الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد:
أوّلا: لا تخرج الكفّارة نقودا:
هذا هو مذهب جمهور العلماء، خلافا لأبي حنيفة الّذي يجيز إخراج القيمة.
وإنّما كان الصّواب هو مذهب الجمهور، للنّص أوّلا، ولشيء من النّظر ثانيا، لأنّ من قال بإخراج الكفّارة نقودا، فبأيّ قيمة يكون ذلك ؟ أبقيمة الطّعام الّذي هو أدنى من قيمة العتق بكثير، أم بماذا ؟
وها هي نقول عن أئمّة المذاهب:
* قال الشّافعيّ رحمه الله في " الأمّ " (7/91):" وما أرى أن يَجزيَهم دراهم وإن كان أكثر من ثمن قيمة الطّعام ".
* وقال ابن قدامة في " المغني " (11/256) متحدّثا عن كفّارة اليمين: " هذا ظاهر في عين الطعام والكسوة، فلا يحصل التكفير بغيره لأنه لم يؤد الواجب إذا لم يؤد ما أمره الله بأدائه، ولأنّه لو
أريدت القيمة لم يكن للتخيير معنى ؛ لأن قيمة الطعام إن ساوت قيمة الكسوة ، فهما شيء واحد ، فكيف يخير بينهما ؟ ".
* وفي " المدوّنة " (2/40) قال سحنون:" ولا يُجزئ أن يُعطِي العُروض، قال: وإن كان مثل ثمنه ؟ قال: نعم لا يُجزئ عند مالك ". وفي (2/47):" قلت: أرأيت إن أُعطِي المساكين قيمة الثّياب،
أيجزئ أم لا ؟ قال: لا يُجزئ عند مالك ".
* وقال ابن حزم في " المحلّى " (8/69): " ولا يجزيه بدل ما ذكرنا صدقةٌُ ولا هدي، ولا قيمة، ولا شيء سواه أصلا، لأنّ الله تعالى لم يُوجِب غير ما ذكرنا، فمن أوجب في ذلك قيمة فقد تعدّى حدود
الله، ومن يتعدّ حدود الله فقد ظلم نفسه، وقد شرع من الدّين ما لم يأذن به الله تعالى:]وَمَا كَانَ رَبًُّكَ نَسِيّاً[ " اهـ.
ثانيا: الكفّارة تخرج من أوسط ما يأكل المكلّف.
تقدير الطّعام في الكفّارة راجع إلى العرف في أصحّ قولي العلماء، وهو مذهب الإمام مالك، وابن حزم، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فقد قال – كما في " مجموع الفتاوى " (35/349)-:
" والمنقول عن الصّحابة والتّابعين هذا القول، ولهذا كانوا يقولون: الأوسط خبز ولبن، وخبز وسمن، وخبز وتمر، والأعلى خبز ولحم، وقد بسطنا الآثار عليهم في غير هذا الموضع، وبيّنّا أنّ هذا القول
هو الصّواب الّذي يدلّ عليه الكتاب والسنّة والاعتبار .. " اهـ، وقال في (35/353):" .. والمختار أن يرجع في ذلك إلى عرف النّاس وعادتهم، فقد يُجزئ في بلد ما أوجبه أبو حنيفة، وفي بلد ما
أوجبه أحمد، وبلدٍ آخر ما بين هذا وهذا على حسب عادته عملا بفوله تعالى:]مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ[ " اهـ.
ثالثا: كيف نُخرج الكفّارة ؟
- أحسن الطّرق الّتي لا إشكال فيها عند أحدٍ من أهل العلم: أن يجمع ستّين مسكينا فيُطعمهم، أو يُوصِي صاحب مطعم فيُطعم ستّين مسكينا على حسابه.
- وله أن يطعم ثلاثين مسكينا مرّتين، أو يطعِم عشرة مساكين ستّ مرّات وهكذا، وهو الصّحيح من أقوال أهل العلم. لأنّه من العسير أن يجد عشرة مساكين.
- وله أن يوزّع طعام السّتين مسكينا على أسرة واحدة، أو أسرتين، أو ثلاث، حسب الحال، والدّليل على جواز ذلك: القياس على كفّارة من جامع أهله في نهار رمضان، فقد جاء في الصّحيحين عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم فَقَالَ: إِنَّ الْأَخِرَ- يعني نفسه- وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي رَمَضَانَ ؟ فَقَالَ: (( أَتَجِدُ مَا تُحَرِّرُ رَقَبَةً ؟ )) قَالَ: لَا، قَالَ: (( فَتَسْتَطِيعُ أَنْ
تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ؟)) قَالَ: لَا، قَالَ: (( أَفَتَجِدُ مَا تُطْعِمُ بِهِ سِتِّينَ مِسْكِينًا ؟)) قَالَ: لَا، فَأُتِيَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ-وَهُوَ الزَّبِيلُ- قَالَ: (( أَطْعِمْ هَذَا عَنْكَ )) قَالَ: عَلَى أَحْوَجَ مِنَّا
؟! مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ مِنَّا، قَالَ: (( فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ )).
ووجه الدّلالة أنّه يبعُد جدّا أن يكون أهله ستّين مسكينا، فدلّ على جواز إعطاء الكفّارة لأسرة واحدة عددها أقلّ من ستّين، المهمّ أن يكون الطّعام مقدار ستّين.
- وإذا لم يتمكّن من عليه الكفّارة من إخراجها على النّحو المذكور آنفا، فله أن يضرب ثمن الوجبة الواحدة في ستّين، ويشتري بالقيمة طـعـامـا ( حبوبا متنوّعة ) يوزّعها على أسرة أو أسرتين أو ثلاث
بحسب معرفته.
والله أعلم وأعزّ وأكرم.
الرئيسية 
الخميس 29 ديسمبر 2022 - 11:57
موضوع: سؤال مستعجل خاص بكفارة إطعام الستين مسكيناً 
الخميس 11 فبراير 2010 - 11:22
