار على بن شيطا وكذلك قرأ صاحب المبهج على شيخه الشريف العباسي عن الكارزيني عن أبي بكر الشذائي وروى أبو إسحاق الطبري بإسناده عن جميع من عده من أصحاب حمزة الهمز في الوقف إذا كانت الهمزة في أول الكلمة. وكذا روى الداني عن جميع شيوخه من جميع طرقه فإذا كان غير ألف فأما أن يكون ياء أو واواً فإن من سهل القسم قبلها مع الألف أجرى التسهيل معها بالنقل والإدغام مطلقاً سواء كانت الياء والواو في ذلك من نفس الكلمة نحو (تزدرى أعينكم، وفي أنفسكم، وأدعو إلى) ضميراً أو زائداً نحو (تاركوا آلهتنا، ظالمي أنفسهم، قالوا آمنا، نفسي أن) وبمقتضى إطلاقهم يجري الوجهان في الزائد للصلة نحو (به أحداً، وأمره إلى، وأهله أجمعين) والقياس يقتضي فيه الإدغام فقط والله أعلم. وانفرد الحافظ أبو العلاء بإطلاق تخفيف هذا القسم مع قسم الألف قبله كتخفيفه بعد الحركة كأنه يلغي حروف المد ويقدر أن الهمزة وقعت بعد متحرك فتخفف بحسب ما قبلها على القياس وذلك ليس بمعروف عند القراء ولا عند أهل العربية. والذي قرأت به في وجه التسهيل هو ما قدمت لك ولكني آخذ في الياء والواو بالنقل إلا فيما كان زائداً صريحاً لمجرد المد والصلة فبالإدغام وذلك كان اختيار شيخنا أبي عبد الله الصائغ المصري وكان إمام زمانه في العربية والقراءات والله تعالى أعلم. النشر 1/436.

أقول : هذا المثال يدلّ أيضاً على أنّ الوجه ولو كان الأقيس لا يعني أنّه يقدّم في الأداء ، وذلك كون تسهيل الهمزة وقفاً في نحو { بمآ أنزل } هو القياس الصحيح كما قال ابن الجزريّ ، لأنّها
تصير باتصالها بما قبلها في حكم المتوسّطة وهذا وجيه وقويّ في القياس إضافة إلى كون التسهيل هو الموافق لأصل التخفيف الذي تبنّاه الإمام حمزة في الوقف على الهمز. وهذا مع قوّته في القياس إلاّ أنّ التحقيق هو المقدّم في الأداء لشهرته واستفاضته عند جمهور أهل الأداء. ولا بدّ من التنبيه أنّ التسهيل الهمزة في هذا النوع خارج عن طرق طرق الشاطبية والتيسير لأنّ الداني لم يرو ولم يقرأ عن شيوخه إلاّ بوجه التحقيق وهو ظاهر كلام الشاطبيّ عليه رحمة الله تعالى حين قال الخلاف عند علماء التجويد والقراءات Frown سوى أنّه من بعد ما ألف جرى .....يسهّله مهما توسّط مدخلا ). والعلم عند الله تعالى.



المسألة : الثالثة عشرة : إجراء الياء والواو الأصليتين مجرى الزائدين في إبدال الهمزة وقفاً لحمزة :

قال ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى : "(فمن القسم الأول) وهو الذي ذكره بعض النحاة إجراء الياء والواو الأصليتين مجرى الزائدتين فأبدلوا الهمزة بعدهما من جنسهما وأدغموهما في المبدل من قسمي المتطرف والمتوسط المتصل. حكى سماع ذلك من العرب يونس والكسائي وحكا أيضاً سيبويه ولكنه لم يقسه فخصه بالسماع ولم يجعله مطرداً ووافق على الإبدال والإدغام في ذلك جماعة من القراء وجاء أيضاً منصوصاً عن حمزة. وبه قرأ الداني على شيخه أبي الفتح فارس وذكره في التيسير وغيره وذكره أيضاً أبو محمد في التبصرة وأبو عبد الله بن شريح في الكافي وأبو القاسم الشاطبي وغيرهم وخصه أبو علي بن بليمة (بشيء وهيئة وموئلا) فقط فلم يجعله مطرداً ولم يذكر أكثر الأئمة من القراء والنحاة سوى النقل كأبي الحسن بن غلبون وأبيه أبي الطيب وأبي عبد الله بن سفيان وأبي العباس المهدوي وأبي الطاهر صاحب العنوان وشيخه عبد الجبار الطرسوسي وأبي القاسم بن الفحام والجمهور وهو اختيار بن مجاهد وغيره وهو القياس المطرد إجماعاً.
ألقول : إنّ السبب في كون وجه النقل الأقيس في الأداء لكونه الأشهر عند أهل الأداء وأهل اللغة إذ هو الأصل والقياس المطرد إجماعاً ، وإنّما أُجريَ فيه حكم الإبدال مع الإدغام إلحاقاً وتبعاً لمجرى الزائدتين كما ذكر ابن الجزريّ عليه رحمة الله ، ولا يمكن تقديم الملحق بالأصل على الأصل نفسه والعلم عند الله تعالى.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أم الحسين

أم الحسين

عدد الرسائل :
4090

تاريخ التسجيل :
18/03/2009


الخلاف عند علماء التجويد والقراءات Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخلاف عند علماء التجويد والقراءات   الخلاف عند علماء التجويد والقراءات I_icon_minitimeالثلاثاء 13 أبريل 2010 - 11:19

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد

فهذه تتمّة للمسائل :


المسألة الثامنة :

قال ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى في حكم التقاء الهمزتين من كلمتين الأولى مضمومة والثانية مكسورة نحو { يشاء إلى } : " واختلف أئمتنا في كيفية تسهيل القسم الخامس فذهب بعضهم إلى أنها تبدل واواً خالصة مكسورة وهذا مذهب جمهور القراء من أئمة الأمصار قديماً وهو الذي في الإرشاد والكفاية لأبي العز قال الداني في جامعه وهذا مذهب أكثر أهل الأداء قال وكذا حكى أبو طاهر ابن أبي هاشم أنه قرأ على ابن مجاهد قال وكذا حكى أبو بكر الشذائي أنه قرأ على غير ابن مجاهد. قال وبذلك قرأت أنا على أكثر شيوخي. وقال في غيره وبذلك قرأت على عامة شيوخي الفارسي والخاقاني وابن غلبون. وذهب بعضهم إلى أنها تجعل بين بين أي الهمزة والياء وهو مذهب أئمة النحو كالخليل وسيبويه ومذهب جمهور القراء حديثاً وحكاه ابن مجاهد نصاً عن اليزيدي عن أبي عمرو ورواه الشذائي عن ابن مجاهد أيضاً وبه قرأ الداني على شيخه فارس بن أحمد بن محمد قال وأخبرني عبد الباقي ابن الحسن أنه قرأ كذلك عن شيوخه. وقال الداني أنه الأوجه في القياس وإن الأول آثر في النقل (قلت) وبالتسهيل قطع مكي والمهدوي وابن سفيان وصاحب العنوان وأكثر مؤلفي الكتب كصاحب الروضة والمبهج والغايتين والتلخيص ونص على الوجهين في التذكرة والتيسير والكافي والشاطبية وتلخيص العبارات وصاحب التجريد في آخر فاطر وقال إنه قرأ بالتسهيل على الفارسي وعبد الباقي. " النشر 1/388. انظر جامع البيان ص227.
أقول : من خلال ما ذكره ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى في المسألة يتبيّن أنّ التسهيل هو الأقيس في الأداء لأنّه هو المشهور عند العرب وعند القراء في تخفيف الهمز سواء كانت الهمزة مفردة كما في { الآئي } وكما هو مذهب الأصبهاني عن ورش في تسهيل {كأنّ} و{ لأملأن } وغير ذلك ، أو كانت مجتمعة بمثلها سواء من كلمة أو من كلمتين وهو مذهب الخليل ابن أحمد وسيبويه من النحاة لذا كان الأقيس في الأداء. وأمّا من جهة الرواية فإنّ وجه الإبدال هو الأشهر إذ هو مذهب جمهور القراء من أئمّة الأمصار كما قال ابن الجزريّ وبه قرأ الداني على معظم شيوخه. ولذلك قال الشاطبيّ عليه رحمة الله تعالى ( يشاء إلى كالياء أقيس معدلا ..........وعن أكثر القراء تُبدل واوها ). وهذا دليل آخر على أنّ الوجه وإن كان الأقيس في الأداء إلاّ أنّ العبرة بما اشتهر رواية وأداء عند أهل الأداء وهو الذي ينبغي أن يقدّم ولو كان غيره أقيس منه. قال العلامة المارغني : " ووجه تقديم الإبدال هاهنا على التسهيل أنّه الأقوى رواية وعليه جمهور أهل الأداء ، وهو مذهب الأخفش من النحويين. وأمّا التسهيل فهو مذهب إمامي النحو الخليل وتلميذه سيبويه وطائفة من القراء ، وهو الوجه المقيس ، وعبّر عنه في حرز الأماني بالأقيس ، وكونه مقيساً أو أقيس لا يقتضي أولوية تقديمه على الإبدال كما تُوهّم ، لما علمت أنّ الإبدال مذهب الجمهور ، وأنّه الأقوى في الرواية ، ولا ريب أنّ مذهب الجمهور مقدّم على غيره ولو كان الغير أقيس " انتهى كلامه عليه رحمة الله تعالى.(نفس المصدر). وقال أبو عمروالداني : " وأئمة القراء لا تعمل في شيء من حروف القرآن على الأفشى في اللغة والأقيس في العربية بل على الأثبت في الأثر والأصح في النقل والرواية إذا ثبت عنهم لم يردها قياس عربية ولا فشو لغة لأن القراءة سنة متبعة يلزم قبولها والمصير إليها."
أقول : ومن قارن بين هذه المسألة وبين حكم {ءأنذرتهم} لورش يجد تقارباً كبيراً بينهما في الحكم وهو كون التسهيل فيهما هو الأقيس مع اشتهار وجه الإبدال وتقدّمه في الأداء في نحو {ءأنذرتهم} في رواية ورش وفي نحو { يشاء إلى } لمن لم يحقق الهمزتين. والعلم عند الله تعالى.



المسألة التاسعة : حكم النقل في ميم الجمع :

قال ابن الجزريّ في النشر (1/418،419) : " ميم الجمع أما لورش فواضح لأن مذهبه عند الهمزة صلتها بواو فلم تقع الهمزة بعدها في مذهبه إلا بعد حرف مد من أجل الصلة، وأما من طريق الهاشمي عن ابن جماز فإن الهذلي نص على مذهبه عدم الصلة مطلقاً. ومقتضى هذا الإطلاق عدم صلتها عند الهمزة ونص أيضاً على النقل مطلقاً. ومقتضى ذلك النقل إلى ميم الجمع. وهذا من المشكل تحقيقه فإني لا أعلم له نصاً في ميم الجمع بخصوصيتها بشيء فأرجع إليه، والذي أعول عليه في ذلك عدم النقل فيها بخصوصيتها والأخذ فيها بالصلة وحجتي في ذلك أني لما لم أجد له فيها نصاً رجعت إلى أصوله ومذاهب أصحابه ومن اشترك معه على الأخذ بتلك القراءة ووافقه على النقل في الرواية وهو الزبير ابن محمد بن عبد الله بن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العمري أحد الرواة المشهورين عن أبي جعفر من رواية ابن وردان فوجدته يروي النقل نصاً وأداء وخص ميم الجمع بالصلة ليس إلا. وكذلك ورش وغيره من رواة النقل عن نافع كلهم لم يقرأ في ميم الجمع بغير صلة. ووجدت نص من يعتمد عليه من الأئمة صريحاً في عدم جواز النقل في ميم الجمع. فوجب المصير إلى عدم النقل فيها. وحسن المصير إلى الصلة دون عدمها جمعاً بين النص يمنع النقل فيها وبين القياس في الأخذ بالصلة فيها دون الإسكان وذلك أني لما لم أرَ أحد نقل عن أبي جعفر ولا عن نافع الذي هو أحد أصحاب أبي جعفر النقل في غير ميم الجمع وخصصها بالإسكان كما أني لا أعلم أحداً منهم نص على النقل فيها وحمل رواية الراوي على من شاركه في تلك الرواية أو وافقه في أصل تلك القراءة أصل معتمد عليه ولا سيما عند التشكيك والإشكال فقد اعتمده غير واحد من أئمتنا رحمهم الله لما لم يجدوا نصاً يرجعون إليه ومن ثم لم يجز مكي وغيره في (أأعجمي، وأأن كان) لابن ذكوان سوى الفصل بين الهمزتين. قال مكي عند ذكرهما في التبصرة لكن ابن ذكوان لم نجد له أصلاً يقاس عليه فيجب أن يحمل أمره على ما فعله هشام في (أئنكم وأنذرتهم) ونحوه (فيكون) مثل أبي عمرو وقالون وحمله على مذهب الراوي معه على رجل بعينه أولى من حمله على غيره انتهى. وأما مذهب حمزة في الوقف فيأتي في بابه إن شاء الله تعالى. ثمّ رأيت النص على الهاشمي المذكور لأبي الكرم الشهرزوري وأبي منصور بن خيرون بصلة ميم الجمع للهاشمي عند همزة القطع فصح ما قلناه، واتضح ما حاولناه ولله الحمد والمنة. وقفت على ذلك في كتاب كفاية المنتهى، ونهاية المبتدي للقاضي الإمام أي ذر أسعد بن الحسين بن سعد بن علي بن بندار اليزدي صاحب الشهرزوري وابن خيرون المذكورين. وهو من الأئمة المعتمدين، وأهل الأداء المحققين.

