بسم الله والحمد لله
أبى وأمى .. فاقا الشجرة
أبى وأمى .. فاقا الشجرة 17526896d5266ee3facbe74247306ea695c8ccd6

منذ زمن ..كان هناك شجرة عظيمة ، مليئة بالخيرات ، و كان هناك طفل صغير نشأ فى ظلها ينعم بدفئها ويلعب ويفرح حولها ، ويتغذى من ثمارها .
كان قلبه معلقا بتلك الشجرة وكانت الشجرة تحنو عليه وتحبه
مضى الزمن وكبر الطفل وصار لا يلعب حول الشجرة
في يوم من الأيام رجع هذا الصبي وكان حزينا ، فقالت له الشجرة: تعال والعب معي!
فأجابها الولد: لم أعد صغيرا لألعب حولك... أنا أريد بعض اللعب وأحتاج بعض النقود لشرائها... فأجابته الشجرة: لا يوجد معي نقود ولكن يمكنك أن تتسلق إلى فروعى وتاخذ من ثمارى كل ما تحتاجه ثم تبيعه لتحصل على النقود .
فرح الولد وذهب يقضى حاجته ولم يعد . حزنت الشجرة لغيابه مضى الزمن
وعاد الولد وقد صار شابا يافعا ففرحت الشجرة لعودته وقالت له: تعال والعب معي.
أجابها: أنا لم أعد طفلا لألعب حولك مرة أخرى، أنا الآن أبحث عن الاستقرار وأن يكون لى بيت وزوجة وعائلة وأريد ان أبنى بيتا.
قالت: ليس عندي لك بيت ولكن يمكنك أن تأخذ فروعى تبني لك بها بيتا.
فرح الشاب وتسلق الشجرة ليجردها من فروعها وزينتها وكانت الشجرة سعيدة بسعادته وترجو له كل خير وهناء .
مضى الزمن ولم يعد الشاب للشجرة فحزنت عليه ثم عاد إليها وقد صار رجلا مسؤولا ،
ففرحت وقالت له: تعال والعب معي... فقال لها :أنا الآن صرت رجلا مسؤولا عن بيت وأسرة وأريد أن أوسع لهم فى معيشتهم وأركب البحر وأسافر طلبا للرزق.
قالت الشجرة: خذ جزعى وابن مركبا، ودعت له بدموعها بالبركة وسعة الرزق .
فسارع الرجل فرحا بقطع جزع الشجرة وصنع مركبا وأبحر بعيدا.
وبعد غياب طويل عاد الرجل ، عاد وقد صار عجوزا ، رحبت به الشجرة
وقالت له وهي تبكي: يا بني الحبيب لم يعد عندي أي شئ أعطيه لك، ذهبت ثمارى وفروعى وجذعى كل ما لدي الآن هو جذور ميتة.
قال لها: بعد هذه السنين أنا متعب ،كل ما أحتاجه الآن هو مكان لأستريح به
قالت له:يا بنى هنا نشأت بين جذورى ولن تجد مكانا أروح لك منه تعال واجلس معي .
ففعل الرجل وكانت الشجرة سعيدة به والدموع تملأ بقاياها
هل عرفت من هذه الشجرة ؟
أبى وأمى .. فاقا الشجرة 33
إنها ... والداك.. إنها ..أبوك وأمك
هكذا والداك يندفاع بالفطرة إلى رعايتك ، يضحيان بكل شيء من أجلك حتى لو حياتهما حتى لو سعادتهما بوقتهما ،بصحتهما ، بشبابهما ، كل شىء المهم تعيش أنت وتسعد وتهنأ.
كالنبتة الخضراء حينما تَمتَصُّ كلِّ غِذاء في الحبة فإذا هي فتات!
أبوك وأمك فاقا تلك الشجرة فى التضحية وهكذا أنت قد مَصَصْت كل رحيق وكل عافية وكل جهد وكل اهتمام من والديك،
فإذا هما شيخوخة فانية.

وهما مع ذلك سعيدان بك منذ وُلدتَ حتى تستقل، وكل ما يأتي به الأب ويحمله إلى البيت فنصيبك نصيب الأسد منه إن لم يكن كله لك.
إنه حريص على ما يلائمك ولو كان غير محبوب لديه، انتصبَ لتربيتك وجَلْبِ ما ينفعُك، ودفع ما يضُّرك، هُّمه رضاك، إن رآك حزينًا أو باكيًا لم يترك سبيلاً لصرف ما يحزنك ويبكيك لتطيبَ نفسك وتقَرَّ عينك، لا يستكره بولك، ولا تتقزز نفسه أو تنفر من إماطة الأذى والمكروه عنك..
إن أنت غبتَ عن عينه لم يَغِبْ خيالُك عن قلبه.. وإن لم يسمع صوتَك جهرَ بذكرك.. لو تأخرت على غير عادتك قَلِق وحَزَن.. لقد أجْبَنْتَهُ وأبْخَلْتَهُ.. إنه رجل شجاع قبل أن تخلق، وكريمٌ لمَّا كان بدون كنية.. فلما جئتَ جبن خوفًا عليك، وبَخِل توفيرًا لك، ولئن كان شعورك يتطلع دائمًا إلى المستقبل ويتدفق حيوية وطموحًا نحو الجديد من سيارة وزوجة وذريَّة و..، وتجد دافعًا قويًا إلى ذلك بعامل الفطرة.
إن الإسلام لم يوص الوالدين بالأولاد بمثل ما أوصى الأولاد بالوالدين؛ لأن ذلك أمر مركوز في فطرة الإنسان، ولذا كان التأكيدُ على تذكر الإنسان بنشأته وفضلِ والديه عليه أمرًا لابد منه، حتى يكونَ على صلة وذكْرٍ لمن أفنيَا حياتهما سهرًا عليه ورعاية له، وأسدَيَا إليه من المعروف رحيق حياتهما، وآثَرَاه على نفسيهما.