في حديث : - أول ما خلق الله القلم .......- هل هذا يعني أن أول مخلوق هو القلم أم أن هناك مخلوقات قبله ، علما أن صفة الخلق دائمة فلا نقول أن الله عز وجل قبل القلم لم يكن خالقا ، لأننا لو قلنا لاتوجد مخلوقات قبل القلم ، نكون قد عطلنا صفة الخلق .....أريد جوابا من كلام أهل العلم وبارك الله فيكم .

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد:

فإنّ سؤالك – أخي الكريم – ذو شِقّين:

الأوّل: هل القلم هو أوّل المخلوقات ؟

الجواب: فقد تعرّض العلماء إلى مسألة أوّل المخلوقات، واستدلّ كلّ فريق بجملة من النّصوص تؤيّد ما ذهب إليه:

1- فمنهم من قال: إنّ أوّل المخلوقات هو القلم: لما رواه التّرمذي عن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ: (( إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ، فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ، فَجَرَى بِمَا

هُوَ كَائِنٌ إِلَى الْأَبَدِ )).

2-والجمهور على أنّ أوّل المخلوقات: العرش، بدليل ما رواه مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ: (( كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ

قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ )).

فيحمل قوله صلّى الله عليه وسلّم: (إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ) أي: بعد العرش.

الحاصل: أنّه لا بدّ من القول بأنّ ثمّة شيئا هو أوّل ما خلقه الله تعالى، وسنبيّن ذلك في الإجابة عن الشّطر الثّاني من السّؤال.

وهناك طائفتان أصيبت بداء الغلوّ، فخرجت عن الحقّ، ووقعت في الضّلال المبين:

1-الطّائفة الأولى: الصّوفيّة، الذين غلوا في تعظيم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتّى خرجوا عمّا تقتضيه محبّة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقالوا أوّل المخلوقات هو محمّد صلّى الله عليه وسلّم، ويأتون

على ذلك بأحاديث موضوعة، ومكذوبة، كقولهم: (أوّل ما خلق الله نور نبيّك يا جابر)..و(لولاك لولاك ما خلقت الأفلاك).

2-الطّائفة الثّانية: طائفة عظّمت العقل، فنشروا في النّاس أحاديث في فضل العقل لا يصحّ منها شيء كقولهم: (أوّل ما خلق الله العقل فقال له: أقبل فأقبل، فقال: بك أعطي وبك أمنع).


أمّا الشّطر الثّاني: فهل ذلك يعنِي أنّ الله لم يتّصف بالخلق حتّى خلق المخلوقات ؟

فالجواب: فاعلم أنّ مثل هذه المسائل إنّما خاض فيها علماء الكلام والفلاسفة قديما، وهي ما يُعرف لديهم بالقول بـ (الحوادث الّتي لا أوّل لها) ..

والخوض فيها خوضٌ فيما لم يدلّ على استحسانه دليل شرعيّ، فالأولى أن لا يتكلّم المسلم في ذلك، لأنّ الله لم يأمرنا بذلك ولا رسوله صلّى الله عليه وسلّم، ولا تكلّم فيها أصحابه ومن تبعهم بإحسان.

أمّا كلام شيخ الإسلام في ذلك، فإنّما تكلّم فيها ليردّ شبه الفلاسفة القائلين بقدم العالم كما هو معروف.

والحاصل:

أنّنا نجزم بأنّ الله يتّصف بصفة الخلق قبل خلق المخلوقات، فالخلق صفة ذاتيّة، تثبت له تعالى وإن لم يخلق شيئا.

فإذا خلق الخلق كانت صفة الخلق صفة فعليّة، فهي صفة ذات من جهة، وصفة فعل من جهة أخرى، مثلها مثل صفة الكلام، والسّمع، والبصر، والحبّ، والبغض، وغيرها.

قال الإمام الطّحاوي رحمه الله في " عقيدته ":

" وكما كان بصفاته أزليا، كذلك لا يزال عليها أبديا، ليس بعد خلق الخلق استفاد اسم ( الخالق ) ولا بإحداثه البرية استفاد اسم ( الباري ) ".

وقد نقل الشّارح ابن أبي العزّ الحنفيّ كلام ابن تيمية في هذه المسألة، فارجع إليه.

والله أعلم، وأعزّ وأكرم.