أقول : هذه المسألة مهمّة ومفيدة للغاية وهي درس عظيم بالنسبة لنا ، ويتمثّل ذلك في :

أوّلاً : الذي يظهر من خلال ما ذكره ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى أنّه لم يقرأ بالنقل حركة الهمزة إلى ميم الجمع إذ لو قرأ به لذكره كما هي عادته ، وإن قرأ به فيكون ذلك ضعيفاً خارجاً عن شرطه الذي ألزم به نفسه في كتابه النشر وهو أن يكون الوجه المقروء به مروي عن العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه ويكون مع ذلك مشهوراً عند الأئمّة غير معدوداً عندهم من الغلط أو ممّا شذّ به بعضهم ، وهذا يكفي بالنسبة لنا في ردّ وجه النقل في ميم الجمع إلاّ أنّ ابن الجزري لم يكتف بذلك ، فتتبع واستقرأ النصوص لإثبات ضعف الوجه ولو قرأ به القليل من أهل الأداء ، وهذا درس عظيم يبيّن أنّ ثبوت الوجه بالنصّ كان أمراً ضرورياً عند أهل الأداء ، بل كانوا يعتبرون الوجه الخالي من النصّ علّة وإن لم تكن قادحة إلاّ أنهم كانوا يعتمدون على القياس تقوية له كما سبق بيانه. أقول : فأين نحن من هؤلاء ؟ نحن نستدلّ بالمشافهة في كلّ شيء ونعتمد على ما هو معمول به اليوم ولو كان مخالفاً لإجماع القدامى.

ثانياً : لم يعتمد ابن الجزريّ على نصّ الهذلي وهو إطلاقه للنقل من غير أيّ قيد ، والذي مقتضاه النقل في ميم الجمع عندما قال : " فإن الهذلي نص على مذهبه عدم الصلة مطلقاً. ومقتضى هذا الإطلاق عدم صلتها عند الهمزة ونص أيضاً على النقل مطلقاً. ومقتضى ذلك النقل إلى ميم الجمع. وهذا من المشكل تحقيقه فإني لا أعلم له نصاً في ميم الجمع بخصوصيتها بشيء فأرجع إليه، والذي أعول عليه في ذلك عدم النقل فيها ". أقول : والسبب في عدم اعتماده على إطلاق الهذلي هو انفرده بهذا الوجه مع مخالفته للنصوص الصريحة التي صرّحت بامتناع النقل في ميم الجمع ، إذ المقيّد مقدّم على المطلق كما هو مقرّر في علم الأصول ، ولأجل ذلك قال : "وحجتي في ذلك أني لما لم أجد له فيها نصاً رجعت إلى أصوله ومذاهب أصحابه ومن اشترك معه على الأخذ بتلك القراءة ووافقه على النقل في الرواية وهو الزبير ابن محمد بن عبد الله بن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العمري أحد الرواة المشهورين عن أبي جعفر من رواية ابن وردان فوجدته يروي النقل نصاً وأداء وخص ميم الجمع بالصلة ليس إلا. وكذلك ورش وغيره من رواة النقل عن نافع كلهم لم يقرأ في ميم الجمع بغير صلة. ووجدت نص من يعتمد عليه من الأئمة صريحاً في عدم جواز النقل في ميم الجمع. فوجب المصير إلى عدم النقل فيها...." وقال : " ثمّ رأيت النص على الهاشمي المذكور لأبي الكرم الشهرزوري وأبي منصور بن خيرون بصلة ميم الجمع للهاشمي عند همزة القطع فصح ما قلناه، واتضح ما حاولناه ولله الحمد والمنة." نفس مصدر السابق.

ثالثا : عدم وجود أصل يُعتمد عليه لإثبات وجه النقل في ميم الجمع لا سيما عند التشكيك والإشكال وغموض الوجه أداءً. وقد اعتمد مكي القيسي على ما ورد عن هشام لإثبات ألف الفصل مع التسهيل لابن ذكوان في (أأعجمي، وأأن كان) لعدم ورود نصّ صريح في ذلك ، فحمله على مذهب الراوي معه على رجل بعينه أولى من حمله على غيره ، إلاّ أنّ هذا القياس تعقّبه الداني التيسير حيث قال :" ليس ذلك بمستقيم من طريق النظر ولا صحيح من جهة القياس وذلك أن ابن ذكوان لما لم يفصل بهذه الألف بين الهمزتين في حال تحقيقهما مع ثقل اجتماعهما علم أن فصله بها بينهما في حال تسهيله إحداهما مع خفة ذلك غير صحيح في مذهبه على أن الأخفش قد قال في كتابه عنه بتحقيق الأولى وتسهيل الثانية ولم يذكر فصلاً في الموضعين فاتضح ما قلناه ..." انظر النشر (1/366) والتيسير ص157. وقد تقدم الكلام على هذا الخلاف في المسألة السادسة.

رابعا : اعتماد ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى على القياس في تضعيف وجه النقل في ميم الجمع لأبي جعفر قياساً على النصوص التي صرّحت على استثناء ميم الجمع من النقل بصلتها بالواو وعلى رواة النقل الذين نقلوا الصلة في ميم الجمع كما هو مذهب ورش عن نافع.


المسألة العاشرة : السكت لحمزة على حرف المدّ من طرق الطيّبة :
قال ابن الجزريّ في نشره (1/421،422) : " وروى آخرون السكت عن حمزة من الروايتين على حرف المد أيضاً وهم في ذلك على الخلاف في المنفصل والمتصل كما ذكرنا فمنهم من خص بذلك المنفصل وسوى بين حرف المد وغيره مع السكت على لام التعريف و (شيء). وهذا مذهب الحافظ أبي العلاء الهمداني صاحب غاية الاختصار وغيره. وذكره صاحب التجريد من قراءته على عبد الباقي في رواية خلاد. ومنهم من أطلق ذلك في المتصل والمنفصل وهو مذهب أبي بكر الشذائي وبه قرأ سبط الخياط على الشريف أبي الفضل عن الكارزيني عنه وهو في الكامل أيضاً وذهب جماعة إلى ترك السكت عن خلاد مطلقاً. وهو مذهب أبي الفتح فارس بن أحمد وأبي محمد مكي وشيخه أبي الطيب وأبي عبد الله بن شريح وذكره صاحب التيسير من قراءته على أبي الفتح فارس بن أحمد وتبعه على ذلك الشاطبي وغيره. وهو أحد طرق الكامل وهي طريق أبي علي العطار عن أصحابه عن البختري عن جعفر الوزان عن خلاد كما سنذكره في آخر باب الوقف لحمزة. وذهب آخرون إلى عدم السكت مطلقاً عن حمزة من روايتيه. وهو مذهب أبي العباس المهدوي صاحب الهداية وشيخه أبي عبد الله بن سفيان صاحب الهادي وهو الذي لم يذكر أبو بكر بن مهران غيره في غايته سواه. فهذا الذي علمته ورد عن حمزة في ذلك من الطرق المذكورة وبكل ذلك قرأت من طريق من ذكرت. واختياري عنه السكت في غير حرف المد جمعاً بين النص والأداء والقياس، فقد روينا عن خلف وخلاد وغيرهما عن سليم عن حمزة قال إذا مددت الحرف فالمد يجزي من السكت قبل الهمزة قال وكان إذا مد ثم أتى بالهمز بعد المد لا يقف قبل الهمز انتهى. قال الحافظ أبو عمرو الداني وهذا الذي قاله حمزة من أن المد يجزي من السكت معنى حسن لطيف دال على وفور معرفته ونفاذ بصيرته وذلك أن زيادة التمكين لحرف المد مع الهمزة إنما هو بيان لها لخفائها وبعد مخرجها فيقوى به على النطق بها محققة وكذا السكوت على الساكن قبلها إنما هو بيان لها أيضاً. فإذا بينت بزيادة التمكين لحرف المد قبلها لم تحتج أن تبين بالسكت عليه وكفى المد من ذلك وأغنى عنه (قلت) وهذا ظاهر واضح وعليه العمل اليوم والله أعلم.
أقول : إنّ السكت في غير حرف المدّ هو المختار بالنصّ والأداء والقياس لقول ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى : "واختياري عنه السكت في غير حرف المد جمعاً بين النص والأداء والقياس ". فأمّا النصّ فهو ما رواه عن خلف وخلاد وغيرهما عن سليم عن حمزة " قال إذا مددت الحرف فالمد يجزي من السكت قبل الهمزة ، قال وكان إذا مد ثم أتى بالهمز بعد المد لا يقف قبل الهمز " ، وأمّا الأداء فظاهر لوروده من بعض الطرق القليلة خلافاً لمذهب الجمهور ، وأمّا من حيث القياس فإنّ علّة السكت على الساكن الصحيح هو بيان للهمزة لخفائها وبعد مخرجها وهذا يقال أيضاً بالنسبة للسكت على المدّ إذ المدّ علّته تقوية الهمزة كذلك ، فإن حصل المقصود بالمدّ المجرّد عن السكت فليس ثمّة حاجة للسكت على المدّ ، لأنّ المدّ وحده يقوم مقام السكت على الساكن الصحيح ،لذلك قال الداني : فإنّ الساكن قد قويَ بالمدّ ، فأخذ مكان السكت لبيان الهمزة لأجل خفائها وبعد مخرجها الذي فلا تحتاج الهمزة إلى البيان بالسكت. قال أبو عمرو الداني : " وذلك أن زيادة التمكين لحرف المد مع الهمزة إنما هو بيان لها لخفائها وبعد مخرجها فيقوى به على النطق بها محققة وكذا السكوت على الساكن قبلها إنما هو بيان لها أيضاً. فإذا بينت بزيادة التمكين لحرف المد قبلها لم تحتج أن تبين بالسكت عليه وكفى المد من ذلك وأغنى عنه " جامع البيان ص273.


المسألة الحادية عشر : كسر الهاء تبعاً لإبدال الهمزة ياء في الوقف على ( أنبئهم و نبئهم ) لحمزة عند الوقف.

قال ابن الجزريّ في نشره : " (واختلف) أئمتنا في تغيير حركة الهاء مع إبدال الهمزة ياء قبلها في قوله (أنبئهم) في البقرة (ونبئهم) في الحجر فكان بعضهم يروي كسرها لأجل الياء كما كسر لأجلها في نحو (فيهم، ويؤتيهم) فهذا مذهب أبي بكر بن مجاهد وأبي الطيب ابن غلبون وابنه أبي الحسن ومن تبعهم. وكان آخرون يقرؤنها على ضمتها لأن الياء عارضة أو لا توجد إلا في التخفيف فلم يعتدوا بها. وهو اختيار ابن مهران ومكي والمهدوي وابن سفيان والجمهور. وقال أبو الحسن بن غلبون كلا الوجهين حسن. وقال صاحب اليسير وهما صحيحان. وقال في الكافي الضم أحسن (قلت) والضم هو القياس وهو الأصح فقد رواه منصوصاً محمد بن يزيد الرفاعي صاحب سليم. وإذا كان حمزة ضم هاء (عليهم واليهم ولديهم) من أجل أن الياء قبلها مبدلة من ألف فكان الأصل فيها الضم: فضم هذه الهاء أولى وآصل والله أعلم."

أقول : اعلم حفظك الله أنّ الهاء التي تقع قبل ميم الجمع تكسر إذا سبقت بكسر أو بياء نحو (عليهم واليهم ولديهم وبهم وفيهم) وتضمّ فيما عدا ذلك على الأصل ، والدليل على أنّ الأصل فيها هو الضمّ :
أولاً : إذا أُفرِدَتْ ضُمّت نحو (هُم)
ثانياً: يجوز لغةً وقراءةً ضمها في المواضع التي تُكسرُ فيها نحو ( عليهُم و لدَيْهُم وإليهُم) ولا عكس أي لا يجوز كسرها في مواضع الضمّ.
ثالثاً : لكون القراء أجمعوا على ضمها وصلتها بواو إذا وقعت قبل ضمير نحو : أنلزمكموها ، فأسقيناكموه ، فاتخذتموهم.
رابعاً : حالات الضمّ فيها أكثر من حالات الكسر ، فتُضمُّ إذا وقعت بعد فتحٍ نحو (فأخذهُم) ، أو بعد ألف نحو (خلقناهُم) أو بعد ضمّ نحو (فأخذتُهُم) أو بعد واو نحو ( فاتّخذتمُوهم ) وتكسَرُ في حالتين فقط كما سبق وهو وقوعها بعد كسرٍ أو ياء.
أمّا في حالة إبدال الهمزة لحمزة في الوقف على ( أنبئهم و نبئهم ) ، فإنّه يُبدل الهمزة حرف مدّ من جنس حركة ما قبلها ، فيُبدلها ياءً تبعاً للكسر الذي قبلها ، فجاز كسر الهاء تبعاً للياء المبدلة من الهمزة أي {أنبِيهِم} كما هو الحال في {فيهم} وجاز ضمّ الهاء اعتداداً بالأصل ، فكون الضم هو الأصل في الهاء الواقعة قبل ميم الجمع عموماً وبالخصوص في ( أنبئهم و نبئهم ) ، وعروض الياء المبدلة من الهمزة والتي كانت السبب في جواز كسر الهاء تبعاً لها ، وانفراد حمزة بهذا الوجه يجعله وجه كسر الهاء وقفاً في( أنبئهم و نبئهم ) ضعيف من حيث القياس. ومن تمعّن في المسألة يجد أنّ وجه الضمّ هو المقدّم قياساً وأداءً ، فتقديمه قياساً لأجل الاعتداد بالأصل ، وتقديمه أداءً لكونه مذهب الجمهور كما ذكر ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى. والعلم عند الله تعالى.


