الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله, وبعد:
إنّ الإضرابات بكافة أنواعها وأشكالها (كالإضراب عن العمل, وعن الطعام, وغيرها) تعدّ من الأساليب الغربية المستوردة إلى بلاد المسلمين.
ويراد بهذه الإضرابات غالباً: تصحيح: الوضع السياسي أو الاجتماعي أو المهني من السيئ إلى الحسن، أو من الحسن إلى الأحسن.
ولا يشك عاقل, فضلاً عن عالم أنّ هذه الإضرابات غير جائزة شرعاً, وإن أجازها القانون الوضعي, وإليك أخي الكريم بعضاً من براهين تحريم مثل هذه الأساليب:
أولاً: الإضرابات من نظم الديمقراطية.
التي تجعل السيادة المطلقة للشعب, فالديمقراطية نظام مخالف للإسلام؛ حيث يجعل سلطة التشريع للشعب، وعليه: فيكون الحكم فيه لغير الله تعالى، بل للشعب، ونوابه، والعبرة ليست بإجماعهم، بل بالأكثرية، ويصبح اتفاق الأغلبية قوانين ملزمة للأمة، ولو كانت مخالفة للفطرة، والدين، والعقل، ففي هذه النظم تم تشريع الإجهاض، وزواج المثليين، والفوائد الربوية، وإلغاء الأحكام الشرعية، وإباحة الزنا وشرب الخمر، بل بهذا النظام يحارب الإسلام ويحارب المتمسكين به.
ثانياً: الإضرابات فيها نشر للفوضى, وتعد على الحقوق.
يصاحب الإضرابات عادة ترك العمل ونشر الفوضى وتأييدها وإثارة الفتن والطعن في أعراض غير المشاركين فيها وغيرها مما ترفضه النصوص الشرعية.
وتتعطل بذلك كثيراً من مصالح الناس, ولوازم معاييشهم, كالتطبب, والتعلم, والنقل ونحوها من الأمور الأساسية.
وفي هذا ظلم وتعد على من لا ذنب له, والظلم لا يزال بظلم مثله.
ولأنّ هذا ما لا يرتضيه الشارع بناء على القاعدة الفقهية: درء المفاسد أولى من جلب المنافع.
ثالثاً: الإضرابات فيها مخالفة للمنهج الشرعي للمطالبة بالحقوق المسلوبة:
إنّ هذه الشريعة شريعة ربانية شاملة, فيها بيان كاف, ومنهج متكامل, لأكل ما له صلة بدين العباد ودنياهم.
ومن ذلك أنّ الله تعالى شرع لمن سلبت حقوقه, أن يلجأ لولاة الأمر أوّلاً, لاسترداد ما سلب من حقّه.
فإن لم يجد ذلك, فالعبد مخير بين أمرين:
1- إما الصبر على البلاء, وعلى الضيم.
لما صحَّ من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنّه قال: «دَعَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم فَبَايَعْنَاهُ فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، إِلاَّ أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ»(متفق عليه) وزاد أحمد: «وَإِنْ رَأَيْتَ أَنَّ لَكَ»(صححه الألباني في ظلال الجنّة).
قال الحافظ في الفتح: "أي: وإن اعتقدت أنّ لك في الأمر حقًّا، فلا تعمل بذلك الظن، بل اسمع وأطع إلى أن يصل إليك بغير خروج عن الطاعة"( فتح الباري لابن حجر: (13/10).)
2- وإما أن تترك العمل, وييسر الله رزقك, بأن تعمل في جهة أخرى.
رابعاً: إن الإضراب إخلال في عقد العمل.
بين العامل من جهة وصاحب العمل من جهة أخرى، ولقد دعى الله عز وجل في كتابه الكريم إلى الالتزام والوفاء بالعهود والمواثيق التي يقطعها الإنسان على نفسه تجاه الغير ، ولا بد أن يقوم العامل بجميع الأعمال الموكلة إليه على الوجه الذي يرضي الله تعالى مصداقاً لقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ).
ولكن يجوز الانقطاع عن العمل بسبب عدم دفع الأجور والرواتب، لأنّ رب العمل أخل بالعقد، فللعامل أن ينقطع عن العمل حتى يدفع له أجره.
وهل يجوز للمضرب عن العمل أخذ الأجرة عن الأيام التي لم يعمل فيها ؟
الجواب يتّضح مما تقدّم تقريره.
فإذا كانت وسيلة الإضراب وسيلة غير شرعية, لتحصيل الحقوق, وفيه إخلال بعقد العمل, كانت الأيام التي ينقطع فيها المضربون على العمل لا تستحق أجراً ولا مقابلاً.
وعليه لا يجوز بحال للمضرب أن يأخذ أجرة الأيام التي لم يعمل فيها, لأنّه من قبيل أخذ المال بغير حقّه.
أما الاحتجاج بأنّ الإضراب من قبيل المصالح المرسلة, فهو مردود:
لأنّ من شروط اعتبار المصالح المرسلة والاحتجاج بها:
أ ) أن لا تكون المصلحة مصادمة لنص أو إجماع.
والإضرابات مصادمة لجملة من النصوص الشرعية في تغيير المنكر كما تقدّم.
ب ) ألا تعارضها مصلحة أرجح منها أو مساوية لها، وإلا يستلزم من العمل بها مفسدة أرجح منها أو مساوية لها .
وقد تقدّم أن الإضرابات فيها مفاسد عظيمة, وتعد على حقوق الغير.
ج ) أن تكون مصلحة حقيقية وليست مصلحة وهمية أي أن يتحقق من أن تشريع الحكم في الواقعة يجلب نفعا أو دفع ضررا.
والمشاهد أنّ غالب الإضرابات لا تجلب المنافع المرجوة, ولا تدفع الأضرار الواقعة.
والله تعالى أعلم.
كتبه وحرّره: أبو يزيد المدني
الرئيسية 
الخميس 29 ديسمبر 2022 - 11:57
موضوع: سؤال عاجل... 
الثلاثاء 16 مارس 2010 - 23:45