المسألة الثانية عشر : تسهيل الهمزة الواقعة بعد المدّ المنفصل وقفاً لحمزة :

قال ابن الجزريّ رحمه الله تعالى : " فإن كان ألفاً نحو (بما أنزل، لنا ألا، واستوى إلى) فإن بعض من سهل هذا الهمز بعد الساكن الصحيح بالنقل سهل الهمزة في هذا النوع بين بين وهو مذهب أبي طاهر بن هاشم وأبي بكر بن مقسم وأبي بكر بن مهران وأبي العباس والمطوعي وأبي الفتح بن شيطا وأبي بكر بن مجاهد فيما حكاه عنه مكي وغيره وعليه أكثر العراقيين وهو المعروف من مذهبهم وبه قرأنا من طريقهم وهو مقتضى ما في كفاية أبي العز ولم يذكر الحافظ أبو العلاء غيره وبه قرأ صاحب المبهج على شيخه الشريف عن الكارزيني عن المطوعي، وقال الأستاذ أبو الفتح ابن شيطا والتي تقع أولاً تخفف أيضاً لأنها تصير باتصالها بما قبلها في حكم المتوسطة. وهذا هو القياس الصحيح قال وبه قرأت. قال ابن مهران وعلى هذا يعني تسهيل المبتدأة حالة وصلها بالكلمة قبلها يدل على كلام المتقدمين وبه كان يأخذ أبو بكر بن مقسم ويقول بتركها كيف ما وجد السبيل إليها إلا إذا ابتدأ بها فإنه لا بد له منها ولا يجد السبيل إلى تركها انتهى.وذهب الجمهور من أهل الأداء إلى التحقيق في هذا النوع وفي كل ما وقع الهمز فيه محركاً منفصلاً سواء كان قبله ساكن أو محرك وهو الذي لم يذكر أكثر المؤلفين سواه وهو الأصح رواية وبه قرأ أبو طاهر بن سوار على بن شيطا وكذلك قرأ صاحب المبهج على شيخه الشريف العباسي عن الكارزيني عن أبي بكر الشذائي وروى أبو إسحاق الطبري بإسناده عن جميع من عده من أصحاب حمزة الهمز في الوقف إذا كانت الهمزة في أول الكلمة. وكذا روى الداني عن جميع شيوخه من جميع طرقه فإذا كان غير ألف فأما أن يكون ياء أو واواً فإن من سهل القسم قبلها مع الألف أجرى التسهيل معها بالنقل والإدغام مطلقاً سواء كانت الياء والواو في ذلك من نفس الكلمة نحو (تزدرى أعينكم، وفي أنفسكم، وأدعو إلى) ضميراً أو زائداً نحو (تاركوا آلهتنا، ظالمي أنفسهم، قالوا آمنا، نفسي أن) وبمقتضى إطلاقهم يجري الوجهان في الزائد للصلة نحو (به أحداً، وأمره إلى، وأهله أجمعين) والقياس يقتضي فيه الإدغام فقط والله أعلم. وانفرد الحافظ أبو العلاء بإطلاق تخفيف هذا القسم مع قسم الألف قبله كتخفيفه بعد الحركة كأنه يلغي حروف المد ويقدر أن الهمزة وقعت بعد متحرك فتخفف بحسب ما قبلها على القياس وذلك ليس بمعروف عند القراء ولا عند أهل العربية. والذي قرأت به في وجه التسهيل هو ما قدمت لك ولكني آخذ في الياء والواو بالنقل إلا فيما كان زائداً صريحاً لمجرد المد والصلة فبالإدغام وذلك كان اختيار شيخنا أبي عبد الله الصائغ المصري وكان إمام زمانه في العربية والقراءات والله تعالى أعلم. النشر 1/436.

أقول : هذا المثال يدلّ أيضاً على أنّ الوجه ولو كان الأقيس لا يعني أنّه يقدّم في الأداء ، وذلك كون تسهيل الهمزة وقفاً في نحو { بمآ أنزل } هو القياس الصحيح كما قال ابن الجزريّ ، لأنّها
تصير باتصالها بما قبلها في حكم المتوسّطة وهذا وجيه وقويّ في القياس إضافة إلى كون التسهيل هو الموافق لأصل التخفيف الذي تبنّاه الإمام حمزة في الوقف على الهمز. وهذا مع قوّته في القياس إلاّ أنّ التحقيق هو المقدّم في الأداء لشهرته واستفاضته عند جمهور أهل الأداء. ولا بدّ من التنبيه أنّ التسهيل الهمزة في هذا النوع خارج عن طرق طرق الشاطبية والتيسير لأنّ الداني لم يرو ولم يقرأ عن شيوخه إلاّ بوجه التحقيق وهو ظاهر كلام الشاطبيّ عليه رحمة الله تعالى حين قال الخلاف عند علماء التجويد والقراءات Frown سوى أنّه من بعد ما ألف جرى .....يسهّله مهما توسّط مدخلا ). والعلم عند الله تعالى.



المسألة : الثالثة عشرة : إجراء الياء والواو الأصليتين مجرى الزائدين في إبدال الهمزة وقفاً لحمزة :

قال ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى : "(فمن القسم الأول) وهو الذي ذكره بعض النحاة إجراء الياء والواو الأصليتين مجرى الزائدتين فأبدلوا الهمزة بعدهما من جنسهما وأدغموهما في المبدل من قسمي المتطرف والمتوسط المتصل. حكى سماع ذلك من العرب يونس والكسائي وحكا أيضاً سيبويه ولكنه لم يقسه فخصه بالسماع ولم يجعله مطرداً ووافق على الإبدال والإدغام في ذلك جماعة من القراء وجاء أيضاً منصوصاً عن حمزة. وبه قرأ الداني على شيخه أبي الفتح فارس وذكره في التيسير وغيره وذكره أيضاً أبو محمد في التبصرة وأبو عبد الله بن شريح في الكافي وأبو القاسم الشاطبي وغيرهم وخصه أبو علي بن بليمة (بشيء وهيئة وموئلا) فقط فلم يجعله مطرداً ولم يذكر أكثر الأئمة من القراء والنحاة سوى النقل كأبي الحسن بن غلبون وأبيه أبي الطيب وأبي عبد الله بن سفيان وأبي العباس المهدوي وأبي الطاهر صاحب العنوان وشيخه عبد الجبار الطرسوسي وأبي القاسم بن الفحام والجمهور وهو اختيار بن مجاهد وغيره وهو القياس المطرد إجماعاً.
ألقول : إنّ السبب في كون وجه النقل الأقيس في الأداء لكونه الأشهر عند أهل الأداء وأهل اللغة إذ هو الأصل والقياس المطرد إجماعاً ، وإنّما أُجريَ فيه حكم الإبدال مع الإدغام إلحاقاً وتبعاً لمجرى الزائدتين كما ذكر ابن الجزريّ عليه رحمة الله ، ولا يمكن تقديم الملحق بالأصل على الأصل نفسه والعلم عند الله تعالى.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أم الحسين

أم الحسين

عدد الرسائل :
4090

تاريخ التسجيل :
18/03/2009


الخلاف عند علماء التجويد والقراءات Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخلاف عند علماء التجويد والقراءات   الخلاف عند علماء التجويد والقراءات I_icon_minitimeالثلاثاء 13 أبريل 2010 - 11:21

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد


مسألة قياس لفظ { فرقة } لمن أمال هاء التأنيث بلفظ { فرق } في ترقيق الراء :

قال ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى : "واختلفوا في (فرق) من سورة الشعراء من أجل كسر حرف الاستعلاء وهو القاف فذهب جمهور المغاربة والمصريين إلى ترقيقه وهو الذي قطع به في التبصرة والهداية والهادي والكافي والتجريد وغيرها وذهب سائر أهل الأداء إلى التفخيم وهو الذي يظهر من نص التيسير وظاهر العنوان والتلخيصين وغيرها وهو القياس ونص على الوجهين صاحب جامع البيان والشاطبية والإعلان وغيرها. والوجهان صحيحان إلا أن النصوص متواترة على الترقيق.
وحكى غير واحد عليه الإجماع وذكر الداني في غير التيسير والجامع أن من الناس من يفخم راء (فرق) من أجل حرف الاستعلاء قال والمأخوذ به الترقيق لأن حرف الاستعلاء قد انكسرت صولته لتحركه بالكسر انتهى. والقياس إجراء الوجهين في (فرقة) حالة الوقف لمن أمال هاء التأنيث ولا أعلم فيها نصاً والله أعلم."

أقول : إنّ قياس ترقيق الراء { فرقة } لمن أمال هاء التأنيث على ترقيق الراء في { فرق } فيه نظر لعدّة أسباب :

أوّلاً : لم يرد نصّ على ذلك لقول ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى :" ولا أعلم فيها نصاً "

ثانياً : لم يثبت بالأداء عن ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى ولا عن من سبقوه من أهل الأداء إذ لو قرأ به لصرّح بذلك.

ثالثاً : لعلّه اعتمد على أصل وهو جواز ترقيق راء { فرق } لأجل كسر القاف ، ولكن هل يثبت أصل معتبر على أساس حكم ثابت في لفظ واحدة ؟ إذ لم تُرقق الراء لأجل كسر حرف الاستعلاء بعدها إلاّ في { فرق } ، ولو تعدّد الحكم في أكثر من موضع لصار بذلك أصلاً يُعتمد عليه بخلاف ما إذا انفرد الحكم في موضع واحد. إضافة إلى ذلك أنّه لا غموض في المسألة حتّى يعتمد على أصل يُقاس عليه.

رابعاً : ليس هناك أيّ ضرورة أو حاجّة مآسّة لترقيق الراء في { فرقة } لمن أمال القاف.

خامساً : لا شك أنّ الممال أقوى من المكسور والدليل على ذلك أنّ المكسور هو في أدنى مراتب التفخيم لانخفاض الفكّ السفليّ إلى أدنى درجاته خلافاً للممال ، وبالتالي فلا يمكن أن يقاس الفرع بالأصل لاختلاف السبب ، وهو وجود فارق بين الكسر والإمالة ، ومن شروط القياس اتفاق الأصل والفرع في العلّة والسبب.

سادساً : قد سألت أحد كبار المشايخ عن علّة اعتماد ابن الجزريّ على القياس في { فرقة } مع عدم ثبوته بالنصّ والأداء ، وعدم وجود أيّ سبب أو حاجة إلى ذلك فأجاب حفظه الله تعالى بأنّ عدم ورود نصّ لا ينفي العمل بالقياس مستدلاً بما ذكره ابن الجزريّ في نشره في إثباته لوجه السكت بين الأنفال وبراءة مع عدم ورود نصّ في ذلك. أقول : في جوابه هذا نظر ، وما استطعت الاعتراض عليه إجلالاً وتقديراً له. كون وجه السكت بين الأنفال وبراءة ثابت بالأداء ، فقد قرأ به ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى على بعض مشايخه فقال : " فأمّا السكت بينهما فقد قرأت به لجماعتهم وليس هو منصوصاً عليهم ". وقد رُوي عن حمزة حيث قال ابن الجزري : " وقد حكى أبو علي البغدادي في روضته عن أبي الحسن الحمامي أنّه كان بأخذ بسكتة بينهما لحمزة لوحده ". وقد قوّاه ابن الجزريّ بالقياس فقال : " وإذا أخذ عن حمزة بالسكت بين الأنفال وبراءة فالإخذ به عن غيره أحرى " انظر النشر 1/269. وسبب ذلك أنّ السكت إذا ثبت عن الواصلين بين السورتين فيكون للفاصلين والساكتين من باب أولى لأنّ الوصل في مقابل الوقف والسكت. وعلى ما سبق يتبيّن أنّه لا يمكن مقارنة حكم السكت بين الأنفال وبراءة بحكم ترقيق الراء في { فرقة } لثبوت السكت بالأداء والرواية عن حمزة وبالقياس الذي يرتكز على أصل وثيق وهو ثبوت السكت بين السورتين عند ورش والبصري وابن عامر ويعقوب وثبوته عن حمزة بين الأنفال وبراءة من طريق الحمامي ، خلافاً لترقيق الراء في { فرقة } حيث لم يُشر إلى ذلك واحد من أهل الأداء وأوّل من قال بذلك هو ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى.

سابعاً : إن كان القياس مقبولاً في هذه المسألة فلماذا لم يكن كذلك في مسألة إدغام الضاد في الشين في { والأرض شيئا } و { الأرض شقا } قياساً على { لبعض شأنهم } ، و مسألة إثبات الغنّة في { نومن لّك } قياساً على { هدىً للمتقين } ونحوه. مع اتفاق السبب والعلّة بين الفرع والأصل في المسألتين وعدم اتفاقهما في مسألة { فرقه } إذ الأصل في المسألة هو الترقيق لأجل الكسر خلاف للفرع الذي رُقّق لأجل الإمالة.

فنخلصّ مّما سبق أنّ قياس { فرقة } على { فرق } في ترقيق الراء فيه نظر وظاهره يخالف منهاج أهل الأداء في تعاملهم بالقياس ، وهذا مجرّد رأي لا أدّعي الإصابة فيه. أسأل الله تعالى أن يرينا الحقّ حقاً ويرزقنا اتّباعه ،


المسألة الخامسة عشر : حكم المدّ العارض السكون الذي آخره هاء التأنيث :


قال العلامة المارغني رحمة الله تعالى في كتابه النجوم الطوالع : " يتعيّن المدّ الطويل في الوقف على كلّ ما آخره في الوصل تاء قبلها ألف وإذا وقف عليه أبدلت تاؤه هاء نحو ( الصلاة والزكاة والحياة وتقاة ) ولا يجوز في ذلك كلّه توسط ولا قصر كما نصّ عليه في {اللا ئي } الحافظ أبو عمرو الداني في كتابيه التلخيص والمفردة وخاتمة المحققين سيدي علي النوري في غيث النفع وقرأت به على شيخنا رحمة الله تعالى في {اللا ئي } وفي نحو {الصلاة } ونبّهنا عليه غير مرّة واقتصر عليه في المسألتين بعض شرّاح المتن ووجهه لزوم السكون للحرف الموقوف عليه وهو الياء في {اللا ئي } والهاء في نحو الصلاة إذ يصدق عليهما أنّهما لا يتحرّكان لا وصلاً ولا وقفاً أمّا عدم تحرّكهما وصلاً فلعدم وجودهما فيه وأمّا عدم تحرّكهما وقفاً فظاهر وحينئذ يندرجان فيما سكونه لازم فيمدّ الألف قبلها في الوقف مداً طويلاً لازماً لأجلهما. فإن قلت الياء في {اللا ئي } والهاء في نحو{الصلاة} عارضان في أنفسهما لأنّهما لا يوجدان إلاّ في الوقف فيكون سكونهما عارضا بعروضهما. قلت المعتبر لزوم السكون لهما وإن كانا في أنفسهما عارضين إذ لو اعتبر عروض سكونهما لعروضهما لجاز الروم الروم والإشمام في كلّ ما رسم من رحمة ونعمة والصلاة والزكاة لأنّ الروم والاشمام إنّما يكونان فيما سكونه عارض مع أنّهم اتّفقوا على منع الروم والإشمام في ذلك كما سيأتي في باب الوقف وذكر العلامة الشيخ سيدي أحمد الشقانصي في كتابه شهب الثواقب أنّه قرأ بالأوجه الثلاثة في الوقف وهو مخالف لما قدّمناه وكلّ يقرأ بما أخذ لكن ينبغي لمن أخذ بالأوجه الثلاثة في الوقف أن يقف في ذلك بالطويل احتياطاً وخروجاً من الخلاف " انتهى كلامه عليه رحمة الله تعالى ص 52 و53.
قال العلامة المرصفيّ عليه رحمة الله تعالى : " ويؤخذ مما تقدّم أنّ المدّ العارض للسكون الذي سكونه واقع في هاء التأنيث { كمشكاة } يجوز فيه الوجهان وقفاً :
الأوّل : الوقف بالمدود الثلاثة قياساً على غيره من العوارض كما مرّ.
الثاني : الوقف بالإشباع وجهاً واحداً كالمدّ اللازم وفق قول المارغني والطرابلسي ولا مانع عندي من الأخذ بالوجهين غير أنّي أميل إلى الإشباع أكثر لأنّه لا فرق بينه وبين {اللا ئي } في وجه الوقف بالياء الساكنة لورش وموافقيه فالياء في {اللائي } لا توجد إلا في الوقف وكذلك هاء التأنيث لا توجد إلاّ في الوقف أيضاً. وقد أجمعوا على وجه الإشباع في {اللائي } على وجه الوقف بالياء الساكنة لورش ومن وافقه من القراء فإذا لم نعتبر الإشباع وجهاً واحداً في نحو { الصلاة} وقفاً واعتبرنا المدود الثلاثة فيه إذاً فلنعتبرها في وقف{اللا ئي } أيضاً إذ الحجّة واحدة ولا قائل بذلك. وعليه : فالإشباع هو المعتمد بل هو الواجب في الوقف على نحو { الصلاة } كما قرره المارغني والطرابلسي. وإذا وقف بالمدود الثلاثة فيه على القول الثاني فينبغي الوقف بوجه الإشباع احتياطاً وخروجاً من الخلاف كما تقدّم في كلام شيخنا العلامة المارغني ، والله أعلم. " انتهى كلامه رحمه الله تعالى ( هداية القارئ 1/323).

أقول وبالله التوفيق : إن ما أوجبه العلامة المارغني عليه رحمة الله تعالى من المدّ مع الطول في الوقف على نحو { الصلاة } ومنعه لوجه القصر والتوسط فيه نظر لعدّة أسباب :

أوّلاً : إنّ المسألة بُنيت على قياس محض في مقابل ما تواتر أداءً عند أهل الإقراء في جميع الأقطار ، وفي مقابل مضمون نصوص الأئمّة عليهم رحمة الله تعالى التي مقتضاها التسوية بين المدّ العارض السكون الذي آخره هاء التأنيث وبين غيره ، والتي مقتضاها أيضاً التفريق في الحكم بين {اللائي } وبين { الصلاة } وشبهه في الوقف ، وقد نصّ الداني وغيره عليهم رحمة الله تعالى على المدّ المشبع عند إبدال الهمزة ياء في الوقف على{اللائي} فحسب ولم ينصّ على لفظ {الصلاة} وشبهه. ولا يمكن إسقاط ما تواتر بالنصّ والأداءً بالقياس ، لأنّ إجراء الأوجه الثلاثة في نحو { الصلاة } مؤيّد بالنصوص العامة المطلقة وهو ثبوت السكون في الوقف دون الوصل من جهة ، وعروض السكون تبعاً لعروض هاء التأنيث ، فالساكن وإن كان لازماً لهاء التأنيث إلاّ أنّه عارض بالتبعية لأنّ هاء التأنيث عارضة فيكون سكونها عارضّ كذلك. فإن قيل هو كذلك في {اللائي } لكون الساكن يثبت في الوقف دون الوصل كذلك للزومه للحرف الموقوف عليه وكونه عارض بالتبعيّة أيضاً ؟ الجواب : الفرق بينهما هو أنّ لفظ {اللائي } مقيّد بالنصّ والأداء ، ولا شكّ أنّ المقيّد مقدّم على المطلق خلافاً للفظ { الصلاة } وشبهه فلم يقيّد بأيّ قرينة تصرفه من الإطلاق إلى التقييد. فالأصل أن يكون السكون اللازم لحرف المدّ ثابتاً في الوصل والوقف ، وأن يكون السكون العارض ثابتاً في الوقف دون الوصل ، وأن يكون الحرف الموقوف عليه ثابتاً في الوقف والوصل أيضاً ، ومن اطلع على ما نقله الأئمّة من الأقوال والأمثلة في ذلك لأدرك هذا التأصيل ، ولا يخرج عن هذا الأصل إلاّ بقرينة تصرفه عن هذا الأصل ، والقرينة أمّا بالنصّ أوما ثبت بالأداء كثبوت اللسكون في الوصل دون الوقف على تاءات البزيّ في نحو { ولآ تّيمموا } و { ولآ تّجسسوا } وثبوت السكون في الوقف دون الوصل في { اللائي } وكلاهما يخرجان عن الأصل بقرينة النصّ والأداء خلافاً للفظ { الصلاة } وأخواتها.

ثانياً : لم أجد فيما اطلعت عليه في المصادر المعتبرة نصّ يلزم المدّ المشبع أو يمنع القصر والتوسّط عند الوقف على {الصلاة} ونحوه ، ويؤيّد ما أقول أنّي لم أجد فيما اطلعت عليه من مثّل في باب المدّ اللازم بلفظ {الصلاة} وشبهه ولو كان داخلاً في اللزوم الذي أراده أهل الأداء لأدخلوه ضمن الأمثلة.

ثالثاً : إنّ القياس يُجنح إليه عند عدم النصّ وغموض الوجه في الأداء. أقول : ليس هناك أيّ نصّ يمنع ما منع العلامة المارغني عليه رحمة الله بل مقتضى النصوص تؤيّد ما منع ، وليس هناك أيّ غموض من جهة الأداء ، فعلى أيّ أساس يمنع العلامة القصر والتوسط في الوقف على {الصلاة} ؟

رابعاً : لو اقتصر العلامة على تقديم وجه المدّ المشبع على وجه التوسّط والقصر في الوقف على نحو {الصلاة} لكان وجيهاً من حيث القياس ولكان موافقاً لمنهج الأئمة في تقديمهم للوجه الأقيس ، إلاّ أنّه بقياسه هذا لم يقتصر على تقديم الطول فقط بل ألزمه وأسقط غيره مخالفأ بذلك منهاج أهل الأداء في اعتمادهم على القياس. قال الداني عليه رحمة الله تعالى : " مع الإعلام بأنّ القراءة ليست بالقياس دون الأثر". أقول : فإن كان الأثر يُثبت وجهاً فلا ينبغي إسقاطه لا سيما بالقياس.

خامساً : إن قرأ العلامة على مشايخه بطول المدّ في الوقف على تلك الكلمات فعلى أيّ أساس يلزم غيره الذين قرءوا بالأوجه الثلاثة على الأخذ بوجه الطول خروجاً من الخلاف ، مع أنّ الخلاف في ذلك ليس معتبراً لعدم ثبوته عند الأئمّة عليهم رحمة الله ، إذ لو كان الخلاف ثابتاً لنقله إمام الفنّ في كتابه النشر أومن سبقه من الأئمّة كالداني وغيره.

وعلى ما سبق من البيان نخلص إلى جواز الأوجه الثلاثة في المدّ العارض للسكون الذي آخره هاء التأنيث مع إمكان تقديم وجه الطول في الأداء لقوّته قياساً على { اللائي } عند الوقف عليها بالياء.



.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أم الحسين

أم الحسين

عدد الرسائل :
4090

تاريخ التسجيل :
18/03/2009


الخلاف عند علماء التجويد والقراءات Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخلاف عند علماء التجويد والقراءات   الخلاف عند علماء التجويد والقراءات I_icon_minitimeالثلاثاء 13 أبريل 2010 - 11:23

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم


المسألة السادسة عشر : قياس { ونذر } على ( فأسر ، أن أسر ، إذا يسر ) في ترقيق الراء وقفاً :


اعلم حفظك الله أنّه اختلف المتأخرون في حكم ترقيق الراء وقفاً على { ونذر} إلى فريقين : فريق يقول بالتفخيم محتجين بالنصوص والأداء من أفواه المشايخ ، وفريق يقول بالوجهين مع تقديم الترقيق على التفخيم قياساً على ( فأسر ، أن أسر ، إذا يسر ) حيث ذكر ابن الجزري جواز الترقيق وقدّمه على التفخيم في هذه الكلمات لأجل الياء المحذوفة اعتباراً بالأصل وهو وجود الياء المتطرّفة قبل حذفها ( فأسري ، أن أسري ، إذا يسري ) إذ الراء في هذه الكلمات تكسر في الوصل والوقف عند إثبات الياء ، والكسر موجب للترقيق.
إذن فالقياس مبنيّ على :
- أصل : وهو حذف الياء في ( فأسر ، أن أسر ، إذا يسر ) ،
- وفرع : هو { ونذر} ،
- وسبب : هو حذف الياء بعد الراء المكسورة ،
- وحكم : جواز ترقيق الراء وتقديمه على التفخيم.

وقبل الخوض في المسألة أريد أن أتعرّض إلى الأصل المعتمد عليه في هذه المسألة وهو ترقيق الراء في ( فأسر ، أن أسر ، إذا يسر ). قال ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى : " (السابع) الوقف بالسكون على (أن اسر) في قراءة من وصل وكسر النون يوقف عليه بالترقيق. أما على القول فإن الوقف عارض فظاهر وأما على القول الآخر فإن الراء قد اكتنفها كسرتان، وإن زالت الثانية وقفاً فإن الكسرة قبلها توجب الترقيق. فإن قيل إن الكسر عارض فتفخم مثل (أم ارتابوا) فقد أجابَ بما تقدم أن عروض الكسر هو باعتبار الحمل على أصل مضارعه الذي هو يرتاب. فهي مفخمة لعروض الكسر فيه بخلاف هذه. والأولى أن يقال كما أن الكسر قبل عارض فإن السكون كذلك عارض وليس أحدهما أولى بالاعتبار من الآخر فيلغيان جميعاً ويرجع إلى كونها في الأصل مكسورة فترقق على أصلها. وأما على قراءة الباقين وكذلك (فأسر) في قراءة من قطع ووصل فمن لم يعتد بالعارض أيضاً رقق وأما على القول الآخر فيحتمل التفخيم للعروض ويحتمل الترقيق فرقاً بين كسرة الإعراب وكسرة البناء إذ كان الأصل (أسرى) بالياء وحذفت الياء للبناء فبقي الترقيق دلالة على الأصل وفرقاً بين ما أصله الترقيق وما عرض له وكذلك الحكم في (والليل إذا يسر) في الوقف بالسكون على قراءة من حذف الياء فحينئذٍ يكون الوقف عليه بالترقيق أولى. والوقف على (والفجر) بالتفخيم أولى والله أعلم." انتهى كلامه عليه رحمة الله تعالى.

أقول : من تمعّن جيّداً في كلام ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى يتبيّن له ما يلي :

أوّلاً : أثباته لوجه الترقيق وتقديمه على التفخيم في هذه الكلامات كان باجتهاد محض اعتداداً بالأصل.

ثانياً : لم يَعزُ هذا الوجه لأيّ واحد ممن سبقه من أهل الأداء ولم يذكر أيّ نصّ في ذلك.

ثالثاً : لم يذكر أنّه قرأ بوجه الترقيق في هذه الكلمات عن مشايخه إذ لو قرأ به لأخبر بذلك كعادته.

رابعاً : الاعتداد بالأصل لا يَعني صحة الوجه والدليل على ذلك أنّه لم يعتبر به في لفظ { الفجرِ } حيث رجّح التفخيم على الترقيق مع أنّ الأصل في الراء هو الكسر الموجب للترقيق.

خامساً : مخالفته للنصوص التي دلّت على التفخيم في الراء إذا سُبقت بفتح وحال بينها وبين الفتح ساكن كما سيأتي بيانه.

سادساً : العبرة بما ثبت بالنصّ والأداء كما قال الداني عليه رحمة الله تعالى : " مع الإعلام بأنّ القراءة ليست بالقياس دون الأثر"


إذن فالترقيق في هذه الكلمات غير مسلّم به ، بل يحتاج إلى نظر لأنّه قائم على اجتهاد يحتمل الخطأ الوصواب وهو يفيد الظنّ ، والقطع به مستبعد لما سبق من البيان.

أقول : إن كان الأصل المعتمد عليه في المسألة يحتاج إلى نظر فما نقول في الفرع أي في حكم ترقيق راء { ونذر} ؟


الآن نعوذ إلى الكلام في الفرع وهو لفظ { ونذر } فأقول : إنّ أوّل من قال بترقيقها كما ذكر الشيخ المحقق عبد الرازق إبراهيم موسى حفظه الله تعالى ( عند تحقيقه لكتاب شرح الفاسي على الشاطبية ) هو الشيخ الطباخ في كتابه فتح المنان حيث ذكر عدداً من الكلمات منها ( ونذر ، الجوار ، مفتر ، تمار ، ولم أدر ، هار ) ثمّ تبنّى هذا القول العلامة المتولّي في فتح المعطي في لفظ {ونذر} ولم يتجاوزه وتبعه في ذلك العلامة الضباع حيث استحسن الترقيق في أرشاد المريد وكذا العلامة السمنودي في لآلئ البيان ثمّ صار الوجه معمولاً به. ويبدو أنّ المتولّي قاسها على { يسر} كما ذكر صاحب الفضيلة المحقق عبد الرازق علي إبراهيم موسى ، وسببه أنّ بن الجزري ذكر في النشر ما يرقّق فرقاً بين كسرة الإعراب وكسرة البناء في ثلاث كلمات بالتحديد وهي { أن أسر } عند من قطع وسكن النون وكذلك { فأسر } عند من قطع ووصل وكذا { والليل إذا يسر } في الوقف على السكون على قراءة من حذف الياء. ولم يتعرّض بن الجزري إلى كلمة { ونذر } لا من قريب ولا من بعيد. وما ذهب إليه بعض أهل الأداء إلى قياس { ونذر} على { فأسر} وأخواتها غير مسلّم به لعدّة أسباب :


أوّلاً : إنّ وجه الترقيق في { ونذر } مخالف للنصوص الصريحة التي مقتضاها تفخيم الراء المتطرفة إلاّ إذا وُجد سبب موجب الترقيق وهو وجود قبل الراء كسر أو ياء ساكنة أو إمالة أو ترقيق وذلك في { بشرر } لورش من طريق الأزرق. قال ابن الجزري رحمه الله في طيّبته :
.............................وفي سكون الوقف فخّم وانصُرِ
مالم تكن من بعد يا ساكنة.....أو كسرٍ او ترقيقٍ او إمالة

وقال الشاطبيّ رحمه الله تعالى :
وترقيقها مكسورة عند وصلهم ....... وتفخيمها في الوقف أجمع أشملا
ولكنّها في وقفهم مع غيرها ..........تُرقق بعد الكسر أو ما تميّلا
أو الياء تأتي بالسكون ورومهم........

قال السخاوي في شرح الشطر الثاني من البيت الأوّل : "........فإن وقفت عليها بالسكون ولم ترم حركتها وكانت قبلها فتحة أو ضمة نحو { مطر } ، و { دُسُر} فخّمت الراء في مذهب الجميع ، وهو معنى قوله : " أجمع أشملا " أشار إلى إجماع القراء لأنّ موجب الترقيق معدوم." انتهى كلامه رحمه الله تعالى. وقال الإمام الداني في جامع البيان ص 359 : "فإن وَلِيَها فتحة أو ضمة وسواء حال بينهما وبينها ساكن أو لم يَحُل ، فالوقف عليها للكلّ بإخلاص الفتح لا غير ، وذلك نحو قوله { ألم تَرَ} و { الدُبُر} و { الأمور} و{العُسْر} و {اليُسْر} وما أشبهه ". (المراد من كلام الداني " فالوقف عليها للكلّ بإخلاص الفتح لا غير " أي الوقف بالتفخيم لأنّه يُطلق لفظ الإمالة على الترقيق ويطلق لفظ الفتح على التفخيم في باب الراءات). أقول فإن قطع الداني بتفخيم الراء المتطرفة في نحو { العُسر} و { اليُسر} مع وجود ساكن بينها وبين الضمّ فيكون تفخيمها بعد ضمتين كما في { ونذر} آكد وأولى. وقد نقل الفاسي في شرحه على الشاطبية كلام الداني في كتاب الراءات فقال : " قال الحافظ أبو عمرو الداني في كتاب الراءات : فإن كان ما قبل الراء المكسورة فتحاً أو ضمّاً نحو : { ودُسُر} و { ونَهَر } وقفت بالتفخيم لا غير في مذهب الجماعة " 1/477. قال المحقق لكتاب شرح الفاسي على الشاطبية وهو الشيخ المحقق عبد الرازق إبراهيم موسى حفظه الله تعالى عند تعليقه على قول الشاطبي (وتفخيمها في الوقف أجمع أشملا) : " أقول إنّ كلمة { ونذر} في سورة القمر تدخل تحت هذه القاعدة فهي مفخّمة بإجماع حال الوقف بناء على ذلك و تفخيمها مجمع عليه إجماعاً شاملاً يشمل ورشاً وغيره كما قال الشارح والناظم وهو المعمول به بين القراء حتّى اليوم ولكن هناك بعض القراء رققوها وأمروا بترقيقها " انتهى كلامه.انظر هامش الكتاب 1/477. أقول : فإن ادّعى قوم أنّ التفخيم خاصّ برواية ورش فالجواب : إن كان ورش فخّمها فغيره يُفخّمها من باب أولى لانفراد ورش بترقيق الراءات خلافاً لغيره.

ثالثاً : إنّ وجه الترقيق في { ونذر } مخالف لإجماع أهل الأداء كما قال الشاطبيّ (وتفخيمها في الوقف أجمع أشملا) وكما أشار إلى ذلك السخاوي في شرحه للبيت والداني عند قوله "وقفت بالتفخيم لا غير في مذهب الجماعة".

رابعاً : القياس المعتمد عليه في هذه المسألة قياس غير صحيح كما ذكر الشيخ عبد الرّازق حفظه الله لعدّة أسباب :
السبب الأوّل : أنّ الياء في { يسر } أصلية لأنّها واقعة في لام الكلمة إذ أصلها يسري على وزن يفعل ، أمّا الياء في { ونذر } فهي ياء للإضافة زائدة.
السبب الثاني : إنّ الراء في { ونذر } معربة وإنّما كُسِرت لمناسبة ياء المتكلّم عند من أثبتها لكونها معطوفة على { عذابي } ويمكن رفعها في غير القرءان نحو جاء نذرُ فلان ، أمّا في {يسر} فهي كسرة للبناء لأنّ الراء في عين الكلمة لا تتغيّر في جميع الأحوال لذا رُقّقت فرقاً بين كسرة البناء وكسرة الإعراب على ما نصّه بن الجزري.
السبب الثالث : إنّ الراء { يسر } سُبقت بساكن وقبله فتح بخلاف راء { ونذر } فقد سبقت بضمتين فأين وجه القياس

خامساً : السبب الذي حمل ابن الجزري على إثبات وجه الترقيق في { فأسر } وأخواتها هو التفريق بين كسرة الإعراب وكسرة البناء ، وبين الكسرة الأصلية والكسرة العارضة قال : "ويحتمل الترقيق فرقاً بين كسرة الإعراب وكسرة البناء إذ كان الأصل (أسرى) بالياء وحذفت الياء للبناء فبقي الترقيق دلالة على الأصل وفرقاً بين ما أصله الترقيق وما عرض له" أقول : وهذا السبب منتفي بالنسبة ل { ونذر } لأنّ كسرتها للإعراب إضافة إلى كونها عارضة وإنّما عرضت للراء لمناسبتها لياء المتكلّم خلافاً ل{ يسر } وأخواتها فإنّ كسرتها للبناء إضافة إلى كونها أصلية. إذن فليس هناك أيّ سبب يجمع بين الأصل والفرع أي بين {يسر} وأخواتها وبين { ونذر } اللهمّ إلاّ الياء المحذوفة المتطرّفة التي لم تكن السبب الذي حمل ابن الجزريّ على إثباته وجه الترقيق في تلك الكلمات ودليل ذلك تفريقه في الحكم بينها وبين غيرها من الكلمات التي حذفت ياؤها نحو ( فلا تمار ، ولم أدر ، الجوار ) وغيرها.

أقول : هذا مثال حيّ في مسألة بنيت على قياس غير صحيح ، وعلى أصل غير وثيق. فالقياس الغير الصحيح هو عدم اتفاق السبب بين الأصل والفرع أي بين { يسر} وأخواتها وبين { ونذر}. وأماّ الأصل الغير الوثيق كون الأصل المعتمد عليه هو في حدّ ذاته يحتاج إلى نظر وهو إثبات وجه الترقيق في { يسر} وأخواتها. ومما زاد الطين بلّة هو اعتماد بعض كبار العلماء على هذا القياس لإثبات وجه الترقيق في كل راء وقعت قبل ياء محذوفة. وقد سألت أحد كبار المشايخ في المدينة النبوية عن الدليل في ترقيق راء {ونذر } فاستدلّ بقول العلامة إبراهيم شحاته السمنودي حفظه الله تعالى في لآلئ البيان. فقلت له هل يعني مما تفضلتم به أنّ كل راء جاء بعدها ياء محذوفة يجوز أن ترقّق نحو { ولم أدر } و { وله الجوار } و { فلا تمار} فأجاب بنعم ، ولا أدري هل قال ذلك باجتهاده أو تبعاً للشيخ الطباخ في في كتابه فتح المنان ، مع علمنا فيما سبق أنّ مجرّد حذف الياء المتطرفة لم يكن السبب الذي حمل ابن الجزري على إثبات وجه الترقيق في راء { يسر} وأخواتها.

فإن قال قائل يجوز ترقيق الراء المتطرّفة إذا كانت مكسورة في الوصل اعتداداً بالأصل كما قال ابن الجزريّ رحمه الله : "والوقف على (والفجر) بالتفخيم أولى والله أعلم." ، فإن كان جائزاً في نحو {الفجر} فهو جائز في {ونذر}. الجواب : إنّ ما قاله ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى مخالف للنصوص المتقدّمة ومخالف للإجماع المذكور آنفاً ، قد قال هو نفسه : " وقد قدمنا أن القول بالتفخيم حالة السكون هو المقبول المنصور وهو الذي عليه عمل أهل الأداء." ولأجل ذلك في في طيّبته :
.............................وفي سكون الوقف فخّم وانصُرِ
قال ابن الناظم في شرحه لهذا الشطر : " وقد شذّ من قال إنّ المكسورة تُرقق من حيث إنّ الوقف عارض فلذلك قال (وانصُرِ) أي انصُر القول بإطلاق التفخيم " شرح طيبة النشر لابن الناظم ص167. وقال البناء : " وقوله – أي ابن الجزري – والفجر بالتفخيم أولى تقدّم أنّ الصحيح فيه التفخيم للكلّ ومقابلة الواهي يعتبر عروض الوقف والله تعالى أعلم " اتحاف فضلاء البشر ص98.

تنبيه : قال ابن الجزريّ : "وقد تظهر فائدة الخلاف في الوقف على المكسور إذا لم يكن قبله ما يقتضى الترقيق فإنه بالوقف تزول كسرة الراء الموجبة لترقيقها فتفخم حينئذ على الأصل على القول الأول وترقق على القول الثاني من حيث إن السكون عارض وأنه لا أصل لها في التفخيم ترجع إليه فيتجه الترقيق. وقد أشار في التبصرة إلى ذلك حيث قال أكثر هذا الباب إنما هو قياس على الأصول وبعضه أخذ سماعاً، ولو قال قائل إنني أقف في جميع الباب كما أصل سواء أسكنت أو رمت لكان لقوله وجه من القياس مستثبت. والأول أحسن. وممن ذهب إلى الترقيق في ذلك صريحاً أبو الحسن الحصري فقال:
وما أنت بالترقيق واصِلُهُ فقف.....عليه به إذ لست فيه بمضطر "
فإن قيل : كيف يلطق الإجماع على التفخيم في الوقف على نحو { والفجر } وقد أشار إلى جواز الترقيق مكي القيسي وصرّح به الحصري اعتداداً بالأصل ؟ الجواب : إنّ الإجماع كان باعتبار ما نُقل عن الأئمّة المتقدمين على مكي القيسي والحصري ، وما حملهما على القول بجواز الترقيق إلاّ الاجتهاد والقياس ، فإذا أجمع المتقدّمون على شيء فلا يُسقطه ما يخالفه من أقوال المتأخرين عنهم ، ولأجل ذلك لم يضرّ ما انفرد به الإمام السخاوي من إباحته لوجه البسملة في أوّل براءة بالقياس مخالفاً بذلك الإجماع ، وما سقط الإجماع أبداً بذلك بل اعتبره ابن الجزريّ خرقاً له.

خلاصة المسألة :
نخلص مما سبق أنّ القياس المعتمد عليه في ترقيق راء { ونذر} قياس غير صحيح وسبب ذلك :
أوّلاً : الأصل المعتمد عليه في المسألة أصل غير وثيق ومتين كما سبق ، لأنّ وجه الترقيق في{ يسر} وأخواتها قائم على اجتهاد محض ولم ينبني على نصّ أو إجماع أو أداء ثابت عند الأئمّة عليهم رحمة الله تعالى. فالأصل المعتبر هو الذي ينبني على نصّ معتبر أو إجماع أو ما اشتهر واتستفاض عند أهل الأداء وتلقوه بالقبول حتّى يكون مضمونه مقطوعاً به إذ لا يُعقل أن تُبنى مسألة على أصل يشوبه الاحتمال والظنّ.

ثانياً : عدم التناسب بين الأصل الذي هو { يسر } وبين الفرع الذي هو { ونذر } في العلّة والسبب. وقد علمنا أنّ اتفاق السبب شرط لازم إذ هو الجامع بين الفرع بأصله ، وعليه يتضح جلياً بطلان القياس الذي اعتُمد عليه في المسألة.

ثالثاً : مخالفة النصوص الصريحة التي مقتضاها تفخيم الراء المتطرفة إلاّ إذا وُجد سبب موجب للترقيق وقد رأينا أنّه لا موجب للترقيق في لفظ { ونذر}

رابعاً : مخالفته لإجماع أهل الأداء.


أسأل الله تعالى أن يوفقنا لما فيه الخير والصلاح وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين,
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أم الحسين

أم الحسين

عدد الرسائل :
4090

تاريخ التسجيل :
18/03/2009


الخلاف عند علماء التجويد والقراءات Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخلاف عند علماء التجويد والقراءات   الخلاف عند علماء التجويد والقراءات I_icon_minitimeالثلاثاء 13 أبريل 2010 - 11:25

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد

أعتماد أئمّتنا على النصوص بالدرجة الأولي :

من خلال ما تعرّضنا إليه في المسائل السالفة الذكر يظهر ظهوراً جلياً مدى اعتماد أئمّتنا على النصوص حيث اعتبروها أصلاً أساسياً في إثبات صحّة الأوجه التي تلقّوها عن مشايخهم أداءً ، بل كانوا يعتبرون الوجه الثابت عندهم بالأداء دون النصّ علّة وإن لم تكن قادحة إلاّ أنّهم احتاجوا إلى أصل وثيق معتبر يقوّي ذلك الوجه ليصير قوياً من جهة الأداء بالقياس ، وما كانوا يعتمدون على المشافهة بمفردها أبداً وسأذكر بعض النصوص في ذلك :

قال الداني عليه رحمة الله تعالى : " مع الإعلام بأنّ القراءة ليست بالقياس دون الأثر"(جامع البيان ص172). وقال ابن الجزريّ رحمه الله تعالى : " ومنهم من علم العربية ، ولا يتّبع الأثر والمشايخ في القراءة ، فلا تُنقل عنه الرواية لأنّه ربّما حسنت له العربيّة حرفاً ولم يقرأ به ، والرواية متّبعة والقراءة سنّة يأخذها الآخر عن الأوّل" منجد المقرئين ص53. أقول : فالأثر هو ما أُثِر عن السلف ، فيُطلق على أقوال الصحابة والتابعين وغيرهم من سلف الأمّة فهي نصوص وأقوال أسندت إليهم ، ولو كانت المشافهة داخلة في مضمون النصوص لما فرّق أئمّتنا بين النصّ والأداء. فإن قيل إنّ النصّ أصله المشافهة. الجواب مشافهة السلف لمشايخهم تختلف عن مشافهة الخلف لمشايخهم لقول النبيّ عليه الصلاة والسلام " خير الناس قرني ثمّ الذين يلونهم ثمّ الذين يلونهم " فكما أنّ الحديث لم يُدوّن في البداية لأنّه كان محفوظاً في الصدور وفي مأمن من الضياع ، فلمّا ضعفت الهمم وقلّ أهل الضبط والحفاظ للحديث اضطرّ العلماء إلى تدوين الحديث خشية ضياعه وكان ذلك بأمر من ولاة أمر المسلمين. وما دوّن القرءان إلاّ بعد ما استحرّ القتل بقراء القرءان في واقعة اليمامة فأمر خليفة المسلمين الصديق رضي الله عنه بجمع القرءان. وبذلك صار المدوّن من القرءان وهي المصاحف العثمانية أصلاً وركناً يوزن به المقروء من القرءان ، وصارت كتب السنّة معياراً ومصدراً للتصحيح والتنقيح والتحقيق ، وصارت نصوص أئمّة القراءة معياراً وأصلاً وثيقاً في إثبات صحّة الوجه المقروء به. ولو ترك العلم من غير تدوين لذهب واندثر. ولو كان العلم بما فيه قراءة القرءان مقتصرة على التلقّى من أفواه المشايخ لما حمل القدامى على التدوين ونقل الآثار والنصوص عن من سبقهم.

قال الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى :
وما بعده كسرٌ أو اليا فما لهم........بترقيقه نصّ وثيق فيمثلا
قد استدلّ الإمام الشاطبيّ على منع ترقيق الراء إذا جاء بعدها كسر أو ياء بعدم ورود نصّ وثيق يُثبت صحّته ، فاشترط ثبوت نصّ وثيق ، والمراد بالوثيق هو النصّ المعتبر عند الأئمّة مما كان مضمونه مشهوراً متلقى بالقبول إذ ترقيق الراء في ذلك ثابت ولكن مجرّد ثبوته لا يعني صحّته لانفراد بعض أهل الأداء به مخالفين لما استفاض عند غيرهم من جماهير أهل الأداء. فالشاهد من كلام الشاطبيّ رحمه الله تعالى أنّه لم يشر إلى التلقي أو إلى عدم ثبوت الترقيق من جهة الأداء بل أشار إلى عدم ثبوته بالنصّ الوثيق في ذلك. وهذا دليل على ارتكاز هذا العلم على النصوص بالدرجة الأولى.

وقد نقل أبو عمرو الداني في جامع البيان ص224 كلام أبي طاهر في كتاب الفضل بين أبي عمرو والكسائي عند بيانه لحكم التقاء الهمزتين من كلمتين في نحو { سوء أعمالهم } فذكر وجه إبدال الثانية واواً مفتوحة ثمّ نقل وجهاً وهو تسهيلها بين بين ، قال : " قال – أي أبو طاهر – ولم أجد في كتاب من الكتب المنقولة عن أبي عمرو من جهة اليزيدي ولا غيره ." أقول : فما استدلّ بالمشافهة بل ردّ الوجه لعدم ثبوته في الكتب.

وقال أبو عمرو الداني في همز { ننسأها } و { أرجئه } و { رئيا } و { مؤصدة } : " وبتخصيص ذلك كلّه بالهمز للمعاني الخمسة المذكورة قرأت على أبي الفتح وأبي الحسن وغيرهما من طريقه – أي طريق ابن مجاهد - ، وهو اختيار طاهر بن أبي هاشم وجميع أصحابه وأصحاب ابن مجاهد وهو اختياري أنا وبه آخذ ، لأنّه رحمه الله – أي أبا طاهر بن أبي هاشم - بناه على نصّ ما اجتمع عليه الرواة عن اليزيدي عن أبي عمرو من أنّه همز { أو ننسأها } إذ هو من التأخير و{ أرجئه } من أرجأت و { رئيا } إذ هو من الرواء و { مؤصدة } إذ هي من آصدتّ ، وإنّه همز { وهيئْ لنا } و { يهيئ لكم } " جامع البيان ص242.
أقول : الخلاف في إبدال الهمزة للبصري ناتج من الاعتداد بمذهبه في إبدال الهمزة المفردة الساكنة من جهة ومن جهة أخرى ثبوت وجه الهمزة في هذه الكلمات نصاً وأداءً ، ونلاحظ في هذه المسألة أنّ الداني ما اختار وجه التحقيق في هذه الكلمات على أساس ما تلقاه على أبي الفتح وأبي الحسن وغيرهما بل احتجّ بالنصّ الذي بنا عليه أبو طاهر بن أبي هاشم اختياره ولم يُشر إلى التلقّي والمشافهة للفصل في المسألة.

قال ابن الجزريّ في مسألة أبدال الهمزة ياءاً في الوقف على نحو { خائفين } لحمزة : " فأما إبدال الهمزة ياء في نحو (خايفين، وجاير، وأوليك) واواً في نحو (ابناوكم واحباوه) فإني تتبعته من كتب القراءات ونصوص الأئمة ومن يعتبر قولهم فلم أرَ أحداً ذكره ولا نص عليه ولا صرح به ولا أفهمه كلامه ولا دلت عليه إشارته سوى أبي بكر ابن مهران فإنه ذكر في كتابه في وقف حمزة وجهاً في نحو (تائبات) بإبدال الياء وفي نحو (رؤف) بإبدال الواو. ورأيت أبا علي الأهوازي في كتابه الاتضاح حكى هذا عن شيخه أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد الطبري وقال ولم أرَ أحداً ذكره ولا حكاه من جميع من لقيت غيره (قلت) ثم إني راجعت كتاب الطبري وهو الاستبصار فلم أره حكى في جميع ذلك سوى بين بين لا غير والقصد إن إبدال الياء والواو محضتين في ذلك هو مما لم تجزه العربية بل نص أئمتها على أنه من اللحن الذي لم يأت في لغة العرب وإن تكلمت به النبط وإنما الجائز من ذلك هو بين بين لا غير. وهو الموافق لاتباع الرسم أيضاً. وأما غير ذلك فمنه ما ورد على ضعف ومنه ما لم يرد بوجه. وكلّه غير جائز من القراءة من أجل عدم اجتماع الأركان الثلاثة فيه. فهو من الشاذ المتروك الذي لا يعمل به ولا يعتمد عليه والله أعلم. وسيأتي النص في كل فرد فرد ليعلم الجائز من الممتنع والله الموفق. " النشر 1/463.
أقول : اعتمد ابن الجزري في إثبات الجائز من الممتنع في هذه المسألة على النصّ فقال : " فلم أرَ أحداً ذكره ولا نص عليه ولا صرح به ولا أفهمه كلامه ولا دلت عليه إشارته " ثمّ قال في الأخير " وسيأتي النص في كل فرد فرد ليعلم الجائز من الممتنع والله الموفق. " فجعل جواز الوجه منوط بوجود النصّ ولم يُشر إلى المشافهة والتلقّي لا من قريب ولا من بعيد. فاعتبروا يا أولي الأبصار.

وقد أشار مكّي ابن أبي طالب رحمه الله في آخر كتابه التبصرة حيث قال في جميع ما ذكرناه في هذا الكتاب ينقسم إلى ثلاثة أقسام : قسم قرأت به ونقلته وهو منصوص في الكتب موجود ، وقسم قرأت به وأخذته لفظاً أو سماعاً وهو غير موجودٍ في الكتب وقسمٌ لم أقرأ به ولا وجدتّه في الكتب لكن قسته على ما قرأت به إذ لا يمكن فيه إلاّ ذلك عند عدم الرواية في النقل والنصّ وهو الأقل.......".
أقول : فجعل الوجه الثابت بالنصّ والأداء في المرتبة الأولى وجعل الثابت بالأداء المجرّد عن النصّ في المرتبة الثانية إذ ليس له حلّ سوى ذلك لعدم احتواء جميع الأوجه الأدائية على نصّ إذ لو كان النصّ شرط صحّة لسقط الكثير من الأوجه. وهذا دليل آخر يدلّ على ارتكاز هذا العلم على النصّ بالدرجة الأولى ، خلافاً لما هو عليه أهل الأداء اليوم في الاعتماد على ما هو مقروء به بغضّ النظر عن ثبوته بالنصّ.

قال الإمام مكي القيسي في كتابه : تمكين المدّ في (آتى) و (آمن) و(آدم) وشبهه. وهو كلام يُكتب بماء الذهب ، قال عليه رحمة الله تعالى في ردّه على من منع تمكين المدّ في البدل لورش من طريق الأزرق : " لكنا نقول : إنّ المدّ قد نُقل قراءةً ونصاً في الكتب ، وتركُ المدّ نُقل قراءةً لا غير وليس عليه نصّ في كتاب أحد. والرواية إذا أتت بالنصّ في الكتب والقراءة ، كانت أقوى وأولى من رواية لم تُنقل في كتاب الله ولا صاحبها نصّ. وما نُقل بتلاوة ولم يُؤيّده نصّ كتاب ، فالوهم والغلط ممكن ممّن نقله ، إذ هو بشر. وإنّما تعلّق القرّاء بنصوص الكتب ، لأنّه عندهم أثبت في الحفظ ، لأنّ الحفظ يدخله الوهم والشكّ ، فليس رواية يصحبها النقل والنصّ في الكتب من تأليف المتقدّمين والمتأخرين ، مثل رواية لا يصحبها غير أن يقول ناقلها : كذلك قرأت ولا يدخل قوله بنصّ كتاب " انتهى كلامه ص36،37.
أقول : كلامه رحمه الله تعالى يدلّ على :

1 – ارتكاز هذا العلم على النصّ بالدرجة الأولي
2 – ثبوت الوجه بالنصّ والأداء أولى وأعلى مرتبة من الوجه الثابت بالأداء دون النصّ
3 – احتمال دخول الوهم والخطأ في الوجه الذي لم يصاحبه نصّ وثيق ، فيكون بذلك مفيداً للظنّ ولا يُخرجه من ذلك إلاّ إذا استفاض واشتهر وتلقاه أهل الأداء بالقبول فيصير من المقطوع به.
4 – ذمّ من يستدلّ بالتلقّي من غير نصّ كما قال " مثل رواية لا يصحبها غير أن يقول ناقلها : كذلك قرأت ولا يدخل قوله بنصّ كتاب ".

أقول : وللأسف فإنّ أكثر المشايخ الآن يستدلوّن بالتلقّى المجرّد عن النصّ مع كونه مذموماً عند الأئمّة ، فإن كان مذموماً فكيف بمن يخالف النصوص وإجماع أئمتنا على أساس ما تلقاه عن مشايخه ؟ والأدهى من ذلك أنّهم يصرّحون بهذا الشعار وهو " كل يقرأ بسنده ما دام شيخه قد أجازه على ذلك " ، أو قولهم : " الاعتبار الصحيح هو الاعتماد على ما هو مقروء به اليوم " ، فأين كلام الإمام مكي القيسي من هذا الشعار الذي يخالف أساليب ومناهج أئمتنا في نقلهم للقرءان الكريم. ولأجل ذلك وجب علينا وعلى من يتصدّر للإقراء أن يعيد النظر في منهجيّته وأن يسلك سبل أئمّتنا ليكون وافياً للمطلوب ومحققاً للمرغوب.

وقد ذمّ إمام الفنّ ابن مجاهد من يعتمد على المشافهة والسماع والحفظ من غير دراية بما يقرأ فقال رحمه الله تعالى في مقدّمة كتابه السبعة : " ومنهم من يُؤدّي ما سمعه ممن أخذ عنه ليس عنده إلاّ الأداء لما تعلّم ، لا يعرف الإعراب ولا غيره ، فذلك الحافظ فلا يلبث مثله أن ينسى إذا طال عهده فيُضيّع الإعراب لشدّة تشابهه وكثرة فتحه وضمّه وكسره في الآية الواحدة ، لأنّه لا يعتمد على علم بالعربية ولا بصر بالمعاني يرجع إليه ، وإنّما اعتماده على حفظه وسماعه ، وقد ينسى الحافظ فيضيع السماع وتشتبه عليه الحروف – أي وجوه القراءات – فيقرأ بلحن لا يعرفه ، وتدعوه الشبهة إلى أن يرويه عن غيره و يُبرّئ نفسه ، وعسى أن يكون عند الناس مصدّقاً فيُحمل ذلك عنه ، وقد نَسيَهُ وَوَهمَ فيه وجسر على لزومه والإصرار عليه. أو يكون قد قرأ على من نسيَ وضيّع الإعراب ودخلته الشبة فتوهّم ، فذلك لا يقلَّد القراءة ولا يُحتجّ بنقله " انتهى كلامه ( السبعة ص45،46).
أقول : كلام الإمام يدلّ على ذمّ من يعتمد على الأداء والسماع المجرّد عن العلم والدراية ، لأنّ إهمال النصوص وعدم إعمالها ينافي الدراية والعلم بالمقروء به. فالاعتماد على السماع والأداء المجرّد عن النصّ قد يؤدّي إلى النسيان والوهم والاضطراب لا سيما إذا اختلف المشايخ في أداء وجه ممن يجعل الطالب في حيرة فيختلط عليه الأمر وتشتبه عليه الأوجه فيقع في الخطأ ثمّ يٌقرئ غيره به وينسبه إلى غيره ، ويُبرّئ نفسه فيتغيّر الأداء هن جيل إلى جيل ويظنّ المتأخرون أنه من المقطوع به لثبوته عندهم بالأداء.

قال مكيّ القيسي في الرعاية " القرآء يتفاضلون في العلم بالتجويد : فمنهم من يعلمُه رواية وقياساً وتمييزاً فذلك الحاذق الفطن.
ومنهم من يعرفه سماعاً وتقليداً ، فذلك الوهن الضعيف. لا يلبثُ أن يشكّ ويدخله التحريف والتصحيف إذ لم يبن على أصل ولا نقل عن فهم. فنقل القرءان فطنة ودرايةً أحسن منه سماعاً وروايةً. فالرواية لها نقلها ، والدراية لها ضبطها وعلمها. فإذا اجتمع للمقرئ النقل والفطنة والدراية وجبت له الإمامة وصحّت عليه القراءة. ( الرعاية ص90). وقال أبو عمرو الداني :" وقرّاء القرءان متفاضلون في العلم بالتجويد والمعرفة بالتحقيق ، فمنهم من يعلم ذلك قياساً وتمييزاً ، وهو الحاذق النبيه ، ومنهم من يعلمُهُ سماعاً وتقليداً ، وهو الغبيّ الفهيه ، والعلم فطنةً ودرايةً آكد منه سماعاً وروايةً. وللدراية ضبطها وعلمها ، وللرواية نقلها وتعلّمها ، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم." التحديد ص67.
أقول : فقول مكي : " فنقل القرءان فطنة ودرايةً أحسن منه سماعاً وروايةً." وقول الداني : " والعلم فطنةً ودرايةً آكد منه سماعاً وروايةً " يدلّ على أفضلية العلم بالمقروء به من حيث النصّ والقياس على مجرّد التقليد والسماع والمشافهة ، ويدلّ أيضاً أنّ القراءة لا تنبني على السماع والمشافهة بل لا بدّ أن تنبني على أصل أو نقل عن فهم كما قال مكي القيسي " فذلك الوهن الضعيف. لا يلبثُ أن يشكّ ويدخله التحريف والتصحيف إذ لم يبن على أصل ولا نقل عن فهم " . أقول : فلا تناسب بين ما قاله أئمّتنا مع المنهجيّة الحديثة التي شعارها : الاعتبار بما هو مقروء به اليوم ، أو " كل يقرأ بسنده ما دام شيخه قد أجازه على ذلك " إذ المعنى من هذا الشعار هو التقليد المحض بغضّ النظر عن ثبوت الوجه نصاً أو صحّته عند الأئمّة ، وهذا ينافي الفطنة والدراية.
قال المرعشي رحمه الله " وتجويد القرءان قد يحصّله الطالب بمشافهة الشيخ الموجود بدون معرفة مسائل هذا العلم ، بل المشافهة هي العمدة في تحصيله ، لكنّ بذلك العلم يسهل الأخذ بالمشافهة ، ويزيد به المهارة ويُصانُ به المأخوذ عن طريان الشكّ والتحريف كما صرّح به في الرعاية.انتهى كلامه رحمه الله" جهد المقل ص110.


فالمتصدرون للإقراء على ثلاثة أصناف :

الأوّل : صنف مقلّد لما تلقاه عن مشايخه ، يعتقد صحّة ما قرأ وما يُقرئ به ويخطّئ غيره ممن قرءوا على مشايخهم مع أنّ الطرفين اعتمدا كلّ منهما على التلقّي من المشايخ. وهذا المنهج غير مستقيم لما سبق من أقوال الأئمّة في أولئك الذين يعتمدون على الأداء والسماع من غير أيّ أصل وثيق معتبر، إذ هو عين التقليد.

الثاني : صنف يُقرُّ بكلّ ما هو مقروء به اليوم ولو كان مخالف للنصوص المعتبرة وإجماعات الأئمّة ، وهم الذين يتبنّون الشعار : " كل يقرأ بسنده ما دام شيخه قد أجازه على ذلك " وكذلك الشعار " الاعتبار بما هو مقروء ومعمول به اليوم " وهذا الصنف أخطر لأنّه يقبل جميع ما يُقرأ به اليوم من غير أيّ تمييز ونتقيح وتحقيق وذلك يؤدّي إلى :

- الخروج عن منهج الأئمّة في إثبات القراءات والأوجه الأدائية

- الإقرار بما لم يثبت عن الأئمّة وفي المصادر المعتبرة

- الإقرار بما يخالف النصوص وإجماعات الأئمّة

- إحداث خلاف لم يثبت ولم يُنقل عن الأئمّة فيصير بذلك خلافاً معتبراً


الثالث : صنف جمع بين الرواية والدراية أي بين التلقي وبين نصوص المأثورة عند الأئمّة : وهو المنهج الصحيح الذي كان عليه أئمّتنا و سائر المحققين من المتأخرين كابن الجزريّ والأزميري والمتولي عليهم رحمة الله تعالى، وهو الاعتماد على الثابت بالنصّ والأداء بالدرجة الأولى ثمّ على الثابت بالأداء دون النصّ إذا كان مما اشتهر واستفاض عند الأئمّة ثمّ على القياس عند عدم النصّ وغموض الوجه في الأداء. وأهل هذا الصنف يُعرفون برجوعهم إلى النصوص إن تبيّن لهم خطأ ما قرءوا به على مشايخهم.


قد يتسائل البعض : ما السبب الذي جعل الأئمّة لا يرتكزون على التلقّي بالدرجة الأولي وما الذي جعل التلقّي يتغيّر من جيل إلى جيل :

الأسباب كثيرة من أهمّها :

أوّلاً : قلّة المهرة الضابطين الجامعين بين الرواية والدراية : فإنّ أكثر طلبة العلم يحضرون مجالس الإقراء وما يستفيدون من الشيخ إلا مجرّد التلقّي والقراءة من غير أي دراسة ومدارسة فيأخذ الإجازة والسند ثمّ ينصرف وما استفاد من الناحية العلمية إلاّ اليسير. وعند وصوله إلى بلدته يظنّ أنّه متأهّل للتدريس والإقراء فيتصدّر لذلك فتأتيه الجماهير للقراءة عليه يريدون الإجازة فيُجيزهم فيضطر إلى التدريس والخوض في المسائل فيُغلطُ نفسه وغيره ممن قرءوا عليه.

ثانياً : عدم التطابق بين قراءة التلميذ وقراءة الشيخ وسببه أنّ التلميذ لا يسمع من الشيخ قبل أن يقرأ كما كان يفعل سلف الأمّة ، إضافة إلى تفاوتهم في الهمّة والعلم والدليل على ذلك أنّك تجد تفاوتاً كبيراً بين التلاميذ الذين قرءوا على شيخ واحد. مثاله ما أخبرني به أحد أعلام هذا العصر أنّ الشيخ أبو الحسن الكردي والشيخ محمد سكر قرءا على شيخ واحد وهو الشيخ محمود فايز الدير عطاني رحمه الله تعالى في مجلس واحد فكان أحدهما يقرأ صفحة من المصحف على الشيخ والثاني يستمع ثمّ يقرأ الثاني نفس الصفحة والأوّل يستمع وهكذا حتّى ختما القرءان بالقراءات العشر ، فكان من المعقول أن تتطابق قراءة الشيخ الكردي مع قراءة الشيخ سكر ، إلاّ أنّ الواقع مناف لذلك حيث تمتاز قراءة أحدهما عن الأخرى في بعض الأمور ، ثمّ امتاز تلاميذ كلّ شيخ منهما على نحو امتياز الشيخين لذا يقال اليوم في دمشق : أنّ المدرسة الكردية يختلف أداءها قليلاً عن المدرسة السكرية وقد لاحظت ذلك عندما كنت في دمشق ، بل يمكنك بمجرّد سماع القراءة أدراك أيّ مدرسة ينتمي إليها القارئ. فانظر أخي العزيز إلى وجود اختلاف في أداء شيخين قرءا على شيخ واحد في مجلس واحد . أقول : إن وقع ذلك بين شيخين عُرفا بالبراعة في هذا الفنّ فما بلك بمن دونهما في المنزلة أو بمن انفرد بقراءته على شيخ إضافة إلى طول سلسلة الإسناد فلا شكّ أنّ نوعية المشافهة تتغيّر شيئاً فشيئاً إذا لم استُدركت بالنصوص والآثار ، وهذا ما فعله أئمّتنا عندما اشتكوا قلّة المهرة من أهل الأداء ممّا جعلهم يضطرون إلى التدوين ٍ وقد ذكر أبو عمر الداني (ت444 ) في وقته قلّة المهرة من أهل الأداء حيث قال في مقدمة كتابه التحديد " أمّا بعد فقد حداني ما رأيته من إهمال قرّاء عصرنا ومقرئي دهرنا تجويد التلاوة وتحقيق القراءة ......" التحديد ص66. وقال القرطبي (ت461) " ولمّا رأيت من قرأة هذا الزمان وكثيراً من منتهيهم قد أغفلوا اصطلاح ألفاظهم من شوائب اللحن الخفيّ وأهملوا تصفيتها من كَدَرِهِ وتخلّصها من دَرَنِهِ....." الموضح ص54. أقول : هذه أدلّة صريحة تدلّ على :

- أنّ مجرّد المشافهة من الشيخ لا يضمن سلامة الأداء
- ضرورة الاعتماد على المأثور في ضمان سلامة الأداء
- تقويم التلقي بالاعتماد على النصوص

ثالثاً : طول سلسلة الأداء : قال المرعشيّ عليه رحمة الله تعالى " ....لكن لما طالت سلسلة الأداء تخلل أشياء من التحريفات في أداء أكثر شيوخ الأداء ، والشيخ الماهر الجامع بين الرواية والدراية المتفطّن لدقائق الخلل في المخارج والصفات أعزّ من الكبريت الأحمر ، فوجب علينا أن لا نعتمد على أداء شيوخنا كلّ الاعتماد ، بل نتامّل فيما أودعه العلماء في كتبهم من بيان المسائل هذا الفنّ ، ونفيس ما سمعنا من الشيوخ على ما اودع في الكتب ، فما وافق فهو الحقّ ، وما خالفه فالحق ما في الكتب. انتهى كلامه " بيان جهد المقل ص 18 في هامش جهد المقل تحقيق أبوعاصم حسن بن عباس بن قطب طبعة مؤسسة قرطبة. أقول : إن وقع خلاف في الأداء بين شيخين قرآ على شيخ واحد فالخلاف في الأداء عبر القرون يتغيّر لا محال إن لم يعتمد أهل الأداء على النصوص والأصول. قد يقول القائل : قد لا يتغيّر الأداء إذا كان جميع رجال الإسناد مهرة. أقول : حتّى وإن كان جميعهم مهرة فإنّ الخلاف سيقع إذا لم يعتمدوا على النصوص والأصول ، خاصّة إذا أدخلوا الاجتهاد في القراءة كما في مسألة الفرجة في الميم الساكنة والإقلاب حيث انفرد بها العلامة الشيخ عامر رحمه الله وهو من هو فتغيّر الأداء مع وجود المهرة في الإسناد ، والقائلون بترقيق راء {ونذر} وهم تلامذة الشيخ الزيات رحمه الله وتعالى والشيخ الزيات ما قرأ وما أقرأهم بذلك مع كونهم مهرة في هذا الفنّ كذلك ، وكذا حرف الضاد الذي تغيّر مع مرّ الزمان وتناقله المهرة عبر القرون. لذا فالقضية ليست قضية وجود المهرة لأنّهم موجودون في كلّ زمان وإن كنوا قلّة ولله الحمد وإنّما العبرة في الاعتماد على النصّ اجتناباً للغلط والوهم ، لأنّ الاعتماد على السماع والتلقّي المجرّدة عن النصّ يجرّ صاحبه إلى الوقوع في الغلط كما قال الإمام مكيّ القيسي " وما نُقل بتلاوة ولم يُؤيّده نصّ كتاب ، فالوهم والغلط ممكن ممّن نقله ، إذ هو بشر " نفس مصدر السابق.

رابعاً : القراءة على الكفيف ، وقراءة الكفيف على الكفيف : نحن نعلم أنّ القراءة على الشيخ تكون بالتلقّي والمشافهة ، ومن تمام المشافهة أن ينظر الشيخ إلى التلميذ وهو يقرأ ، ومن المعلوم أنّ تحريك الشفة مثلاً يؤثّر في أداء الحرف فلو حرّك القارئ شفتين عند النطق بالراء الساكنة فإنّ الصوت يكون قريباً من الواو في نحو { الرحمن الرحيم } خلافاً إن أمسك عن تحريك شفتين وأعمل طرف اللسان إعمالاً تاماً لخرج صوت الراء صحيحاً خالصاً لا يشوبه شيء. هذه الأمور قد لا يتنبّه لها الكفيف.

خامساً : التساهل في الإقراء : إنّ التساهل في الإقراء موجود وللأسف ، فمن المشايخ من همّه نشر القراءات والأسانيد ولا يبالي من جهة الجودة والإتقان ، ومنهم من يستمع إلى قارئين أو أكثر في آن واحد ، ومنهم من يستمع ويتكلّم وقد ينام من التعب فترى القارئ يغتنم تلك الفترة ليسرع في القراءة ، والأمثلة كثيرة في ذلك أكفتي بما ذكرت.

فنخلص ممّا سبق ضرورة إعادة النظر في المنهجية التي يتبناّها معظم أهل الإقراء في هذا الزمان ، ويتمثّل ذلك في الاعتماد على نصوص أئمّتنا في إثبات صحّة الأوجه المقروء بها اليوم لا سيما المختلف فيه بينهم ، وللتفريق بين أهل العلم من المقرئين وبين المقلّدين منهم ، إضافة إلى إعطاء قيمة إضافية إلى ما هو مقروء به اليوم بالتحقيق وبتنقيح القراءة من كلّ ما يخالف نصوص أئمّتنا وما يخالف إجماعهم وما استفاض وانتشر عندهم ، وبذلك نجمع بين الرواية والدراية أي بين الإسناد وبين العلم بمقتضى أداء ما ثبت في الإسناد.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أم الحسين

أم الحسين

عدد الرسائل :
4090

تاريخ التسجيل :
18/03/2009


الخلاف عند علماء التجويد والقراءات Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخلاف عند علماء التجويد والقراءات   الخلاف عند علماء التجويد والقراءات I_icon_minitimeالثلاثاء 13 أبريل 2010 - 11:27

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد

من اطلع على كتاب النشر لابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى يدرك أنّ صاحبه متّبع لسلفه ولأئمّة الأداء المتقدّمين عليهم رحمة الله تعالى ، وقّافاً على أقوالهم لا سيما فيما أجمعوا عليه وتواترعندهم واستفاض وانتشر ، والقطع حاصل بجميع ذلك كما ذكر في كتابه منجد المقرئين ، وقد ألّف كتابه النشر على هذا الشرط وهو أن تثبت القراءة بالسند المتصل مع عدالة الرواة وشهرة القراءة. فاستبعد كلّ الأوجه التي خرجت عن هذا الشرط وهو ما انفرد به البعض وشذّ به عن الجماعة. فقام بعزو الأوجه المنقولة إلى مصادرها ورواتها وحصر تلك المصادر والطرق التي انحدرت ونشأت منها ، ثمّ قام بعملية التنقيح وغربلة ما تضمنته تلك المصادر بإخراج كلّ ما لم يوافق الشرط الذي ألزم به نفسه في كتابه النشر.

ومعظم المصادر التي اعتمد عليها هي المصادر الأولى التي دوّنت في القراءات وهي تبدأ من القرن الرابع إلى القرن السادس في الجملة. فالقرن الرابع هو عصر ابن مجاهد صاحب كتاب السبعة وابن غلبون صاحب الإرشاد وابنه صاحب التذكرة وغيرهم ، وفي القرن الخامس ظهرت أكثر المصادر إذ هو العصر الذي ازدهر فيه التدوين وبلغ ذروته ، وفي القرن السادس وما بعده نجد أنّ أكثر المؤلّفات تعتمد على كتب القرن الرابع والخامس ككتاب الإقناع الذي مصدره التيسير والتبصرة ، و الشاطبيّة التي مصدرها بالدرجة الأولى كتاب التيسير ، وكتاب الكنز لعبد المؤمن الواسطي وغير ذلك.


ولنضرب مثالاً في التنقيحات التي قام بها محقّق الفنّ : قول الشاطبيّ عليه رحمة الله تعالى {وبعضهم يؤاخذكم} أي بعض الرواة عن الأزرق رووا التمكين في {يؤاخذ} وما تصرّف منه. فقد اعترض محقّق الفنّ على هذا التمكين وبيّن أنّه مخالف للمتقدّمين قاطبة فأهمله واستبعده لخروجه عن الشرط الذي ألزم به نفسه مع أنّ الإمام الشاطبيّ قد قرأ به حيث ذكره في قصيدته ، وقصيدته من المصادر المعتبرة ، وصاحب القصيدة إمام وقطب زمانه وسنده صحيح لا شكّ فيه إلاّ أنّ الوجه الذي ذكره غير مشهور ومستفاض. فقول الشاطبيّ :{وبعضهم يؤاخذكم} غير معتبر مع أنّ قائله من الأئمّة المعتبرين ومنقول في مصدر من المصادر المعتبرة.

قد يقول القائل : كيف ببعض الأوجه التي لم تكن مشهورة ولا موجودة في الماضي انتشرت واستفاضت عند المتأخّرين ، فهلّ هذه الشهرة معتبرة ؟

الجواب : الشهرة المعتبرة هو ما اشتهر عند القدامى ونُقل في كتبهم وثبت رواية وأداءً عنهم ، فقد أهمل المحققون الأوجه التي ترتّبت عن الأربع الزهر مع أنّها اشتهرت عند القدامى وتلقّوها أداءً عن مشايخهم إلاّ أنّ هذه الشهرة نشأت عن أمر دخيل على الرواية وهو الاستحباب من بعض المشايخ. نستفيد من هذه الجزئية أنّ الوجه إذا انتشر من غير ثبوت الرواية فإنّها خاضّعة للنقد والاعتراض ، وسبب ذلك أنّ هذه الشهرة نشأت عن رأي واجتهاد وليس عن أثر ونقل ورواية وأنّها لم تشتهر من جيل إلى جيل بداية وإنّما هو اشتهار مُحدث لا سلف له. لأجل هذا أهمل المحققون هذه الأوجه وهذا الإهمال يردّ بشدّة على من جعل العبرة فيما اشتهر عند القراء في كلّ زمان دون النظر في ثبوته رواية أم لا.

قد يقول القائل ما المقصود بالرواية عند أهل الأداء ؟ الكثير من المحققين المعاصرين يعتبرون أنّ الرواية هو ما يُتلقّى من المشايخ بالإسناد ، وهذا غير صحيح لأنّ أوجه الأربع الزهر أخذت بالأداء عن المشايخ وهي ضعيفة من جهة الرواية وكذلك تمكين مدّ البدل في {يؤاخذ} قد قرأ به إمامنا الشاطبيّ مع أنّه لم يثبت رواية. وهذا يقال في الكثير من الأوجه التي ثبتت أداءً من غير رواية.

قد يقول القائل فما المراد بالرواية إذن : الذي يظهر والله أعلم أنّ الرواية هو أن يثبت الوجه بالنصّ والأداء مع الإسناد ، فلا يُعقل ثبوت النصّ من غير الأداء لأنّه إن وُجد فلأجل كونه قُرئ به فيكون ثابتاً من جهة الأداء بالضرورة. وقد يدخل في إطار الرواية : الأداء المجمع عليه أو المشهور الذي لم يثبت بالنصّ كما في إدغام {قال رجلان } و{قال رجل} فلا نصّ فيه ولكنّه ثابت بالأداء المجمع عليه لذا ألحقه الداني بإدغام {قال ربّ} قياساً ، وهذا يقال في إمالة {البارئ} بالنسبة ل{بارئكم} ، فقويَ الأداء بالقياس ليقوم القياس مقام النصّ. السؤال : لو كان الأداء المجمع عليه يدخل في إطار الرواية فلماذا قام أئمّتنا بتقوية الأداء بالقياس ؟ الذي يظهر لي أنّ الرواية إذا أطلقت يراد بها ثبوت الوجه بالنصّ والأداء ، أو بالأداء المشهور من غير نصّ وكلّ ذلك مع اتصال السند بدليل أنّ ابن الجزري اشترط اتصال السند بالعدول مع شهرة الوجه عبر الأجيال وذلك متحقّق في الأداء المشهور أو المجمع عليه الثابت بغير النصّ لاستحالة خطأ هذه الجماهير الناقلة. وممّا يدلّ على أنّ الرواية منوطة بوجود النصّ كذلك هو قول الشاطبيّ عليه رجمة الله تعالى : وبعضهم في الأربع الزهر بسملا........لهم دون نصّ. والأئمّة إنّما أهملوا هذه الأوجه لعدم ورودها رواية ، فالرواية متعلّقة بوجود النصّ ، وأمّا الأداء المشهور فإنّه يتقوّى بالقياس ليصير في مرتبة الأداء المنصوص عليه ليندرج تحت إطار الرواية. والعلم عند الله تعالى.

وعلى ما سبق يمكن أن نضع شروطاً للوجه الصحيح وهي :

أولاً : أن يكون ثابتاً بالرواية
ثانياً : أن يكون منقولاً في المصادر المعتبرة وهي في نظري التي نقلت القراءات من عهد التدوين أي من القرن الرابع إلى السادس على الأكثر لأنّ الكتب المتأخّرة على هذه الفترة هي بدورها ناقلة عن الكتب القديمة.
ثانياً : أن يكون المضمون مشهوراً من جيل إلى جيل وليس بشهرة محدثة لا سلف لها.

وأمّا القياس فيُعمل به عند عدم النصّ وغموض الوجه في الأداء مّما تدعو إلي الضرورة وتمسّ إليه الحاجة وهو وإن كان دخيلاً على الرواية إلاّ أنّه يُعمل به بحسب ما وصل إليه اجتهاد كلّ إمام فهو يفيد الظنّ وقابل للنقد والاعتراض.

وبهذه الشروط سيُقضى على كلّ دخيل على الرواية ، ونحقّق من خلال ذلك شعار أئمّتنا وهو : القراءة سنّة متّبعة ، فمن تمسّك بالرواية الأصيلة ونقّحها من كلّ دخيل عليها قد حقّق هذه المتابعة التي تفضي إلى قراءة القرءان قراءة صحيحة كما أرادها سلفنا الصالح ، ومن اتّبع كلّ ما يٌقرأ به اليوم من غير تنقيح وحرص على الأصيل من الرواية فقد خرج عن المتابعة. ولتحقيق هذه الغاية المجيدة قام المحقّقون في كلّ زمان وفي طليعتهم إمام الفنّ ابن الجزري بإهمال وتضعيف الدخيل على الرواية الصحيحة الأصيلة.

فالوجه الذي تحققت فيه تلك الشروط الثلاثة وجب الأخذ والعمل به إذ يفيد القطع واليقين ، وما عدا ذلك من اجتهادات واختيارات الأئمّة والمحققين فهو خاضع للنقد والاعتراض كتجويز ابن الجزريّ الترقيق في {يسر} وأخواتها ، واختياره الترقيق في {عين القطر} والتفخيم في {مصر} وغير ذلك. وإنّما أقوالهم يُستشهد ويُستأنس بها ولا يُستدلّ بها لأنّهم متّبعون ، والمتّبع لا يُستدلّ بقوله وإنّما يُستدلّ بالمصدر الذي اعتمد عليه أن كان معتبراً تحققت فيه الشروط.

أقول : فإن كان المحققون لا يعتدّون بأقوال الأئمّة القدامى إلاّ فيما ثبت بالرواية واشتهر واستفاض عندهم ، فكيف بالأقوال التي انفرد بها المتأخّرون بل والمعاصرون ؟ كيف يُستدلّ الآن بأقوال المتأخّرين والمعاصرين فيما يخالف المشهور من أقوال القدامى فضلاً عن المجمع عليه عندهم.

لذا فلازم على كلّ باحث في علم التجويد والقراءات أن يعرف ما يصلح للاستدلال به وما لا يصلح ، وأن يفرّق بين مقام الاستدلال ومقال الاستشهاد والاستئناس ، وإنّ كلّ ما يُنقل في الكتب خاضع للنقد والاعتراض إلاّ إذا ثبت الوجه بشروطه الثلاثة التي تكسب له القطعيّة في الدلالة.

الخلاصة :
نخالص مما سبق أنّه إذا ثبت الوجه بالشروط المذكروة وجب العمل به ، لأنّه ثابت بالرواية الصحيحة المشهورة التي اكتسبت له القطعيّة في الدلالة ممّا يجعلها لا تخضع للنقد والاعتراض، وما عدا ذلك ممّا أُدخلَ في الرواية من آراء واختيارات شخصيّة اجتهاديّة أو تحريرات وغير ذلك فإنّه يخضع للنقد والاعتراض مّما يجعله لا يُقطع بصّحة ولا يُعتبر بالأقوال المتضمّنة له إلاّ استئناساً واستشهاداً. فليس كلّ نصّ يصلح الاستدلال به مهما كانت درجة قائله في العلم ، وليس كلّ ما في المصادر مُعتبراً ، وليست كلّ المصادر معتبرة ، ليس كلّ مشهور معتبر.

هذا ما ظهر لي في المسألة وهو لا شكّ يحتاج إلى نظر واستدراك ومناقشة ، أسأل الله تعالى أن يفتح صدور مشايخنا للتفكّر والتعقّل في هذه القضيّة المهمّة وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

__________________
محمد يحيى شريف الجزائري
منقووووووووووول للامانة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

الخلاف عند علماء التجويد والقراءات

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» الخلاف عند علماء التجويد والقراءات . الشيخ محمد يحيى شريف-حفظه الله -
» منهاج القارئ في تعامله مع مسائل الخلاف في علم التجويد
» مجموعة زاخرة ورائعة من كتب التجويد والقراءات حملها على ملف وورد
» مصادرعلم التجويد والقراءات والمنهجية في التعامل معها . للدكتور محمد يحيى شريف الجزائري
» الأحرف السبعة والقراءات

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منــــتديات تبسة الإســـــلامية :: العــــــلوم الشرعيـــــة :: القرآن الكريم وعلومـــه-